صحة

شم النسيم بين العادات الغذائية التقليدية ومُتطلبات الصحة العامة

إعداد: د.حنان عبدالكريم غنام

باحث بقسم بحوث تكنولوجيا الحاصلات البستانية بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية

يُعد شم النسيم من أقدم المناسبات الشعبية في مصر، إذ يرجع تاريخه إلى العصور الفرعونية، حيث كان يُحتفل به مع قدوم فصل الربيع باعتباره رمزًا لتجدد الحياة والطبيعة. وقد ارتبط هذا اليوم بعدد من العادات الغذائية التي أصبحت جزءًا من التراث الثقافي المصري، ومن أبرزها تناول الفسيخ، الرنجة، البيض الملوَّن، البصل الأخضر، والخس.

ورغم أن هذه الأطعمة ترتبط بمفاهيم رمزية تعكس معاني الحياة والتجدد والخصوبة، فإن لكل منها دلالات خاصة في الثقافة الشعبية القديمة؛ فالبصل الأخضر كان يُستخدم كرمز لطرد الأرواح الشريرة، في حين اعتُبر الخس رمزًا للخصوبة والنماء. أما البيض الملوَّن، فكان يُعبّر عن فكرة البعث وبداية الحياة الجديدة، وهي رمزية لا تزال حاضرة في احتفالات الأطفال حتى العصر الحديث.

ومع تطور المفاهيم الصحية وازدياد الوعي بالتغذية السليمة، خاصة في ظل التغيرات البيئية الحديثة، بدأت تثار تساؤلات حول مدى ملاءمة هذه العادات الغذائية من الناحية الصحية. لذا، برزت الحاجة إلى إيجاد توازن بين الحفاظ على الموروث الثقافي من جهة، والالتزام بالممارسات الغذائية الآمنة من جهة أخرى.

وفي هذا السياق، يُمثل شم النسيم مناسبة اجتماعية ذات طابع احتفالي، تُجسد تداخلاً بين التقاليد والترفيه الشعبي، إلا أن الحفاظ على الصحة العامة يجب أن يُعد أولوية لا تقل أهمية عن إحياء الطقوس التراثية. وعليه، فإن تعزيز الوعي الغذائي والالتزام بمعايير السلامة الغذائية يُعدّ مدخلاً أساسيًا للاستمتاع بهذه المناسبة دون تعريض الصحة الفردية أو المجتمعية للخطر.

المركبات الكيميائية الفعالة في الخس والبصل وأهميتها الصحية والغذائية

أولًا: الخس

  1. يحتوي على فيتامين K، والذي يساعد على تجلط الدم بشكل طبيعي، ويدعم صحة العظام ويقلل خطر الكسور.

  2. يحتوي الخس على فيتامين A (بيتا-كاروتين)، وهو مضاد أكسدة قوي، يحافظ على صحة الجلد والعين، ويقوي الجهاز المناعي.

  3. يحتوي على حمض الفوليك، وهو مهم لنمو الخلايا، وخاصة أثناء الحمل، ويساعد في منع تشوهات الأجنة.

  4. يحتوي على العديد من الألياف الغذائية التي تحسّن عملية الهضم، وتساعد على تنظيم حركة الأمعاء وتقليل مستويات الكوليسترول.

  5. يحتوي على اللاكتوكاريوم، وهو مهدئ طبيعي يساعد على الاسترخاء والنوم بشكل أفضل (يوجد بكميات صغيرة).

  6. يحتوي على نسبة عالية من الفينولات ومضادات الأكسدة التي تحارب الجذور الحرة، وتقلل من الالتهابات وتدعم الوقاية من الأمراض المزمنة.

ثانيًا: البصل

  1. يحتوي على كويرسيتين (Quercetin)، وهو مضاد أكسدة قوي، يقلل الالتهابات، ويحمي من أمراض القلب وبعض أنواع السرطان، ويقوي المناعة.

  2. يحتوي على أليسين (Allicin)، وهو مضاد بكتيري وفيروسي، يساعد في خفض ضغط الدم والكوليسترول، ويقوي المناعة (يتكون عند التقطيع).

  3. يتميز باحتوائه على مركبات الكبريت العضوي، وهي مفيدة لصحة القلب، تقلل الكوليسترول، وتحسن حساسية الجسم للأنسولين.

  4. يحتوي على أنثوسيانين (Anthocyanin)، وهو مضاد أكسدة قوي (موجود في البصل الأحمر)، يدعم صحة القلب ويقلل تلف الخلايا.

  5. يحتوي على الإينولين (Inulin)، وهو نوع من الألياف القابلة للذوبان، يدعم صحة الجهاز الهضمي، ويغذي البكتيريا النافعة في الأمعاء.

  6. بالإضافة إلى احتوائه على فيتامين C، الذي يدعم جهاز المناعة، ويساعد في امتصاص الحديد، ويعمل كمضاد أكسدة فعال.

وبرغم القبول المجتمعي الواسع لهذه الأطعمة، إلا أن تناولها يستدعي التوقف عند عدد من الاعتبارات الصحية المهمة، حيث إن الإسراف في تناولها يؤدي إلى الإصابة بالعديد من المخاطر الصحية، وذلك نتيجة:

  1. زيادة ملح الطعام وعنصر الصوديوم: يحتوي كل من الفسيخ والرنجة على كميات عالية من الصوديوم، مما يرفع من احتمالية الإصابة بارتفاع ضغط الدم واحتباس السوائل في الجسم، لا سيما لدى المرضى المصابين بأمراض القلب أو الكلى.

  2. خطر التسمم الغذائي: يُعد الفسيخ تحديدًا من الأطعمة ذات القابلية العالية للتلوث في حال لم يتم تحضيره أو تخزينه بشكل صحي؛ إذ يمكن أن يتلوث بأنواع من البكتيريا الضارة مثل Clostridium botulinum، والتي قد تؤدي إلى حالات تسمم غذائي خطيرة.

  3. المواد الحافظة والدخان: تحتوي بعض أنواع الرنجة المصنعة على مواد حافظة صناعية أو يتم تدخينها بطرق قد تترك بقايا كيميائية، مما قد يؤثر سلبًا على الجهازين الهضمي والتنفسي عند الإفراط في تناولها.

عامة، لا يُعد الحفاظ على التراث الثقافي، مثل تقاليد شم النسيم، متعارضًا مع الاهتمام بالصحة العامة، بل يمكن الجمع بينهما من خلال ممارسات غذائية واعية. ومن أبرزها:

  • شراء الأسماك المملحة والمدخنة من مصادر موثوقة، وضمان سلامة التخزين.

  • الاعتدال في استهلاك هذه الأطعمة، خاصة لدى الفئات الحساسة مثل الأطفال، وكبار السن، ومرضى الأمراض المزمنة.

  • إدراج الخضروات الورقية الطازجة مثل الخس، الجرجير، والبصل الأخضر، لتحسين الهضم وتقليل امتصاص الصوديوم.

  • الإكثار من شرب الماء لتقليل آثار الأملاح الزائدة.

  • اللجوء إلى بدائل صحية مثل السلمون المدخن منخفض الصوديوم أو الأسماك المشوية.

وبذلك، يُجسد شم النسيم نموذجًا للتوازن بين الأصالة والوعي الصحي، حيث يمكن الاحتفال بالمناسبة دون الإضرار بالصحة، إذا ما التُزم بمبادئ التوازن، والاعتدال، والاختيار الغذائي السليم.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى