تقارير

شجرة «النيم» صيدلية المزارع

درهم الوقاية الذى يغني عن قنطار العلاج .. والتنمية المستدامة

إعداد: د.شكرية المراكشي

رئيس مجلس إدارة شركة مصر تونس للتنمية الزراعية واستصلاح الأراضي

خلق الله الإنسان وخلق معه الداء والدواء، فمن الأزل تكشفت للإنسان الطبيعة عن نباتات شافية وأعشاب، فأقبل عليها يجد فى بذورها وأوراقها وأزهارها وجذورها وقلفها وثمارها أدوية لمختلف الأمراض والأدواء.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

مضى الإنسان رويدا رويدا خطوات فى عالم الكمياء فتكشفت النباتات التى كان يتداوى بأعضائها مباشرة عن جواهرها الفعالة المختبئة فيها، فأخذ فى تنقيتها وتحسين طرق استخلاصها واستغلالها فى القضاء على مسببات الأمراض.

التقدم الهائل فى علوم الكمياء وتضافر عدد من القوى الصناعية العالمية الاحتكارية أدى إلى أن تفقد النباتات معظم جاذبيتها منذ منتصف القرن العشرين – كمصادر أساسية للعقاقير فى الصناعة الدوائية. على أننا لاحظنا منذ مطلع السبعينات من القرن العشرين – أن البندول بدأ فى التأرجح عائدا تجاه النباتات المستخدمة فى الطب الشعبى يمكن أن تكون مصدرا مهما لناجح الدواء، ولأكاسير الصحة والشفاء. فالأدوية الكميائية لا تفى دوما بحاجة الإنسان، كما أنها باهظة التكلفة وفوق ذلك فما من دواء مخلق إلا واستحضر معه تأثيرات جانبية مقلقة لا ينكرها الباحثون ويضج من وطأتها العليلون.

هكذا وجدنا العلماء يشمرون عن سواعدهم قاصدين الغابات والبرارى والصحارى باحثين فى عجائب عالم النبات عما ينطوى عليه من قوى خارقة وبلاسم للشفاء. وإنهم بعد خبرة السنين يؤكدون اليوم على أن الخير كل الخير فى المزاوجة بين علوم الكمياء الرصينة وخبرة المعالجين التقليديين بالنباتات. إن من شأن هذه المزاوجة أن تقدم للناس عقاقير أفضل وأنجح وأرخص مما لو اقتصر الأمر على العقاقير الكميائية منفردة.

شجرة النيم

فى رحلتنا مع عقاقير شجرة النيم خير برهان ودليل فالباحثون وجدوا بالفعل أن المركبات المستمدة من الشجرة لا تستصحب معها غالبا أية آثار جانبية مؤذية للإنسان. لأجل ذلك وجدنا الكثيرين من باحثى العقاقير فى العالم الغربى يكرسون جهودهم لحماية شجرة النيم وإكثارها عبر تشجيع الاستمرار فى استعمالها بطريقة حكيمة “مستدامة” Sustainable، أى دون استنزافها وعلى نحو يضمن بقاءها على الدوام.

فى الوقت نفسه وجدناهم يدعون إلى الإفادة بصورة أمثل من مركباتها الفعالة الدوائية باستخلاصها وجعلها على هيئة كبسولات أو بإضافتها إلى أدوية كيميائية كمحسنات دوائية أو سوى ذلك من تقنيات.

فى مناخ يصل فيه معدل درجة الحرارة صيفا فى أنحاء من بلادنا إلى ما فوق الـ40 مئوية، ويمتد فيه هذا الفصل القائض نحو 6 أشهر لابد من اللجوء إلى زراعة المزيد من أشجار النيم. وفى مثل مدننا التى تزدحم بالناس وشوارعنا التى تعج بملايين المركبات بما تنفثه من عوادم احتراق الوقود الاحفورى لابد من اللجوء إلى زراعة المزيد من أشجار النيم.

فى مدينة كبرى مثل القاهرة التى تصنف بين أسوأ 7 مدن ملوثة فى العالم، من حيث كثافة المرور فى الشوارع ونسبة أكاسيد النيتروجين والكربون والكبريت فى الهواء وتركيز الرصاص الذى تبلغ كميته نحو 205 ألف كيلو جرام فى العام، لابد من اللجؤ إلى زراعة المزيد من أشجار النيم. وفى أرض مثل أراضينا التى تتسم باتساع رقعة الصحراء وانعدام الغابات الطبيعية وتدنى مساحة الأرض الزراعية لابد من اللجوء إلى زراعة المزيد من أشجار النيم.

هكذا، إن قضية تشجير بلادنا هى مطلب ملح وضرورى، وهى ليست مجرد صرعة بيئية رومانسية أو مجرد إضافة جمالية لكنها شئ أعمق من ذلك إذا تحسن الأشجار من نوعية حياة البشر على نحو مدهش. هذا لأن الأشجار تبقى دوماً هى درهم الوقاية الذى يغنى عن قنطار العلاج. على أن واقع التشجير فى بلادنا يدعو إلى كثير من الرثاء فقد أحصى الخبراء نصيب الفرد من المسطحات الخضراء، بما لا يتعدى 23 سنتيمترا مربعا موازنة بالمعدلات العالمية التى تصل إلى 20 مترا مربعا للفرد فى روسيا وعشرة أمتار مربعة فى الولايات المتحدة.

المدهش حقا أن لدينا فى مصر مالا يقل عن 76 ألف كيلو متر خطوط طرق طولية، وطرق داخلية، وجسور، وترع ومصارف يمكن أن تشجر بنحو 6 بلايين شجرة، فى حين لا يتعدى ما لدينا من ثروة شجرية العشرين مليونا.

حين نتأمل فى هذا الواقع وفى المردود الإيجابى لأشجار النيم لا يسعنا إلا أن ندعو إلى خطة شاملة للتشجير، آنية ومتوسطة وطويلة المدى ولعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا أن هذه الخطة قد تكون أكثر أهمية من أية عملية تنموية أخرى بمردوداتها الإيجابية على الإنسان والبيئة معا.

النيم صيدلية القرية

النِّيم هو اسم هذه الشجرة التي يطلق عليها في الهند اسم “صيدلية القرية” فهي شجرة معروفة هناك منذ فترة طويلة جدًا، وهي موجودة في الشوارع بشكل عادي، والبائع المتجول في الهند يقوم بحرق عود من تلك الشجرة ويضعه حول المأكولات؛ حتى يضمن إبعاد البعوض والذباب عنها. فما هي تلك الشجرة التي تمتلئ بسحر البيئة الهندية؟

النيم شجرة تنتمي إلى العائلة الزنزلختية، التي تتميز بقدرتها على تنقية التربة من الأملاح، والتي تعرف بالاسم العلمي “azadirachta indica”. وأول مكان وجدت فيه أشجار النِّيم هو شمال الهند، وخاصة منطقة تعرف باسم كازناتاكا. وتنتشر شجرة النِّيم كذلك في المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية مثل إندونيسيا والسودان.

لا يكفى أن ننعتها فحسب بشجرة الجمال الدائمة الاخضرار. بل هى أيضاً الشجرة التى تفيض بعناصر الإثارة وبوفرة الخير والعطايا فيتبارى الحاملون فى منحها الألقاب الرفيعة. منهم من وصفها “بكنز الغابة الذى لا يفنى” وآخرون أجمعوا على اعتبارها “صيدلية لقرية”، كما أطلق عليها غيرهم “شجرة الألف فائدة وفائدة”، بينما انبرى البعض إلى تأكيد ما ذهب إليه كل الحالمين، فاستحقت شجرة النيم ألقابها عن جدارة وبكل ثقة!!

النيم غابة من الأشجار

تستدعى كلمة “غابة” على الفور كلمة “شجرة”، والشجرة التى نقصد هى شجرة النيم Neem، أو المرجوزة Margosa، والتى تسمى علمياً “أزاديراختا إنديكا Azadirachta indica، وتعنى فى اللغة الهندية “شجرة الهند المجانية”.

إذ أن موطنها الأصلى يقع فى القارة الأسيوية خصوصاً فى غابات شبه القارة الهندية. والنيم شجرة مدارية (استوائية) تنتمى إلى الفصيلة “الزنزلختية”. وهى معمرة تستطيع أن تحيا عمرا، يصل إلى مائة وثمانين عاما، وقد يمتد عمرها فى الغابة إلى المائتين.

حين يتأملها العالم النباتى لا يسعه إلا الإعجاب بأشكالها الرائعة وخصائصها النباتية الباهرة. فهى شجرة سريعة النمو كثيفة الظل دائمة الاخضرار تنمو بكثافة، وتمثل فى الغابة مظهرا رئيسيا للخضرة، أما ارتفاعها فيصل إلى 16 مترا، وأحياناً يبلغ 25 مترا، ويصل قطر مجموعها الخضرى إلى عشرة أمتار.

تمتاز الشجرة بجذع قاس صلب، بنى داكن، يتراوح قطره ما بين 75 و150 سنتيمتراً على أن ما يعنينا هنا بالتحديد ليس جمال الشجرة الخارجى بل روائع الكميائيات الحيوية الفعالة، التى تنطوى عليها أجزاء الشجرة وعطاياها المتجددة التى جعلت الناس يطلقون عليها “كنز الغابة الذى لا يفنى”.

ندهش حين يحدثنا باحثو العقاقير عن أشجار النيم بوصفها مصانع نموذجية لإنتاج العقاقير الشافية لأوجاع الإنسان. كما ندهش حين يحدثنا باحثو وقاية النبات عن مبيدات النيم الحيوية وقدرتها الذكية فى مكافحة الآفات الزراعية.

لكن شجرة النيم ليست هذا ولاذاك فحسب، بل هى قبل كل شئ رئة من رئات الحياة على سطح الأرض. إن قدرة هذه الشجرة كمرشح حيوى للغازات الضارة الملوثة للهواء، شئ خيالى حقا. فهذا “الفلتر” الطبيعى لديه كفاءة عالية على امتصاص ملوثات غازية عدة لا سيما أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين وأكاسيد الرصاص.

ينتج أول أكسيد الكربون عن ماكينات احتراق المركبات والتدفئة المنزلية والتدخين ويكثر بشكل خاص فى المدن المزدحمة بالمواصلات. وهو بحد ذاته خطر كبير، بحسبانه لا يرى، ولا تشم له رائحة. وتتنوع مصادر أكاسيد الرصاص فى الهواء وهى التى تتسرب رويدا رويدا إلى أبدان الأحياء.

إذا فحصنا أكاسيد النيتروجين فسوف نجد أن أول أكسيد النيتروجين وثانى الأكسيد، هما أهم الأنواع. وتتركز مصادرها فيما تقذفه بالعوادم وسائل المواصلات. ويمكن لأول أكسيد النيتروجين التحول فى وجود الضوء إلى ثانى أكسيد النيتروجين ويمكن لهذا الغاز الاتحاد مع بخار الماء الموجود بالهواء، مكونا حامض النيتريك الذى يعمل على تآكل النباتات، ويؤثر فى المزروعات.

تأثير شجرة النيم على البيئة

يالها من تأثيرات مدمرة، لكن لحسن الحظ فقد اكتشف البيئيون أن بوسع كل شجرة نيم مزروعة على أرصفة الشوارع فى المدن التى تعانى من أزمة تلوث الجو والهواء، امتصاص تلكم الغازات جميعها، من مسافة تتراوح ما بين ثلاثة وخمسة أمتار.

اكتشفوا أن حزاما من الأشجار بعرض 30 متراً ، يستطيع خفض تركيز غاز أول أكسيد الكربون، بنسبة تصل إلى 60%، كما يمكن لكيلو متر مربع من الأشجار أن تمتص يوميا قدرا من الغازات، يصل إلى 120 كيلو جراما. وينبغى ألا ننسى دور الأشجار فى تنقية الهواء من الجزيئات العالقة والغبار، فالأشجار الكثيفة فى الغابة تستطيع خفض عدد الجزيئات العالقة بمعدل يتراوح ما بين 100، 1000 مرة، كما تحتجز كميات من الجزيئات العالقة تتراوح ما بين 40% ـ 80% من كميتها الموجودة بالهواء. ولأجل أن تصنع الأشجار مترا واحدا من مادتها الخشبية الجافة، فإنها تمتص من الهواء 1,83 طن، من غاز ثانى أكسيد الكربون. تطلق بدلاً منه 0,23 طن من غاز الأكسجين. تنطوى الأشجار على إمكانيات مذهلة بالنسبة إلى تلطيف الجو وإبطاء وتيرة ارتفاع درجة الحرارة.

فى هذا السياق يكفى أن نعلم أن خطة قومية لتشجير 20% من صحارى مصر، تكفل إعادة الاتزان الحرارى بشكل ملموس لكوكبنا الأرضى. فهذه مزايا بيئية عظيمة ولئن كان فى الطبيعة أنواع كثيرة من الأشجار تستطيع تحقيق بعضها بصورة جيدة ، فإن أشجار النيم فى مقدورها أن تحقق كافة المزايا البيئة، وبطريقة أكمل وأفضل.

الواقع أن أحد من الباحثين لم يكن يتصور مطلقا أن تنطوى أجزاء الشجرة من أوراق وبذور وأزهار وقلف وعصارة وأغصان على هذه الذخيرة من الكيميائيات الحيوية التى عثر عليها الباحثون، ولكى يهتدى المحللون إلى الكيميائيات الفعالة كان يتعين عليهم أن يجروا عددا لا حصر له من التجارب والاختبارات. فقاموا بأخذ عينات من كافة أجزاء النبات، ثم شرعوا فى غمس الواحد منها تلو الآخر فى شتيت المذيبات، بغية استخلاص ما تحتويه من مركبات. أظهرت الخلاصات المختبرة فعالية ذات قيمة فى كافة الاختبارات.

بإيجاز نجح الكميائيون فى الكشف عن أربعين مركبا حيويا فعالا تتركز أساسا فى البذور وفى زيت البذور، وفى القلف والأوراق، وتتصف بتركيب كيميائى معقد. وأنها تشبه كثيرا “الاستيرويدات” Steroids من وجهة نظر الكيمياء.

عرف الباحثون أن المركب النشط الرئيسى الذى يعود إليه طعم النبات المر هو “الازاديراكتين” Azadirachtin ، ويتراوح تركيزه فى لب البذورما بين 4 ـ 9 ملليجرامات فى الجرام، وغير هذا المركب الرئيسى توجد تركيزات أقل من مركبات أخرى أمكن التعرف على بعضها وجرى توصيفها فى حين مازالت مركبات غيرها قيد التعرف والتوصيف العلمى.

من بين المركبات التى عرفت على نحو مرضى نيمبين Nimbin، ونيمبينات الصوديوم Sodium nimbinate، ونيمبيدين Nimbidin ونيمبيدول Nimbdol وكويسيريتين Quecertin ،وجدونين Gedunin، وسلانين Salanin، ونيموستيرول Nimosterol، وسوى ذلك مركبات ذات فائدة عملية وتطبيقية مدهشة جعلت الناس يطلقون على النيم “شجرة الألف فائدة وفائدة”.

أهم فوائد أشجار النيم

شجرة تكافح الآفات

حين يتأمل عالم الحشرات شجرة النيم، لا يسعه إلا الإعجاب بمناعتها الطبيعية وصمودها الأشم فى وجه هجمات الحشرات الضارية، وحجافل الآفات الباغية، وهذا صحيح فهى تبدو محصنة ضد الحشرات على نحو لا نظير له فى مملكة النبات .. فلا تصاب عادة بأى من أنواعها، اللهم إلا الحشرة القشرية.

فوق ذلك، فهى تتصف بقدرة لا تبارى على طرد الحشرات، فهى إذا تنطلق روائح من زيت عطرى من أوراقها تنفر الحشرات وتطردها بعيداً حتى إنها لا تقوى على الاقتراب بل تفر مبتعدة لمسافة تصل إلى عشرين مترا.

العجيب أن هذه الرائحة ليست منفرة للإنسان ولا تؤثر فيه سلبيا على الإطلاق، كما أنها لا تؤذى نحل العسل ولا سواه من الحشرات النافعات ولنذكر فى هذا الصدد أن علماء الحشرات يرصدون ظاهرة فريدة فالجراد الصحراوى المهاجر الذى لا يكاد يحيط على أنواع الأشجار رائعة الاخضرار حتى يبيد خضرتها فى سويعات، لا يكاد يقترب من أشجار النيم حتى يفر بعيدا مذعورا منها ولا يمسها بأى سوء.

لقد عرف الباحثون أن مركب “الازاديراكتين” الذى يعود إليه الطعم المر للنبات هو نفسه المركب الرئيسى الذى يُبيد الحشرات. فهو يبدو مؤثرا ضد فيض منها، لا سيما الجراد والنطاطات والحشرات ذات الجناحين وغمدته الأجنحة ومستقيمة الأجنحة، وحرشفية الأجنحة، والحشرات متشابهة الأجنحة أيضا.

من السهل علينا أن نتصور مدى الدهشة التى تملكت العلماء حين أظهرت نتائج أبحاثهم العلمية وتجاربهم الحقلية سواء على نطاق الوحدات التجريبية أو المساحات الأكبر أو الزراعات المحمية إن مركب الأزاديراكتين يؤثر بقوة فى نحو مائتى نوع من الحشرات الضارية من بينها 25 نوعاً من حشرة أبى دقيق، و20 نوعا من الخنافس، و14 نوعا من البق، وخمسة أنواع من الذباب، وخمسة أنواع من الجراد والنطاطات ونوعين من النمل الأبيض وسوى من أنواع الحشرات.

على مدى سنوات تأكد الباحثون من حقيقة مذهلة: فمركب الأزاديراكتين، حين يبلغ أجسام اليرقات أو الحوريات، فإن 70% منها تموت فى غضون 3 – 14 يوما. هذا لأنه يؤثر فى جهاز الحشرة الهرمونى المسؤول عن انسلاخ اليرقات والحوريات لتكمل دورة حياتها وتتحول إلى حشرات كاملة. وبتعبير أفصح فإن الأزاديراكتين يسبب خللا فى هرمونات الحشرات لا سيما هرمونات النمو، وينتج عنه توقف عملية الانسلاخ ويؤدى إلى إيقاف النمو على نحو يفضى فى نهاية المطاف إلى موت الحشرة.

مبيدات النيم ومبيدات الكمياء

حين نوازن بين مركبات النيم الفعالة والمبيدات الكميائية نجد أن مركب الأزاديراكين – خلافا للمبيدات – لا يؤثر فى الجهاز الهضمى أو العصبى للحشرات بل أنه يؤثر فى جهازها الهرمونى بصورة تجعلها عاجزة عن تكوين مناعة له فى المستقبل. والأزاديراكتين – خلافا للمبيدات لا يعد ساما أو ضارا للإنسان أو للحيوانات الأليفة أو للطيور أو حتى للحشرات النافعات.

فى حين يرصد العلماء فى كل عام، ما يربو على مائتى ألف شخص يلقون حتفهم جراء الإفراط فى استخدام المبيدات الكيمياوية، فضلا عن ثلاثة ملايين حالة تسمم بالمبيدات. وإذن لم يكن غريبا أن نجد العديد من المؤتمرات الدولية تعقد فى الأعوام الاخيرة، لإبراز دور مركبات النيم الحيوية فى مكافحة الآفات، وتوالى في القرن العشرين عقد المزيد من المؤتمرات والندوات للتأكيد على هذا الدور، والتبشير بظهور جيل جديد من مبيدات النيم الحيوية فى الأسواق.

ما لبث السوق الأمريكى أن احتفى بمقدم أول مبيد مستخلص من النيم، فى صورة منتج تجارى عرف باسم “مارجوزان أو “- MARGOSAN-O. وقد أنتجته إحدى الشركات الأمريكية بالتعاون مع علماء من مختبرات “ويسكونسن” بعد أن نجحوا فى استخلاص الأزاديراكتين بواسطة الإيثانول من زيت بذور النيم.

ثمة شركة أمريكية تدعى “جريس” طرحت بالأسواق نوعين جديدين من مبيدات النيم الحيوية، يصلح أحدهما فى مكافحة آفات الحدائق المنزلية، ويدعى “بيونيم” BIONEEM. فى حين يكافح المبيد الثانى الذى يدعى “مارجوزين” MARGOSEN، الحشرات الأكثر انتشارا فى الصوبات الزراعية.

إننا نستطيع أن نقول عن مركبات النيم الحيوية أكثر من ذلك فهى لا تطهر الأجواء من الهوام والحشرات الطائرة فحسب، بل إنها تطهر مياه الرى والتربة الزراعية أيضاً من آفاتها. إذ يمكن لأربع أشجار نيم مزروعة فى الفدان – علاوة على طرد الحشرات الطائرة – إبعاد القوارض الساكنة بشقوق التربة وإبادة ديدان النيماتودا الرابضة.

لقد درج المزارعين الهنود على خلط التربة بكمية من أوراق النيم تتراوح نسبتها ما بين 5% ـ 10%، توسلا لمكافحة مرض التعقد الجذرى الناتج عن النيماتودا والذى يصيب خضروات عديدة مثل الباميا والطماطم والباذنجان بضراوة.

يستطيع نبات النيم أيضا، أن يبيد بكفاءة قواقع المياه العذبة التى تأوى أطوار الطفيليات. وثمة تجارب مثيرة أجراها علماء هنود فى حقول الأرز فهم حين ألقوا فيها بعض أغصان النيم وجدوا أن يرقات البعوض أبيدت عن بكرة أبيها، كما رصدوا انخفاضا مذهلا فى نسبة إصابة المزارعين بداء الملاريا. ولاحظوا كذلك أن الأغصان تكلفت بإبادة الكثير من الطفيليات النباتية، كما دعمت من خصوبة التربة، مما ضاعف من المحصول على نحو غير مسبوق.

لقد لفتت هذه التأثيرات الأنظار لأهمية نبات النيم كمخصب طبيعى للتربة عظيم فزراعته فى التربة الواهية، تصلح كثيرا من خواصها، وتعيدها إلى كامل خصوبتها، وتقلل من ملوحتها، وتحمى سطحها من عوامل التعرية ، وتمنع انجرافها.

ثبت أن أوراق النبات وجذوره وكذا الكسب الذى يتخلف عن عصر بذوره تفيد جميعها أنواع التربة الفقيرة التى طالما خصبت بالنترات أو اليوريا. يعود ذلك إلى التأثير المباشر لمركبات النيم على بعض بكتيريا التربة المؤذية المؤكسدة للنيتروجين.

هكذا فعوضا عن الفقدان الدائم للنيتروجين فى الهواء، فإن نبات النيم يتكفل بتوفيره بصورة أكبر ويبقيه فى التربة لأجل نمو أغزر وإنتاج نباتى أوفر.

أوراق النيم والحبوب المخزونة

أتراك سمعت عن هؤلاء الذين يستخدمون نبات النيم فى مكافحة حشرات الحبوب والبقوليات المخزونة؟

إن لم تكن سمعت عنهم فقد وجب أن نعلم شيئاً عن تلك الحشرات المؤذية فلعل من أعدى أعداء الحبوب النجيلية، الحشرات التى تتبع رتبة “حرشفية الأجنحة” Lepidoptera والتى تتبع رتبة “غمدية الأجنحة” Coleoptera. فهذه تحدث فى الحبوب المخزونة خسائر فادحة، تبلغ نحو 15% من الإنتاج الكلى. أما أعدى أعداء بذور البقوليات المخزونة فهى الحشرات التى تتبع الفصيلة Bruchidae، من رتبة غمدية الأجنحة. وهى تحدث بها خسائر لا تقل عما تحدثه سابقتها فى الحبوب المخزونة.

كما نعلم فإن الطريقة التقليدية المتبعة لحماية المخازن من الأذى الحشرى، هى استخدام المبيدات الكيميائية. وهذه، وإن كانت فعالة وناجحة ، غير أنها تصطحب معها الكثير من التأثيرات الجانبية على صحة الإنسان والبيئة إن عاجلاً أو آجلاً . وهكذا كان لابد من البحث عن بدائل أخرى آمنة.

ولكم كانت مصادفة سعيدة حين توصل الباحثون إلى بديل آمن ورخيص يتمثل – ياللعجب – فى أجزاء نبات النيم . على أننا لابد أن نعترف بفضل المزارعين الأفارقة والهنود فى هذا الميدان . فقد درجوا – منذ أمد بعيد – على خلط أوراق النيم مع الحبوب قبل تخزينها.

كثيرا ما عمدوا إلى وضع طبقة من الأوراق بسمك نحو 7 سنتيمتر، فوق الحبوب عند تخزينها، وعرف البعض طريقة رائعة لتخزين الحبوب فى حفر تحت سطح الأرض يقال لها ” المطمورة” حين توسد فى قاع الحفر أفرع من شجرة النيم ، وتوضع الحبوب فوقها ثم تغطى بخليط من الرمل والأفرع الصغيرة، لئلا تبلغ الحبوب الرطوبة أو الآفات.

مسحوق النيم في مخازن الغلال

لا ليست أوراق وأغصان النيم هى وحدها التى تحمى مخازن الغلال فقد اعتاد المزارعون فى بعض الأنحاء على وقاية مخازنهم من شرور الحشرات، بأن يستدعوا لها مساحيق من بذور النيم. حيث بحث الخبراء فعالية هذه الممارسات، فاكتشفوا أن مساحيق البذور هى الأكثر فائدة والأعظم تأثيراً فى الحشرات موازنة بأوراق النبات أو أزهاره وثماره ودلت تجارب الباحثين على أن خلط حبوب الذرة المخزونة بنسبة 1% – 2% من مسحوق البذور يحقق الحماية الكافية لمدة ستة شهور.

أما خلط حبوب القمح بالمعدل نفسه فيفيد فى وقايتها من هجوم أنواع السوس والحفارات، لاسيما سوسة الأرز وثاقبة الحبوب الصغرى، وخنفساء الصعيد (الخابرا)، لمدة لا تقل عن 13، 10، 9 شهرا على التوالى.

ثمة تجارب أخرى أظهرت أن معدل الخلط نفسة يحمى بذور البقوليات المخزونة من الإصابة لاسيما بخنفساء اللوبيا ، مدة تتراوح ما بين 8 ـ 12 شهرا. على أن الأهم هو أن الحبوب المعالجة بمساحيق النيم المطهرة تبقى محتفظة بحيويتها ولا تتأثر قدرتها على الإنبات طوال مدة تخزينها، فضلا عن أن المعالجة لا تؤثر البته فى طعم أو رائحة الحبوب.

إذ لا يقتضى التخلص من الطعم المر الذى يصاحب المسحوق سوى نخل الحبوب المعالجة ثم غسلها جيدا بماء نظيف. فهذه كلها مزايا تجعل من مركبات النيم الفعالة بديلا للمبيدات الكيميائية فاعلية وآمنا. وكان يمكننا أن نختتم قصتنا عن عجائب مركبات النيم، لو كان الأمر يتعلق بمكافحة الحشرات وحدها.

لكن ها هنا تكمن قوة العلم الذى لا يعترف بالنظرة الأحادية لحقائق ومنجزات العلم، كما أنه يرفض بشدة الإنكفاء على “التخصص الضيق” والتعشق فى سجاياه وكف البصر عما عداه فكل كشف فى العلم جديد ليس إلا خطوة على الطريق تقود حتماً إلى خطوات وهى فرصة أيضا “لفك إسار التخصص الضيق”، و”اللقاء عبر التخصصات”.

لقد كان هناك بالفعل باحثون آخرون ينظرون بعيون مغايرة إلى مركبات النيم الفعالة (الشافية)، حين يقصد باحثو العقاقير إحدى الغابات باحثين فى عجائب عالم النبات عما ينطوى عليه من قوى خارقة وبلا سم للشفاء ، فإنهم يرجون من صميم قلوبهم أن يعثروا على نبات لدية مناعة طبيعية وحصانة ضد افتراس الحشرات فالواقع أن هذه المناعة تنبئ عن قدرة النبات على تخليق مركبات حيوية، تعمل كوسائل دفاع كيميائية ضد إصابته بالعدوى وضد الافتراس، وعند الباحثين أن مثل هذه المركبات تكون كذلك فعالة بيولوجيا لدى الإنسان.

هذا يعنى أنها مركبات واعدة بأن تكون علاجات محتملة لنوع أو أكثر من أمراض الإنسان. أما الملاحظة الثانية التى تسترعى انتباه باحثى العقاقير فى أى نبات فهى شيوع التداوى بأجزائه لدى السكان الأصليين الذين يعرفون قيمته العلاجية منذ مئات السنين ويتناقلون معارفهم تلك من جيل إلى جيل.

إذ يفترض أن الاستخدامات المحلية (الشعبية – التقليدية) ، تعطى إشارات قوية للفعالية البيولوجية لهذا النبات. والحق أن هذا الافتراض المؤسس على ركائز علم النبات البشرى Ethnobotanical – هو علم يبحث فى العلاقة بين البشر والنبات كثيرا ما يفضى إلى الكشف عن حشود من الجزيئات الفعالة بيولوجيا، التى تنطوى عليها النباتات.

هذا بالضبط هو ما جرى لنبات النيم، حين هبت جماعة من المتخصصين فى علم النبات البشرى، لتيمم شطر غابات الهند المدارية، تبحث عن نباتات منيعة ضد الحشرات، وتسأل المعالجين التقليديين (الذين يرجع إليه عامة الناس) عن استخداماتها الشعبية التقليدية فى مداومة الأمراض.

الواقع أن أحدا من باحثى العقاقير، لم يكن يتصور مطلقاً أن شجرة النيم لديها قدرات على تخفيف آلام البشر إلى هذا الحد: إذ لا يعفى من الشجرة شئ لا يستخدم فى التداوى والتطيب، فالأوراق والبذور والأزهار والقلف وعصارة النبات والأغصان ، كلً له إلى أوجاع وآلام البشر طريق.

نأخذ أوراق النبات المركبة ذات الحزوز مثالا، فهى تبدو خصبة العطاء بما تنطوى عليه من مركبات فعالة بيولوجيا، وهى تقدم مثالا ساطعا للدقة البالغة التى يحرزها كثير من المعالجين التقليدين. فعشابو الهند، لقرون طويلة ظلوا يستخدمون عصير الأوراق يدعكون به جلود المرضى الذين لديهم علة جلدية هنا أو هناك بتقدير إمكانية عينات من الأوراق على كبح الاضطرابات والأمراض الجلدية، قد وجد الباحثون أن المعالجين القدامى كانوا على حق. فأوراق النيم وكذا عصير الأوراق والخلاصات المائية للورق أظهرت فعالية مضادة للقرصات الجلدية ولأعراض الإكزيما البادية.

من الأوراق تمكن الباحثون من تجهيز مراهم تستعمل خارجيا لعلاج التقرحات والبثور الجلدية والدمامل والاكزيما والجروح. كذلك فإن فريقا من الباحثين عرف من قدامى العشابين أن شرابا معدا من عصير أوراق النيم، أو المستخلص الناتج عن نقع الأوراق طويلا فى الماء يفيد أيما فائدة فى تخفيف آلام المعدة وشتى الاضطرابات المعدية المعوية.

بعد ذلك استخلص الباحثون من الأوراق الشراب مركبا مستحدثا قادرا على تطهير الأمعاء من الديدان المعوية والطفيليات، كما يخفف آلام المعدة، وعرف الباحثون أن السكان درجوا على استعمال خلاصة ومنقوع الأوراق كشراب لعلاج الحمى والملاريا.

نجحوا أيضا فى استخلاص مادة النيمبيدول من الأوراق وثبت لديهم أنها تعمل كمضاد جيد للحميات كما تمكن الباحثون من استخلاص مركبات أخرى يمكن استخدامها كمسهل فى صورة محلول لعلاج الإمساك، فضلا عن المركبات الفعالة التى عرفت قيمتها الدوائية فقد اتضح من التحاليل احتواء الأوراق على قدر حسن من فايتمو الكاروتينويدات وهى مجموعة كبيرة من مركبات الصبغات النباتية الذائبة بالدهون.

إن القيمة الحقيقية للكاروتينويدات لا تعود فحسب إلى كونها مصادر مهمة لفتيامين ( أ ) بالأبدان بل كذلك إلى صفاتها المضادة للأكسدة، حيث تثبط نشاط الشقوق الحرة التى تتولد عن عمليات الأكسدة الخلوية. وهذا مما يساعد على الحماية من عدد كبير من أنواع الأورام وثمة أدلة تشير إلى تأثيرات مفيدة لهذه المركبات فى تعزيز دور الجهاز المناعى. ومن الطريف حقاً أن نعرف أن الناس فى الغابة المدارية ظلوا لقرون طويلة يحتسون شاى أوراق النيم كمقو عام من شأنه توطيد صحة الأبدان.

تملكت العلماء الدهشة حين لاحظوا أن السكان الأصليين القاطنين بمناطق تزخر بأشجار النيم لا يصابون بتورم اللثة أو بتسويس الأسنان، بل لا يعرفون شيئا عن تلك الأمراض، وقد دلت أبحاثهم على أن ذلك يعود إلى تنظيف أسنانهم بفرشاة طبيعية من الأغصان الصغيرة لشجرة النيم.

ثمة أكثر من خمسمائة مليون هندى يستخدمون الآن قطعا من الأغصان كفرش للأسنان، وقد لا يبدو ذلك أمرا غريبا، إذا تأملنا فى طبيعة الألياف المكونة للأغصان فهى على درجة من القوة الميكانيكية تكفى للتخلص من بقايا الطعام الكامنة بين الأسنان، كما تزيل عن سطوحها اللطع الجرثومية الغادرة.

فوق ذلك فقد عثر المحللون بالأغصان على مواد مضادة للبكتيريا والعفونة، وإننا لنعرف بالفعل أن بالأغصان مادة النيمبيدين التى تظهر تأثيرات قوية مضادة للبكتيريا ومضادة للفطريات وهى مادة مسكنة أيضا إن فرشاة النيم الطبيعية هى مطهر جيد للفم واللثة والأسنان، ومثلما هى معطر جيد للأفواه. ولأجل ذلك فقد عمدت بعض الشركات الدوائية مؤخرا إلى استخلاص المواد الفعالة من أغصان النيم ومن الأوراق بغية إضافتها إلى معجون طبى جديد للأسنان يفيد فى علاج اللثات الملتهبة ويحفظ صحة الأفواه.

لا تبدأ شجرة النيم تجود بمحصول بذرى قبل 4 – 5 أعوام من بداية عمرها المديد، وهى تنتج سنويا ما يزيد على خمسين كيلو جراما من بذور رفيعة القدر. فمن البذور يستخرج زيت يمتاز بطعم لاذع ورائحه نفاذة كرائحة الثوم والزيت محتواه من فيتامين (هـ) المضاد للأكسدة ومن الأحماض الدهنية لاسيما الأولييك والاستياريك، والبالمتيك، وأخطر من هذا ما يحتويه من مركبات فعالة تعطى للزيت خواصة الطبية الشافية. فهو إذ يوضع على جلد الإنسان يعمل على ترطيبه، كما يجنب المرء شر الإصابة بضربات الشمس.

لقد عثر بالزيت على مركبات تظهر تأثيرات قوية مضادة للعدوى الميكروبية وللفطريات التى تتكاثر على الجلد . ولأجل ذلك وجدنا الباحثين الألمان يستخدمون الزيت فى صناعة نوع من الصابون الطبى لوقاية البشرة من العدوى الميكروبية.

كذلك أنتجوا من الزيت مستحضرات تفيد فى الوقاية و العلاج من قشرة الرأس، وفى تقوية الشعر وتطهيره من القمل وأضرابه من الطفيليات الرمية، ولكن الطريف هو ما ظهر للزيت من خواص مطهرة للفم حتى أن بعض الشركات اتخذته أساساً لصناعة صنف خاص من اللبان الطبى.

نضيف بأن اختبارات تجرى الآن لبعض مركبات الزيت الفعالة، كى تستعمل فى علاج أمراض الروماتيزم، ومن جديد أبحاث النيم، أن فريقا من باحثين هنود وألمان نجح مؤخرا فى استخلاص مواد فعالة من البذور، تضاد الفيروسات وتعرقل وظيفة فيروس نقص المناعة للإنسان (HIV) والذى يسبب مرض الإيدز.

دواء مستور في القلف

قلف النيم Neem bark هو قشر الشجرة الذى يتيسر نزعه عنها، وهذا ينطوى على المواد الفعالة نفسها التى توجد بأوراق الشجرة. على أن أكثر ما يلفت الانتباه فى أمر القلف ما عرف عنه فى الطب الشعبى الهندى من قدرة على مكافحة حمى الملاريا.

ذلك المرض المرعب الذى كان ومازال يحصد الملايين منذ فجر التاريخ، وينتقل من المريض إلى السليم بواسطة أنثى البعوضة الأنوفليس. وقد اعتاد المعالجون التقليديون على علاجه باستعمال شراب طبيعى قوامه منقوع قلف النيم فى الماء، وأصابوا نجاحا كبيرا وأنقذوا الكثيرين من موت محقق.

كذلك يفعل المعالجون فى الساحل الغربى للقارة الأفريقية، حيث تنتشر البعوضة الضارية كوباء. وهكذا فمن النادر أن ترى شجرة نيم واحدة سليمة قرب بيوت القاطنين ليست مقشورة القلف. وثمة عامل مثير آخر فى خط إنتاج الأدوية وهو مركب قوى مضاد للحيوانات المنوية يسمى “نيمبينات الصوديوم”.

لقد أثبتت التجارب التى أجريت على الفئران المعملية أن خلاصة أعدت من قلف النيم، تسبب عمقا للفئران، مما حفز على التفكير فى ابتكار أدوية جديدة لمنع الحمل من هذه الخلاصات الفريدة ويوجد بالقلف مركبات أظهرت تأثيرات حادة مضادة للأورام، فضلا عن مواد أخرى فعالة قلويدية Alkaloids، ومركبات منعشة ومنشطات لجهاز المناعة أيضا.

التأثيرات الحيوية لبعض المركبات الفعالة في شجرة النيم

ـ نيمبينات الصوديوم: مضاد لآلام المفاصل والالتهابات، مثبط وقاتل للمنويات، محفز على إدرار البول.
ـ نيمبيدين: مسكن ومخفف للآلام، مضاد للنمو الفطرى، مضاد للنمو البكتيرى.
ـ نيمبيدول: مضاد لأعراض الحميات، مضاد لبكتيريا السل Mycobacterium.
ـ نيمبين: مخفف للآلام والالتهابات، مضاد لنمو الفطريات.
ـ جدونين: معالج فعال لداء الملاريا، مضاد للنمو الفطرى.
ـ كويسيريتين: مضاد وقاتل للطفيليات أحادية الخلية.

إذا كانت شجرة النيم (هندية) الأصل والجنسية فإنها غدت مؤخرا (عالمية) الانتشار فاتخذت بذلك صفة المواطنة العالمية فهى تستزرع اليوم فيما يزيد على 65 دولة ولا سيما فى المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.

من أبرز الدول التى تعنى بزراعتها فى مساحات شاسعة لأغراض تجارية: مالى والنيجر وكينيا ونيجيريا والمكسيك والسنغال وجنوب أفريقيا والدومينكان ونيكاراجوا والأرجنتين وبورما وسيريلانكا وباكستان والبرازيل واستراليا . وفى عالمنا العربى استزرعت مساحات كبيرة نسبياً بشجرة النيم، فى كل من السودان واليمن ومساحات أقل فى بلدان الخليج العربى وفى المملكة العربية السعودية.

إن الزائر للمشاعر المقدسة فى منى والمزدلفة وعرفات، ليشاهد أشجار النيم وقد أينعت بخضرتها الدائمة فضلاً عن دورها فى تطهير الأجواء من الحشرات وإبعاد الكثير من أنواع القوارض والزواحف والهوام. ولابد أن نذكر أن رجالات الزراعة فى مصر تمكنوا منذ ما يقرب على أربعين عاماً من استجلاب بذور وشتلات النيم من السودان، ونجحوا فى استزراعها وإكثارها فى حديقة النباتات الاستوائية بأسوان وطوال هذه السنوات تراكمت لدى باحثينا الكثير من الملاحظات والمعارف القيمة عن أوفق ظروف الاستزراع، وأفضل طرق الإكثار والمناخ المناسب.

تمتاز شجرة النيم بأنها يمكن أن تستزرع فى طيف واسع من أنواع التربة على أن تكون عميقة، وألا تكون حامضية. وهى تستنبت مباشرة من بذور ناضجة طازجة، أخذت توا من شجرة مثمرة. هذا لأن ترك البذور أياما بعد جمعها يقلل كثيرا من حيويتها ويؤثر فى معدل إنباتها.

قبل كل شئ لابد من إزالة الطبقة اللحمية التى تغلف البذور ثم تنقع البذور فى ماء جار نظيف، لمدة تتراوح ما بين 3،6 أيام على أن يتم تغيير ماء النقع يوميا بعدئذ تزرع فى أكياس أو أوعية فخارية بواقع بذرتين فى كل وعاء على خطة مكونة من رمل وطمى بمعدل (1:1). وهى تبقى فى المشتل لمدة عام، تروى خلاله كل خمسة أيام إلى أن يبلغ طول الشتلة نحو 30 سنتيمترا. تنقل بعدئذ إلى الأرض المستديمة لتزرع. وهى تكون على أوفق حال حين تزرع فى الجهة القبلية أو الشرقية، حيث تفيد الشجرة أيما فائدة من أشعة الشمس الدافئة، كما تتوقى من الرياح الباردة العاصفة. وتبدأ فى التزهير حين تبلغ من سنوات عمرها خمسا.

تعطى فى الربيع زهرا بلون بنفسجى ورائحة كرائحة الشهد المصفى، ثم تعقد ثمرا أخضر مدورا بقدر حب الحمص، فى عناقيد متفرقة، فإذا اقترب الشتاء تغير لونه وصار عاجيا، ثم ييبس واسود لونه. وطعم الثمر الأخضر مر حمضى نوعا، فإذا أينع حلا اللب ما بين القشرة وبذور الثمرة. والشجرة تعطى فى العام الواحد فوق الخمسين كيلو جراما من بذور صغيرة مرة، ومتى تهيأ لها المجال ووجدت طريقها إلى التربة، أعادت الكرة وتكررت الرحلة.

ازرع فى بيتك كنزاً

يتساءل سائل: هل تتطلب خطة التشجير بالنيم اقتطاع مساحات من أرضنا الزراعية؟ ونقول كلا على الإطلاق، إذ يمكن أن نغرس الأشجار حول القرى وعلى حدود المزارع والحقول وعلى جوانب الطرق والترع والمصارف والجسور.

يمكن أن نزرع شجرا فى الأراضى التى لا ينتفع بها فى الإنتاج الزراعي، مثل شواطئ بحيرة السد العالى، والتلال الرملية المتاخمة لشاطئ البحر الأبيض المتوسط، ويمكن ردم البرك والأراضى البور والصحارى وأراضى البرارى.

يمكن أن نغرس أشجار النيم على أرصفة الشوارع والطرقات داخل المدن، وفى الحدائق العامة والمتنزهات أيضاً .ويمكن حث الأفراد على زراعة شجرة نيم أو شجرتين فى حدائق منازلهم أو على مداخلها. بل يمكن تشجيع الجميع على زراعة نبات النيم داخل الدور والمساكن فى أصيص كبير يوضع قريباً من الشرفة.

تستطيع ربة البيت الواعية، جمع أوراق النبات فى أكياس، كلما أجرت تقليما للنبات، ثم وضعها فى غرف النوم. وعندئذ فإن الزيت العطرى طارد للحشرات، سينطلق ليلا وينتشر فى كافة الأنحاء فيضع حدا لأزيز الحشرات الذى يحطم أعصاب النائمين، ويحميهم من قرص الهاموش والبعوض اللعين.

طرفة

قرون طويلة كان الناس فى بعض نواحى الهند يقدسون شجرة النيم وكان من الظواهر العجيبة التى أكدت على الوشائج المتينة التى ربطت بينهم والشجرة، أن كان من الواجب على أهل كل مولود يرى النور، زراعة شجرة منها.

كانوا يعتقدون أن صحة المولود الجديد ونصيبه فى الحياة يرتبطان باستمرار بنماء الشجرة وتجدد عطاياها فى كل حين. فهذه ولا ريب طرفة، لكنها تنطوى على حكمة. إذ لا يسعنا بعد كل ماذكرنا إلا أن نقول عن “النيم” أنها شجرة عجيبة حقاً فهى ليست درهم الوقاية الذى يغنى عن قنطار العلاج لهموم بيئتنا فحسب بل إنها كذلك عنوان للصحة والبهجة وكنز فى حياتنا لا يفنى.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى