رأى

روشتة القضاء على الجوع في عالمنا العربي

مقال الدكتورة «شكرية المراكشي» رئيس شركة مصر تونس  للتنمية الزراعية

كلنا يعلم ان مصر هي منبع الزراعة في العالم – تلك ثوابت تاريخية  – ولم نعلم ان هناك من سبق مصر في الزراعة في تاريخ الحضارات القديمة منذ وجد الانسان – وكلنا يعلم ان مصر كانت سلة غذاء العالم في العصر الروماني كما ان الله سبحانه وتعالى وصفها على لسان سيدنا يوسف حين قال “اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم” لما وهبها الله من موقع ومناخ لا يوجد له مثيل في العالم.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

كل يوم يزداد عدد السكان على الارض، وكل يوم تزداد المياه ملوحة مع نقص في المياه العذبة، كل يوم ينقص مخزون المياه، فنجد انفسنا امام اكبر قضية الامن الغذائي، وكل يوم نشعر اكثر بتاثير التغيرات المناخية في حياتنا مما يجعلنا نفكر ونبحث عن مصادر غذائية جديدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

اقرأ المزيد: الجوع كافر وعواقبه وخيمة

تقوم المراكز البحثية للزراعات الملحية بإجراء تجارب مكثفة لامكانية الحصول على انتاجية مناسبة باستخدام المياه المالحة سواء كانت مياه ابار او مياه بحار، حيث توصلوا الي انتاج نباتات ملحية في الاراضي الهامشية تروى بمياه مالحة ومياه شديدة الملوحة ولكننا رغم ما نعانيه من نقص في الحبوب ونقص في المحاصيل الزيتية والاشجار الخشبية لم يفكر المستثمرون المصريون في انتاج هذه المحاصيل غير التقليدية.

من الحبوب والزيوت: الكينوا – الدخن اللؤلئي – الخروع – الخردل – الجتروفا –  المورنجا – والسليكورنيا – والبونيام والهالوفيت والكانولا والقرطم وغيرهم من المحاصيل المنسية.

لو نجح  هذا التوجه وتم تشجيعه من الجهات الحكومية المختصة سوف يغنينا عن استيراد كثير من المنتجات الزراعية والاعلاف الحيوانية ويكون غطاءا نباتيا في الصحراء، حيث يحسن البيئة ويقلل من التصحر ويوفر ملايين الدولارات التي تنفق على استيراد المواد الغذائية سواء كانت للحيوانات او للانسان، كما انها توفر المياه العذبة  عن طريق استخدام المياه المالحة او مياه البحر.

اقرأ المزيد: محاصيل تقضي على الجوع في العالم

المحاصيل غير التقليدية ودورها في مواجهة الجوع.. وكيف نحد من الاهدار المحصولي الغذائي

العالم خاصة عالمنا العربي يواجه تحديات جسيمة على مستوى إنتاج ووفرة الغذاء أهمها التصحر والتغيرات المناخية القاسية التي شاهدناها خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب ما نعانيه في بلادنا العربية من تأخر معرفي بالمعاملات والتكنولوجيا الزراعية الحديثة والوعي بالزراعات غير التقليدية، حيث تعتبر تلك العوامل جزء كبير من الأزمات التي نواجهها حاليا في ظل تحديات كبيرة تحدث حولنا وتؤثر على انتاجية الغذاء أو وصوله بشكل غير عادل لكل المواطنين وهو ما يسبب المشكلة الأهم التي تهدد المجتمعات العربية والعالمية حاليا وهي الجوع.

لأن الجوع أزمة عالمية فكانت مكافحته على رأس قائمة أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة السبعة عشر من أجل خلق مستقبل أفضل بحلول 2030 ومن بين هذه الأهداف مواجهة تحديات الفقر وعدم المساواة وتغير المناخ وتدهور البيئة.

اقرأ المزيد: هل زراعة الكفاف يمكن أن تكون حلاً لمشكلة الجوع؟

رغم الجهود الكبيرة التي تقوم بها منظمة الأغذية والزراعة والامم المتحدة لتخفيض اعداد من يعانون من الجوع في العالم  إلا أنه وفق تقديرات الأمم المتحدة فان هناك 821 مليون إنسان يعانون من الجوع وسوء التغذية سنويا وأغلب هؤلاء يعيشون في الدول النامية.

أمام هذا العدد المفجع للأرقام المهولة لأعداد الأشخاص الجوعى في العالم التي ترتفع عاما بعد عام، لا يسعنا الا ان نتعاون معا حكومات ومواطنين ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ومنظمات حكومية دولية وعالمية  للاستثمار والابتكار وإيجاد حلول دائمة لاتخاذها لمواجهة الجوع أو “الغول المفترس” كما أسميه، حيث نخوض الآن تحدي آخر وهو هجرة المزارعين لأراضيهم بسبب المشكلات التي يعانون منها على مستوى التسويق وانخفاض الإنتاجية دون دعم حقيقي من الحكومات والمجتمع المدني لحل تلك الأزمات التي تسببت في انخفاض مساهمة الإنتاج الزراعي في بعض الدول العربية في الناتج القومي الإجمالي بنسب ليست بالقليلة

فإطعام العالم الذي يتزايد تعداده باستمرار ليس فقط عن طريق زيادة إنتاج الغذاء دون تطبيق استراتيجيات ترشيد الاستهلاك قبل كل شيء، فهذه الزيادة في الإنتاج قد تضر البيئة إذا لم يتم اتباع دراسات اجتماعية دقيقة ونشر الوعي الاجتماعي المطلوب لضمان الاستمرارية والاستدامة اولا، لأن التكثيف والتوسع في المجال الزراعي إذا لم يكن قائما على أسس علمية صحيحة سيكون سببا في التلوث البيئي الهوائي والمائي وفقدان التنوع  البيولوجي.

اقرأ المزيد: الأمم المتحدة: الجوع يهدد أكثر من 47 مليون شخص في الشرق الأوسط

تقول الدراسات أن زيادة الإنتاج الغذائي بنسبة 20% يحد من جائحة الجوع، في حين إذا قارنا تلك النسبة بنسبة الهدر الغذائي العالمي المقدر بـ30% سنويا في العالم، يصبح الجوع نتيجة حقيقية لهذا الهدر الكبير وايضا لعدم المساواة بين السكان في الحصول على الغذاء وليس نتيجة نقص الإنتاج الزراعي.

يجب أن نبتكر ونستثمر كما يجب علينا تحسين البنية الاساسية للمناطق الريفية وخصوصا الطرق وسبل التخزين بما يضمن تمكين المزارعين للوصول الى قاعدة أوسع من المستهلكين، وزيادة فرص التسويق من خلال سلاسل القيمة المضافة للإنتاج الزراعي، حيث يتم هدر حوالي ثلث المواد الغذائية التي يتم إنتاجها سنويا أو فقدها بداية من الحصاد مرورا بالهدرالناتج عن التخزين وصولا الى المنافذ التسويقية مما يكلف اقتصاد العالم خسائر كبيرة.

كما ان هدر الطعام على الموائد في البلدان المتقدمة في الحفلات والعزائم الضخمة التي يهدر منها يوميا آلاف الأطنان من الغذاء دون استفادة، بينما يكون الفاقد في الدول النامية اثناء الانتاج حيث لا يتم استهلاك المحاصيل أو لا يتم تصنيعها بسبب سوء التخزين أو بسبب عدم قدرة المزارعين على نقل بضائعهم إلى الأسواق وغياب سلاسل القيمة المضافة.

اقرأ المزيد: أفضل 5 طرق لإبقاف الإحساس بالجوع .. تعرف عليها

حاليا يعتمد العالم على 5 محاصيل تقليدية أساسية في غذائه وهي الأرز والقمح والذرة والصويا والبطاطس وتواجه تلك المحاصيل حاليا مشكلات وتحديات، مثل ظواهر التغيرات المناخية القاسية وسط تشكك في قدرتها على الصمود أمام هذه التغيرات لفترات طويلة ومع اقتران التعرض الى التطرف المناخي بوجود نسبة عالية من السكان الذين يعتمدون على النظم الزراعية ذات الحساسية لتقلبات المطر ودرجات الحرارة.

يجب عدم الاعتماد كليا على المحاصيل التقليدية واللجوء الى الاستخدام الافضل للتنوع الزراعي ليسهم في وجبات مغذية اكثر بزراعة محاصيل غير تقليدية لتحسين معيشة المجتمعات الزراعية ولتوفير الغذاء الامن والعالي الجودة للجميع.

بمحاصيل جديدة غير تقليدية يمكننا تحقيق الاستدامة في ظل هذه التغيرات المناخية التي نعيشها وفي ظل الحرب عل قطرة المياه لتوفير الغذاء الكافي والصحي  – هذا الى جانب الدعم الحكومي والتكافل الاجتماعي – الذي يبدا من برامج تغذية مدرسية صحية وتوعية اجتماعية تشمل كل الفئات المجتمعية لتقليل بقايا الفاقد من الطعام والحد من الاستهلاك المبالغ فيه الى جانب اجراء المزيد من البحوث الزراعية لزيادة انتاجية المحاصيل وتكييف السياسات الغذائية مع التغيرات المناخية بمحاصيل صحية وغنية بالعناصر الغذائية المفيدة لجسم الانسان.

اقرأ المزيد: الجوع وإمداد الغذاء

وبناء على ذلك لتقليل الهدر الغذائي ومكافحة الجوع يجب:

1- تشكيل لجنة من خبراء المناخ في الوطن العربي لرفع تقارير دورية الى المجلس وجامعة الدول العربية حول الوضع المناخي وتغيراته المختلفة وتأثيرها على إنتاجية المحاصيل ومواعيد الزراعة.

2- تأسيس مبادرة عربية لجمع الفائض من الغذاء من الفنادق ومتاجر الجملة والتجزئة بشكل أسبوعي والتبرع بها للشعوب الأكثر جوعا في المنطقة العربية وإفريقيا، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية في حكومات الدول العربية من المحيط إلى الخليج.

3- القيام بحملة توعوية على وسائل التواصل الاجتماعي للحد من سلوك الهدر الغذائي ومكافحة الجوع.

4- تعريف المزارعين بالمحاصيل غير التقليدية مثل “الكينوا – الدخن – السورجام – الكسافا – إلخ” كونها محاصيل المستقبل للبدء في التوسع بزراعتها من الأن وتوطين زراعتها بالبلاد العربية خلال السنوات المقبلة.

اقرأ المزيد: وزير الزراعة يبحث مع مدير الفاو تفعيل مبادرة استئصال الفقر والقضاء على الجوع

5- دعوة الإعلاميين في الوطن العربي إلى التوعية بخطورة ملف هدر الغذاء، ومكافحة السلوكيات الخاطئة التي تساعد على الهدر وخاصة الحد من برامج الطبخ التي تنتشر بالفضائيات والتي تساهم في زيادة استهلاك الأغذية في العالم ووطننا العربي وزيادة معدلات الهدر بالتبعية.

6- تسهيل التعاون المشترك بين الدول العربية والدول الافريقية وذلك عن طريق:

ـ تقييم شامل للمرحلة الماضية ووضع خطط مستقبلية تقوم على التجديد والمعالجة الجذرية للمشاكل الهيكلية التي تعيق تطور القطاع الفلاحي.

ـ تحويل واستبدال التصدير إلى استراتيجيات تصنيع لتعظيم فرص التصدير لتوسيع التجارة الداخلية وتكامل الاقتصاديات.

ـ تخطيط استراتيجيات تطوير مدفوعة للتصدير لتشجع القطاع الخاص على لعب دور أكبر في القطاع الزراعي، كما حصل في تونس والان في مصر لإدخال وتطوير الزراعة العضوية.

اقرأ المزيد: «الفاو» تؤكد على أهمية التنمية الريفية للقضاء على الجوع والفقر فى العالم عام 2030

ـ تجنيد المواطنين في هيئات المراقبة وحتى في هيئات الإدارة التي تقدم خدمات عامة، للحكم على جودة وفعالية المنتج عبر السماح لمقدمي خدمات مختلفين على التنافس، وعبر جعل مزيد من الخدمات لامركزية بالنسبة للهيئات المحلية أو الحكومية، وعبر تصميم سياسات تشاركية تقدم للمواطنين الفرصة للمشاركة في توجيه الخدمات العامة.

ـ الوصول إلى التقنيات الجديدة وقواعد المعلومات – وذلك بعودة الاعدادالكبيرة من العقول المغتربة في الدول المتقدمة  للبلاد  وبالتعاون مع العقول العلمية الموجودة محليا  مما يؤدي إلى ترويج التطوير والتطبيق للتقنيات التي تحسن الإنتاجية وتقلل من المخاطر بالنسبة للمحاصيل التي تستلزم مناطق تحتاج إلى الري، وتحسين إدارة موارد المياه، تربية واستخدام الأصناف عالية ومستدامة الإنتاج، إضافة إلى الاستخدام الأمثل للأسمدة.

ـ أما بالنسبة للمواشي فتستلزم التكامل مع إنتاج المحاصيل، والاستخدام الأفضل للمروج الطبيعية، ومحاصيل العلف والإنتاج، بإدارة تربية متطورة ومقاييس للصحة الحيوانية المطولة في هذه الحقول وتعزيز وتوسيع تسهيلات تخزين الطعام في مرحلة ما بعد الحصاد إضافة إلى خدمات التوثيق.

اقرأ المزيد: ابتكار جديد عبر الإنترنت يحارب الجوع وهدر الغذاء

ـ تعزيز آفاق تكنولوجيا الأحياء في أن تؤثر وتفيد في مجالات الزراعة التقليدية، الالتقاء مع التقنيات التقليدية، تتعهد تكنولوجيا الأحياء الحديثة بإنتاجية متزايدة ومستدامة، ومعالجة فعالة لتنويع المنتجات المطورة واستخدامها، وتكييف جودة المنتج حسب المتطلبات الوظيفية، وتقليل الاعتماد على المواد الكيماوية الزراعية وغيرها من المدخلات الخارجية، تكنولوجيا الأحياء سوف تقود إلى التنافسية والمزايا التفصيلية في العديد من الحقول بما فيها الزراعة والأغذية.

ـ تفعيل المنطقة التجارية الحرة للقارة الافريقية مع جميع دول الاتحاد الافريقي ومع  الدول العربية وانشاء منطقة تجارية حرة، خاصة بكل الاقاليم لمواجهة الاتحاد الاوروبى والسوق الاوروبية المشتركة في المقام الاول ولتسهيل التبادل التجاري فيما بينها وتطوير الصناعات الموجهة نحو التصدير وتوليد فرص  العمل.

اقرأ المزيد: الأمم المتحدة تدعو إلى الاستثمار الزراعي لمكافحة الجوع

كذلك انشاء بنك جيني زراعي وحيواني داجني وسمكي لحماية السلالات الخاصة بكل بلد وهذا ما ينقصنا فعلا – حتى لا نبقى تحت تبعية الدول الاوروبية والامريكية وغيرها من الدول التي تسعى لطمس هوية شعوبنا الحرة وطمس زراعاتنا وتغيير منظومتنا الحياتية والمعيشية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى