تقارير

إدارة المياه في الوطن العربي.. تحديات وآفاق

إعداد: د.شكرية المراكشي

رئيس مجلس إدارة شركة مصر تونس للتنمية الزراعية واستصلاح الأراضي

تُعد المياه واحدة من أهم الموارد الحيوية في الوطن العربي، حيث تؤدي دور حيوي في تلبية احتياجات السكان وتحقيق التنمية المستدامة. ومع ذلك، تواجه المنطقة تحديات هائلة تتعلق بإدارة واستدامة المياه، مما يستدعي تبني استراتيجيات مستدامة للحفاظ على هذه الموارد الثمينة.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

 هدر المياه

تُعد مشكلة تبخر المياه في الوطن العربي أحد أبرز التحديات التي تواجه إدارة المياه. حيث يتبخر 90% من المياه نتيجة تدفقها بشكل مفتوح أو تسربها إلى البحار. هذا الهدر الكبير يترك نسبة ضئيلة جدا تعادل 2% فقط من المياه للاستفادة، وهي النسبة المخزونة في باطن الأرض والوديان للتغلب على هذا التحدي، يجب تبني تقنيات متقدمة للحفاظ على هذه المياه وتوجيهها بشكل فعال إلى الاستخدام المناسب.

اقرأ المزيد: إدارة المياه الجوفية اقتصادياً واستدامتها

كفاءة استخدام المياه

تُظهر الإحصائيات أن العالم العربي يستثمر فقط 52% من موارده المائية المتاحة، وهذا يتطلب تعزيز الجهود لزيادة كفاءة استخدام المياه. حيث ينصب 83% من الاستثمارات على الزراعة، مما يتسبب في تبديد كميات كبيرة من المياه. من المهم تطوير تقنيات الري الحديثة وتعزيز التوعية بأهمية استخدام المياه بكفاءة في القطاع الزراعي.

 زيادة الطلب ونقص العرض

يُشكل النمو السكاني السريع تحديا إضافيا على إدارة المياه في المنطقة. العالم بأسره يتوقع أن يصل عدد السكان العالمي إلى حوالي 9,7 مليار نسمة بحلول عام 2050، مما يعني زيادة متسارعة في الطلب على المياه. هذا يستدعي تطوير استراتيجيات لتلبية الاحتياجات المتنامية وضمان توفير مياه الشرب النظيفة للجميع.

اقرأ المزيد: الأسواق ودورها في الإدارة المستدامة للأراضي والمياه

التعاون الإقليمي

يواجه العالم العربي تحديا إضافيا في توزيع المياه، حيث تتوزع الأنهار الرئيسية عبر أكثر من دولة، مما يؤدي إلى نزاعات إقليمية على موارد المياه. هذا يتطلب تعزيز التعاون الإقليمي وتطوير اتفاقيات تشجع على استخدام المياه المشتركة بشكل مستدام.

تقنيات وابتكار

لتحقيق استدامة إمدادات المياه في الوطن العربي، يجب تعزيز تقنيات إدارة المياه وتوجيه الاستثمارات نحو تطوير بنية تحتية مستدامة لتوزيع وتخزين المياه. كما يجب تشجيع البحث والابتكار في مجال تقنيات تحلية المياه واستخدام المصادر المتجددة.

إدارة المياه في الوطن العربي تتطلب تكاتف الجهود من جميع الأطراف المعنية. يجب تبني استراتيجيات شاملة تركز على الحفاظ على هذه الموارد الثمينة وتوجيهها بشكل فعال لتحقيق التنمية المستدامة وضمان توفير المياه للأجيال الحالية والمستقبلية.

اقرأ المزيد: روشتة القضاء على الجوع في عالمنا العربي

 الأمن المائي العربي

تُعد قضية الأمن المائي من أبرز التحديات التي تواجه دول الوطن العربي. المياه تمثل موردا حيويا ذا أهمية استراتيجية للتنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. يهدف الأمن المائي العربي إلى حماية الموارد المائية العربية وتطويرها بطرق تضمن استدامتها وتوفيرها للأجيال الحالية والمستقبلية.

من الواضح أن إدارة المياه في الوطن العربي تتطلب جهودا مشتركة وتعاونا إقليميا ودوليا لضمان الحفاظ على هذا المورد الحيوي واستخدامه بكفاءة لتحقيق التنمية والاستدامة.

اقرأ المزيد: لماذا الاحتياج إلى الإدارة المستدامة للأراضي والمياه؟

 دور المياه الجوفية في تحقيق الأمن المائي

تعتبر المياه الجوفية عنصرا حيويا في نظام المياه العالمي، حيث تُعزز الأمان المائي وتساهم في تلبية احتياجات السكان وتحقيق التنمية المستدامة. تمتاز المياه الجوفية بخصائصها التي تجعلها موردا استراتيجيا يؤدي دورا مهما في توفير المياه العذبة للجماعات والقطاعات المختلفة. ولضمان استدامة هذا المورد وتحقيق الأمن المائي، تعتمد مفاهيم الأمن المائي على مجموعة من المبادئ الأساسية.

 مبادئ الأمن المائي

ملكية الموارد المائية: تعد الموارد المائية ملكا لأجيال الحاضر والمستقبل، ولذلك يجب على الدول العربية تحقيق توازن بين استخدامها الحالي والمحافظة عليها للأجيال القادمة. يجب أن تتخذ الدول سياسات تضمن تحقيق الاستدامة في استخدام المياه ومنع التلوث البيئي.

إدارة مستدامة: تتطلب الموارد المائية في الوطن العربي تحسين سبل إدارتها وترشيد استخدامها من خلال تبني تقنيات حديثة لضمان استدامة المياه. يجب على الدول العربية الاستثمار في تطوير البنية التحتية المائية وتشجيع التوعية بأهمية استخدام المياه بكفاءة.

اقرأ المزيد: تحسين استهلاك المياه باستخدام المحاصيل

حفظ الحقوق المائية: يتعين حفظ حقوق الدول العربية في الأنهار المشتركة من خلال تطبيق الاتفاقيات الدولية وتعزيز التعاون المشترك. يجب على الدول العربية العمل معا لتطوير استراتيجيات مشتركة لإدارة المياه العابرة للحدود.

حماية البيئة: يجب أن يتم تخصيص موارد المياه لحماية البيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي. يعني ذلك تحقيق توازن بين استخدام المياه لأغراض اقتصادية وضرورة الحفاظ على النظم البيئية.

استكشاف مصادر مائية جديدة: لتلبية الاحتياجات المتنامية للمياه، يجب البحث عن مصادر مائية جديدة وتنويع مصادر المياه. يمكن استغلال مياه الأمطار وتطوير تقنيات تحلية المياه واستخدام المصادر المتجددة لزيادة إمدادات المياه.

اقرأ المزيد: التكيف مع إدارة ندرة المياه

آليات ترسيخ التعاون العربي

من أجل تحقيق الأمن المائي العربي، يجب أن تتعاون دول الوطن العربي بشكل فعال ومستدام. يمكن تحقيق ذلك من خلال:

ـ اعتماد تقنيات حديثة: تحسين استخدامات المياه وتحسين توزيعها وتوجيهها في مختلف القطاعات من خلال اعتماد تقنيات حديثة.

ـ تحسين الإنتاجية الزراعية: استخدام نظم الري المتقدمة وتحسين الإنتاج من الوحدة المائية لزيادة الإنتاج الزراعي بكفاءة.

ـ المشاركة الفعالة للمجتمع: تشجيع المشاركة الفعّالة لأصحاب المزارع وروابط مستخدمي المياه، والتركيز على دور المرأة في تحسين إدارة المياه.

ـ التكامل الاقتصادي: تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول العربية لتحقيق أقصى استفادة من آليات السوق العربية الموحدة.

اقرأ المزيد: الزراعة المستدامة وعلاقتها بالمياه

ـ التعاون الإقليمي: حل النزاعات المائية وتطوير استراتيجيات مشتركة لإدارة المياه من خلال التعاون الإقليمي.

ـ الطاقة المتجددة: استخدام الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية لمعالجة وتحلية المياه بشكل فعّال.

ـ البحث والتطوير: دعم البحث والتطوير لتطوير محاصيل زراعية ذات استهلاك مائي أقل وعائد اقتصادي أعلى.

ـ اتحاد لوزراء الدول العربية للآمن المائي: إنشاء اتحاد لوزراء الدول العربية للآمن المائي لتبادل الخبرات والمعرفة وتطوير استراتيجيات مشتركة لإدارة المياه.

من خلال تبني مبادئ الأمن المائي وتعزيز التعاون الإقليمي، يمكن لدول الوطن العربي تحقيق الأمن المائي وضمان استدامة موارد المياه. يتطلب ذلك جهودا مشتركة وتعاونا قويا بين الدول والمؤسسات المائية لتحقيق توازن بين الطلب المتزايد على المياه والحفاظ على هذا المورد الحيوي.

اقرأ المزيد: إدارة دورة المياه العادمة

الأمن المائي العربي ودور المياه الجوفية

في إطار مناقشة موضوع الأمن المائي العربي، يأتي دور المياه الجوفية كعنصر أساسي في ضمان استدامة الموارد المائية وتلبية احتياجات السكان والتنمية. المياه الجوفية هي تلك المياه التي توجد في باطن الأرض تحت القشرة الأرضية، وتشكل موردا مهما للعديد من الاستخدامات المائية.

مميزات المياه الجوفية

تتميز المياه الجوفية عن المياه السطحية بعدة جوانب. فهي أقل عرضة للتلوث بنفايات المصانع والمجاري، وذلك بسبب وجود طبقات التربة والصخور التي تعمل كحاجز طبيعي يحمي المياه الجوفية من التلوث. كما أن الاعتماد على المياه الجوفية يقلل من تبخر المياه وتبديدها، وبالتالي يحقق ترشيدًا أكبر لاستخدام المياه.

تواجد وحركة المياه الجوفية

تتواجد المياه الجوفية في الصخور المسامية والمنفذة، حيث تسمح هذه الصخور بتخزين المياه بين مساماتها وفراغاتها. وتتحرك المياه الجوفية في باطن الأرض بناءً على ثلاث صفات رئيسية للصخور: المسامية والإنفاذ والإمرار.

اقرأ المزيد: الزراعة المستدامة وعلاقتها بالمياه

المسامية والإنفاذ والإمرار

المسامية: تعبر عن نسبة المسامات والفراغات في الصخور مقارنةً بحجمها الكلي. تعتمد مسامية الصخور على درجة تقارب حبيباتها وشكلها ودرجة تماسكها.

الإنفاذ: يشير إلى قدرة المياه على التحرك بين حبيبات الصخور. الصخور المنفذة تسمح بمرور المياه بين مساماتها بسهولة، بينما الصخور غير المنفذة تمنع حركة المياه.

الإمرار: يشير إلى قدرة المياه على المرور من خلال شقوق وفواصل في الصخور دون الاعتماد على المسامات. هذا يسمح للمياه بالتحرك عبر الصخور غير المسامية.

اقرأ المزيد: «الغليان المناخي» ومستقبل المياه على كوكبنا

تأثيرات عوامل متعددة

تؤثر عدة عوامل على مياه الجوفية، مثل كمية وغزارة الأمطار والمناخ والانحدار السطحي. كما تعتمد نوعية المياه الجوفية على كمية الأملاح الموجودة في الصخور وفي الماء نفسه، والمسافة والسرعة التي يتحرك بها الماء الجوفي.

أهمية المياه الجوفية للأمن المائي

تخفيف الضغط على المياه السطحية: يعتمد الكثير من المناطق على المياه الجوفية لتوفير احتياجاتها المائية، مما يقلل من استنزاف المياه السطحية ويساهم في حفظ توازن النظم البيئية المائية.

مصدر مستدام: نظرا لقدرتها على الحفاظ على جودتها، تُعد مياه الجوفية مصدرا مستداما لتلبية احتياجات المياه العذبة.

تخزين الفائض المائي: يمكن استخدام المياه الجوفية لتخزين الفائض المائي خلال مواسم الأمطار الوفيرة، واستخدامها في الجفاف.

تحسين الأمن الغذائي: تلعب مياه الجوفية دورا حاسما في الري الزراعي، مما يسهم في تحسين الأمن الغذائي.

باعتبارها موردا استراتيجيا، يجب على الدول العربية أن تضمن الحفاظ على نقاء وكمية مياه الجوفية من خلال تبني استراتيجيات فعّالة لإدارتها وحمايتها من التلوث والاستنزاف. إن توظيف المياه الجوفية بشكل مستدام يسهم في تحقيق الأمن المائي للمنطقة وضمان استمرارية تلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية.

اقرأ المزيد: معايير الحكم على جودة المياه وصلاحيتها للشرب أو للاستخدام المنزلي والزراعي والصناعي

 استدامة الموارد المائية

تعتبر الموارد المائية أحد أهم الموارد الاستراتيجية في الوطن العربي، وتلعب دورا حاسما في تحقيق التنمية المستدامة وضمان ازدهار المجتمعات في المنطقة. لضمان استدامة هذه الموارد والحفاظ على توازن النظم البيئية المائية، يجب تبني استراتيجيات شاملة تعتمد على الابتكار والتوطين التكنولوجي والتعاون الإقليمي.

الموارد المائية التقليدية

تشمل المياه التقليدية المياه السطحية المتدفقة في الأنهار والبحيرات والمياه المخزنة في السدود. لتحقيق استدامة هذه الموارد، يجب توجيه الجهود نحو تحسين كفاءة استخدامها والاهتمام بحمايتها من التلوث والهدر.

حماية وتحسين كفاءة الاستخدام

لضمان استدامة المياه السطحية المتدفقة في الأنهار والبحيرات، يجب تحسين كفاءة استخدامها. ذلك يتضمن تطوير تقنيات الري الحديثة والزراعة الذكية التي تقلل من فاقدية المياه وتحسن أداء الإنتاج الزراعي.

اقرأ المزيد: وزير الري: تحديات عديدة يواجهها قطاع المياه بمصر مثل النمو السكاني والتغير المناخي

مكافحة التلوث

التلوث يهدد المياه السطحية، ولذلك يجب تبني إجراءات حازمة لمكافحة التلوث من مصادر مختلفة مثل المصانع ومياه الصرف الصحي. التحلية وتنقية المياه هي تقنيات مهمة للحفاظ على جودة المياه.

استدامة السدود

تحتاج السدود إلى إدارة فعالة للتحكم في تدفق المياه وتقليل تأثيراتها البيئية. يمكن استخدام تقنيات الحفريات لتخزين المياه بشكل فعال.

 المياه غير التقليدية

تعتبر المياه غير التقليدية مصدرا هاما لزيادة الموارد المائية وتوفير المياه في الفترات الجافة، وتشمل هذه المياه:

1ـ تجميع وتخزين مياه الأمطار: يمكن تجميع مياه الأمطار والسيول من خلال بناء سدود ترابية وبحيرات تجمع المياه وتوجيهها إلى استخدامات مختلفة. هذا يساهم في تزويد المناطق بالمياه خلال الجفاف.

2ـ إدارة المياه الجوفية: تحتاج المياه الجوفية إلى إدارة فعّالة للحفاظ على جودتها وكميتها. يجب تقييم المخزون المائي وتطبيق سياسات لمنع الاستنزاف وضبط ضخ المياه من الآبار.

3ـ تحلية المياه: تكنولوجيا تحلية المياه توفر مصدرا إضافيا للمياه العذبة. يجب تطويرها وتحسين كفاءتها وتكلفتها لتلبية الاحتياجات المائية.

اقرأ المزيد: إدارة الري “بإيجاز”

معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف

يمكن معالجة مياه الصرف الصحي واستخدامها في الزراعة والري، مما يساهم في توفير مصادر مائية إضافية وتقليل التلوث.

خطوات لتحقيق التنمية المستدامة

1ـ سياسات فعّالة: يجب وضع سياسات واضحة وشاملة تركز على ترشيد استخدام المياه وحمايتها من التلوث والهدر.

استثمار الموارد المائية: ينبغي وضع خطط استثمارية لتطوير الموارد المائية وتوسيع بنية تحتية تدعم استخدام المياه.

إدارة محسنة: يجب تحسين إدارة المياه السطحية والجوفية بواسطة بناء سدود واستخدام تكنولوجيا حديثة.

تعزيز التحلية ومعالجة الصرف: ينبغي تطوير تقنيات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف لزيادة مصادر المياه.

توعية وتثقيف: يجب توعية الجمهور بأهمية ترشيد استهلاك المياه وتوجيههم في كيفية إدارة المياه بشكل فعّال.

اقرأ المزيد: الصرف الزراعي وإمكانية استخدام المياه

التعاون الإقليمي: ينبغي تطوير اتفاقيات واستراتيجيات لمشاركة وتوزيع الموارد المائية المشتركة بين دول الجوار.

تحقيق التنمية المستدامة يعتمد على استدامة الموارد المائية. يتطلب الأمر التزاما حقيقيا من الحكومات والمجتمعات للعمل معا نحو تحسين إدارة واستخدام المياه بشكل مستدام، مما سيسهم في تحقيق التنمية المستدامة التي نطمح إليها في الوطن العربي.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى