رأى

«النبات» كغذاء ودواء

بقلم: د.شمس رأفت

باحث بقسم بحوث النباتات الطبية والعطرية بمعهد بحوث البساتين ـ مركز البحوث الزراعية

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي من لانبي بعده سيدي وسيد الخلق الجمعين، بقول الله ﷻ “أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ”.

دعونا نخص بالذكر في مقالنا هذا _ والذي نرجو أن يعم علي قرائنا الكرام بالنفع والفائدة_ النبات كغذاء ودواء، حيث أن هاتين المعضلتين هما ركنا الزاوية لحياة كافة البشر وضمان استمرارية تواجدهما على سطح كوكب الارض.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

وفقا لتقرير منظمة الأمم المتحدة الصادر في عام 2021 التي أفادت أن العالم يبتعد أكثر فأكثر عن تحقيق هدف القضاء على الجوع وإنعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله بحلول عام 2030، وأقرت بأن عدد الأشخاص الذين يعانون الجوع في العالم قد ارتفع إلى حوالي 828 مليون شخص في عام 2021 أي بزيادة قدرها نحو 46 مليون شخص منذ عام 2020 و150 مليون شخص منذ تفشي جائحة كوفيد-19.

كما أوضحت التقارير أنه بحلول عام 2050 سيكون هناك 9,7 مليار شخص في العالم ومن الصعب توفير الغذاء الكافي لهذا العدد من البشر بالزراعة التقليدية بسبب التغيرات المناخية ونقص الموارد المائية وتصحر التربة، وبالنظر إلى المستقبل القريب تشير الإسقاطات إلى أن حوالي 8% من سكان العالم سيظلون يعانون من الجوع في عام 2030 حتى لو حدث انتعاش اقتصادي عالمي.

اقرأ المزيد: روشتة القضاء على الجوع في عالمنا العربي

في ظل ما يلوح في الأفق من خطر تداعيات الحروب وأثرها علي الإنسان فقد دعت الحاجة إلي البحث عن طرق جديدة قابلة للتطبيق في مجالات الزراعة المختلفة لتوفير الغذاء لمواجهة المستقبل والاستخدام الأمثل للمحاصيل علي الصعيدين الغذائي والدوائي.

من هنا توسعت بعض الدول في استخدام نظم الزراعة الحديثة كنظام الهيدروبونيك (زراعة النباتات بدون تربة عن طريق زراعتها في ماء به مغذيات) والأكوابونيك (زراعة النباتات مائيا بجانب تربية الأسماك) والساندبونيك (وهى كالأكوابونيك بإضافة الرمال لتدعيم النباتات) لزراعة فعالة ولترشيد استهلاك الموارد.

كما تم اعتماد تقنية النانو في الزراعة لتقليل استخدام المياه في الري بشكل كبير واستخدام المغذيات والمبيدات الدقيقة ونشرها بين المحاصيل الزراعية لتسريع نموها وحمايتها من الآفات وغيرها من التطبيقات الفعالة.

اقرأ المزيد: محاصيل تقضي على الجوع في العالم

فيما يخص المجال الدوائي فإنه طبقا لمنظمة الصحة العالمية فإن ما يصل إلى 50٪ من السكان في البلدان ذات الدخل المنخفض لا تتوفر لديهم إمكانية الحصول على الأدوية الأساسية ذات الجودة فإما غير متوفرة في المرافق الصحية العامة أو غير ميسورة التكلفة، وعلى الصعيد العالمي يؤدي هذا النقص إلى موت الملايين بسبب أمراض يمكن اتقاؤها أو علاجها حيث أن الحصول على الأدوية الأساسية يعتبر حقاً من حقوق الإنسان العالمية.

مع تفاقم أزمة نقص الأدوية الحاد فكان لزاما علينا التوجه بالنظر للتداوي بالأعشاب والنباتات باعتبارها مصدر نظيف وآمن ومتاح دائما وكونها المصدر الاساسي لأغلب الأدوية في صورتها الطبيعية ومن هنا تتأتي أهمية النباتات الطبية لمواجهة تلك الأزمة.

لقد اعتمدت البشرية منذ بدء الخليقة علي النباتات لإمداد البشر بما يحتاجونه من العناصر الغذائية ولا سيما المكونات الفعالة للتداوي، ويميل الطب الحديث الآن إلى استخراج المكونات النشطة من النبات بدلا من استخدام النبات بأكمله كاستخلاص الديجوكسين من نبات الديجيتال الأرجواني لعلاج أمراض القلب والكابسيسين من الفلفل الحار وهو أساس المراهم. كما يساعد في تذويب الجلطات الدموية والأسبرين المستخرج من الصفصاف الأبيض والمواد الأفيونية كالمورفين المستخرج من خشخاش الأفيون وغيرها.

اقرأ المزيد: «الفاو» تؤكد على أهمية التنمية الريفية للقضاء على الجوع والفقر فى العالم عام 2030

كما تستخدم بعض النباتات كعلاج بديل للادوية كنبات المريمية لتحسين الوظيفة الإدراكية في المرضى الذين يعانون من الزهايمر بنسبة خفيفة إلى معتدلة والمورينجا والتي تعالج اكثر من 300 مرض مختلف وتسمي بشجرة الحياة. والزعتر الذي لم تثبت فعاليته في أي أدوار طبية أخرى غير الجهاز التنفسي كعلاج التهاب الشعب الهوائية والسعال ومضاد للتشنج وطارد للبلغم والقرع المر والذي يستخدم كأداة لخفض مستوى السكر في الدم.

علي الرغم من سمية بعض النباتات إلا أن لها استخدامات علاجية ناجعة وفعالة كالبلادونا والتي تدخل في قطرات العين من أجل توسيع بؤبؤ العين، كما تستخدم كمسكن. والبلوط الذي استخدمه الهنود الحمر لتقديم الشاي العشبي لعلاج التهاب المفاصل والسرطان رغم إمكانية سميته العالية للكبد والذي قد يؤدى إلى الفشل الكلوي والإفيدرين الذي تم استخدامه لأكثر من 5000 سنة في الطب الصيني التقليدي لأمراض الجهاز التنفسي والذي يساعد في فقدان الوزن والطاقة والأداء الرياضي خاصة تلك التي تحتوي على الكافيين أيضا قد يؤدي إلى السكتة الدماغية وعدم انتظام ضربات القلب وحتى الموت ونبات شوكران وهو سام جدا إلا أنه يستخدم أحيانا للألم والالتهاب وغيرها من النباتات ذات الفاعلية رغم خطورتها.

من خلال الفقرات القادمة سنخص الحديث عن نبات يُعرف بالنبات المعجزة وهى شجرة المورينجا والتي تعرف بأسماء كثيرة حسب تواجدها (اليسار/الرواق/الحياة/الشوع/البان …الخ) وهي عائلة نباتية واحدة تضم جنس واحد وهو المورينجا والتي لها اكثر من 13 نوع علي مستوي العالم وسنخص بالذكر ثلاث أنواع منها تتواجد في جمهورية مصر العربية وهي الأوليفيرا والستينوبيتالا والبيريجرينا.

من المعروف علميا عن هذه العائلة احتوائها علي قدر عالي من المغذيات. لقد أثبت علميا احتوائها علي 7 أضعاف كمية “فيتامين ج” الموجود في البرتقال و4 أضعاف “فيتامين أ” الموجود بالجزر و4 أضعاف محتوى الكالسيوم الموجود باللبن و3 أضعاف محتوي البوتاسيوم بالموز، وأيضا ضعفي البروتين الموجود في الزبادي و25 ضعف لمحتوي الحديد في السبانخ وغيرها من مضاعفات المحتوي الموجود في النباتات الأخري.

اقرأ المزيد: تعرف علي طرق زراعة المورينجا

تحتوي المورينجا علي 92 مكون غذائي و46 مضادات أكسدة لتأخير الشيخوخة وإصلاح التالف من الخلايا و36 مضاد التهاب و18 حمض أميني منهم 9 أحماض أمينية أساسية والتي تؤدي جميعها دورا هاما في ضبط معدلات السكر والضغط في الدم لمعدلاتهما الطبيعية وتستخدم في تحسين النظر وتقوية الجهاز المناعي وزيادة الطاقة والتحمل ونقاء الذهن وتحسين الهضم، كما تعمل كمضادات للفطريات ومضادات التهاب ومضادات أكسدة ومضاد كوليسترول ومضاد اكتئاب.

كما تحتوي بذور المورينجا علي 30 : 40% زيت ويعرف بزيت البان وهو سائل شفاف عديم اللون يتميز بسيولته تحت الدرجات المنخفضة ويدخل في مستحضرات التجميل أيضا، حيث أنه يساعد علي نمو الشعر ويحمي الجلد من التصبغات ويساعد علي تقليل خطوط وعلامات الشيخوخة. كما استخدمه القدماء المصريين في التقديمات الجنائزية طوال العصر الفرعوني.

لقد أثبتت بعض الأبحاث كفاءة المورينجا كمعجون لعلاج اللثة والأسنان وبالتجارب الميدانية اتضح أن لها أيضا دور في تنقية المياه عن طريق نقع أغلفة البذور في الماء المراد تنقيته فتقوم بدورها بحمل الشوائب من الماء وتصفيتها.

اقرأ المزيد: خبراء يطالبون بالتوسع في زراعة أشجار المورينجا بالشوارع والحدائق العامة

في مجال العلف والتسمين فقد لوحظ أنه بإضافة المورينجا لعلف الأبقار والماشية فإنه أدي ذلك إلي زيادة في حجم اللحم ومحتوي البروتين للحيوان، كما أنه ساعد في تضاعف كمية اللبن الناتج بنسبة تزيد على 20%.

قيل قديما كل شيء إن زاد عن حده انقلب إلى ضده فإنه أُثبت علميا أن الإفراط في تناول المورينجا قد يسبب أضرار جانبية لبعض البشر خاصة الحوامل، حيث قد يزيد فرص الإجهاض لديها لزيادة تقلصات الرحم. كما وأن جذور المورينجا يتركز بها سم عصبي شديد (قلاويد سبيروتشين)، ولذا يرجي توخي الحذر حين تناولها، حيث يتناولها البعض لعلاج الجيوب الأنفية.

اقرأ المزيد: اكتشافات مُذهلة لنبتة المورينجا بـ”المركز القومي للبحوث”

نظرا لصفات المورينجا الملينة فإن كثرة تناولها قد يسبب اضطرابات في المعدة، كما وأن تناول المورينجا بإسراف قد يؤدي إلي تأثيرات سيئة في الدم كانخفاض كريات الدم البيضاء والصفائح الدموية، وأيضا مرض الحبرة وهو بقع حمراء علي الجلد نتيجة نزف داخلي في الأوعية الدموية.

في ضوء ما توصلت إليه في أطروحتي لمناقشة رسالة الدكتوراة عام 2018 عن المقارنة بين الأنواع الثلاثة من المورينجا الموجودة في جمهورية مصر العربية وهى (الأوليفيرا والتي أصولها هندية – الستينوبيتالا وأصولها أثيوبية – والبيريجرينا وأصولها عربية) _فإنه وإلى وقتنا هذا _ كانت النتائج دوما مبشرة وتشجع على الاستغلال الأمثل لتلك الاشجار خاصة النوع العربي خاصتنا، حيث كانت نتائجه مبهرة دوما مقارنة بالنوعين الآخرين مما يلقي الضوء علي ضرورة البدء باستزراعه في مواسمه المحددة، حيث أنه يتطلب وقت أكبر حتي يستفاد منه كأوراق وبذور، وعلي النقيض فأنه لا يحتاج _ هو ولا أي من أنواع المورينجا إلي جهد كبير أو وفرة في المياه أو ظروف خاصة للزراعة _ مما يؤكد سهولة زراعته ويسر استخدامه وتصنيعه.

شاهد: ازرع المورنيجا واربح 30 ألف جنيه في 6 شهور

من وجهة النظر الزراعية فإنه ينصح وبشدة الحث على استزراع شجرة المورينجا بصفة عامة سواء في الحدائق والمتنزهات وبداخل المنازل وأن تخصص لها الدولة مساحات كبيرة لزراعتها وتخصيص مصانع للاستفادة من هذه النبتة غذائيا ودوائيا تحت الإشراف العلمي والزراعي السليم كي تعم فائدتها المرجوة بالشكل الذي يضمن للإنسان الاستكفاء والأمان في الوقت ذاته.

وأخيرﴽ وليس آخرا .. فلنتذكر دوما أن النبات يسبح لله علي الدوام ولنتمحص أمر الكريم (ﷺ) فليغرسها.
دمتم ودامت أيامكم ملأى بالخير واليسر والبركة.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى