رأى

هموم القطاع الزراعي بمصر وكيفية التعاطي معها

مقال الدكتورة «شكرية المراكشي» رئيس شركة مصر تونس للتنمية الزراعية

يمثل القطاع الزراعي ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال مساهمته الفعالة في تحقيق الأمن الغذائي، وباعتباره النشاط الرئيسي في العديد من المناطق بالبلاد.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

يعتبر الأمن الغذائي مسألة حساسة واستراتيجية، إذ لا يمكن الحديث عن خطة جدية للتنمية الاقتصادية دون الأخذ بالاعتبار دفع القطاع الزراعي وتطويره وفق مخططات علمية تضمن الاستغلال الفعال للإمكانيات الوطنية وتحقق استقلالية الشعوب والاكتفاء الذاتي وتجنب الدولة الارتهان إلى هيئات النقد الدولية لتغطية العجز الغذائي.

لكن هذا القطاع كما هو الحال بالنسبة لمجمل الاقتصاد المصري، يعاني العديد من المشاكل والصعوبات التي ما فتئت تتراكم منذ عقود.

اقرأ المزيد: وزير الزراعة يقدم كشف حساب لإنجازات القطاع الزراعي

يعتبر القطاع الزراعي قطاعا استراتيجيا وحيويا، لا في مصر فقط، بل في العالم ككل، وخصوصا عالمنا العربي إذ أن أهم معركة اليوم هي معركة الأمن الغذائي وتأمين قوت الشعوب بعد أن أثبتت عديد التجارب أن الاستقرار الاجتماعي والسياسي مرتبط دائما بالاستقرار والنمو الاقتصادي.

بالنسبة لمصر، فإن الزراعة هي أحد القطاعات الحيوية في النسيج الاقتصادي الوطني على صعيد القدرة التشغيلية والمساهمة في الناتج المحلي الخام وامتداد هذا النشاط في مختلف مناطق البلاد مما ينعكس على التنمية الجهوية.

أولى مشاكل القطاع الزراعي تتمثل في الأمية الفلاحية التي قاربت 46٪ والتي تشكل عائقا كبيرا أمام تعامل الفلاحين مع التكنولوجيات الحديثة للقطاع وما تتطلبه المنافسة الدولية من قدرة على المواكبة والتكيف السريع مع تقنيات الإنتاج الحديثة، كما يعاني القطاع من معضلة التهرم والعزوف المترايد للشباب عن ممارسة الأنشطة الفلاحية، حيث يمثل الفلاحون الذين تجاوزوا 60 عاما نسبة 43٪، وهو ما يفسر التراجع الملحوظ في إيرادات الفلاحة على مستوى الناتج الإجمالي.

تحيلنا هذه النقطة إلى مسألة في غاية الأهمية، إذ أن هذا العزوف المتواصل للشباب عن العمل في القطاع الفلاحي وتفاقم ظاهرة الهجرة الداخلية يعود بالأساس للتفاوت الجهوي وغياب التنمية العادلة في المناطق الداخلية، حيث تتركز أخصب وأكبر المساحات الزراعية والتي تحولت تدريجيا إلى مناطق منفرة، وهي مشكلة تبين تأثيرها المباشر على القطاع الزراعي الذي صار يشكو من نقص اليد العاملة على المستوى الكمي والنوعي.

اقرأ المزيد: التكنولوجيا الحيوية والقطاع الزراعي في البلدان النامية

لقد تفاقم العجز الغذائي في مصر أواخر الستينات لدرجة أن الدولة قامت باستيراد عديد المواد الغذائية الاستراتيجية لتزويد العدد المتزايد من السكان… توجد بلا شك أسباب داخلية وخارجية لهذا الإشكال، ولكن من المهم ربط تطور الزراعة المصرية بالسياسة الزراعية، أن استيراد المواد الغذائية أيسر وأقل كلفة لصانعي القرار  مقارنة باتخاذ التدابير وتقديم الحوافز المناسبة للفلاحين المحليين، ولعل ارتجاعات وأصداء خيار الاستسهال هذا تلاحقنا اليوم أكثر من ذي قبل.

المشكلة الأساسية الثانية تكمن في تراجع مردودية القطاع الزراعي بالنسبة للفلاحين وملاك الأراضي وهو ما انعكس على حجم الإنتاج بصفة عامة، فالتكاليف المرتبطة بالزراعة تشهد ومنذ سنوات ارتفاعا متواصلا، إذ ازدادت تكلفة اليد العاملة والأسمدة والتجهيزات الفلاحية وخصوصا المحروقات التي ارتفعت أسعارها بشكل متسارع، وهي التي تحتل النصيب الأهم في تكلفة الإنتاج الفلاحي، إذ أن استهلاك المحروقات يمثل 60% من كلفة الإنتاج الزراعي وفي مجال الصيد البحري، وبفعل هذه الزيادات، يجبر الفلاحون على زيادة أسعار البيع لتغطية تكاليف الإنتاج الإضافية التي تقلص من هامش الربح وتدفع الفلاحين إلى التفكير في مستقبل نشاطهم ومدى مردوديته.

اقرأ المزيد: «عماد الدين حسين والزراعة التعاقدية».. تجاوزات مرفوضة بحق علماء مركزي البحوث الزراعية والصحراء

نتج عن ذلك مشكلة أخرى في سلسلة مشاكل الزراعة المصرية، ألا وهي التضخم  والتعويم الذي يعكس مدى الخطر الذي يتهدد القطاع المنتكس أصلا في ظل الوضعية الاقتصادية الراهنة والغلاء المعيشي، وتراجع مردودية هذا النشاط وطبيعة النسيج القطاعي الذي يغلب عليه صغار المزارعين بنسبة تتجاوز الـ80%، تبدو الحلول الجزئية والموضعية غير كافية إن لم نقل دون جدوى.

إذن، لابد من تقييم شامل للمرحلة الماضية ووضع خطط مستقبلية تقوم على التجديد والمعالجة الجذرية للمشاكل الهيكلية التي تعيق تطور القطاع الزراعي، بل وتهدد أمن المواطنين على صعيد غذاءهم وقوتهم وهو رهان لا يقل عن الرهانات الأمنية والسياسية، فالجوع كافر وعواقبه وخيمة.

اقرأ المزيد: إحصاءات هامة عن القطاع الزراعي المصري

أصبحت المعرفة والمعلومات بشكل متزايد العامل الأساسي للإنتاج والتبادل، وهذا لديه دلالات هامة بالنسبة للدول النامية، فالابتكارات متعددة جداً وجذرية حتى أنها تؤثر بعمق في التنافس والمنظمات الاجتماعية والمؤسسات والمواد وحتى الحياة بحد ذاتها. التغيرات السريعة في التقنية اليوم تعتبر تطورات مفاجئة في المعلوماتية والاتصالات، والتي يدعمها التقدم في أدوات البحث العلمي وتقنين المعرفة.

الاتجاه الى استصلاح الأراضي واسغلال الأراضي المتاحة والتوسع الأفقي والرأسي  

ابدا بطرح السؤال لماذا اصبحت مشروعات الاستصلاح والتوسع  الأفقي امور ضرورية؟

نظرا لان الرقعة الزراعية ضيقة والحيازات صغيرة ومفتتة وزيادة الفاقد من الاراضي الزراعية وضعف استخدام الاساليب العلمية والتكنولوجية والنمو المتزايد للسكان، طبعا مصرمن الدول الاعلى في النمو السكاني وكل سنة يزداد عدد السكان 2,5 مليون نسمة وهذا طبعا معدل من اكبر معدلات النمو السكاني في العالم.

من الاسباب التي ساعدت على ضرورة مشروعات الاستصلاح هي زراعة محاصيل متعددة في وحدة انتاجية صغيرة والتكثيف، فالاراضي الزراعية القديمة بعد ما كانت تزرع في موسم وتترك في الموسم الموالي لتزويد خصوبتها  اصبحت تزرع موسمين او ثلاثة في نفس الرقعة الي جانب التحميل للتغلب على ضيق الرقعة الزراعية.

اقرأ المزيد: وزير الزراعة: القطاع الزراعي يسهم بـ15% من الناتج المحلي ويستوعب أكثر من 25% من العمالة

كما ان الزراعات التقليدية تستهلك الكثير من الجهد والوقت والتكاليف مع عائد اقتصادي اقل بالاضافة الى ضعف الانتاجية الزراعية لكثير من المحاصيل نظرا لغياب الاساليب العلمية.

ببساطة شديدة جدا هذه العوامل تؤكد على اهمية  مشاريع الاستصلاح والاستزراع والتوسع الافقي، ومن خلال  نظرة سريعة لبعض الاحصائيات الصادرة عن الحكومة المصرية في التقارير الاحصائية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة للاحصاء لسنة 2018 نلاحظ ان المساحة المزروعة من فترة من 1969 لغاية 2018، في 1969 كانت 5 مليون و785 ألف فدان  في 2018 وصلنا الى 9 مليون و193 الف فدان.

ولو القينا نظرة من 1969 لغاية 2013 او 2014 نلاحظ زيادة في المساحة المزروعة بسيطة جدا لكنها وجدت  طفرة مع مشروع استصلاح المليون ونصف مليون فدان، حيث نجد اننا في 2018 وصلنا للرقم المساحي 9 مليون و193الف فدان، يعني ببساطة تطورت مساحات الاراضي المستصلحة من 2011 الي 2018، لو نظرنا لنصيب الفرد السنوي لاستهلاك المنتجات الزراعية في 2015 الى 2018 سوف نجد استهلاك نصيب الفرد من الحبوب في 2015 كان 284 كيلو وفي 2018 تقلص نصيبه الى 239 كيلو للاسباب اللي تم ذكرها سابقا وهي زيادة عدد السكان مع عدم مواكبة هذه الزيادة بما يقابلها من مشروعات الاستصلاح.

اقرأ المزيد: القطاع الزراعي ودوره في التنمية الاقتصادية

وفقا للتقارير الاحصائية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة للاحصاء لسنة 2018 فإن نسبة الاكتفاء الذاتي لبعض السلع الغذائية من 2014 إلى 2018 في القمح مثلا في 2014 كان 52,1% نسبة الاكتفاء الذاتي، وفي 2018 اصبحت 34,7%.

انخفض الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الاساسية في القمح والذرة الشامية والارز والفول والعدس والمحاصيل الاستراتيجية كلها، كما ان تطور القيمة الاجمالية لصافي الدخل الزراعي في 2011 – 2012 كان 190,8 مليار، اما في 2017 أصبح 387,2 مليار مقارنة بـ2011 كان 190,8 مليار فقط، وهذا الرقم يعتبر طبعا القيمة الاجمالية لصافي الدخل الزراعي.

اما لو نظرنا الى 2017 مقارنة بـ2013 سنجد ان القيمة الاجمالية للدخل ارتفعت بطفرة كبيرة نظرا لمشروعات التوسع الزراعي التي شهدتها البلد من 2015 وحتى الان.

اقرأ المزيد: إنفوجراف يوضح أهم المعلومات عن القطاع الزراعي بمحافظة بورسعيد

اذا كانت مشروعات الاستصلاح الزراعي ضرورية فلابد ان تكون بطريقة غير تقليدية وهنا اؤكد  على الزراعة الذكية مناخيا اي المتكيفة مع المناخ، واهدافها واضحة امامنا اولها الاستفادة من الموارد واستدامة زيادة الانتاجية وجدولة ري المحاصيل واختيار الموعد الامثل وخفض الانبعاثات الحرارية، وهذا طبعا لا يتاتى الا من “مفاتيح او Key actor”، في التنمية المستدامة وتتمثل في الحكومة مع قطاع الاعمال  او البيزنس مع المجتمع لتحقيق التنمية المستدامة على اكمل وجه.

اقرأ المزيد: مدير مركز معلومات تغير المناخ: “من الصعب حصر خسائر التقلبات الجوية على القطاع الزراعي”

باعتبار ان للتنمية المستدامة مناهج زراعية في مشروعات الاستصلاح الحديثة بداية من الاخذ في الاعتبار: المناخ المناسب، واستخدام نظم الري الجديدة وتنوع المحاصيل وخلق مناخ جديد لتطوير خصوبة الارض “Land Maintenance” او صيانة الاراضي وذلك لكي نصل لمنظومة من التنمية المستدامة في مشروعات الاستصلاح تؤدي الى زيادة الانتاجية مع الحفاظ على صحة الانسان لتحقيق اهداف الثورة الخضراء من مضاعفة الانتاج وتقليل الاستهلاك من الموارد قدر المستطاع وكذلك لتفادي مشاكل كثيرة جدا قائمة في الاراضي القديمة وتتفادى مشروعات الاستصلاح الحديثة سلبيات المخصبات ومبيدات الافات الزراعية تجنبا لمخاطر التسمم الغذائي، بعمل استراتيجيات المكافحة الحيوية المتكاملة وادخال الاستزراع السمكي والانتاج الحيواني والداجني والتغلب على كل المشاكل القائمة بزيادة المساحات الخضراء وزيادة زراعة الغابات واستخدام المياه غير الصالحة للشرب لزراعة الغابات والاشجار بعد معالجتها طبعا وهذا منهج موجود في العالم كله.

اقرأ المزيد: مدير صندوق الموازنة الزراعية يكشف أوجه دعم المزارعين لتنمية القطاع الزراعي

لضمان نجاح هذه المنظومة والتغلب على معوقات التنمية الزراعية اؤكد على اهمية التقنية الحديثة لنظم الري والميكنة الزراعية وخدمة ما بعد الحصاد والقيمة المضافة لكل محصول، كما اؤكد على اهمية استراتيجيات التغلب على المعوقات الزراعية بالمحاصيل الجديدة او غير التقليدية نظرا لما يشكله النمو الديمغرافي من ضغط على الموارد المائية والموارد البيئية عموما لابد من:

ـ الاهتمام بالتوسع في زراعة ونشر ثقافة المحاصيل غير التقليدية وغير الشرهة  للموارد المائية والتي لا تحتاج للكثير من الاسمدة والمبيدات، والتي يعتبر عائدها الاقتصادي اعلى بكتير من المحاصيل التقليدية.

ـ الاهتمام بالمحاصيل الزيتية والتوسع في زراعة بعض الزراعات المنسية مثل القرطم ذلك المحصول المظلوم  والتوسع في زراعة السمسم والكتان والكانولا وطبعا القطن لابد ان يعود لعصره الذهبي ايام كان يسمى “الذهب الابيض”.

اقرأ المزيد: وكيل زراعة بورسعيد: القطاع الزراعي بالمحافظة واعد.. ويرسل فاكس لوزير الزراعة والمحافظ

ـ التوسع في زراعة الكينوا التي يمكن ان تكون مكملة للقمح وتقلل من الفجوة الغذائية الموجودة بين الانتاج والاستهلاك وما لها من خصائص صحية كثيرة جدا، والدخن والذرة البيضاء  والكسافا والتيتيكالي.

هذه كانت بعض النقاط الهامة التي اردت التأكيد عليها للفت النظر من أجل وضعها في الاعتبار عند التوسع في مشروعات استصلاح الاراضي خاصة على المستوى الافقي.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى