رئيس التحرير

رغيف العيش وأنا ذاهب إلى عملي بمركز البحوث الزراعية!!

بقلم: د.أسامة بدير

في الصباح الباكر استعد للذهاب إلى عملي بمركز البحوث الزراعية وفق برنامج محدد من الأعمال التي ينبغي أن أؤديها استغلالا للوقت والجهد المبذول، والذي قد يستمر إلى ساعات متأخرة من الليل، من أجل إعداد الرسائل الإرشادية للمزارع سواء كانت مصورة أو مقرؤة أو مسموعة. تستهدف التوعية بأحدث ما وصلت إليه مخرجات البحوث العلمية للعلماء والباحثين بالمركز، أملا في تبني نتائجها وتطبيق توصياتها على أرض الواقع لتحصد الزراعة المصرية والمزارع ثمارها المرجوة وصولا لتحقيق طفرات كبيرة في الإنتاجية الزراعية كما وكيفا لتحقيق الأمن الغذائي وتنمية الصادرات الزراعية دعما للاقتصاد الوطني.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

في الطريق إلى عملي أركب المواصلات العامة لأنني لا أملك سيارة خاصة، استمع إلى حكاوى المواطنين من دون قصد لارتفاع أصواتهم في الكثير من الأحيان..

هموم ومشاكل الناس تكون عرضة في بعض الأحيان للتداول بين العامة.. تسمع آراء هنا وهناك، وأحيانا قد ينقلب الحوار إلى اشتباك لفظي جارح بينهم، هذا مؤيد وذاك معارض والباقي بين مستمع أو محايد..

في سطور هذا المقال سأحاول أن ألخص أحد المشاهد اليومية التي اشتركت فيها من داخل الميكروباص وأنا متوجها إلى عملي في أول يوم عمل عقب انتهاء إجازة عيد الفطر..

المقدمة:
الزمان: صباح يوم الأربعاء الماضي..
المكان: من داخل سيارة ميكروباص..
وبطلة المشهد هي سيدة في العقد الرابع من عمرها تعمل بأحد المصالح الحكومية.

بداية المشهد: كنت أجلس بجوار هذه السيدة وإذا بهاتفها المحمول يرن.. صوتها كان عال للغاية.. ناقشت عدة موضوعات مع سيدة آخرى منها الخاص والعام، وعن العام أتحدث.

قالت السيدة: “..نسيت أعطي لكي بطاقة التموين لتأخذي حصتنا اليومية من أرغفة الخبز بدلا من ضياعهم علينا لاني كنت مسافرة في العيد” وتابعت “حتى لو أنت مش محتاجهم إرميهم للفراخ اللي عندك… لإن خسارة نسيبهم… وأنا لو مصرفتهمش هيروحوا نقاط تموين.. يعني كام بدلا من 5 صاغ للرغيف يبقوا 10 صاغ.. يعني كلام فراغ”.

تواصل السيدة لمن تحدثها في الهاتف “هذا أفيد الفراخ تكلهم لأن العلف غالي… أحسن ما نسيبهم للحكومة”.

دفعني الفضول بالحس الصحفي لأن اقتحم هذا الحوار بعد ما سمعت.. لأنه كلام خطير من سيدة تمثل شريحة السواد الأعظم من عموم المصريين، يبدو أنه توجه عام لدى هذه الشريحة في التعامل مع رغيف الخبز بهذه الكيفية المهينة لنا جميعا، كما أنه بات يمثل نقطة ارتكاز خطيرة وتحد كبير للدولة المصرية في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

سألت السيدة سريعا وبلا أي مقدمات مستغربا: “بتجيبي العيش علشان ترميه للفراخ..؟ فردت: “أحسن ما أسيب الحصة تروح لنقاط التموين.. هذا أفيد لنا”.

قلت لها: “هذا حرام” … قالت السيدة بهدوء شديد وبقناعة لو وزعت على أهل الأرض لكفتهم: “خسارة لي أن أترك العيش يروح نقاط التموين ويعطوني بدلا من 5 صاغ 10 صاغ.. الفارق بسيط.. مش فارقة معنا”.

قلت: “لكن حرام عليكي ترمي العيش ده للفراخ وفي ناس تانية مش لاقيه .. وكمان الرغيف ده بيكلف الدولة مبالغ كبيرة للغاية .. يعني حضرتك بتخديه بـ5 صاغ وبيكلف الحكومة أكثر من جنيه”.

فجأة وجدت السيدة فتحت شنطة سوداء كانت معها، وأخرجت منها ثلاثة أرغفة ساخنة وأعطتني وقالت: “خذهم افطر بيهم.. اشتري طعمية لو كان معايا كنت عملت لك سندوتش تفطر به”.

شكرت السيدة وقلت لها أنا فطرت في بيتي قبل توجهي إلى عملي.. مرة آخرى أشكرك.. وعندها كان الميكروباص قد وصل بنا إلى مكان نزولي أمام البوابة الرئيسية لمركز البحوث الزراعية.

عزيزي القاريء.. هذا المشهد يعتبر من أخطر المشاهد اليومية التي كنت أحد أطرافها.. حاولت أن أفهم سلوك تنفيذي تفعله شريحة هامة وكبيرة من أبناء الوطن تعيش بيننا.. كيف يفكرون؟ كيف يُقيمون الأمور؟ ما نظرتهم للقرارات الحكومية؟.. مدى تقبلهم لتلك القرارات.. كيف يتعاملون معها؟

يقيني، أن المشهد خطير للغاية ويمثل أمرا بالغ الأهمية لمن يهمه الأمر في وزارة التموين والقائمين على منظومة الخبز المُدعم..

الشاهد، أن وزارة الزراعة وعلماء مركز البحوث الزراعية يبذلون جهودا جبارة من أجل زيادة إنتاجية القمح من وحدة المساحة، وهم دائما في سباق مع الزمن من أجل تعظيم إنتاجية المحصول وصولا للاقتراب من الاكتفاء الذاتي، في الوقت الذي نجد فيه سلوكيات بعض المواطنين – ليس عندي إحصاء دقيق وفق دراسة علمية موثوق بها بعددهم أو نسبتهم لأذكرها – يُهدرون رغيف الخبز المصنوع من القمح المستورد الذي يُكبد الاقتصاد الوطني ملايين الدولارات لسد الفجوة منه لأن إنتاجنا المحلي يكاد يصل إلى نصف احتياجاتنا.

ياسادة، لابد من وقفة جادة مع منظومة الخبز المُدعم، وأيضا بذل أقصى الجهود من أجل الوصول للطبقات الإنسانية في مجتمعنا التي تمثل الغالبية الكاسحة من عموم المصريين يتعاملون مع منظومة الخبز المُدعم لتوعيتهم بخطورة سلوكياتهم، وتعديل هذه السلوكيات صوب الاتجاه الإيجابي الذي يضمن المحافظة على رغيف الخبز المُدعم واستخدامه بالشكل الصحيح.

وأخيرا، أناشد السيد وزير التموين الدكتور علي المصيلحي، ضرورة إعادة النظر في نقاط الخبز والمقابل الهزيل الذي يحصل عليه المواطن نظير عدم حصوله على حصته من أرغفة الخبز، فضلا عن دراسة سلوكيات المواطنين المتعاملين مع تلك المنظومة قبل إقرار أي قرارات أو تطبيق منظومة جديدة أو تعديل للمنظومة الحالية.

للتواصل مع الكاتب
[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى