رأى

مواجهة تحديات استدامة تنمية القطاع الزراعي

مقال الدكتورة «شكرية المراكشي» رئيس شركة مصر تونس للتنمية الزراعية

يمثل القطاع الزراعي ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني وذلك من خلال مساهمته الفعالة في تحقيق الأمن الغذائي باعتباره النشاط الرئيسي في العديد من المناطق بالبلاد. كما يعتبر الأمن الغذائي مسالة حساسة واستراتيجية، إذ لا يمكن الحديث عن خطة جدية للتنمية الاقتصادية دون الأخذ بالاعتبار دفع القطاع الزراعي وتطويره وفق مخططات علمية تضمن الاستغلال الفعال للإمكانيات الوطنية وتحقق استقلالية الشعوب والاكتفاء الذاتي وتجنب الدولة الارتهان إلى هيئات النقد الدولية لتغطية العجز الغذائي.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

لكن هذا القطاع كما هو الحال بالنسبة لمجمل اقتصاد بعض الدول النامية، يعاني العديد من المشاكل والصعوبات التي ما فتئت تتراكم منذ عقود طويلة باعتباره قطاعا استراتيجيا وحيويا، ليس في الدول النامية فقط، بل في العالم ككل، إذ أن أهم معركة اليوم هي معركة الأمن الغذائي وتأمين قوت الشعوب بعد أن أثبتت عديد التجارب أن الاستقرار الاجتماعي والسياسي مرتبط دائما بالاستقرار والنمو الاقتصادي.

بالنسبة لنا كدول نامية، فإن الزراعة هي أحد القطاعات الحيوية في النسيج الاقتصادي الوطني على صعيد القدرة التشغيلية والمساهمة في الناتج المحلي الخام وامتداد هذا النشاط في مختلف مناطق البلاد مما ينعكس على التنمية.

اقرأ المزيد: القطاع الزراعي ودوره في التنمية الاقتصادية

لا يمكن نكران وجود آفاق كبيرة للتكنولوجيا ولتكنولوجيا الأحياء في أن تؤثر وتفيد في مجالات الزراعة إذ تعرض التقنيات الحديثة لتكنولوجيا الأحياء إمكانية تحريك أي جينات مستنسخة من أي كائن حي إلى أي كائن حي آخر ومنح دقة وسرعة أكبر في تحقيق النتائج بالمقارنة مع التقنيات التقليدية.

الالتقاء مع التقنيات التقليدية، تتعهد تكنولوجيا الأحياء الحديثة بإنتاجية متزايدة ومستدامة، ومعالجة فعالة لتنويع المنتجات المطورة واستخدامها، وتكييف جودة المنتج حسب المتطلبات الوظيفية، وتقليل الاعتماد على المواد الكيماوية الزراعية وغيرها من المدخلات الخارجية.

كما يمكنها أن تروج لحوار أفضل واستخدام الموارد الوراثية وإدارة بيئية لطيفة للموارد الطبيعية. وعلى أي حال فإن عدد المنتجات القابلة للتسويق وتأثيرها على مستوى المزرعة، ما يزال محدودا على ما يبدو، ولكنه قد يزداد في السنوات القادمة.

أيضا تطرح تكنولوجيا الأحياء تحديات معينة، وهي محددة بشكل كبير بكيفية ومكان وزمان إيجاد التطبيق. وعموما فإن الأبحاث التي أنجزت بسرعة، قد مولت بتحكم من استثمارات القطاع الخاص واستخدام حقوق الملكية الفكرية.

في الدول الصناعية ينظر إليها كبرهان على أن تكنولوجيا الأحياء سوف تقود إلى التنافسية والمزايا التفصيلية في العديد من المجالات بما فيها الزراعة والأغذية.

تكنولوجيا الأحياء إذن، مع إمكانياتها الواسعة وتحدياتها، هي أكثر أهمية لتطوير الزراعة. وعلى أي حال، فإن تطبيق أدوات تكنولوجيا الأحياء في عملية التطوير يتطلب شروطا مسبقة يصعب تواجدها في معظم الدول النامية، ولذلك فإن الهم الأكبر لدولنا هو تطوير المزيد من القدرات والمهارات في هذا المجال.

اقرأ المزيد: الاقتصاد المائي الأخضر من أجل التنمية الزراعية

لقد أصبحت المعرفة والمعلومات بشكل متزايد العامل الأساسي للإنتاج والتبادل، وهذا لديه دلالات هامة بالنسبة للدول النامية. فالابتكارات متعددة جداً وجذرية حتى أنها تؤثر بعمق في التنافس والمنظمات الاجتماعية والمؤسسات والمواد وحتى الحياة بحد ذاتها.

التغيرات السريعة في التقنية  اليوم تعتبر تطورات مفاجئة في المعلوماتية والاتصالات، والتي يدعمها التقدم في أدوات البحث العلمي وتقنين المعرفة. وقد تضاعفت تكلفة الأداء بالنسبة للوحدة في معالجة المعلومات الإلكترونية وذلك كل سنتين لثلاث سنوات منذ بداية ثورة الكمبيوتر.

ففي مجالات العلوم، تسمح القدرة المتزايدة على قياس وتحليل وتشكيل عمليات العيش بفتح احتمالات جديدة للزراعة. النتيجة الأكثر فورية لهذه التطورات هي زيادة سرعة الإنتاج وتطوير المنتج. وهذا بدوره يقود إلى ثورة في مزاولات العمل.

اقرأ المزيد: شكراً.. علماء مركز البحوث الزراعية

يعتبر الوقت والسرعة الآن أساسيان للنجاح التنافسي وتزويد المزايا للمنتجين مع الوصول الأفضل إلى الأسواق، وإضافة إلى ذلك، فقد أدى التدني السريع والمستمر لتكاليف نقل المعلومات والسلع بسبب التقدم في علم الاتصالات واستخدام المعلوماتية، أدى إلى انعدام أهمية متزايدة للحدود الجغرافية وحتى للوقت، موحدا الاقتصاد القومي في عالم اقتصادي سريع الحركة ذي انتاجية عالية.

إن قدرة دولنا النامية على امتصاص التقنيات الجديدة هي الآن أكبر مما كانت عليه سابقا وذلك بسبب الارتفاع المستمر في المستويات التعليمية بالمقارنة مع بعض دول  اخرى، كما بالنسبة للجيل الأكثر شبابا وأكثر تكيفا فإن لدى شعوبنا مستوى أعلى في التعليم وهذا أمر حقيقي واضح، بقدر ما تتوافر وحدات واسعة من المهارات الزراعية.

تعتبر مصر  وتونس والمغرب أكثر اندماجا من ذي قبل في العلوم المتقدمة وأنظمة التعليم الهندسي والدول الأكثر ديناميكية في التكنولوجيا. أضف إلى ذلك، فهناك تطورات مستمرة في الإنتاج والتصميم والتي اكتسبت عبر خبرة مطولة في العمل مع ولصالح أسواق التصدير والخبرات متعددة الجنسيات.

اقرأ المزيد: هموم القطاع الزراعي بمصر وكيفية التعاطي معها

لقد حققت دولنا  تقدما بارزا خلال السنين الماضية في تقديم التعليم والعناية الطبية والمياه والبنية التحتية العامة. ومن ناحية ثانية، يوجد مقابل مؤشرات التقدم هذه دليل معاناة من ضعف الخدمات، وعدم استيعاب المزارعين التقليديين من الاندماج وفهم هذه التقنيات الحديثة التي تؤدي إلى ترويج التطوير والتطبيق للتقنيات التي تحسن الإنتاجية وتقلل من المخاطر وتزيد من الاستخدامات المستدامة بيئيا،

بالنسبة للمحاصيل التي تستلزم مناطق تحتاج إلى الري في أي مكان صالح اقتصاديا ومستدام، وتحسين إدارة موارد المياه، وتربية واستخدام الأصناف عالية ومستدامة الإنتاج، إضافة إلى الاستخدام الأمثل للأسمدة.

أما بالنسبة للمواشي فتستلزم التكامل مع إنتاج المحاصيل، والاستخدام الأفضل للمراعي الطبيعية، ومحاصيل العلف والإنتاج، وإدارة تربية متطورة ومقاييس للصحة الحيوانية. ومع ذلك، ما يزال هناك حاجة للانتباه وذلك من خلال المزيد من التدريب والبرامج المطولة في هذه المجالات وعبر تعزيز وتوسيع تسهيلات تخزين الطعام في مرحلة ما بعد الحصاد إضافة إلى خدمات التوثيق.

إن التحسينات في الاتصالات والمعلوماتية تقوم بعولمة سوق العمل وتسمح للعمال من الدول النامية بتصدير مدخلات الخدمات لعمليات الإنتاج في أسواق الدول المتقدمة. في وقت يرهق فيه العدد المتزايد من السكان الموارد العامة المحدودة والخدمات الموجودة، وقد يهدد بعكس المكاسب الى الاسوا.

اقرأ المزيد: مدير صندوق الموازنة الزراعية يكشف أوجه دعم المزارعين لتنمية القطاع الزراعي

انفتاح القطاع الزراعي على السوق الأوروبية

السؤال الذي يطرح نفسه، هل يعتبر انفتاح القطاع الزراعي على السوق الأوروبية نعمة؟

إن اتفاق التبادل الحر يمكن أن ييسر تدفق الصادرات الى الاتحاد الذي يضم 27 دولة بشكل أسهل. لكن ما هو المقابل؟ قد يخلق هذا الاتفاق عديد المشاكل بالنسبة للقطاع الزراعي. أولها يتعلق بالمنافسة غير النزيهة. إذ أن القطاع الزراعي الأوروبي مدعوم بشدة عبر “السياسة الزراعية المشتركة الأوروبية” (Politique agricole commune, PAC) التي يعد من بين أهدافها تحقيق السيادة والأمن الغذائي للاتحاد الأوروبي. لذلك فإن الأوروبيين هم أكثر قدرة على الصمود أمام تقلبات أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية مقارنة بالمنتجين المحليين الصغار.

رغم أن دولنا النامية قد حققت تقدما في إصلاح اقتصادها وخلق بيئة أكثر صلاحا للنمو الاقتصادي والاجتماعي، إلا أنها ما تزال تواجه عدة تحديات لتحقيق أهداف في التنمية الريفية المستدامة وما تزال تواجه الحاجة إلى قدرة مؤسسية وتقنية مناسبة للاستجابة إلى متطلبات صياغة وتحليل وتكييف ومراقبة سياسات التنمية الريفية ضمن سياق البيئة الدولية والمحلية المتغيرة. وعلى أي حال تختلف هذه الاحتياجات من دولة لأخرى تبعاً لظروفها الخاصة وتاريخها الحديث.

العلاج الأقوى للمحاسبة الضعيفة هو إعطاء المواطنين صوتا أقوى يمكن أن يساعد على ضمان أن يعطي المسئولون الحكوميون اهتماما لجودة وتغطية الخدمات الحكومية وأن تستجيب وكالات الخدمات إلى متطلبات المواطنين.

يمكنها أن تركز على المقاييس التوصيلية والأعمال التسهيلية مثل الخدمات الاجتماعية – الاقتصادية، والبنية التحتية وتطوير الموارد البشرية، وهو مطلوب لتحفيز وإرشاد النشاطات الاقتصادية الذاتية التلقائية نحو الاتجاه الصحيح. وتتبع  كل الدول النامية هذا المنهج على درجات وسرعات وتسلسل مختلفين. إذ يتوقع من القطاع الخاص المدعوم من المنظمات غير الحكومية أن يلعب دورا كبيرا في عملية التطور هذه.

على منظمات المجتمع المدني أن تكون في مقدمة أية جهود وذلك لتقوية صوت المواطن وتمكينه. وتعد هذه خطوة أولى مهمة لجعل صانعي السياسة أكثر مسؤولية عن تقديم الخدمات.

اقرأ المزيد: التكنولوجيا الحيوية في الزراعات المستدامة

من أولى هذه الخدمات هو تجنيد المواطنين في هيئات المراقبة وحتى في هيئات الإدارة التي تقدم خدمات عامة، حيث أنهم في موقف أفضل للحكم على الجودة والفعالية.

اعداد حزمة من برامج إدارة المخاطر الشاملة لمساعدة المنتجين في إدارة مخاطرهم بشكل فعال، وعلى أي حال، لا يمكن النظر في استراتيجيات إدارة المخاطر هذه بشكل منعزل. على سبيل المثال هناك استراتيجيات خاصة بديلة لإدارة المخاطر يمكن للمنتج أن ينفذها مثل تقديم العقود والخيارات، وهي غير متوفرة للمزارعين في كل دولنا النامية والتي تحد من التقلب في دخل المزارع.

تهدف هذه البرامج إلى التقليل من تأثير الانخفاض غير المتوقع في الدخل الناجم عن تقلب سعر المحصول، وارتفاع كلفة المدخلات والخسائر المادية في إنتاج السلع. قد تتضمن حزمة شبكة السلامة هذه حساب تثبيت الدخل الصافي والتأمين على المحصول – برنامج تأمين على عائدات السوق – برامج إدارة مخاطر بتوجيه ذاتي – برامج بحث وتطوير – وتعويض أضرار الأحياء البرية.

إذ أن المزارعين غير قادرين على زيادة إنتاجهم بسرعة ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الافتقار إلى الخيارات التقنية وإلى التشديد الذي يواجهونه في الحصول على مدخلات حديثة. وإضافة إلى ذلك قد يكون لارتفاع أسعار المدخلات آثارا سلبية على الإنتاج.

رغم ذلك، فإن إصلاحات سياسة الاقتصاد الكلي مع مصاعبها الملازمة قصيرة الأمد، قد تؤدي على المدى الطويل إلى نظام اجتماعي اقتصادي صحي إذا ما طبقت بشكل صحيح. إن التخفيف من المحددات غير السعرية مثل البنية التحتية الريفية المحدودة، والائتمان غير المناسب والافتقار للوصول إلى الأسواق، هي أيضاً أساسية لإحداث زيادات هامة على الإنتاج.

على الرغم من ندرة الموارد الأرضية والمائية والتحديات المؤسسية والسياسة المتواجدة، إلا أن العديد من الدول النامية لديها عدد من السقوف التفضيلية التي تحتاج إلى معالجة بشكل أفضل في تأسيس التنافسية وتحسين الجهود لمكافحة انعدام الأمن الغذائي والفقر.

اقرأ المزيد: الإرشاد الزراعي.. أحد أهم مفاتيح دفع الابتكار والتنمية في المناطق الريفية

هذا يتطلب قدرات مؤسسية وتقنية مناسبة لوضع الأولويات ضمن خيارات سياسة مفصلة وواضحة كجزء من إطار العمل الاستراتيجي للتنمية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي على المستوى الوطني والعائلي.

على الحكومات أن تبذل المزيد من الجهود لتحديث استراتيجياتها الوطنية وتنسيقها مع الجهود والبرامج المعنية بالأمن الغذائي من بينها:

1ـ استخدام وإدارة الموارد البشرية.

2ـ الاستدامة وقضايا البيئة.

3ـ تحرير التجارة.

4ـ المزايا التفضيلية وتنافسية الزراعة.

5ـ الاستثمار في الزراعة.

6ـ تحسين المنظمات الريفية.

7ـ تحسين البناء التنظيمي لتحليل السياسات.

8ـ تحسين  مؤسسات السوق والتسويق وحقوق الملكية.

9ـ تحسين الموجهات المؤيده للفقراء للخدمات المالية المقدمة للريف.

10ـ وضع أولويات لتنفيذ وإتمام السياسات الإصلاحية.

11ـ الحصول على تقنيات وقواعد معلومات جديدة.

12ـ الإدارة واللامركزية.

13ـ تأسيس أطر عمل استراتيجية بما فيها استراتيجيات منفتحة لتشجيع التصدير والترويج للتجارة الزراعية فيما بين دولنا النامية وتقديم تسهيلات للتجارة.

14ـ سلامة الأغذية.

15ـ الزراعة العضوية.

16ـ برامج شبكات الأمن الزراعية.

17ـ الأمان لضمان استمرار قابلية عمل المزارع للتطبيق وذلك عبر التقليل من التقلب في دخله.

رغم وجود انعدام أمن غذائي بشكل واسع في المناطق الريفية في العديد من الدول النامية، إلا أنه يبدو أن الأمن الغذائي الحضري في ارتفاع ويتوقع أن تزداد أهميته في المستقبل. فقد نمت المدن في بلادنا وهي مستمرة في النمو وبحلول العام 2030 سيزداد هذا النمو عن الضعف لما هو عليه الان.

تصل معدلات الفقر في العديد من المدن إلى 30% وهي في ازدياد، وبالتالي سيواجه المزيد من الناس الصعوبات في الحصول على الغذاء الذي يحتاجونه. إن حماية ورعاية الأمن الغذائي للسكان المدنيين أصبح هما متزايدا لحكوماتنا.

اقرأ المزيد: الزراعة الدقيقة تُحسن الإنتاج الزراعي والربحية

تعتبر أنظمة مراقبة الغذاء في أغلب بلادنا بعيدة عن المثالية، فالعديد من هذه الدول لا تمتلك بعد تشريعا شاملا وذاتي التضمن يمكن أن يستجيب لمتطلبات اليوم في هذا المجال. وقد بدأت بعض الدول مع المساعدة التقنية من منظمة الأغذية والزراعة بتحديث تشريعات الغذاء.

يتم الآن تحديث تشريعات مراقبة الغذاء بما يتماشى مع اتفاقيات منظمة الصحة العالمية. إذ تتنوع خدمات التفتيش على الغذاء بشكل واسع من بلد لآخر. ففي معظم البلاد تعتبر تسهيلات خدمات التحليل صالحة فقط فيما يخص التحليل الروتيني البسيط ونتيجة، لذلك فإن خدمات مراقبة الغذاء ضئيلة جداً على الأقل في جوانب معينة.

مع تواجد تشريع شامل للغذاء وتفتيش ملائم وخدمات تحليل، يعتمد نجاح خدمات مراقبة الغذاء في تقديم حماية مناسبة وفعالة للمستهلك كما لخدمات الاستيراد والتصدير على الإدارة الجيدة عموما، والقدرة على الإشراف وبرمجة وتوجيه نشاطات مراقبة الغذاء.

خلال العقود الماضية من القرن الماضي ظهرت حركة الزراعة العضوية وتطورت بسرعة وبشكل تلقائي تقريبا، وذلك كرد فعل لحقيقة أنه ولأول مرة في التاريخ، دمر الجنس البشري قدرة الأرض على الحمل بشكل خطير. وتتقدم هذه الحركة بقوة خاصة في أوروبا. ففي الفترة ما بين العشرينات والثمانينات، كانت الحركة مقصورة على مجموعة صغيرة من المزارعين ولكنها توسعت بشكل ملحوظ في العقود الماضية كنتيجة لزيادة الوعي الشعبي.

اقرأ المزيد: التقنيات المستدامة في أنظمة الزراعة

لقد زاد اهتمام العامة في مزاولة الزراعة العضوية ومنتجاتها بشكل مستمر كرد على زيادة المشاكل البيئية والصحية  المرتبطة بأنظمة الزراعة التقليدية. وسيبقى الحافز الأساسي للناس في المجتمع الغربي على استهلاك المنتجات العضوية هو التأثير البيئي المفترض للزراعة العضوية مقابل التأثير السلبي المعروف للزراعة التقليدية.

رغم أن هناك إمكانية كبيرة في مصر على سبيل المثال  للزراعة العضوية إذ أن ظروف المناخ الزراعي متنوعة وغالبا ما تستجيب لنمو العديد من المحاصيل، ومازالت الزراعة تقليدية تستخدم وذات مدخلات خارجية ضئيلة ومن السهل تحويلها للاستجابة إلى المتطلبات العضوية.

هناك مقاييس محفزة إضافة إلى أن تدريبات البحوث وبنيات التوسع غالبا ما توضع في الموضع الصحيح بالنسبة للزراعة التقليدية، ومن ثم يمكن استخدامها للزراعة العضوية، فالعمل هنا يواجه العديد من العوائق. وهذه تتضمن نقص إطار العمل التنظيمي، والبنية التحتية واللوجستيات غير المناسبة، العوز في معرفة كيفية الإنتاج.

إن نقص المعرفة بمتطلبات وتطورات السوق، ونقص الوعي بالزراعة العضوية عامةً الى جانب المخاطر الطبيعية والمناخية التي اصبحت تواجه المزارعين والزراعة، ومن المشاكل التي يمكن أن تصبح في القريب خطرا يهدد جدياً الزراعة  هي نقص الموارد المائية وتعاظم ظاهرة التصحر، بالإضافة إلى تأثير التلوث البيئي.

اقرأ المزيد: الزراعة الذكية الطريق لتسريع التنمية الزراعية

إن الموارد المائية هي عامل حيوي للزراعة، وفي دولنا النامية حيث تجعل غلبة المناخ الجاف وشبه الجاف على أغلب المناطق الأمور أكثر تعقيداً. وإذا علمنا أن الزراعة تستهلك قرابة 80% من الموارد المائية، نصفها سطحية ذات نسبة الملوحة المنخفضة، ونصفها الآخر مياه جوفية شديدة الملوحة فسنفهم مدى هشاشة الوضع. وسعياً منها إلى تجميع أكبر قدر ممكن من المياه المتأتية من التساقطات، بنت هذه الدول عشرات السدود الكبيرة، ومئات البحيرات الاصطناعية والسدود الجبلية، لكنها لا تغطي بشكل جيد مختلف مناطق في هذه الدول، كما أن هناك مشاكل على مستوى صيانة وتنظيف السدود وشبكات نقل المياه مما يتسبب في ضياع كميات كبيرة منها

يتحمل المزارعون جزءاً من مسؤولية هدر المياه، ومثلهم المواطنون العاديون. من خلال انتشار ظاهرة الحفر العشوائي للآبار العميقة بطريقة تتسبب في اضرار كبيرة للمائدة المائية.

كما تتميز العادات الغذائية لمواطني هذه الدول  بطلب كبير على الخضروات السقوية التي تستهلك الكثير من مياه الري، فهم يتناولون كميات كبيرة من الطماطم والفلفل والبصل والبطاطس ما يعادل تقريبا 80% او اكثر من مجمل الخضروات المستهلكة ومختلف أنواع البطيخ والفواكه الى جانب الكميات الكبيرة المخصصة للتصدير وجلب العملة.

اقرأ المزيد: وزير الزراعة: تحديات كبيرة تواجه القطاع الزراعي

المشكل الاكبر هو إنهاك الأرض  وتفقيرها حيث كان المزارع العربي ككل مزارعي العالم، يحتفظ بالبذور ليزرعها في الموسم التالي ثم تتناقلها الأجيال. لكن ومنذ ستينات القرن الماضي بدأت البذور الأجنبية تشق طريقها نحو الأراضي الزراعية عن طريق الاستيراد، كما كانت دولنا تحصل مثل باقي الدول المصنفة فقيرة على مساعدات غذائية عن طريق برنامج الأغذية العالمي وكانت المساعدات توزع في الأرياف.

مع تلك المساعدات التي تأتي من “المانحين اللطفاء”، توزع البذور وتعطى “بكل براءة” مجانا إلى المزارعين، ومعها شرح حول جودتها ومردودها. عندما اتضح لهؤلاء “المانحين الخيرين” أن المزارعين  استغنوا عن بذورهم الأصيلة ولم يعودوا إلى تخزينها، أغرقوا السوق بالبذور الموردة” التي صارت للبيع ولم تعد هبة.

تفاقم هذا “الاحتلال وبدأ تقنين استيراد البذور في العقد الأخير من القرن الماضي، فاتحة الباب أمام الشركات العملاقة الأمريكية والأوروبية للسيطرة على السوق. واصبحت دولنا تستورد حالياً قرابة 90% من بذور الخضروات، بعد أن كانت تعول كليا على بذورها المحلية، باستثناء القمح الصلب وبدرجة أقل القمح اللين بفضل بحوث وجهود “المعاهد الوطنية للبحوث الزراعية المعروفة  فإن أغلب الزراعات والغِراسات في اغلب دولنا النامية  تعتمد بصفة شبه كلية على البذور المستوردة.

لكن لِما كل هذا التوجس من البذور المستوردة، والحال أنها ذات إنتاجية عالية كما يقال؟ بكل بساطة لأن “إثمها أكثر من نفعها”. هذه البذور مكلفة جدا وأثمانها في ارتفاع مستمر، وهيمنتها على السوق تعني من جهة حرمان صغار الفلاحين من البذور الكافية لزراعة أراضيهم وتحسين أوضاعهم.

من جهة أخرى ارتفاع تكلفة المنتجات الفلاحية، وهذا يرهق القدرة الشرائية لأغلب المواطنين. هذا الجانب هو الأقل خطورة في الموضوع، فنسبة مهمة من هذه البذور مهجنة وعقيمة (OGM)، أي أنها تستعمل لمرة واحدة ولا يمكن تخزينها.

كما أن تجارب عدة بلدان أظهرت أن بذور الشركات العملاقة هذه تُفقِر التربة تدريجيا، مما يجعل المزارعين يستعملون الأسمدة أكثر فأكثر. ارتفع معدل الأسمدة من 5 كيلوغرام للهكتار الواحد مطلع ستينات القرن الماضي إلى 25 كيلوغراما أواسط تسعيناته، وقد نبه بعض الخبراء الزراعيين منذ سنوات إلى ظهور أمراض جديدة تصيب الزراعات، وتستوجب استعمالا مكثفا للأدوية.

اقرأ المزيد: التكنولوجيا الحيوية والقطاع الزراعي في البلدان النامية

تطوير البنوك المحلية للجينات

حرمت الأرض من بذور تأقلمت معها عبر آلاف السنين، ليتم إنهاكها وتفقيرها وحتى تعقيمها ببذور معدة في مخابر تبعد عنها آلاف الكيلومترات. كل هذا دون الحديث عن تراجع جودة النكهة والقيمة الغذائية، والأخطر من كل شيء المضار الصحية التي قد تصيب البشر من جراء الاستهلاك المكثف لمكونات معدلة جينيا.

لعل نقطة الضوء الوحيدة هي الجهود التي تقوم بها “البنوك المحلية للجينات” للحفاظ على ما تبقى من البذور الأصيلة ومحاولة استرداد بعضها الذي نُهب وصار في بنوك جينات في عدة دول من العالم.

تبدو الزراعة المحلية في دولنا اليوم أمام أسئلة ورهانات كبرى:

ـ كيف يمكن جعل هذا القطاع “جذابا ومغريا” بالنسبة للشباب؟

ـ كيف يمكن تكثيف الإنتاج دون إنهاك الأرض، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية المحدودة؟

ـ ما الأكثر أهمية: العملة الصعبة أم الأمن الغذائي؟، الاستثمارات أم السيادة الوطنية؟

ألم يحن وقت “اصلاح زراعي” شامل يُخرج مئات آلاف الافراد من الفقر، وينمي حجم الإنتاج الزراعي في دولنا..

اقرأ المزيد: البنا: المياه والتغيرات المناخية أكبر تحديات تواجه الزراعة العربية

أزمة الزراعة لا تشبه أزمات بقية القطاعات الاقتصادية التي يمكن حلها بقرارات استعجالية أو بضخ بعض الأموال، فنحن نتحدث هنا عن مسألة أمن قومي لا يجب أبداً أن تكون خاضعة لأهواء بعض المستوردين الكبار أو مضاربات المستثمرين.

صحيح أن إنقاذ الزراعة والأرض هو واجب وطني يهم الجميع، من أحزاب سياسية ومنظمات مهنية ومجتمعات مدنية وإعلام وغيرهم. لكن من المؤكد أن لكل دولة من دولنا المسؤولية الكبرى من حيث تقديم حلول، وإيجاد الهياكل العلمية والتقنية والمالية القادرة على تطوير القطاع بشكل مستدام.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى