رأى

الزراعة المستدامة وعلاقتها بالمياه

بقلم: د.شكرية المراكشي

توفير الغذاء في مقدمة المشاكل التي تواجه العالم في الوقت الحاضر وأصبح مصدر قلق وخوف لمختلف الأوساط السياسية والاقتصادية، فكما كانت بالأمس لقمة العيش هي المحفز والهدف الرئيسي لقيام الأفراد بمختلف المهن والحرف على اعتبار أن الغذاء عنصرا لابد منه لأجل استمرار وبقاء الإنسان، فإن الأمن الغذائي اليوم يعتبر هدفا أساسيا تسعى إليه جميع الشعوب والأمم، حيث يعد المدخل وتعد الزراعة النشاط الأول الذي من خلاله يتم توفير الغذاء.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

إن القطاع الزراعي هو واحد من بين الانشطة التي تهتم به أي دولة سعيا منها لتحقيق اكتفاء ذاتي وأمن غذائي، والذي يتم عن طريق زراعة ناجحة ومتقدمة، وتنمية الثروة الزراعية والحيوانية لسد حاجات المجتمع، ما يزيد من الدخل الوطني ويُخفف أعباء الاستيراد على الدولة.

شاهد: كيف تعظم مصر مواردها الأرضية والمائية؟

شاهد: إرشادات هامة قبل زراعة المحاصيل الشتوية لترشيد استهلاك مياه الري

ئؤدي المياه دورا رئيسيا ومهما في عملية التنمية الزراعية، فقد قال تعالى :وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾. السورة ورقم الآية: الأنعام (99).

اقرأ المزيد: «الزراعة» في استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030

فلا يمكن تصّور تنمية زراعية بلا مياه، ما يعني أن تحقيق تنمية زراعية مستدامة يرتكز على استخدام الموارد المائية التي تعتبر المصدر الرئيسي للزراعة وتحقيق الأمن الغذائي، هذه الموارد التي أصبحت تعاني من الندرة، حيث طبقا لتقديرات البنك الدولي بحلول سنة 2035 من المتوقع أن يقل نصيب الفرد في الأجيال القادمة من المياه العذبة ليصل إلى ثلث ما هى عليه الآن على المستوى العالمي غالبيتهم من الدول النامية.

يمكن التمييز بين نوعين من الزراعة: زراعة مطرية، أي لا تعتمد على السقي ولكنها تعتمد على الأمطار، وزراعة مسقية وهي الغالبة تعتمد على السقي، وهذا ما يستدعي بالضرورة عملية التخطيط لتوفير المياه بالكميات اللازمة للتنمية الزراعية وتوفير الري المناسب للمزروعات، وذلك من خلال إيجاد مصادر المياه الصالحة للإنتاج الزراعي وتوصيلها الأراضي المزروعة أو المراد زراعتها أو استصلاحها، وخلق المحيطات المسقية، ثم وضع الاستراتيجيات والأساليب لاستغلال هذه المياه بكفاءة عالية لإنماء النباتات ومنه توفير الغذاء، وبالتالي دراسة مصادر المياه واستغلالها من أجل زراعة أفضل، لتحقيق الوفرة الغذائية وسد الحاجيات لأفراد المجتمع الواحد من جهة، وترشيد استخدام المياه من أجل استدامتها من جهة أخرى.

اقرأ المزيد: قطاع الزراعة والمياه العادمة وتهيئة بيئة مواتية للتغيير من أجل التنمية المستدامة

تعتبر مصر كغيرها من دول المناطق الجافة وشبه الجافة اليوم تعاني من أزمة مائية شبه حادة، حيث تقع في خانة البلدان التي تفتقر إلى الموارد المائية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عتبة الندرة التي حددها برنامج الأمم المتحدة للتنمية، أو تلك المحددة من طرف البنك الدولي بـ1000 م3 سنويا لكل ساكن في حين لا تتعدى بمصر 500م3، وتم تصنيفها من قبل المنظمات الدولية من بين الدول التي ستعاني على المدى المتوسط من ندرة حقيقية للمياه بسبب سوء تسيير واستخدام الموارد المائية، وغياب سياسة رشيدة لإدارة الطلب المتزايد على المياه، خاصة في المجال الزراعي، ما يؤثر على زراعتها بشكل كبير.

اقرأ المزيد: دراسة تكشف محددات الزراعة المستدامة بمحافظة الوادي الجديد

إن موقع مصر الجغرافي وطبيعة مناخها شبه الجاف، إضافة إلى النمو السكاني الكبير خاصة خلال الألفية الجديدة؛ وما نتج عنه من زيادة الحاجة إلى الغذاء، ساهم بشكل كبير في التأثير على أمنها الغذائي، مما رفع التحدي أمام صناع القرار في البلد لإيجاد ااستراتيجية واضحة من أجل تلبية حاجيات الأفراد الغذائية، من خلال التسريع في وتيرة الإنتاج الزراعي الذي يتسم بالتذبذب من موسم إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، خاصة وأن الزراعة المصرية توصف بأنها زراعة نيلية، في ظل نقص المياه وفي ظل التغيرات المناخية.

وعليه إن ما تمثله الموارد المائية من أهمية محورية للتنمية الزراعية المصرية، خاصة على ضوء الندرة النسبية لهذه الموارد، إضافة إلى ذلك الهدر الكبير في الموارد المائية نتيجة الاستغلال غير العقلاني للمياه، مع سوء التسيير والعشوائية التي صارت طابعا يلقي بظلاله على هذا القطاع، وجب التأكيد على ضرورة توجيه الاهتمام المناسب للتحليل والدراسة والبحث في كافة القضايا والجوانب التي من شأنها أن تساهم في تنمية وصيانة تلك الموارد، وتحقيق أقصى مستويات ممكنة من الترشيد وكفاءة الاستخدام.

اقرأ المزيد: تحسين استهلاك المياه باستخدام المحاصيل

تعتبر المياه من اهم الموارد الطبيعية التي يتعلق بها موضوع الامن الغذائي ويتوقف عليها بقاء البشرية وعلى الاخص في المجال الزراعي، حيث ان الزراعة هي المدخل الرئيسي لتوفير الغذاء وتحقيق الامن الغذائي، وتعد الزراعة اكبر النشاطات استهلاكا للمياه في العالم.

من هنا يأتي السؤال ما دور كفاءة استخدام الموارد المائية في تحقيق التنمية الزراعية المستدامة وتعزيز الامن الغذائي في مصر؟ هل يشكل استخدام الموارد المائية عاملا ضروريا في تحقيق الامن الغذائي؟ هل يتميز هذا العامل بالكفاءة؟ وما هو دور الموارد المائية في التنمية الزراعية المستدامة لتحقيق الامن الغذائي؟

اقرأ المزيد: كلمة وزير الزراعة في المؤتمر السنوي للتنمية المستدامة بالأقصر

عدة عوامل تكسب هذا الموضوع اهمية بالغة كون الامن الغذائي يعتبر مطلبا اساسيا وتحديا كبيرا يطرح بقوة اليوم على الساحة ويعتبر من اكبر الاسلحة التي تستعملها الدول الاحتكارية في السيطرة على زمام الامور الدولية، وكون الموارد المائية من اهم متطلبات الحياة ومختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن العلاقة المباشرة والقائمة بين الموارد المائية والامن الغذائي لم توضح بشكل كاف، ما يضعها اليوم امام اهتمامات الدراسات والمؤتمرات كون التنمية الزراعية هي الجسر المباشر المؤدي لتحقيق الامن الغذائي عن طريق استخدام الموارد المائية والتقنية والطبيعة المختلفة على غرار الموارد المائية.

مفهوم الامن الغذائي مركب وله ابعاد متعددة حيث انه يعني قدرة المجتمع على توفير احتياجات التغذية الاساسية لافراد المجتمع، وضمان حد ادنى من تلك الاحتياجات بانتظام، ويكون ذلك اما بإنتاج السلع محليا او بتوفير عائد من الصادرات لاستيراد ما يلزم لسد النقص في الانتاج المحلي.

إن استدامة الامن الغذائي هي استدامة الموارد الطبيعية (الارض والمياه) واستدامة التنوع الحيوي (الموارد النباتية والحيوانية) والزيادة السكانية المناسبة.

شاهد: طرق ترشيد استهلاك مياه الري

اما الاكتفاء الذاتي فهو قدرة المجتمع على تحقيق الاعتماد الكامل على النفس وعلى الموارد والامكانيات الذاتية في انتاج كل احتياجاته الغذائية محليا.

ان الجوع وانعدام الامن الغذائي لهما ابعاد عالمية ومن المرجح أن تتفاقم على نحو خطير في بعض الدول ما لم تتخذ تدابير عاجلة وحاسمة ومنسقة في ضوء الزيادة المتوقعة في عدد سكان العالم وما تتعرض له الموارد الطبيعية من اجهاد.

نظرا لغياب البعد البيئي عن السياسة الزراعية قد تشهد البيئة الزراعية تدهورا حادا، ولمواجهة هذه التأثيرات البيئية وتحقيق الامن كان لزاما ادخال البعد البيئي في الدراسات الاقتصادية والفنية للمشروعات الزراعية وادخال ضوابط للمحافظة على الاصناف والسلالات النادرة، وكذلك تخطيط معدلات التوسع الافقي والتكثيف الزراعي بما يراعي الموارد الطبيعية وتفعيل دور المنظمات التعاونية في نشر الوعي البيئي.

تزايد حجم الاستهلاك من السلع الغذائية بمعدلات كبيرة هي نتيجة الاستهلاك غير الرشيد من فئة اجتماعية تتمتع بامكانيات ماذية هائلة وقدرة شرائية عالية تكون سببا في انخفاض المعروض من السلع الاساسية للطبقة الفقيرة ومحدودي الدخل.

لذلك وجب العدالة في توزيع الاجور والدخل حتى لا يقع العبء الاكبر على الفئة الفقيرة، ومن هنا تبدأ الفجوة الغذائية في التفاقم، كما ان تطوير الاصناف والسلالات في المحاصيل الزراعية وكذلك الثروة الحيوانية بانواعها تمثل المدخل الرئيسي لتحقيق تنمية زراعية تحقق الحد الادنى من الامن الغذاائي.

بالنسبة للدول العربية فإنها تتمتع بإمكانيات هائلة من الموارد الطبيعية والبشرية ولديها قاعدة غنية من التنوع الحيوي والاصول الوراثيية، لذا يجب البناء عليها والعمل من اجل تطويرها، كما ان مستقبل الزراعة في اي دولة مرتبط بادخال نظم الري الحديثة والتركيز على زيادة مستوى الانتاج وتحسين استخدام المدخلات اللازمة لتطوير الانتاج الزراعي دون اهمال اهمية الاسمدة بمختلف انواعها في تطوير كفاءة استخدام موارد الارض والمياه.

تجدر الاشارة الى ان الزيادة السكانية المرتفعة تؤدي الى ظروف اكثر صعوبة فيما يتعلق بالامن الغذائي الامر الذي يزيد من الاعباء الملقاة على عاتق الدولة في تضييق الفجوة الغذائية.

اقرأ المزيد: كلمة وزير الزراعة خلال احتفالية الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة باليوم العالمي للتربة

يرتبط الانتاج الزراعي بالظروف الجوية السائدة اذ ان اي تقلب جوي قد يؤثر على العملية الانتاجية، وهذا الاختلال المناخي من حرارة وانماط رياح وتساقطات، الامر الذي يؤثر على المحصول الزراعي وبالتالي ترتفع الاسعار ويتزعزع الاستقرار، ومن هنا ياتي دور صناع القرار والمزارعين وجهات البحث العلمي متشركين قي زيادة فعالية هذه العناصر الطبيعية لادارتها الادارة الصحيحة للانتفاع الامثل بكل وحدة منها.

الزراعة المستدامة هي نظام شامل تستخدم التطبيقات العلمية في الارض وحمايتها من الانجراف والتعرية والتقنيات الخاصة بالمحافظة على التربة عبر الاستفادة من مصدات الرياح والزراعة المختلطة مع اشجار الغابات النظيفة والاقتصادية مثل اشجار النيم وزيادة خصوبة التربة بالطرق الطبيعية كالتسميد العضوي والحيوي واتباع الدورات الزراعية. كما تهتم بمجالات مكافحة الافات الزراعية والامراض النباتية بالطرق الحيوية بالاضافة الي زراعة المحاصيل المقاومة للامراض والاستفادة من تطبيقات علوم الهندسة الوراثية والتحسين الوراثي.

شاهد: فوائد تحويل الري بالغمر في الأراضي القديمة إلى نظم الري الحديثة

تعد المحافظة على الموارد الطبيعية مثل المياه من اهم المجالات التي تسعى اليه الزراعة المستدامة لترشيد استخداماتها وحمايتها من التلوث، وذلك لان الماء عامل محدد لوجود الزراعة ولاهميته العظيمة في الحياة لدوره الفريد في شرب الانسان والحيوان وري النبات فهو قوام الحياة وعنصرها الحيوي.

لذا تسعى الزراعة المستدامة الي الاستفادة من تقنيات وتطبيقات العلوم الزراعية والبيئية المتعلقة بتصميم واستخدام نظم الري الحديثة المرشدة لعمليات الري وربطها بالاحتياجات الفعلية للمحاصيل، واستخدام المحاصيل قليلة الاحتياجات المائية مع الاستفادة من التقنيات الحديثة في التحكم في بيئة النبات كاساليب الزراعة في البيوت المحمية وزراعة المحاصيل النبانية تحت نظم ري حديث مثل الري التحت السطحي الناشع والذي بدا انتشاره في كل الدول المتقدمة لضمان الحصول على معدلات انتاج عالية باستخدام اقل منسوب مائي بعيدا عن الاهدار الذي لازمنا لسنوات طويلة او الري بالحقن.

كما ان العلوم المتعلقة بإرشاد المزارعين وتدريبهم على استخدام التقنيات الخاصة بالزراعة المستدامة ومعرفة العوامل المحددة لتقبل وتبني المزارعين لتلك التقنيات تعد من اهم محاور الزراعة المستدامة وهذا ما نفتقده – وهذه مهمة الحكومة في الرفع من مستوى الإرشاد الزراعي – ولهذا تتعالى الاصوات المنادية بضرورة تقديم الاجهزة الارشادية في دول العالم لبرامج ارشادية للمزارعين في مجال الزراعة المستدامة بهدف تعريف المزارعين بالزراعة المستدامة وفوائدها في مجال البيئة والحفاظ على المصادر الطبيعية من مياه وتربة ودورها في انتاج الغذاء الصحي الذي لا يسبب امراض او مخاطر صحية للمستهلكين، حيث تأتي سلامة الغذاء وخلوه من بقايا المبيدات حيزا من اهتمام الافراد والمنظمات المعنية بالغذاء وسلامته.

اقرأ المزيد: «الفلاح اليوم» يرصد أبرز ما جاء في كلمة وزير الزراعة أمام مجلس الشيوخ

من بين هذه البرامج الارشادية التي يحتاجها المزارعون هي ترشيد استخدام مياه الري ونظم الري الحديثة والمكافحة الحيوية للحشرات ومسببات الامراض النباتية وطرق التسميد العضوي والحيوي والمحافظة على التربة وصيانتها باستخدام محاصيل التغطية ومصدات الرياح ونظم الزراعة المختلطة مع الغابات، وبذلك نكون قد ساهمنا ولو بالقليل في التنمية الاقتصادية بشكل عام والتنمية الصناعية بشكل خاص خاصة في المراحل الاولى من التنمية استنادا الي ما يوفره هذا القطاع من موارد مالية وبشرية.

شاهد: ريفية تعمل في الغيط وتطلب من وزير الزراعة

هذه المساهمة تكمن في توفير كميات اكبر من المواد الغذائية للسكان الذين ينمون بمعدلات مرتفعة وللعاملين في الصناعة بشكل خاص، كما تساهم في زيادة الطلب على السلع الصناعية ما يؤدي الى توسع قطاع الصناعة والخدمات الى جانب توفير الصرف الاجنبي لاستيراد السلع الاستراتيجية التي تحتاجها عملية التنمية وذلك من خلال الصادرات الزراعية.

اما المحافظة على الموارد المائية حيث اصبحت كثير من الدول تعاني اليوم من ضغط شديد على المياه بسبب المخاطر البيئية، حيث ترتب على عدم كفاية المياه السطحية (الانهار والبحيرات) الى زيادة معدلات سحب المياه الجوفية، كذلك زيادة الانتاج الزراعي بسبب زيادة السكان ما ادى الي الاستخدام المفرط لهذه الثروة المهمة.

اقرأ المزيد: مقال لـ«رئيس قطاع الإرشاد الزراعي».. بعنوان: «التقنيات الحديثة في الزراعة»

من هنا يتبين دور الزراعة المستدامة التي تعتبر المحاور والابعاد الرئيسية لاي استراتيجية جديدة لادارة الموارد المائية وترشيد استهلاكها، خاصة في مجال الزراعة التي تعتبر المستهلك الاول اذ لابد من البحث عن كل الاساليب الملائمة لزيادة انتاجية المياه الزراعية المحددة للري ومواجهة جوانب الهدر والضياع المتجه نحو الاغراض الزراعية، وايضا مواجهة خطورة الاعتماد الشديد على المياه الجوفية غير المتجددة لاغراض الزراعة لاعتبارها المخزون الاساسي ونبع الحياه للاجيال القادمة في المستقبل البعيد.

لذا فان القواعد العلمية تعتمد مبدا الكفاءة في استخدام الموارد وتفعيل هذه الكفاءة تتطلب دعما قويا من صانعي القرار، فالماء هو عصب الحياة واينما وجد الماء وجدت الحياة وهو سر بقاء ونماء ورقي الكائنات الحية ودور المياه اساسي في الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لكل الدول وللعالم باكمله والحروب في العالم سوف تكون حروب سببها ” قطرة ماء”.

إن الحجم الكلي للمياه لم يتغير منذ 3 ملايين سنة وهو تاريخ وجوده على الكرة الارضية بالرغم من التغيرات التي تطرأ على حالته الفيزيائية تحت تاثير طاقة الاشعة الشمسية، 97% من مياه الارض هي مياه مالحة والنسبة المتبقية 2% هي نسبة المياه العذبة والتي تتواجد معظمها في القطبين الجنوبي والشمالي على شكل جليد والموارد المائية العذبة 1% والتي يسهل الوصول اليها (مياه الاودية والمياه الجوفية) المخزون الاجمالي العالمي للمياه العذبة والكمية المتجددة منها سنويا هي اقل نسبة منها، بحيث لا تتجاوز 0.002%.

اقرأ المزيد: الري الناقص لتقليل استخدام المياه للزراعة

هذه النسبة مرشحة للانخفاض لما يشهده العالم من تلوث مناخي يؤثر بالسلب على هذه الموارد، اضافة الى النمو الديمغرافي الذي سوف يرتفع من 6.5 مليار نسمة الى 7.9 مليار سنة 2025 الى 9 او 10 مليار سنة 2050، كما ان هذه الموارد من المياه العذبة تسيطر على حوالي 60% منها 9 دول في العالم فقط، وهي حسب تقديرات الامم المتحدة البرازيل (5418 مليارم3/السنة)، روسيا (4060 مليارم3/السنة)، اندونيسيا (2838 مليارم3/السنة)، الصين (2812مليارم3/سنة)، كندا (2740مليار م3/السنة)، الولايات المتحدة الامريكية (2460مليار م3/السنة)، كولومبيا (2133مليارم3/السنة)، البيرو (1746 مليارم3/السنة)، الهند(1260مليار م3/السنة).

في حين توجد اكثر من 100 دولة في العالم تعاني من ندرة حادة في الموارد المائية، وهذه الموارد المتبقية يمكن الانتفاع بها طالما لم تتعرض لسوء الاستخدام ما يؤدي الى تدهور انتاجيته وبالنظر الى حجم الاستعمالات وحاجيات الانسان المتزايدة من الموارد المائية.

شاهد: معلومات هامة عن تحلية مياه البحر وكيفية الاستفادة منها

تشير احصائيات صادرة عن البنك الدولي ان استهلاك المياه قد ارتفع بنسبة 50% على المستوى العالمي في فترة زمنية لا تتعدى 30 سنة، لذلك فإن ندرة هذه الموارد قد يشكل مشكلا حقيقيا بالنسبة للبشر وبالنسبة للتنوع البيولوجي.

قياس هذه الندرة يظهر من مؤشر حصة الفرد من المياه سنويا، حيث ان الدولة التي يكون فيها 1000م3/سنة /فرد تصنف في حالة القلق المائي، اما في الوضعية 500م3/سنة/فرد تكون قد وصلت الي مستوي الندرة، اما حالة اقل من 500م3/سنة/فرد فاننا نتكلم عن دخول الدولة الى مرحلة الندرة الحقيقية والفقر المائي.

اقرأ المزيد: ميكروبيولوجيا التربة وعلاقتها بإنتاجية المياه

يستغل القطاع الزراعي حوالي 70%من المياه العذبة (احواض واودية) وكذلك المياه الجوفية تصل الى اكثر من 90% من اجمالي الكمية المستعملة، فهو يعتمد على كميات هائلة من المياه، حيث أن وجبة فرد واحد في اليوم المكونة من مجموعة من الاغذية تحتوي على حوالي 3000 لتر من الماء (حسب تقديرات الامم المتحدة) في حين وجبة يومية لفرد امريكي تحتوي على 6800 لتر من الماء.

ان اهمية الماء للزراعة واستصلاح الاراضي امر بديهي وغني عن البيان او مجرد التذكير به، حيث تنبع هذه الاهمية من كون الماء هو العنصر الاول المكون لكل خلية فهو اصل الحياه وتعبر التنمية الزراعية عن ادارة قاعدة الموارد الطبيعية وصيانتها وتوجيه التغيرات التكنولوجية والمؤسسية ما يضمن تحقيق واشباع الحاجات البشرية لاجيال قادمة، وتشمل التنمية الزراعية بشكل تفصيلي توفير متطلبات السكان كما تشمل الحفاظ على القدرة الانتاجية العامة وزيادة الموارد المتاحة دون العبث بظروف البيئة.

تعتبر الموارد المائية من العوامل المهمة التي تؤثر في الزراعة بدرجة كبيرة ولا غنى للزراعة عنها فندرة المياه ووفرتها تعد اهم العوائق للتوسع الزراعي سواء كان توسعا افقيا او توسعا راسيا ، بذلك فهي تشكل العامل الاهم في تطوير الانتاج الزراعي من جهة ومن جهة اخرى باعتباره موردا نادرا وهذا يفرض علينا البحث والاهتمام بادارة هذه الندرة وضرورة العمل على تنمية هذا المورد وترشيد استخدامه وحمايته من الهدر والتلوث وذلك لان الطلب على المياه في العالم في ازدياد مستمر بسبب زيادة عدد السكان، والتنمية الصناعية والتنمية السياحية وتنمية الزراعة وكذلك بسبب المشاكل التي يعاني منها هذا المورد الهام والتي من بينها السحب العشوائي المفرط، وضعف استغلال مياه الري يرجع ذلك لعدة اسباب منها: ما يتعلق بالعنصر البشري، ومنها ما يتعلق بالمحاصيل التي تستهلك مياه كثيرة، ونقص المعلومات المتاحة عن هذا المورد، وما يتعلق به بشكل اجمالي

الاستثمار في تطوير الري هو ضمانة في وجه الهطول المتقلب للامطار ويؤدي الى ثبات الانتاج الزراعي واعطاء زخم لانتاجية المحاصيل ويسمح للمزارعين بتنويع انتاجهم ويتجلى ذلك في زيادة المداخيل الزراعية والحد من تقلبها، وفي المقابل يؤثر وجود نظام انتاج مستقر يمكن التنبؤ به ايجابا على مقدمي الخدمات في القطاع الزراعي، وبالتالي يؤدي الاستثمار في تنمية المياه الى زيادة قيمة الارض.

اقرأ المزيد: إدارة المياه الجوفية اقتصادياً واستدامتها

ان الاستعمال التكنولوجي يقدم ردودا ايجابية بشان الانتاج الزراعي وفي الوقت الحالي تستخدم فعل تقنيات الاقتصاد في المياه ومعالجة المياه المستخدمة ومع ذلك فان استخدامها على نطاق واسع يقتضي بذل الجهود من اجل تاهيل القوى العاملة وتوفير الموارد المالية اللازمة للاستثمارات في هذا المجال، فضلا عن ارادة سياسية حازمة على الصعيد الوطني تقوم على ادراك افضل للتحديات والقضايا المطروحة.

عموما فان الاستخدام الامثل للمياه ضروررة في البيئة الزراعية حيث ان التربة والمياه من الموارد الطبيعية التي تعتبر مصدرا للقوة البشرية ويتطلب استخدام هذه الموارد طرق مثلى في تنميتها والمحافظة عليها.ٍ

لان الاحوال المناخية ونوع التربة وتركيبها ونوع النباتات وتقنيات الري المطبقة هي من العوامل الرئيسية التي تؤثر في كفاءة وفعالية ممارسات الري لابد من اتخاذ القرارات الصحيحة المتعلقة باختيار انواع المحاصيل وادماج البحث العلمي في المنظومة الزراعية مع كل استثمار زراعي واستصلاح للاراضي الصحراوية وذلك لتحديد مواعيد الري واختيار الطريقة المثلى للري، وتدابير تخصيب التربة حيث تختلف المحاصيل من حيث احتياجاتها المائية اليومية طول فترة زرعها الاجمالية.

شاهد: كلام مهم في تحميل المحاصيل الزراعية لزيادة دخل الفلاح

نتيجة لذلك يشكل نوع المحصول عاملا رئيسيا يؤثر في احتياجات مياه الري وتتطلب المحاصيل التي لها احتياجات يومية عالية وموسم زرع اجمالي طويل مياها اكثر من تلك التي لها احتياجات يومية اقل وموسم زرع اقصر نسبيا، لذلك فان الخطوة الاساسية في اتجاه تخفيض احتياجات مياه الري هي اختيار انواع المحاصيل التي تتطلب مياها اقل، لكن مع ذلك توفر قيمة مضافة كافية مثالا على ذلك تشجيع الزراعات غير التقليدية او الزراعات المنسية.

شاهد: كلام مهم لوزير الزراعة يخص الفلاحين والمستثمرين والباحثين

يمكن القول ان العلاقة بين التنمية الزراعية المستدامة والامن الغذائي المستدام هي علاقة عضوية اذ لا يمكن تحقيق امن غذائي مستدام دون الاعتماد على تنمية زراعية مستدامة، فالزراعة المستدامة هي الزراعة التي بامكانها تلبية احتياجات الاجيال الحالية والمستقبلية من الغذاء وتوفير فرص عمل مستدامة ولائقة والحفاظ على القدرات انتاجية والتحديدية لقاعدة الموارد الطبيعية وتعزيزها حيثما يكون ذلك ممكنا والحد من التعرض لنقص الاغذية وتعزيز الاعتماد على الذات، واستخدام التكنولوجيا المتطورة للحفاظ على الجانب الايكولوجي الذي يعتبر من اهم الاسس الداعمة لاستدامة الامن الغذائي.

في الاخير، الماء في علاقته مع الامن الغذائي هو ايضا رهان فيما يخص التغذية والصحة بوصول الكل الي الماء الصالح للشرب والنظافة الخاصة والعامة، ولا شك أن سوء حالة المياه وغياب التطهير هما من الاسباب الرئيسية في اصابة الإنسان بالامراض مثل الكوليرا والاسهال والفشل الكلوي وسوء التغذية وتأخر النمو خاصة لدى الاطفال وامراض اخرى معدية مثل حمى المستنقعات.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى