حوار

وكيل المركزي للمناخ الزراعي: التغيرات المناخية تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقراً

■ توقعات بانخفاض إنتاجية المحاصيل الصيفية هذا الموسم

■ التغيرات المناخية أدت لهجوم ضاري من الحشرات والأمراض على الزراعات

■ الشتاء يتآكل .. ورياح الخماسين ستكون أكثر شراسة

حوار: أسامة بدير

أكد الدكتور محمد على فهيم، وكيل المعمل المركزى للمناخ الزراعى التابع لـمركز البحوث الزراعية، أن تغير المناخ أصبح المستنزف الأكبر لكل جهود التنمية الزراعية في مصر على المستوى الفردي او المؤسسي أو الوطنى، لافتا أن التغييرات المناخية باتت تمثل واقع يفرض نفسه على نمط الزراعة المصرية خلال الفترة المقبلة.

وأضاف فهيم، فى حوار مع “الفلاح اليوم“، أن التغير المناخي يضرب المناطق الأضعف فمثلا المناطق الممطرة تزداد مطرا والجافة تزيد جفافا، مؤكدا أن إشكالية التغيرات المناخية غير عادلة من الناحية الإنسانية والاجتماعية، على اعتبار أنها تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا.

وشدد وكيل المركزى للمناخ الزراعى، على ضرورة التعامل مع قضية التغيرات المناخية فى إطار من الجدية والشفافية من أجل تلافى آثارها المدمرة على القطاع الزراعى بكل عناصره ومكوناته، مؤكدا على إجراء الدراسات الحقيقية المبنية على أسس علمية تعكس واقع تلك التغيرات وتأثيرها على إنتاجية المحاصيل ووضع سيناريوهات للتعامل معها، لافتا أن الحل “أبسط من البساطة”، وهو أن تعرف أجهزة الحكومة “المعنية” أدوارها وتنسق مع بعضها وتحترم العلم والعلماء.

وإلى نص الحوار..

س: ماذا تعني التغيرات المناخية؟ وما التأثيرات المتوقعة على الأنشطة الهامة في مصر؟

قضية التغيرات المناخية هي قضية ليست بالجديدة، فالعالم قد بدأ فعليا في الانتباه إلى التغير المناخي منذ ما يقرب من 30 عاما، عندما لاحظ أن هناك شيئا ما يحدث في المناخ، بينما العالم النامي لم ينتبه إليها إلا مؤخرا جداً… التغيرات المناخية تؤدي على مدى عشرات السنين لإحداث تغييرات في مناخ البلدان، وفي مصر وعدة دول صحراوية في منطقتنا، تتجه هذه التأثيرات الضارة بسرعة نحو التحقق، وأصبح الشتاء آخذا في التآكل، والنبات ليس لديه القدرة على التأقلم بخلاف الإنسان، فنحن يمكن أن نرتدى ملابس خفيفة حين تأتي موجة حرارة، وملابس ثقيلة حين تعود الحرارة إلى معدلاتها الطبيعية، أما النبات فيعجز عن هذا التأقلم.

س: ما مسببات التغيرات المناخية؟

تغير المناخ أو التغير المناخي هو أي تغير مؤثر وطويل المدى في معدل حالة الطقس يحدث لمنطقة معينة، بمعنى أن معدل حالة الطقس يمكن ان يشمل معدل درجات الحرارة، معدل المطر، وحالة الرياح، وهذه التغيرات يمكن ان تحدث بسبب العمليات الديناميكية للارض كالبراكين، أو بسبب قوى خارجية كالتغير في شدة الاشعة الشمسية أو سقوط النيازك الكبيرة، ومؤخراً بسبب نشاطات الإنسان.

لقد أدى التوجه نحو تطوير الصناعة في الاعوام الـ150 المنصرمة إلى استخراج وحرق مليارات الاطنان من الوقود الاحفوري لتوليد الطاقة. هذه الأنواع من الموارد الاحفورية اطلقت غازات تحبس الحرارة كثاني أوكسيد الكربون وهي من أهم أسباب تغير المناخ. وتمكنت كميات هذه الغازات من رفع حرارة الكوكب إلى 1.2 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، ولكن ان أردنا تجنب العواقب الأسوأ ينبغي ان نلجم ارتفاع الحرارة الشامل ليبقى دون درجتين مئويتين. اى ان أسباب هذه الظاهرة تعود إلى زيادة النشاط البشري الصناعي الذى بدوره أدى إلى زيادة تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، ما ساعد على زيادة ظاهرة ما يسمى بـ”الاحتباس الحراري.

س: ما الاطار العام للتغيرات المناخية في منطقتنا؟

التغيرات المناخية تحدث على مدى عشرات السنين، وتأخذ أشكالا مختلفة في كل فترة زمنية، ومعناها طبعا حدوث تقلبات جوية على مدى السنوات تؤدي بدورها إلى تغيرات في المناخ على المدى الطويل .. الآن صار الشتاء يتقلص في مصر، ومن المتوقع أن يصبح شهرا واحدا على مدار العام .. في عام 2017 شهدت المنطقة دفئا شديدا واستمر ذلك فى 2018، وبدأ الشتاء مع منتصف ديسمبر ويكاد أن يكون انتهى، تخلله موجات حرارة عالية .. هذا التشوه في المنظومة المناخية في المنطقة يحتاج لمزيد من الدراسات والاستعداد والجاهزية، خاصة وأن أكثر المناطق تأثرا بتلك التغيرات هي الواقعة في مناطقة جغرافية “صعبة” مثل الصحراء الغربية وغرب آسيا، بما في ذلك مصر طبعا، ثم حدث العكس فى موسم شتاء 2019 والذي بدى طويل بارد متقلب ثم دخل صيف هذا العام بدون “تفاهم” كما نرى.

س: ماذا عن تأثر مصر بظااهرة التغير المناخي؟

إن تغير المناخ اصبح المستنزف الاكبر لكل جهود التنمية الزراعية في مصر على المستوى الفردي او المؤسسي أو الوطنى … وان التغيرات المناخية اصبحت واقع يفرض نفسه على نمط الزراعة المصرية خلال الفترة المقبلة، وشهدت الاعوام الحالية والسابقة عده ظواهر اثرت بالسلب على دورات نمو وإنتاج الكثير من المحاصيل … ولعل ظاهرة تداخل الفصول والتغيرات الفجائية والحادة فى الطقس مثل شدة الرياح ومعدلات سقوط الامطار وكمياتها واختلاف درجات الحرارة بين شدة البرودة شتاء وشدة الحرارة صيفا وعنف الظواهر المناخية واحوالها ربيعا يفرض علينا التفكير بعمق وجدية اخذين اعلى النظريات العلمية للوصول لحلول متكاملة لوضع الخطط المستقبلية التى تؤمن لنا اعلى معدلات انتاج واعلى كفاءه مزروعات باقل التكاليف الممكنة ولابد ان تتسم هذه الحلول بمدى اجل قصير ومتوسط وخطة واضحة طويلة الأمد.

وتعد مصر واحدة من أكثر الدول تأثراً بالآثار السلبية الناتجة عن التغير المناخي، وتتلخص هذه الأضرار في ارتفاع مستوى سطح البحر، والفقر المائي، وتدهور الصحة العامة والأنظمة البيئية ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية تقدر بالمليارات ويؤثر أيضاً بأمنها الغدائي.

 

كما أود توضيح أن المحاصيل الشتوية هي التي تزرع في فصل الشتاء، هذه محاصيل تمكث في التربة في جو معتدل أو بارد، سواء كانت حبوبا أو فواكه أو خضروات، وهناك محاصيل لا يجب أن تزرع في الصيف وأخرى لا يجب أن تزرع في الشتاء بسبب تغير الطقس بين هذا الفصل وذاك، وبما أننا في موسم شتوي في منطقة جغرافية ومناخية محددة المعالم، هي مصر، فهناك فواصل زمنية ومناخية واضحة بين الصيف والشتاء والخريف والربيع.. هذه الفواصل آخذة في التآكل والاندثار.

وقد استخلصت مصر الدروس من آثار التغير المناخي خلال موجة الحر لعام 2010 و2015 و2016 و2018 واخيراً الصيف الحالى 2019، وتضررت بشدة عدة مزارع تتركز في وادي النيل والدلتا، ما أدى إلى زيادة حادة في الأسعار، وستكون الإنتاجية الزراعية بدون شك ضحية ارتفاع درجات الحرارة.

س: هل يستطيع الفلاحون إيجاد بدائل أو ظروف لأقلمة المحاصيل والنباتات تبعا للظروف المختلفة؟

الفلاح في مصر يزرع محاصيل متوارثة منذ آلاف السنين، وبالتالي قد يستحيل تغيير ثقافته تجاه زراعة محاصيل أخرى بخلاف التي يزرعها، أضف لذلك أن مصر تعاني فجوة غذائية حقيقية في الحبوب وغيرها من الأغذية تجعلنا نحتاج دوما لما يزرعه الفلاحون، والكارثة التي طرأت هذا العام أن الشتاء أصبح متقلب الحرارة جداً وربيع طويل تارة ومتقلص تارة أخرى وصيف شديد الحرارة، وفي الصعيد خلال موجة الحرارة تستمر الحرارة فترات طويلة فوق معدلاتها.

س: ما تأثير هذه الموجة شديدة الحرارة على الزراعات؟

ما يحدث أن الزراعات القائمة فعليا سواء نباتات طبية وعطرية أو محاصيل حبوب أو خضروات أن تبدأ النبتة في النضج المبكر، خاصة لو أصبحت في النصف التاني من عمرها، بمعنى أن المحصول الذي يبلغ عمره 120 يوما ينضج في موجة حرارة واحدة خلال 90 يوما فقط، وهو نضج مبكر يجعل المحصول أكثر جفافا خاصة في القمح والشعير والارز والذرة وحبوب النباتات الطبية والعطرية ودرنات البطاطس، ما يقلل الإنتاجية بنسبة كبيرة لا محالة، خاصة لو كانت في النصف الثاني من عمر النبات، أما لو كانت في النصف الأول من عمرها فسيحدث ضغط فسيولوجي على النبات، وبدون وجود نسبة رطوبة كافية سيعجز النبات عن النمو، ويظل متقزما حتى نهاية الموسم، ونتيجة لهذا أصبح هناك مشكلة في إنتاجية البطاطس لدى الكثير من المزارعين.

س: هل هناك صلة بين الحرارة الشديدة وتفشي الأمراض في عدة محاصيل هذا الموسم؟

هناك العديد من التأثيرات الضارة بخلاف ضعف الإنتاجية، أهمها ظهور الحشرات والأمراض النباتية الموجودة في البيئة المصرية مثل “توتا أبسلوتا” في الطماطم، فهي حشرة اعتادت على طبيعة معينة، وحين ترتفع الحرارة يحدث قصر لمدة الجيل فيصبح طور حياتها 15 يوما فقط بدلا من 30 يوما، معنى هذا أنه من الممكن حدوث هجوم كبير لحشرة المن على زراعات كثيرة، وازدياد تكاثر القواقع وسوسة النخيل.. وهو بالفعل ما حدث هذا العام حيث شهد نسبة كبيرة من الإصابات أعلى من أي سنة أخرى، مثل ما حدث أيضا في هجوم “الندوة المتأخرة” على البطاطس.

س: ما التأثيرات الأخرى للتغيرات المناخية على المنتج الزراعي من حيث القدرة على التخزين وصفات الجودة؟

بسبب التأثيرات المتلاحقة لمظاهر تغير المناخ من موجات شديدة لحرارة او موجات صقيع او رياح ساخنة، يخدث انخفاض قد يكون حاد فى الانتاجية المحصولية، لكن احياناً من الممكن أن يحدث عدم انخفاض كبير في الإنتاجية، لكن يكون المنتج لا يتحمل التخزين أو التداول، أو حدوث مشاكل فعلية فى الفترة “ما بعد الحصاد”.

س: ما المدى الزمني الحقيقي لمشكلة ارتفاع سطح البحر على الدلتا؟

ارتفاع مستوى سطح البحر لا يعني أن المياه ستغرق الإسكندرية أو مدن وقرى الدلتا، وإنما ببساطة يعني زيادة اختراق المياه المالحة لأراضي الدلتا، ستدخل وتتوغل حتى 5 كم من الأراضي المتاخمة للبحر المتوسط، وهو ما يحدث الآن في شمال الدلتا من ظاهرة تملح الأراضي، وبالتالي لم تعد مناسبة لزراعة الخضروات وغيرها من المحاصيل، والمشكلة أن الحكومة تسعى لتقليص مساحات الأرز دون مراعاة هذه التغيرات.

س: كيف حدث هذا؟

فدان الأرز الواحد يستهلك 7 آلاف متر مكعب مياه على مدار فترة مكوثه بالتربة التي تستغرق 120 يوم تقريبا، وتسعى وزارة الري كل سنة لتقليص مساحات الأرز، بعد أن كانت مصر تزرع نحو مليون و600 ألف فدان لتقليل استهلاك مياه النيل، والأزمة أن الوزارة قلصت المساحات دون حدوث تنسيق كاف مع الزراعة، بمعنى أنها منعت زراعته في محافظات القليوبية والغربية، وهذا أمر جيد يحسب لها، أما تقليص مساحاته في دمياط وكفر الشيخ والدقهلية وجنوب بورسعيد وكل الأراضي المتاخمة للبحر المتوسط سينتج عنه المزيد من تملح الأراضي؛ فالحل الوحيد لمواجهة ارتفاع منسوب البحر هو زراعة الأرز لأنه يغسل التربة، ولأن المياه العذبة أثقل من مياه البحر، وبالتالي تمنع دخولها وتوغل المياه المالحة إلى داخل الدلتا.

س: هل هناك دراسات كافية أجريت على التغيرات المناخية في مصر؟ وما مدى ارتباطها بالواقع؟

لا يوجد دراسات حقيقة، الدراسات الورقية المكتبية كثيرة، لكن الدراسات الحقيقة المبنية على أسس علمية حقيقة لا توجد، وهذه الدراسات لا تعكس واقع التغيرات المناخية، وانخفاض جودة هذه الدراسات، لأن إجراء دراسة على لتأثير التغيرات المناخية على إنتاجية أو على آفة لابد أن الالتزام بعلم سيناريوهات التغيرات المناخية، وهذا العلم غير موجود ولا يوجد متدربين عليه، إذا كيف يمكن قياس تأثير التغيرات المناخية على محصول البطاطس مثلا وأنت لا تعرف شكل التغيرات المناخية، فدراسة التغير المناخي هي دراسة علمية وليست تنجيم.

س: ما الدور “المفقود” للمراكز المتخصصة فى معلومات تغير المناخ تجاه مشاكل كهذه؟

ما زالت هذه المراكز لا تتعامل بالطريقة الصحيحة مع قضية التغيرات المناخية فعليا، على جميع المستويات وفي جميع الأنشطة، تغير المناخ في هذه اللحظات هو القائد لاتجاه الخسارة المحققة للكثير من الأنشطة الاقتصادية خاصة النشاط الزراعي. عرفنا قضية التغيرات المناخية وتأثيراتها وتداعيتها، يبقى كيفية التعامل مع هذه الظاهرة وهذه المشاكل، يمكن أن أقول إن الجهات المؤسسية المصرية لا تعترف بتغير المناخ، رغم أنهم يتحدثون عن التغيرات المناخية في المؤتمرات والمنتديات، لكنهم لا يؤمنوا بقضية التغيرات المناخية، لكن لو كان هناك وعي بأهمية التغيرات المناخية لكان الاهتمام به ودعم كل دراساته ومؤسساته بالطريقة الصحيحة، صحيح يوجد المجلس الاعلى للتغير المناخي برئاسة رئيس الوزراء المصري، وعضوية كل الوزارات المعنية، لكن هذا المجلس إلى الآن لم يعقد إلا مرة واحدة، ولا يوجد آلية أو جدول أعمال واضح.

من المفترض ان تقوم بعض المراكز والتى تم انشاءها وكلفت البلد عشرات الملايين من الجنيهات ان تقوم باجراء عمليات التنبؤ قبل حدوث الأزمة، والإعلان عنها، ونشرها لنشر الوعي بها، لأن المناخ لا دخل للمراكز البحثية أو الحكومات في تعديله بطبيعة الحال، وهذا يعني أننا يجب أن نتعامل مع الأزمة كما هي لأننا لا نملك تغييرها.

وينبغى إعداد التقارير وإجراء الدراسات تجاه التغيرات المناخية، وامداد اجهزة الإرشاد الزراعي بكل هذه المعلومات وكذلك الاجهزة الإعلامية في مصر التى من المفترض انها تعمل من أجل صالح البلد أيضا. وزارة الزراعة مسئولة عن الأمن الغذائي في مصر، ونحن نستورد نحو 35 مليون طن غذاء سنويا، أي أننا نستورد ما يعادل 32 مليار متر مكعب مياه من الخارج، ولو أن كل قطاع قام بواجبه تجاه الوطن لارتفعت إنتاجية المحاصيل على نحو كبير.

س: وما الحل برأيك؟

الحل “أبسط من البساطة”، وهو أن تعرف أجهزة الحكومة “المعنية” أدوارها وتنسق مع بعضها وتحترم العلم والعلماء.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى