رأى

قراءة هادئة في ملف تبطين الترع

مقال الدكتور «صبحي فهمي منصور».. أستاذ بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة بمركز البحوث الزراعية

الترعة هي مجرى مائي محفور لنقل المياه من نهر النيل للأراضي الزراعية في الوادي والدلتا، ويعني “تبطين الترع” إكساء السطح الترابي للقناة المائية لمنع تسرب المياه، وذلك عبر طرق متعددة، سواء بطبقة من الأحجار بسمك 30 سنتيمتراً، وفوقه طبقة من الخرسانة العادية بسمك 10 سنتيمترات، أو باستخدام خرسانة مسلحة وخرسانة عادية تعلوها طبقة من الرمال المثبتة، ومن المفترض أن تحديد نوع التبطين يكون وفقاً لطبيعة التربة المارة بها الترعة.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

كما ان بعض الترع ليس من المفترض تبطينها كالترع المارة فى ارض طينية، وبالتالي لا يمكن تبطين كل الترع بمصر نظرا للتكلفة الباهظة التى تتطلبها، لذا فيمكن تغيير المسمى إلى مشروع تأهيل الترع.

وفقا لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، وهي هيئة تابعة لرئاسة الجمهورية، فإن مشروع إعادة تأهيل وتبطين ترع الري أحدث المشروعات المصرية لمواجهة أزمة العجز المائي، حيث يستهدف الحفاظ على كميات المياه المهدرة بعد تسربها إلى التربة الطينية.

اقرأ المزيد: متحدث الري: الهدف الرئيسي لتبطين الترع ليس أبداً توفير المياه

من المتوقع توفير نحو خمسة مليارات متر مكعب من المياه التي كانت تهدر بطول مجاري الشبكة المائية في جميع أنحاء الجمهورية، كما تسهم صيانة الترع وقنوات الري في الحد من كمية البخر للمياه، وتقليل نسب الشوائب التي تصل إلى نهاية الترع وتقلل من كفاءتها، فضلاً عن ضمان وصول المياه بصورة أسرع دون أعطال للأراضي الزراعية، وتقليل تكاليف الصيانة السنوية للمجاري المائية.

وحسب تقرير صادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، تشمل خطة العام المالي 2023/2022 استهداف تأهيل 5759 كيلو متراً من المشروع القومي لتأهيل وتبطين الترع، حيث خصصت 24 مليار جنيه للمشروع خلال ذلك العام، من بين إجمالي المشروع الذي يشمل تبطين 20 ألف كيلو متر خلال الفترة من العام المالي 2021/2020 إلى 2024/2023.

لقد بلغت تكلفة المشروع حتى الآن 18 مليار جنيه وينبغي المضي قدماً فيه وفق الدليل الإرشادي، وأنه ليس بالضرورة التبطين بالخرسانة، بل سيقتصر التأهيل في بعض الحالات على التطهير من المخلفات والحشائش والمهم تحقيق هدف إعادة الترعة لتأدية وظيفتها الأساسية وهي نقل المياه بالكفاءة والكميات المطلوبة للأراضي الزراعية.

اقرأ المزيد: أستاذ أراضي بزراعة القاهرة: تبطين الترع يوفر 7 مليار متر مكعب من المياه لاستصلاح مليون فدان جديدة

هنا يمكننا  استخدام الملاس (هو ما يستخدم فى تلويط المساقى لمنعها من ترشيح ونفاذ مياه الرى الى خارج المساقى)، خاصة اذا كانت الترعة تمر فى منطقة طينية كما هو فى اراضى الدلتا، فهذه لا تحتاج الى تبطين حيث يمكن عمل تصميم للترعة بطريقة الملاس ثم يتم سحبه من بداية الترعة الى نهايتها على ان يكون بالترعة كميه قليلة من الماء تساعد على سرعة حركة الملاس وغلق مسام ونفاذية جوانب الترعة.

بهذه الطريقة يمكننا تحقيق الهدف من المشروع وهو تحسين وصول المياه إلى الأراضي الزراعية والمحافظة على مياه الترعة وعدم تسربها وزيادة سرعتها ووصول المياه إلى الأراضي الزراعية إلى نهايات الترع، والفائدة الاخرى والاهم هو توفير ما قد ينفق فى عملية التبطين، وبذلك يمكننا القول: لا لتبطين كل الترع وتبطن فقط الترع المارة فى الأراضي الرملية حيث نفاذيتها عالية ولمنع رشحها للمياه كما يجب التحذير من تبطين المصارف لانها بذلك تفقد وظيفتها.

اقرأ المزيد: وزير المالية: 3 مليار لتبطين الترع والمصارف

اما من ناحية الحد من البخر فلا يمكن منعه الا اذا تم تركيب الواح شمسية على الترع التى تم تبطينها كما فعلت الهند وهى بذلك تحد من عملية بخر الماء (تقليل فواقد المياه من الترع عن طريق البخر)، وفى نفس الوقت الاستفادة بطاقة كهربائية يمكن استخدامها فى عمل مبردات بجانب الحقول حتى لا تفسد المحاصيل التى يتم حصادها، بالاضافة الى لاستخدام الطاقة الشمسية فى الرى السطحى وتشغيل الطلمبات.

كما أن ما يتردد من توفير خمسة مليارات متر مكعب من فواقد المياه بالرشح  يعتبر من قبيل “المبالغة” حيث من المعلوم أن مجموع فواقد الرشح من نهر النيل وكافة الترع تبلغ حوالى ثمانية مليارات متر مكعب من المياه سنوياً، تدخل إلى مخزون المياه الجوفية في دلتا ووادي النيل وتستخدم مرة أخرى في أغراض الشرب والزراعة.

اقرأ المزيد: تبطين وتأهيل 143 كيلو متر من الترع بتكلفة 500 مليون جنيه بمحافظات القناة

اما الفاقد الفعلى ويقدر بنحو حوالي 16 مليار م3مياه يفقد سنويا وهو ما يمثل 30% من حصة مصر السنوية في مياه نهر النيل من بحيرة ناصر، ويمكننا منع هذا الفاقد او تقليله بتركيب الواح شمسية على البحيرة، وفى نفس الوقت الاستفادة من الطاقة التي سوف تولدها فيما يعرف بالمحطات الشمسية العائمة.

والمحطات الشمسية العائمة هي نوع جديد من النظم الشمسية يتم تشييدها فوق المسطحات المائية لتحقيق عدة فوائد غير متوفرة حال تنفيذها علي الأرض الصلبة كما هو متبع في معظم الحالات. وقد بداء تشييد هذا النوع من النظم في عام 2014 وتميزت الصين بتطوير وتنفيذ هذا الفكر وتستحوذ الصين وحدها علي 70% من القدرات المركبة عالميا.

اقرأ المزيد: أستاذ أراضي ومياه: المشروع القومي لتبطين الترع سيوفر 10 مليارات متر مكعب من مياه الري

كما ان تكلفة تنفيذ هذا النظام عادية جدا بالمقارنة بالنظم الشمسية علي الأرض الصلبة، ولا يحتاج إلى اي امكانيات فنية أو تكنولوجية غير عادية. ولكن سبب عدم تطبيقه حتي اليوم في دولنا هو الخوف من التجديد وعدم وجود روح التطوير كما هو الحال في ثقفاتنا العربية، رغم كون هذا النظام مناسب جدا للظروف المناخية والبيئية في الدول العربية.

فوائد تشييد المحطات الشمسية العائمة

1- التوفير في المساحة حيث يتم اسغلال مسطح المياه دون اهدار في الأرض، وهذا الفكر مفيد جدا عندما تكون جهة التنفيذ لا تمتلك ارض. مثال ذلك (وزارة الري وشركات مياه الشرب تمتلك حق استغلال المسطحات المائية في الترع والبحيرات، ولكنها لا تمتلك اي أراضي حول هذه المسطحات).

اقرأ المزيد: دراسة: 19 مليار متر مكعب فاقد المياه من الترع

2- تقليل البخر في المسطح المائي عند تغطية جزء منه بالألواح الشمسية، فيمكن مثلا تنقيذ المشروع علي بحيرة السد العالي والترع ونهر النيل للحفاظ علي الموارد المائية، وقيمة البخر في مناخ مثل مصر حوالي 3 م3سنويا لكل متر مسطح من المسطحات المائية، وبحسبة بسيطة لبحيرة السد العالي كمثال مسطحها حوالي 5250 كيلو متر مربع، ويبلغ معدل البخر السنوي في هذه المساحة الكبيرة حوالي 16 مليار م3مياه سنويا وهو ما يمثل 30% من حصة مصر السنوية في مياه نهر النيل.

اقرأ المزيد: مشروع تأهيل الترع من عدالة توزيع المياه إلى شكاوى المزارعين وأخطاء التنفيذ

هذا بالإضافة الى ان سد أسوان في مصر الذى يفقد حاليا ربع مدخلاته المائية السنوية نتيجة التبخر تحت شمس الصحراء، واذا اضفنا الى ذلك ان طول المجاري المائية فى مصر تصل إلى 55 ألف كم (33 الف كم ترع + 22 الف كم مصارف)، بالاضافة الى 1500 كم طول نهر النيل بفرعيه فاذا اقمنا المحطات الشمسية العائمة على نصف هذه الاطوال، خاصة فى النصف الجنوبى لمصر حيث درجات الحرارة المرتفعة لاستطعنا توفير ما يزيد على 40% من حصة مصر السنوية في مياه نهر النيل وسوف يعود بفائدة عظيمة علي الموارد المائية بالاضافة الى كمية الكهرباء التي سوف نحصل عليها من وراء بناء هذه المحطات العائمة.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى