رأى

الكينوا في مصر: مستقبل مشرق لمحصول استراتيجي

مقال الدكتورة «شكرية المراكشي» الخبير الدولي في الزراعات البديلة ورئيس مجلس إدارة شركة مصر تونس للتنمية الزراعية

هذا المقال يهدف إلى تسليط الضوء على الكينوا، وجعلها قضية وطنية تستحق الاهتمام والاستثمار. نأمل أن يكون هذا النص بمثابة دعوة للحكومة والمستثمرين للاستجابة لهذا الاقتراح الواعد والاستثمار في مستقبل مشرق لمصر..

الكينوا: المحصول الأصيل من بلاد البيرو وقصة قوة وعزيمة

قصة مصدر القوة والحماية في بلاد البيرو القديمة

تاريخ منشأ الكينوا

الكينوا هي نبات غذائي تم زراعته لأول مرة في بلاد البيرو قبل آلاف السنين. يعتبر الأصل الأمريكي للكينوا أحد الأسرار الزراعية القديمة لهذه المنطقة. كانت تعتبر هذه النبتة مصدرا رئيسيا للغذاء للسكان الأصليين في بلاد البيرو والمناطق المجاورة.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

قوة الكينوا كغذاء

تمتاز الكينوا بقيمتها الغذائية العالية، حيث تحتوي على البروتينات والألياف والفيتامينات والمعادن. كانت هذه النبتة القوية توفر الطاقة الضرورية لجنود بلاد البيرو منذ آلاف السنين. لاحظ الجيش في البيرو أن استهلاك الكينوا يزيد من قوتهم وصمودهم في وجه الأعداء.

الكينوا والدفاع عن بلاد البيرو

قبل ثلاثة آلاف سنة، وفي قلب جبال جنوب أمريكا، في بلاد البيرو القديمة، اكتشف البشر هذه الحبة الصغيرة السحرية التي عرفت باسم الكينوا. هذه الحبوب الصغيرة أصبحت لاحقا الغذاء الرئيسي للجنود منذ آلاف السنين، وهناك قصة خلف تلك القوة والحماية التي جلبتها الكينوا لسكان بلاد البيرو.

كانت الكينوا تعتبر من أهم المحاصيل في بلاد البيرو القديمة. تميزت هذه الحبة بقيمتها الغذائية العالية وقدرتها على النمو في ظروف مناخية صعبة. كانت تعد مصدرا غنيا بالبروتينات، والفيتامينات، والمعادن، مما جعلها غذاءًا مثاليًا للجنود الذين كانوا بحاجة إلى طاقة وقوة كبيرة أثناء الحروب والصراعات.

ازدهرت زراعة الكينوا في بلاد البيرو، وكانت هذه المحصولات الغذائية هي المصدر الرئيسي للدعم الغذائي للقوات المسلحة. كان لديهم عزيمة قوية وشجاعة للدفاع عن موطنهم، وكانت الكينوا تعزز قوتهم وصمودهم في وجه الأعداء.

بالإضافة إلى قصة الكينوا كمصدر غذائي للجنود، لا يمكن تجاهل دورها في الحماية البيئية أيضا. فزراعة الكينوا كانت مستدامة ومتكيفة مع الظروف الجغرافية الصعبة في بلاد البيرو، مما جعلها عاملًا حاسمًا في الحفاظ على استدامة البيئة والمحافظة على الأمان والاستقرار في تلك المناطق.

بفضل مناطق جغرافية صعبة وجبال جبلية عالية، كانت بلاد البيرو دائما محصنة ضد الغزاة. وقد أسهمت القوة والعزيمة التي اتسم بها شعب بلاد البيرو في الدفاع عن أراضيهم. الكينوا كانت جزءا من تلك القوة، حيث ساهمت في تغذية الجيش وزيادة استدامتهم في فترات الصراع.

باختصار، تروي قصة الكينوا في بلاد البيرو القديمة حكاية عريقة عن القوة والحماية التي جلبتها هذه الحبوب الصغيرة. إنها تعبر عن عزيمة شعب قوي وصلب، وتشير إلى الأهمية الكبيرة للموارد الطبيعية المستدامة في تعزيز الأمن والازدهار في مجتمعاتنا.

الكينوا ليست مجرد نبتة غذائية، بل هي جزء من تراث وتاريخ بلاد البيرو. تعكس قوتها وعزيمتها التي تواجه بها تحديات الزمن والتاريخ. اليوم، تظل الكينوا تشكل جزءا مهما من التغذية الصحية والمستدامة على مستوى عالمي

الكينوا في العالم الحديث

 بفضل فوائدها الغذائية والصحية، انتشرت الكينوا في العالم الحديث كمصدر غذائي مهم. يعتبرها الكثيرون من الأطعمة الخيارية لأسلوب حياة صحي. تضاف الكينوا إلى العديد من الأطباق والنظم الغذائية لمساعدة الناس على الاستفادة من فوائها.

أهمية الكينوا وإمكانياتها الكبيرة كمحصول استراتيجي في مصر وما تقدمه من فوائد غذائية واقتصادية

الكينوا في مصر: محصول الصحراء الذي يجب أن يكون استراتيجياً

عندما نتحدث عن الكينوا، نتحدث عن محصول فريد من نوعه يحمل معه العديد من الفوائد للبيئة والاقتصاد والغذاء. تجمع هذه الحبوب بين القيمة الغذائية العالية والقدرة على النمو في الصحراء دون الحاجة إلى كميات كبيرة من المياه، مما يجعلها محصولًا مستداما واقتصاديا.

إحدى أهم فوائد الكينوا هي احتواؤها على التسعة الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاجها جسم الإنسان، وتمتاز بقيمتها العالية من البروتينات والفيتامينات. وما يميز الكينوا أكثر هو قدرتها على النمو بكميات قليلة من المياه، مما يجعلها مثالية للزراعة في المناطق الجافة والصحراوية.

ما يجعل الكينوا أكثر قيمة هو استخدامها بشكل استراتيجي في صناعة الخبز والمعجنات. حيث يمكن مزجها مع دقيق القمح لإنتاج خبز متكامل الفوائد، مما يعزز من قيمة المنتج النهائي ويساهم في تحقيق الأمن الغذائي. هذا لا يقدم تنوعا في الغذاء فقط بل يساهم في لتحسين التغذية والصحة العامة وأيضا في توفير عملة صعبة للاقتصاد من خلال تصديرها إلى العالم والحد من استيراد القمح.

مصر وقصة الكينوا: تأملات في إهمال الكينوا والدروس المستفادة من روسيا

رحلتي ورحلة فريق العمل الذي عملت معه على مدى العقد الماضي (10 سنوات) في مجال زراعة الكينوا في مناطق الصحراء المصرية. تمثل هذه الجهود مثالا للتفاني والعمل الشاق والتفكير المبتكر في تحقيق أهدافنا المشتركة.

لمدة عقد من الزمن، انخرطنا بشغف في تجربة زراعة الكينوا في بيئة تعتبر تحديا كبيرا. قمنا بالبحث والتجربة وتحسين تقنيات الزراعة لتناسب هذه المناطق الجغرافية الصعبة. لقد رفعنا من إنتاجيتنا وضمنا الكينوا كجزء مهم من المحاصيل المحلية.

عملنا أيضا على توعية المزارعين والمجتمع المحلي بفوائد الكينوا وإمكانياتها كمصدر غذائي ذو قيمة عالية. كتبنا مقالات وقدمنا ورش عمل لتبادل المعرفة والخبرات.

تجمع جهودنا ليس فقط على مستوى الإنتاج الزراعي بل وأيضا على مستوى توعية المجتمع بفوائد الكينوا ومساهمتها في تحسين الاقتصاد الوطني

باعتبارنا فريقا، استثمرنا وقتنا ومجهودنا وخبرتنا في هذا المجال، لاعتقادنا أن الكينوا تستحق أن تكون جزءا مهما من استراتيجية الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني. نحن ملتزمون بالاستمرار في العمل بجد لتحقيق هذا الهدف النبيل وتعزيز دور الكينوا في تحسين حياة مجتمعاتنا واقتصادنا.

على الرغم من هذه الجهود الجبارة، المستمرة لتعزيز هذا المحصول الرائع، إلا أن الجهود تبدو دون جدوى حتى الآن. لم نحقق الاستجابة التي كنا نأملها من قبل الجهات الرسمية وصانعي القرار لجعل الكينوا منتجا استراتيجيا وطنيا. هذا الإهمال يُثير تساؤلات حول الاستفادة الكاملة من إمكانيات هذا المحصول القيم..

يجب أن تكون مصر نموذجا للاستفادة من إمكانيات الكينوا وتوجيه الاستثمارات والدعم اللازم لتحقيق ذلك

يجب على الحكومة أن تعترف بأهمية الكينوا كمحصول استراتيجي وتقديم الدعم اللازم للمزارعين والمستثمرين لتوسيع زراعتها وصناعتها. إن تحويل الكينوا إلى جزء من استراتيجية الأمن الغذائي الوطني سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد والبيئة وصحة المواطنين.

عندما نتجاهل قيمة موارد طبيعية ثمينة مثل الكينوا، يمكن أن يؤدي ذلك الإهمال إلى آثار سلبية على الاقتصاد والصحة الوطنية. لسنوات عديدة، تحملت جهودا فردية لتعزيز الكينوا في مصر ونشر فوائدها المتعددة، بكتابة مفالات وتنظيم مؤتمرات  ولكن لم يتم الاهتمام  بها من قبل الحكومة والجهات المعنية لتصبح محصولا استراتيجيا.

في المقابل، نجد رئيس روسيا الذي استوعب القيمة الكبيرة للكينوا واتخذ خطوات جريئة لتطوير صناعة تحويل الكينوا. بعد قرار رئاسي، تم إنشاء مصنع كبير لتجهيز الكينوا واستخدام مخرجاتها في صناعة المواد الغذائية. كما تم تعزيز زراعة الكينوا على نطاق واسع لتلبية احتياجات جنوده الغذائية اولا ثم احتياجاته المحلية مع تصدير الفائض لديه.

لماذا لا نُبادر بمثل هذه الخطوات في مصر؟ هذا الموضوع يثير التساؤل حول الفرص المفتوحة أمامنا وضرورة الاستفادة من مواردنا الطبيعية بشكل أفضل. يمكن للكينوا أن تكون محصولا استراتيجيا يسهم في تحقيق الأمان الغذائي وتوفير فرص عمل وزيادة الصادرات.

في ظل تجاهل القائمين على الحكومة والدولة لقيمة الكينوا وفوائدها، يبدو أننا نعاني من فرصة مفقودة كبيرة في مصر. بينما يقوم رئيس روسيا باتخاذ إجراءات حاسمة لاستثمار فوائد الكينوا، نجد أنفسنا مترددين في الاستفادة من هذا المحصول القيم.

يجب على قياداتنا أن تتعلم من تلك الجهود وتفهم أن الكينوا ليست مجرد حبة صغيرة بل هي مفتاح للأمن الغذائي والاقتصادي في المستقبل.

مع ذلك، يتوجب علينا أيضا معالجة النواقص والتحديات التي تواجه زراعة الكينوا في مصر، مثل تحسين البنية التحتية الزراعية وتوجيه الدعم الحكومي إلى هذا القطاع الواعد.

باختصار، يجب على مصر أن تأخذ الدروس من تجارب النجاح العالمية مثل روسيا وتستثمر في زراعة الكينوا لتحقيق فوائدها الاقتصادية والغذائية، وذلك بتحفيز الاستثمارات وتوجيه الدعم اللازم لهذا القطاع المهم. إن الاستثمار في الكينوا اليوم قد يكون مفتاحًا لمستقبل مصر المزدهر والمستدام.

من المهم أن نتحد جميعا لدعم هذا الرؤية وتحويل الكينوا إلى محصول استراتيجي وطني. يجب أن نعترف بالقيمة الكبيرة لهذا المحصول ونستثمر في بحثه وتطويره وتوعية المجتمع بفوائده. لنجعل الكينوا ليس فقط مصدرا غذائيا مهما ولكن أيضا عاملا رئيسيا في تعزيز اقتصادنا وأمننا الغذائي.

رسالتي هى تكرار نشر المقالات عن  الكينوا  لجعلها  محصولا استراتيجيا قومياً في مصر، وكل أملي أن يتحقق هذا الهدف الهام بالقيام بالتالي:

زيادة زراعة الكينوا: يجب على مصر أن تستثمر بشكل كبير في زراعة الكينوا وزيادة مساحات الزراعة المخصصة لها.

دعم المزارعين: ينبغي تقديم الدعم للمزارعين الذين يقررون زراعة الكينوا من خلال توفير التمويل والتدريب والتكنولوجيا الزراعية.

تشجيع الصناعات المشتقة: يمكننا استفادة من الكينوا لإنشاء مصانع تقوم بتصنيع دقيق الكينوا والزيوت والمنتجات الصحية الأخرى.

توعية الجمهور: يجب تعزيز التوعية حول فوائد الكينوا وأهميتها للصحة والاقتصاد.

التشريعات المناسبة: ينبغي وضع التشريعات والسياسات اللازمة لتشجيع زراعة واستخدام الكينوا في مصر.

من خلال تبني هذه الخطوات، يمكن لمصر أن تصبح قوة عالمية في مجال زراعة واستغلال الكينوا، وتحقيق فوائدها الاقتصادية والغذائية والبيئية. إنه وقت التحرك والاستفادة من هذه الفرصة الثمينة.

التوصيات

1ـ الاستثمار في البحث والتطوير: يجب تخصيص موارد كبيرة لدعم البحث الزراعي والتطوير التكنولوجي في الزراعة. هذا سيساعد في تحسين طرق الزراعة وزيادة الإنتاجية.

الاستفادة من الخبراء والعلماء: يجب توظيف والتعاون مع الخبراء والعلماء في مجالات مختلفة لتطوير وتنفيذ استراتيجيات زراعية ناجحة.

دعم التعليم الزراعي: ينبغي تعزيز التعليم الزراعي وتوفير برامج تدريبية للمزارعين لنقل المعرفة والمهارات الحديثة.

توفير البنية التحتية: يجب تحسين البنية التحتية الزراعية بما في ذلك الري والصرف والنقل لضمان نجاح الإنتاج والتسويق.

تشجيع الزراعة المستدامة: ينبغي دعم وتشجيع التمويل والتدابير التشجيعية للزراعة المستدامة وحماية البيئة.

الترويج للزراعة الذكية: يمكن الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة مثل الزراعة الرقمية واستخدام البيانات لتحسين إدارة المزارع.

تطوير سوق محلية قوية: يجب تعزيز السوق المحلية لتشجيع المزارعين على زراعة محاصيل محلية ذات قيمة عالية.

تعزيز البحث العلمي والكتابة: يجب تشجيع البحث العلمي ونشر النتائج في مقالات وأبحاث لنشر المعرفة والتجارب الناجحة.

الاستثمار في التعليم والتدريب: ينبغي توفير فرص تعليمية وتدريبية للشباب الذين يرغبون في دخول قطاع الزراعة.

10ـ التعاون الدولي: يجب تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات مع الدول الأخرى في مجال الزراعة للاستفادة من أفضل الممارسات العالمية.

هذه التوصيات يمكن أن تسهم في تعزيز النجاح والاستدامة في المنظومة الزراعية في الدولة وتحقيق الأمان الغذائي والتنمية الزراعية المستدامة.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى