رئيس التحرير

متى يعترف وزير الزراعة بمعهد الإرشاد الزراعي؟

بقلم: د.أسامة بدير

ألحظ نشاط مكثف للدكتور عز الدين أبوستيت وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، خلال الأسابيع القليلة الماضية لزيارة معاهد مركز البحوث الزراعية، أحد أهم الأذرع البحثية للوزارة والمنوط له أخطر دور فى الزراعة المصرية، وهو الحفاظ على الحد الأدنى من الأمن الغذائى لملايين المواطنين والدولة المصرية.

يقينى، أن هذه الجولات الميدانية لمعاهد مركز البحوث الزراعية هى بلا شك نشاط متميز للوزير يضاف إلى رصيده الإيجابى لمتابعة سير العمل والوقوف بنفسه على المشاكل التى تحد من تحقيق معدلات الأداء المتميز، والمساهمة بفاعلية فى إنجاز استراتيجية الوزارة 2030 وفقا لدور كل معهد فيها، وبما يضمن مردوداتها على المزارع خاصة والقطاع الزراعى عامة، كل ذلك شريطة أن تتم هذه الزيارات الميدانية وفق معايير وأسس تستند لعناصر حوكمة الحكم الرشيد وبما يؤكد على مبدأ الشفافية والنزاهة.

مرة ثانية، أثمن مثل هذه الجولات السريعة التى يقوم بها وزير الزراعة للمعاهد البحثية المختلفة مهما كانت دوافع أو طريقة القيام بها، فأنا دائما متفائل بطبعى، فما لا يدرك كله لا يترك كله.. وعلى العموم ربما تتحسن الأمور غدا أو بعد غد وتتم هذه الزيارات بالشكل الذى يحقق أغراضها بنسبة كبيرة، والهدف منها بما يتمشى مع مصالح وتطلعات الهيئة البحثية بالمعاهد خاصة شباب الباحثين أمل المستقبل.

لكن، ما دفعنى لكتابة مقالى الأسبوعى حول هذا الموضوع أمر يستحق الوقوف عنده كثيرا.. بل لا أبالغ إذا ما قلت أنه غاية فى الأهمية ويتوقف عليه مستقبل هذا الوطن فى شقه الزراعى.

لقد أختار وزير الزراعة أن تكون بداية جولاته الميدانية فى معاهد مركز البحوث الزراعية التى تتعامل مع جميع متطلبات الزراعة إلا أهمها وهو المزارع الإنسان.

فمن المعروف أن نجاح الزراعة فى أى مجتمع من المجتمعات لابد من توافر عناصرها الضرورية اللازمة لها لكى تتكامل معا من أجل تحقيق أهدافها على الصعيد الوطنى والخارجى.

ولأن المزارع الإنسان هو أغلى ما فى منظومة هذه العناصر بل أنه محركها وصانع تكاملها وإنجازاتها، لابد من الاهتمام بإعداده ورعايته والارتقاء به وصولا إلى تنميته بالكيف الذى يساعده على استقبال وتبنى كل فكر أو مستحدث جديد يساعد فى تحقيق النهضة الزراعية التى تعد أحد الأهداف الوطنية لـوزارة الزراعة.

ولما كان معهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية، هو المعهد الوحيد من بين معاهد مركز البحوث الزراعية الـ16 الذى يتعامل مع أبناء المجتمع الريفى من منظور اجتماعى اقتصادى يتفهم عادات وتقاليد ومنطومة القيم السائدة فى الريف وله القدرة الفائقة على بناء شراكات قوية يمكن أن تصنع شبكة من العلاقات الاجتماعية التى تستطيع تحقيق التأثير فى البناء الاجتماعى ومكوناته بل وطبقاته الاجتماعية فى سياق العقل الجمعى الذى يحمى مصالح الجميع من دون صراعات أو معوقات لمشروعات تنمية المجتمع المحلى والاستفادة من الموارد البيئية المتاحة فى ظل برامج تنموية يقوم بتخطيطها خبراء الاجتماع الريفى والإرشاد الزراعى بمشاركة أبناء المجتمع المحلى.

ومن واجبى، أنا الناصح الأمين لمعالى وزير الزراعة، أن أقول له هذه الرسالة التى ربما لن يسمعها من أحد غيرى.. دكتور عز الدين، .. مركز البحوث الزراعية لديه كنز ثمين وكتيبة من خبراء الاجتماع الريفى والإرشاد الزراعى التى تستطيع وحدها أن تعظم من الإنتاج العلمى للمركز بجميع تخصصاته إذا ما أحسن توظيفها بالشكل المناسب وتوافر لها الحد الأدنى من مقومات النجاح، فالهيئة البحثية بالمعهد بمثابة القائد أو الفارس المغوار الذى يمتلك مهارات وخبرات وقدرات تمكنهم من اقتحام المشاكل المزمنة للزراعة المصرية، وتهيئة ميدان العمل لباقى تخصصات أو عناصر الزراعة للعمل بشكل يتيح الاستفادة من التكنولوجى الجديد لان المزارع الإنسان يظل هو عنصر الفصل وعامل الحسم لحل أى مشكلة أو أزمة.

كنت أتمنى أن يكون وزير الزراعة على يقين من أن مشاكل الزراعة المصرية المزمنة ليست نقص مياه أو مستلزمات الإنتاج الزراعى فحسب، وإنما من وجهة نظرى هى المزارع الإنسان، فهو صانع الحضارة ومتلقى إنجازاتها سواء بالإيجاب أو السلب، فإذا أحسنت وزارة الزراعة ممثلة فى معهد الإرشاد الزراعى تنمية المزارع الإنسان، سيكون مصدر للبناء والنماء ويستفيد من جميع التكنولوجى الزراعى المنتج من عشرات المعاهد البحثية بالشكل الذى يعود عليه وعلى المجتمع كله بالنفع العام.

ياسادة، البداية لابد أن تكون من أساس المشكلة وليس الفروع إذا ما كنا صادقين فى التصدى بحزم وحسم لحل مشاكلنا الزراعية، والبداية هى تنمية المزارع الإنسان، اجتماعيا واقتصاديا وحضاريا، والأقدر على القيام بهذا الدور الهام هو معهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية، صاحب رصيد متميز من المنتجات العلمية التى لو اتيحت له فرصة التعامل مع الواقع الأليم فى القرى المصرية لتغير حالها بفكر وعقل وجهد خبراء الاجتماع الريفى والإرشاد الزراعى بالمعهد مستفيدين من الرصيد الهائل للإنتاج البحثى لباقى معاهد المركز.

ولكن للأسف الشديد، رصدت هوة سحيقة بين هذا الطرح الذى أطرحه وبين سلطة اتخاذ القرار على أعلى المستويات فى وزارة الزراعة، فالمسافة بعيدة جدا بين معهد الإرشاد الزراعى ومن يملكون سلطة التخطيط والإعداد والتنفيذ لجميع الأعمال البحثية بالمركز وحتى الوزارة، ولا أعرف من المسؤول عن قطع خطوط الاتصال بين هذا وذاك أو تدنى مستوى التشبيك على الصعيد المؤسسى بين المعهد وقيادة المركز أو الوزارة.

لقد بات فى يقينى أن معهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية هو بمثابة العقل المفكر الذى ينبغى أن يقود قاطرة التنمية الريفية لـوزارة الزراعة فى الريف المصرى على اعتبار تعامله مع أبناء المجتمع الريفى الذين من أجلهم تعمل الوزارة بكل قطاعاتها وأجهزتها التنفيذية، الأمر الذى يلقى بالمسؤولية الجسيمة على صانع ومتخذ القرار بأن يسارع بتعديل فكره، وأن يعيد نظرته لفلسفة عمل المعهد من أجل أن يؤدى دوره الذى أنشىء من أجله بلا تهميش أو إقصاء.

وأخيرا، أناشد وزير الزراعة بزيارة عاجلة لـمعهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية، وعقد جلسة استماع مع الهيئة البحثية خاصة شباب الباحثين، بعد حالة اليأس وفقد الأمل التى بدأت تسيطر على الباحثين من الإقصاء أو التهميش المتعمد الذى يمارس بحقهم على الصعيد الفردى أو المؤسسى.

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كيف نقف كإرشاديين قيد الإعتراف وقد شهدنا أعمارا لا تقدر قيمتها الغالية بثمن من أساتذة جامعات من أجل نشر مبادئ الارشاد الزراعي وعرسيخ قواعده؟؟؟؟!!!!… هذا العلم الذي ارتدنا ربوعه وأدركنا أهميته وعقدنا العزم للعيش لأجله .. كيف لكل هذا أن يكون كأن لم يكن؟!. أقل ما يقال في في ذلك إننا ومنذ فجر التاريخ الفرعوني الذي لم يغفل دور الإرشاد الزراعيق في فنونه وبردياته يحتم علينا دفاعنا العلمي الدؤوب عن عودة الإرشاد الزراعي لوطنه الأم مصر بعدما شهدت الزراعة غيابه في كل دروب الحياة بحيث أحدث فجوة لا يمكن لحاضرتنا المشرق ومستقبلنا المفعم بالأمل أن يقلل فيها من شأنه ولا شأننا كمحبين لهذا العلم في الأساس..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى