رأى

التنمية المستدامة والطبقة الوسطى المُبدعة

مقال لـ«الدكتور عطية الجيار».. أستاذ بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة بمركز البحوث الزراعية

تؤدي الطبقة الوسطى الدور الفعال في الحراك الاجتماعي وفي التطور والتغيرات، ويصعب وضع معايير مطلقة وثابتة لها ولمواصفاتها، لارتباط هذه بالظروف والزمان والمكان، ولكن على الغالب فإن المعيارين الرئيسيين اللذين يحددان مواصفاتها، هما الدخل والسلوك؛ أي الواقع الاقتصادي، والشرط الأخلاقي وما ينتج عنهما أو يرتبط يهما.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

تهتم هذه الطبقة ومن ينتسبون إليها، باستقرار المجتمع، لأن مصلحتها تقتضي ذلك، وعليه فإنها تحترم القانون وتهتم بتطبيقه، وتصر على تطبيق النظام أيضا، وتهفو لتحقيق أمن المجتمع واستقراره، وتتمسك بالدستور والقانون، وبمعايير الدولة الحديثة، كالمشاركة والحرية والديمقراطية، وفصل السلطات واستقلال القضاء، والحياة البرلمانية.

ولأن الطبقة الوسطى هي الأكثر عقلانية وموضوعية بين طبقات المجتمع، فهي أكثر شعورا وحماسا لتطبيق المساواة، والعدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الطبقات والفئات الشعبية الأخرى، وحرية التعبير، والصحافة، والحق في النقد، أي أكثر شعوراً بالمسؤولية تجاه بناء مجتمع مستقر مزدهر، وهى تسعى لإقامة مجتمع مدني تُحترم فيه هذه المعايير، وتشجع مؤسسات هذا المجتمع ومنظماته.

في ضوء هذا فإن الطبقة الوسطى، هي العامل الأساسي لحفظ توازن المجتمع، وتحفيز تطويره واستقراره، وتحقيق تنميته المستدامة، وعلى هذا، إن غياب هذه الطبقة عن بعض المجتمعات العربية، أربك تطور هذه المجتمعات، وعرضها للمفاجآت والمغامرات وللتطور غير المتوازن، وإن نموها من جديد أو تنميتها، هما من أهم الوسائل لحفظ استقرار المجتمعات العربية، وتخليصها مما نشاهده ونلمسه حاليا من اضطرابات أو عدم استقرار.

لقد فطنت إسرائيل منذ زمنٍ بعيد إلى حقيقة أن أي نهضة عربيَّة شاملة ترتبط أساسا بحدوث تحول ديمقراطي حقيقي، يُفضي إلى ولادة أنظمة سياسيَّة تتبنى مشاريع نهضويَّة حقيقيَّة، و أن حدوث التحولات الديمقراطيَّة في العالم العربي يتوقف بشكل أساسي على وجود طبقة وسطى سميكة ومؤثرة؛ لذا فقد سعت إلى أن تسهم سياساتها تجاه العالم العربي في تحطيم هذه الطبقة.

أن غياب بلورة دور واضح للطبقات الوسطى في الاقتصاديات أسهم مع عوامل أخرى في عدم استغلال الموارد البشرية والرأسمالية إلى الحد الأقصى، وانخفاض معدل الإنتاجية، وعدم القدرة على تقليل الاعتماد على النفط وإنشاء هياكل اقتصادية أكثر تنوعا.

كما أن ضعف الطلب على اليد العاملة في القطاع العام قد يكون من أسباب أفول الطبقة المتوسطة، حيث يتم حاليا خلق معظم فرص العمل لدى القطاع الخاص، خاصة في القطاعات الخدمية. إن مسألة الطبقات الوسطى في العالم العربي قضية محورية لما لها من أهمية للدور الذي يمكن إن تضطلع به هذه الشرائح من ناحية امتصاص حدة الأزمات وإجهاض تفجرها وأيضا، تشكيل صمام أمان في البلد من خلال طبقة محكومة بان تدافع عن مصالحها، وحتى عن امتيازاتها.

سنتعرض في هذا المقال: الطبقة الوسطى في الوطن العربي – الطبقة الوسطى والتنمية المستدامة – والطبقة الوسطى والربيع العربي – الطبقة الوسطى وإسرائيل – الطبقة الوسطى والتحديات – الطبقة الوسطى والاستقرار.

مقدمة

يقول معظم الفلاسفة والمفكرين إن السبب الرئيس لفقدان المجتمعات العربية للاستقرار، ولتوترها السياسي، وللتطورات المفاجئة التي مرت بها هذه المجتمعات، والتغييرات الانقلابية التي طاولت بنية الأنظمة السياسية فيها ووظائفها وسلوكها، وكذلك التغير العميق والسريع لمنظومة القيم، وفقدان التطور المتتالي والمتنامي والمستدام في المجتمعات العربية هو ضعف الطبقة الوسطى العربية، أو غيابها من الأساس، وتلاشيها بعد التطورات العاصفة التي مرت بها البلدان العربية منذ استقلالها حتى الآن، ويؤكدون أنه لو أتيحت لهذه الطبقة الفرصة للنمو ولعب دورها التاريخي وممارسة مهماتها وأداء وظائفها، لما حصلت في المجتمعات العربية كل هذه الفوضى أو الانقلابات أو التغيرات العاصفة، ولكانت هذه المجتمعات أكثر استقراراً وأمناً وتطوراً ورفاهاً.

من الصعب تحديد معايير صارمة لتوصيف الطبقة الوسطى، سواء منها المعايير الاقتصادية أم السلوكية أم ما يتعلق بسلم القيم، فالطبقة الوسطى هي في الأساس، طبقة بين طبقتين؛ إحداهما عليا والأخرى دنيا، ويمكن أن تصعد منها شرائح للطبقة الأولى، أو تتدهور للطبقة الثانية، لأنها في النهاية منزلة بين المنزلتين.

لقد حاول بعض الدارسين وضع معايير اقتصادية وسلوكية تضبطها، لكن هذه المعايير بقيت نسبية، ترتبط بتكوين المجتمع وتتواءم مع خصوصيته وظروف تطوره، ومهما كانت هذه المعايير فإن للطبقة الوسطى سلم قيم ومفاهيم خاصة بها، في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والقيمية والسياسية وغيرها.

تضم الطبقة العليا في المجتمع، ذوي الدخل المرتفع والأثرياء، وينضوي هؤلاء عادة تحت منظومة قيم ومفاهيم محددة، منها اللهاث وراء الربح السريع والثراء وزيادة الدخل، واستطراداً السعي للمتعة والحياة الاستهلاكية، وعلى ذلك ترتبط قيم هذه الطبقة بالشروط الموضوعية التي ترسم حياتها، وتؤثر في سلم قيمها.

إن الصداقة والوفاء وما يشبههما، تحددها عند هذه الطبقة عوامل الربح، ولذلك تسعى إلى إقامة النظام السياسي الذي يؤمن لها مزيداً من الربح، ومزيداً من المنفعة ويتيح لها ممارسة النهم الاستهلاكي، وعليه فالنظام السياسي المرغوب لديها هو النظام الذي يراعي مصالحها ويتهاون في تطبيق القانون عليها، وهي غير مهتمة لا بالحرية ولا بالديمقراطية، وتحاول الهيمنة على أصحاب القرار وعقد الصفقات معهم ورشوتهم، وترى أنه من البديهي أن تحتال على القانون وأن لا تحترمه، وتحلل لنفسها الربح الفاحش ولا تهتم بمدى مشروعيته، وتستسهل نهب المال العام، وتمارس جني أرباح الصفقات والاحتكار.

أما الطبقة الدنيا، فهي لا تملك سوى فقرها وعذاباتها، وبينما تجهد الطبقة العليا في المجتمع لتحقيق الثراء والمتعة، تناضل الطبقة الدنيا من أجل “البقاء”، ونادرا ما تهتم بالشأن العام، وتسكن العشوائيات ولها أنماط حياة وسلوك ووسائل عيش وخطاب خاص بها، وتمارس بدورها سلم قيم يحاول أن يعوض عن بؤسها وفقرها، من خلال حديثها عن القيم الفاضلة، والأخلاق، والشرف والقيم العليا وما يشبه ذلك.

بسبب ظروفها الصعبة وعيشها البائس الذي تلقي هذه الطبقة مسؤوليته على النظام السياسي، فهي لا تحترم القانون، بل تعتبره في الغالب عدواً لها، لأنه حسب رأيها وُضع لصالح الأغنياء والمستغلين، وصيغ لخدمتهم وزيادة رفاهيتهم ونفوذهم.

أما الطبقة الوسطى التي هي بيت القصيد الذي نبغي الحديث عنه، فهي ـ حسب المفكرين أيضا ـ تؤدي الدور الفعال في الحراك الاجتماعي وفي التطور والتغيرات، ويصعب وضع معايير مطلقة وثابتة لها ولمواصفاتها، لارتباط هذه بالظروف والزمان والمكان، ولكن على الغالب فإن المعيارين الرئيسيين اللذين يحددان مواصفاتها، هما الدخل والسلوك؛ أي الواقع الاقتصادي، والشرط الأخلاقي وما ينتج عنهما أو يرتبط يهما.وغالبا ما يتمتع أفراد هذه الطبقة بدخل كاف لعيش كريم، وتعتبر النخبة الثقافية والمهنية وبعض النخب الاقتصادية من أبناء هذه الطبقة (كالأطباء والمحامين، والمدرسين، والكتاب، وكبار موظفي الدولة، وشرائح من الفئات العاملة بالشؤون الاقتصادية.. وذوي الدخل المحدود، ومن في حكم هؤلاء).

تهتم هذه الطبقة ومن ينتسبون إليها، باستقرار المجتمع (بعلاقاته الاقتصادية والاجتماعية القائمة)، لأن مصلحتها تقتضي ذلك، وعليه فإنها تحترم القانون وتهتم بتطبيقه، وتصر على تطبيق النظام أيضاً، وتهفو لتحقيق أمن المجتمع واستقراره، وتتمسك بالدستور والقانون، وبمعايير الدولة الحديثة، كالمشاركة والحرية والديمقراطية، وفصل السلطات واستقلال القضاء، والحياة البرلمانية.

أولاً: الطبقة الوسطى في الوطن العربي

إن تركيب الطبقة الوسطى، والعلاقات الطبقية، والتشكيلات الطبقية ،و الوعي الطبقي، تعتبر من المتغيرات الأساسية وذلك عند دراسة الطبقة الوسطى في البلدان العربية و من أهم النتائج التي تم التوصل إليها:-

توجد ست طبقات أساسية هي: الطبقة المركزية المتحكمة، الطبقة الوسطى المتنفذة، الطبقة الوسطى المستقرة، الطبقة الوسطى الفقيرة، الطبقة العاملة، الفئات اللاطبقية الكادحة. وأن أفراد كل طبقة، يشتركون معاً في العديد من الخصائص الحضارية، التي تؤثر فيها خمس متغيرات: مستوى الدخل ونوعه؛ مستوى التعليم والتدريب؛ الموقع البيروقراطي داخل مؤسسة العمل؛ أساليب الحياة؛ مجموعة المتغيرات القبلية/الطائفية/العرقية/السياسية التسلطية.

أن عدد السكان الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى الكلية في الوطن العربي، يبلغ 146 مليون نسمة، ويمثلون نسبة 44,5% من جملة سكان الوطن العربي. يعيش 80 مليون نسمة تقريبا في البلدان العربية غير النفطية، ويمثلون نسبة 38,3% من جملة السكان، في حين يعيش 66 مليون نسمة في البلدان العربية النفطية، ويمثلون نسبة 57,6% من جملة السكان. ويتركز 100 مليون نسمة ممن ينتمون للطبقة الوسطى، في ست دول عربية؛ هي: مصر، المغرب، السودان، السعودية، الجزائر، العراق. بنسبة 42,3% من جملة سكان هذا الدول.

على عكس نشأة الطبقة الغربية، تعد القوة السياسية في الوطن العربي، القائمة على العلاقات العرقية الطائفية والقبلية، أساسا لتوليد الثروة، ومنها تبلور التركيب الطبقي العربي الحديث، خلال فترة الحكم العثماني في بعض الأجزاء من الوطن العربي، وخلال الاستعمار الأوروبي في البعض الآخر. وعدد محدود من البلدان العربية، شهد ميلاد الطبقة الوسطى الحديثة قبل الاستقلال، ومنها بلدان الشام، والشمال الإفريقي، ماعدا ليبيا.

اتسم الربع قرن الأول بعد الاستقلال أو التأسيس، في غالبية البلدان العربية، بوجود تركيب طبقي ولود، وفيه ازدهرت الطبقة الوسطى في بلدان الشام والشمال الإفريقي، في حين وُلدت الطبقة الوسطى الحديثة من العدم – تقريبا – في بقية البلدان العربية. وباشرت الطبقة الوسطى دورها التنموي في كافة المجالات، وتنوعت شرائحها البيروقراطية والتكنولوجية والخدمية، إلى جانب أصحاب الأعمال ومتوسطي المُلَّاك، حيث جاء المشروع التنموي الأول في الوطن العربي، مصحوبا بانخفاض المشاعر السلبية تجاه النظم الحاكمة، بين أوساط الطبقة الوسطى والعاملة والفلاحين، كما اتسمت هذه المرحلة، بسعي النظم الحاكمة إلى توزيع عوائد التنمية بشكل عادل نسبيا.

في النصف الثاني من السبعينيات، ونتيجة لنشر التعليم الثانوي والجامعي، ونتيجة للازدهار الاقتصادي عقب الطفرة النفطية، تضخمت شرائح الطبقة الوسطى المستقرة والفقيرة، تضخما مرضيا، حيث عمدت الطبقة المركزية المتحكمة متحالفة من الطبقة الوسطى المتنفذة، إلى استثمار الموارد في قطاعات الاقتصاد الخدمي والاجتماعي، على حساب تدهور القطاعين الصناعي والزراعي.

شهدت هذه الفترة تدهورا في الدور السياسي للطبقة الوسطى، وبوادر لعودة سيطرة العلاقات التقليدية الطائفية/العرقية/ القبلية/ الحزبية الاحتكارية، كما شهدت تلك المرحلة الحراك الطبقي الفئوي، والحراك الفردي ضفدعي الحركة، الذي يعتمد على الانتهازية، ما أحدث اختلالاً عميقاً في قيم الطبقة الوسطى، وترتب على ذلك تضييق هامش الحرية الذي تمتعت به الطبقة الوسطى عقب الاستقلال، عبر ابتداع وسائل ديمقراطية شكلية منزوعة الدسم خالية من المضمون الحقيقي للممارسة الديمقراطية.

دفعت المجتمعات العربية عصر العولمة وهي تقريبا خالية الوفاق، البلدان غير النفطية، مثقلة بالديون، والبلدان النفطية تعاني من الانخفاض المستمر في أسعار النفط، والعالم يتحول نحو الليبرالية المتوحشة، والدولة تتخفف من أعبائها الاجتماعية، ولم تتمكن أي من الدول العربية، استثمار الايجابيات المحدودة، للانطلاق نحو اقتصاد السوق، التي تطلبت شروطاً لم تتحقق في الوطن العربي، فلا الأسواق حرة، ولا الدول العربية تمارس الديمقراطية، ولا توجد استراتيجية تنموية تركز على الاستثمار الإنتاجي، فكانت العواقب وخيمة على الاقتصاديات الكلية العربية، وانعكس على الطبقة الوسطى العربية بالانكماش والمزيد من التهميش.

يعتبر الفساد، والظلم الاجتماعي في توزيع الثروة، وقمع الحريات، عوامل مشتركة، حاضرة في كل ثورات الربيع العربي. غير أن الفساد والظلم الاجتماعي، يعتبر أحد أهم أسباب اندلاع الثورة التونسية والمصرية، بينما السبب الجوهري في انطلاق الثورة الليبية، هو الرغبة في الخلاص من نظام حكم فردي مستبد. أما اليمن، فكان في حالة ثورات فرعية مستمرة منذ توحيد شطري اليمن في 1990، وتمركز العناصر الجهادية العربية العائدة من أفغانستان في اليمن، والتقت مصالح الجميع في انتفاضة شعبية لوقف التعديلات الدستورية، التي تتيح للرئيس اليمني البقاء لولاية أخرى.

الطبقة الوسطى حاضرة بقوة في كافة الثورات الأربع، قائدة دون قيادات فردية في أي من بلدان الربيع العربي. وداخل الطبقة الوسطى، كان للقوى الدينية، حضورا قويا في مصر وتونس وليبيا، والقوى القبلية أكثر حضوراً في اليمن، بينما كان للقوى الدينية والقبلية حضور شبه متساو في ليبيا. غير أن القوى الدينية، تحاول بسط هيمنة (غير ديمقراطية) على المرحلة الانتقالية في كل من  تونس ومصر وليبيا.

الطبقة الوسطى والفقر الموروث

كان فخر الدولة الوطنية في البلاد العربية خلال عقود نشأتها الأولى أنها شجعت على نمو الطبقة الوسطى بفضل ما أتاحته لها من تعميم للتعليم ومن التدرج في سلم الوظيفة والمساهمة في السياسيات الداخلية والخارجية. غير أنّ سياسات الخصخصة واقتصاد السوق من ناحية واستشراء الفساد وقلة الشفافية وتقريب الموالي ساهم في العصف بهذه الطبقة لذلك كان لها الدور البارز في التغييرات التي طرأت على بعض تلك البلاد في 2011، تغييرات كانت الطبقة الوسطى تنوي بها إعادة توزيع الثروة الوطنية توزيعا عادلا لكنّ ذلك كان حلما استفاقت على زيفه في السنوات الأربع التي تلت ما سمي ‘بالربيع العربي’ وباتت تدرك أنّ حال اليوم ليس بأحسن من حال الأمس وأنّ عصرها الذهبي الذي غاشته في السبعينات من القرن الماضي يصعب استعادة بريقه في ظل التحديات الراهنة.

إن الطبقة الوسطى في غالب البلاد العربية لتشعر أنها أقرب إلى التدحرج إلى الفقر منه إلى أن تحافظ على دورها البراق الذي كان لها لذلك تخوض في تلك البلاد معركتها الأخيرة ويبحث المواطنون فيها عن خلاص فردي فمنهم من يهاجر بذريعة الحرب ومنهم من يهاجر وسلاحه الخبرة ومنهم من يخوض حربه مع مشغله بواسطة النقابات المهنية ومنهم من وجد في التداين فرصة للبقاء أكثر بعيدا عن الفقر ولكنهم جميعا شاعرون أنّ استقرارهم الطبقي بات مهدّدا في ظلّ وضع يعصف بأيّ استقرار.

تاريخيّا تكوّنت الطبقة الوسطى في البلدان العربية غير النفطية من النزوح من الطبقة الفقيرة المدقعة بفضل مجانية التعليم وقد كان ذلك ضرورة – أكثر مما كان اختيارا – لتكوين كفاءات وطنية يعهد إليها ببناء متين لهياكل الدولة وبالفعل استطاعت الكفاءات أن تحظى بفرص كبرى للتوظيف في قطاعات الإدارة والصحة والتعليم وحتى في قطاعات حساسة كالوزارة والمراكز الإدارية العليا ومناطق النفوذ في الدولة.

بهذا قدمت النخب في الستينات والسبعينات خبرتها للدولة الوطنية في مقابل أجر سنوي محترم كفل لها العيش الكريم وجعلها تهاجر من طبقة دنيا باتجاه الطبقة الوسطى؛ ولن نتحدث ههنا عن أولئك الذين هاجروا هجرة غير شرعية من طبقة فقيرة مدقعة إلى الطبقة البورجوازية الصغرى أو حتى إلى الهرم الطبقي فذلك نمو سابق لأوانه وغير طبيعي وإن كان مؤثرا.

اليوم وحين تشعر الطبقة الوسطى أنها في هجرة عكسية إلى طبقة أجدادها الأولى تشعر وكأن الفقر قدر ها المحتوم وأنها سائرة إليه لا محالة لذلك تسعى بوسائل متعددة إلى تأخير العودة بأن تعيش بنفس النبض التي كانت تعيش به لكن بواسطة التداين من ناحية والضغط النقابي على المشغل من ناحية أخرى غير أنها لا تفكر في الغالب في الاتجاه الصحيح وهو تطوير الأداء المهني فهذا أمر مغيب من دائرة اهتمامها وعادة ما يُعرض في شكل اتهام للدولة بأنّ الأداء المهني الجيد يتطلب توفير الظروف الملائمة للعمل ومن بينها الزيادة في الأجور وهذا حق يراد به في الغالب أن تفي الدولة بما عليها ولا يفي الموظّف بما عليه من تفكير من المضاعفة في الطاقة التشغيلية.

إنّ ما جعل الطبقة الوسطى تفرّط في موقعها هو تفكيرها في أنّه من الممكن أن تقفز إلى الطبقة الأعلى دون أن تكون لها الإمكانات الذاتية لذلك القفز ودون أن تجعل التنمية سببا من أسبابه فإذا بها وهي تقفز تقع في الدرك الطبقي الأسفل.

في المسألة بعدٌ أخلاقي أيضا يمكن اختصاره في القول بأنّه لم توجد ملاءمة بين الرغبة في التقدم وتحسين الظروف المعيشة والوعي بما يتطلبه ذلك من انضباط لقيمة العمل والإيمان به حلاّ أمثلَ ورمانيا في نطاق المجموعة الوطنية. صحيح أنّ دولة الفساد التي كانت قد شجّعت على الإثراء السريع ورأى الناس من يقفزون بين عشية وضحاها بين الطبقات في اتجاه تصاعدي لكن الطريقين باتجاه الثروة كانا مفتوحين كليهما طريق العمل وطريق الفساد؛ ورغم أنّ الطريقين كانا يتقاطعان أحيانا فإنّ المواطن الذي كان يزعجه الوقوف في الطابور وانتظار دوره في الإدارات العامة كان يزعجه أيضا التدرج بالوسائل الشرعية وهي الانضباط للعمل وروح التفاني فيه. حين يصبح الفساد طريقا يسيرة من الصعب أن ينافسه الشرف ومن الصعب على من اكتسب جناحين وهميّين ليطير يهما اجتماعيا أن يعود ليمشي على الأرض بساقين متعبتين في طريق طويل اسمه الكفاءة.

ولئن ساهمت الطبقة الوسطى في البلاد التي حدثت بها ‘ثورات’ في قلب أنظمة مستبدة فإنّها باتت تجازى اليوم جزاء سنّمار وهذا ما تؤكّده بعض الدراسات الأممية. فلقد أصدرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا والمعروفة بالإسكوا والمنبثقة عن الأمم المتحدة دراسة حديثة عنوانها ‘الطبقة الوسطى في البلدان العربية قياسها ودورها في التغيير’ وضعت فيها تحت المجهر هذه الطبقة وبينت الدراسة أن هذه الطبقة التي عرفت استقرارا بين 2000 و2010 تعرف حاليا في أغلب البلاد العربية غير النفطية تهديدا لوجودها وتقترح الدراسة أن يتم تشريك هذه الطبقة في صنع السياسيات وتقول الوثيقة إنّه “يبدو اليوم أن السبيل الوحيد لضمان استدامة التوجه إلى الأمام وإلى مستقبل مختلف لهذه المنطقة من العالم هو إشراك الطبقة الوسطى في رسم ملامح هذا المستقبل. ويعتبر هذا التقرير أن الطبقة الوسطى تملك المفاتيح الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية للتحولات التي طال انتظارها، وأنها الكفيلة بتحقيق السلم والازدهار الحقيقتين”.

عرّف التقرير الطبقة الوسطى بمعيار اقتصادي وآخر اجتماعي، الاقتصادي قَصَره على القدرة الشرائية المتمثلة في تلبية ‘كل الحاجة الأساسية’ في مقابل قدرة الطبقة الميسورة على تلبية الحاجيات غير الأساسية والاجتماعي رده إلى فئة عاملة في القطاع الوظيفي العام أو الخاص بمستوى تعليمي أقله المستوى الثانوي.

هذان المقياسان غير دقيقين بحكم أنّ الحاجات الأساسية مختلفة من مجتمع إلى آخر ومن عصر إلى آخر وأنّ المستوى التعليمي أيضا لا يمكن أن يكون ثابتا في جميع المجتمعات؛ فربْط التوظيف في المهن الخاصة أو العامة بالمستوى الثانوي يكاد يكون نادرا في المجتمعات التي تعاني من بطالة حاملي الشهادات الجامعية.

على الرغم من قلة دقتهما فإنّ تطبيقهما على الطبقة الوسطى بات لا يغطيها ذلك أنّ الطبقة الوسطى صارت غير قادرة اليوم على توفير الحاجات الأساسية في كثير من الدول العربية نظرا إلى تقهقر المقدرة الشرائية لديها وبات الكثير من أفرادها غير قادرين على الاستجابة لمصاريف الإعاشة والنقل اليومي والدراسة.. لقد باتت الطبقات الوسطى مهدّدة في أغلب البلاد العربية بالتفقير، ويمكن أن يلحظ ذلك في المظاهر التي كانت هذه الطبقة تعتني بها ومن أهمّها اللباس.

تذكر الدراسة أنّه وبعد ‘احتجاجات 2011’ كان حجم الطبقة الوسطى حوالي 40% في بلدان كا سوريا واليمن ولكنها تقلصت لتصير 37 بالمائة في عام 2011 نفسه وبذلك ارتفعت نسبة الفقر والتضخم وباتت الطبقة الفقيرة تمثل أغلب من نصف السكان أي بمعدّل 53 بالمائة.

اختلقت بعض الدول حلولا وقتية لا يمكن أن تستمر فلقد فتحت باب الاقتراض حتى صار التداين أصلا وفتحت الأبواب مشرعة نحو هجرة الأدمغة إلى الدول التي تستطيع أن تدفع أكثر واختار آخرون الهجرة العلنية أو السرية وما يزال باب الإثراء غير الشرعي مفتوحا لم تستطع الدولة غلقه.

غير أنّ الحلول هذه جميعا لا يمكن إلا أن تزيد الطين بلّة في غياب حلول أخرى أعمق وأنجع وهي دعم التنمية وجعل الطبقة الوسطى مركزها أولا والتحفيز المهني بحسب القدرة الإنمائية والابتكار المهني لدى هذه الطبقة ثانيا والبحث عن سياسة اجتماعية تعالج مشاكل الطبقة الوسطى المتأصلة ثالثا؛ وهذه الحلول الثلاثة لا تكون على حساب الطبقة العاملة أو طبقة الأعراف بل إنّ سياسية التفاعل الطبقي بين هذه القوى الاجتماعية الثلاث لا يمكن أن تدار إلا من أوسطها نعني الطبقة الوسطى.

نقول ذلك بعد أن جربت المجتمعات إدارة التفاعل من أسفل الهرم ومن أعلاه؛ ولكن تجريب التفاعل بإدارته من الوسط قليل حظ في التجربة كثير حظ في الإنماء: من الوسطى يمكن الحكم على الطبقة الدنيا فهي وسط متدحرج ويمكن الحكم على العليا فهي وسط متسلّق وتسعى الدولة بالقانون والعدل إلى أن تعدّل في سرعة الصّاعدين وتتحكم ما استطاعت في حركة النازلين بحيث لا يحدث علوّ مشط ولا سقوط مدو.

اندثار الطبقة الوسطى العربية

بقي حجم الطبقة الوسطى في الدول العربية مستقرا ولم يتقلص إلا قليلا من 47.3% في عام 2000 إلى 45,1% في عام 2011، إلا إن احتساب اثر تداعيات الأزمات في سوريا واليمن يجعل التقديرات تسجل تراجعا حادا في حجم الطبقة الوسطى إلى 36.7% عام 2011، يرافقه ازدياد حجم شريحة الفقراء والمعرضين للفقر من 39.5% عام 2000 إلى 52.9% عام 2011. وإن حجم فئة الميسورين تراجع أيضاً إلى 10.3% بعدما كان 13.3% عام 2000، وكان سيبلغ 11.3% عام 2011، لولا أثر «الأزمات» في سوريا واليمن. وبحسب البلدان، تصل نسبة «الطبقة الوسطى» عام 2011 إلى 60.9% في العراق، و56.5% في سورية، و55% في الأردن، و57.5% في تونس، و44% في مصر، و56.2% في لبنان!.

كان القطاع العام يستوعب 70% من عمال مصر عام 1980، مقابل 15.5% في القطاع الخاص غير الرسمي، و7.5% في القطاع الخاص الرسمي؛ وفي عام 2000 باتت حصة القطاع العام من التوظيف 23%، مقابل 41.8% للقطاع الخاص غير الرسمي و9.6% للقطاع الخاص الرسمي.

عندما يتحدث التقرير عن «استقرار نسبي» في حجم الطبقة الوسطى بين عامي 2000 و2011، حيث بات القطاع الخاص غير الرسمي في مصر مثلاً عام 2012 يستوعب حوالي 51.2% من العمال، مقابل 21.3% في القطاع العام و14.3% في القطاع الخاص الرسمي، يرى البعض أن هذا «الاستقرار» ما هو إلا تعبير عن بلوغ التدمير النيوليبرالي ذروته، ما أدى لتصاعد الضغط الاجتماعي، وصولا لانفجار الانتفاضات العربية، إضافة إلى ذلك أن التركيبة الاجتماعية – الاقتصادية في مصر «تغيرت تماما بين عامي 2000 و2011»، حيث «تقلصت الطبقة الوسطى» رغم تراوح متوسط «النمو الاقصائي» في هذه الفترة بين 5% و6%، قائلا إن حالة مصر تلك »نموذجية»، وأنه لو توافرت بيانات وافية حول سائر الدول العربية، «لكنا وجدنا حالات مشابهة!

لا تمثل حالة مصر استثناءً، فـ«وظائف القطاع العام أصبحت نادرة» على مستوى العالم العربي ككل، بالتزامن مع انتقال أبناء الطبقة الوسطى من العمل في الزراعة إلى الخدمات، «وبقدر أقل إلى الصناعة»، ألا أن النقل والتجارة باتت تستحوذ على الحصة الأكبر من الخدمات، فبلغت نسبتها من النشاطات الاقتصادية 79% في مصر عام 2011، و61% في العراق عام 2007، و75.1% في سورية في العام نفسه، و73.2% في الأردن عام 2010، و68.1% في لبنان عام 2005! أن المهنيين باتوا «أقلية» لا تزيد نسبتها عن 10% من الطبقة الوسطى كما يعرّفها، وأن حصة الفقراء و»المعرضين للفقر» من مجمل المهنيين ارتفعت «في معظم بلدان الربيع العربي»؛ وفي السياق، أن السياسات الاقتصادية مسئولة عن «عدم التطابق بين محصلات التعليم وسوق العمل، لا نقص المهارات».

خواص الطبقة الوسطى في بعض الدول العربية

أظهرت دراسة متخصصة أن الطبقة الوسطى في الدول العربية تشكل غالبية السكان، إذ يقدّر حجمها النسبي بنحو 79% من إجمالي عدد السكان. لاحظت الدراسة من خلال عينة من خمس دول عربية، هي الأردن وتونس ومصر والمغرب واليمن أن الطبقة الوسطى في كل من الدول الخمس “شكّلت في تسعينات القرن الماضي أكثر من نصف السكان، بمعنى أنها شكّلت غالبية السكان”.

ففي البلدان العربية هناك نحو 20.3% من السكان العرب يعيشون تحت خط الفقر الدولي المحدد بدولارين يومياً ما يعني أن نحو 34.6 مليون عربي يعيشون في فقر مدقع، وفي حديثه عن توزيع الدخل يرتبط تطور الفقر بمعدلات النمو المحققة من جهة وبتطور هيكل توزيع الدخل من جهة ثانية. وتفاوت حجم الطبقة الوسطى إذ سجّل أدنى حجم للطبقة الوسطى في تونس في عام 1995 وبلغ نحو 69% من السكان، بينما سجل أعلى حجم لها في مصر في العام 2000 وبلغ نحو 85% من السكان”.

أشارت الدراسة إلى تفاوت متوسط إنفاق الطبقة الوسطى في الدول الخمس إذ بلغ أدنى مستوى في العام 2000 في مصر ( 111 دولاراً للفرد في الشهر ) ،مقابل أعلى مستوى في تونس في العام 1995 (156 دولارا للفرد في الشهر). وتشير الدراسة إلى أن متوسط إنفاق الفرد في الطبقة الوسطى سجّل معدّل نمو سنوي مرتفع نسبياً في كل من الأردن (نحو 2.2 %)، وتونس (نحو 2 %)، والمغرب (نحو 1.6 %)، بينما كان معدل النمو منخفضاً في مصر (نحو 0.2 %).  وانخفض متوسط إنفاق الفرد في الطبقة الوسطى في اليمن بطريقة ملحوظة، حيث بلغ معدل الانخفاض السنوي 2.5 %.

الأردن

استنادا إلى بيانات مسح نفقات ودخل الأسرة لعام 2008 وباستخدام عام 2006 كسنة أساسية فقد شكلت الطبقة الوسطى، ما نسبته 41.1% من السكان فيما شكلت الطبقة الغنية8.2%, واستحوذت الطبقة الوسطى على ما نسبته 37.5% من إجمالي الدخل، وعلى ما نسبته 42.8% من إجمالي النفقات.

ويتركز العاملون من الطبقة الوسطى في قطاع التمويل (التأمين والوساطة المالية مثل البنوك والشراء بالقروض وسمسرة الأسهم)، وقطاع العقارات والأعمال التجارية (مثل الدعاية، والمحاسبة، والاستشارات، والقانون، وتكنولوجيا المعلومات وأنشطة بحوث الشركات)، والصحة (الطب وطب الأسنان والمستشفيات والعيادات بالإضافة إلى الطب البيطري) والعمل الاجتماعي (الأنشطة المرتبطة بالجمعيات الخيرية ودور الرعاية الاجتماعية من القطاعين العام والخاص)، وقطاع النقل والاتصالات والتخزين (الأنشطة المرتبطة بالنقل الجوي والبري والبحري ومناولة البضائع والتخزين والمستودعات).

تجدر الإشارة إلى أن القروض والبرامج التي تشجع المشاريع الصغيرة والمتوسطة يجب أن تستهدف الأفراد على أعتاب الطبقة الوسطى, وبالنظر إلى مصادر الدخل، نجد أن الطبقة الوسطى أزداد اعتمادها على العاملون لحسابهم الخاص بين الأعوام 2002 و 2008, ومن المعروف أن هذه الفئة مؤهلة لإدارة مشاريع ناجحة من حيث التعليم والمهارات.

أهمية الطبقة الوسطى بالنسبة للمجتمعات إنه يجب أن تشكّل الطبقة الوسطى أو «متوسطة الدخل» بالمسمى الاقتصادي ما بين 60 و80% من إجمالي عدد السكان في أي مجتمع، فيما تشكل النسبة الباقية الطبقتين الغنية جداً والفقيرة جداً، وإذا ما اختلت هذه النسبة فإن تركيبة المجتمع لا بد أن تتغير وتتأثر ولا سيما لو كان الاختلال بانحدار جزء من الطبقة المتوسطة إلى مستوى أقل، وانتقالها في التصنيف إلى الطبقة الفقيرة، والأخيرة إذا ما زادت فإن اختلالاً أمنياً واجتماعياً واقتصادياً لا بد أن يحدث في المجتمع..

المغرب

 هناك وصفة للبلدان العربية التي تطمح لتحقيق رهان التنمية، تتكون من شقين اقتصادي واجتماعي، الأول دعم وتشجيع الاستثمار الخاص وإحداث المقاولات، والثاني دعم الطبقة المتوسطة، وتمكين الجميع من فرصة ركوب المصعد الاجتماعي  77% . من المغاربة ضمن الطبقة المتوسطة والفقراء يتكدسون في القرى فإن نسبة الفقر في قرى المملكة تبقى أكبر بكثير من نظيرتها في المدن، حيث تبلغ هذه النسبة في المجال القروي 14.4%، في ما لا تتجاوز في المجال الحضري 4.8%. حيث تحدد الطبقة الفقيرة في الأشخاص الذين تقل مصاريفهم اليومية عن دولارين، فيما الأغنياء هم الذين ينفقون في المتوسط 10 دولارات يوميا، لتكون الطبقة المتوسطة تبعا لذلك ما بين هذين المستويين.

بخصوص المغرب، قالت المديرة العام لصندوق النقد الدولي، قالت لاغارد إنه “بلد حقق تقدما هائلا”، حاثة السلطات المغربية على “مواصلة السير في النهج نفسه لتحقيق استقرار مالي أفضل، وإطار ماكرو اقتصادي جيد”.وفي سياق متصل أردفت لاغارد، ، أن “خط الوقاية والسيولة” الذي حصل عليه المغرب من صندوق النقد الدولي يشكل “نوعا من التأمين” لمواصلة تطوير الاستقرار المالي، وإصلاحات الأنظمة التي انطلقت”.

الجزائر

ليست غنية لدرجة تسمح لها بالعيش دون خوف من الظروف الاقتصادية التي تمر بها الجزائر، ولا هي فقيرة لتستفيد من المنح التي تخصصها للفقراء” ذاك هو التعريف لـ “الطبقة الوسطى” في الجزائر، التي تمثل 52% من سكان البلاد المقدر عددهم بـ42 مليون نسمة.وتشهد الجزائر، مع اشتداد الحالة الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة، ظهور بوادر تآكل طبقتها الوسطى من موظفين ومعلّمين وأطباء وغيرهم، ما اعتبره خبراء اقتصاد ناقوس خطر حول انحدار هذه الطبقة نحو ” الفقر”.

بعد أن عاشت الطبقة الوسطى سنوات “وردية” منذ 2010 حتى 2014 تميزت برفع أجور عمال القطاع العمومي وإقرار زيادة في الحد الأدنى للرواتب، إلا أن هذه الشريحة من المجتمع أضحت تعيش حاضرا يتميز بتدهور قدرتها الشرائية جراء تهاوي قيمة الدينار وارتفاع الأسعار، ما قد يغير تركيبة المجتمع الجزائري إذا استمر الحال على هذا الحال.

مخاوف الخبراء من عدم صمود الطبقة الوسطى أمام الصدمة التي تعرّض لها الاقتصاد الجزائري من جراء انهيار مدا خيل النفط، انتقلت إلى المواطنين الذين باتوا يترقبون انهيارا بات وشيكا لهذه الطبقة، في ظل تأكيد التوقعات إلى تواصل  إلى ما بعد 2022.

إن الطبقة الوسطى في الجزائر حولتهم الحكومة إلى أفراد يعيشون من الريع، ولا يساهمون في خلق الثروة، عكس البلدان المتقدمة التي تعتمد في نموها على هذه الشريحة باعتبارها خلاقة للثروة الدائمة، فهي تنتج وتستهلك في نفس الوقت، بالإضافة إلى أنها أكثر الطبقات دفعا للضرائب من الاقتطاع المباشر من رواتبها.أن “ربع الجزائريين يعيشون في فقر تتجلى مظاهره من خلال تدهور المستوى المعيشي وسوء الخدمات الصحية والبطالة وتزايد الراغبين في الهجرة بأي ثمن وانتشار الدعارة والأحياء الفوضوية على شكل الأكواخ القصديرية”.

سلطنة عمان

إن الطبقة الوسطى في السلطنة بحاجة إلى حماية الدولة أولا، لأن الحكومة لا تستطيع القيام بذلك في أغلب الحالات، ولنا في قرار حظر رفع الأسعار، وتدخل الدولة مثال على وقوف الدولة لصالح المواطن، وثانيا تحتاج الطبقة الوسطى إلى الحصول على دخل ثابت يضمن مستوى معيشيا مناسبا، وإحداث مؤسسات اقتصادية صغيرة ومتوسطة في المجتمع تساهم في الإنتاج، مع توفر ضامن يحميها من المنافس الأجنبي، وثالثا تحتاج الطبقة الوسطى إلى قيام مؤسسات مجتمع مدني، يتم إشراكها في رسم الخطط ورسم السياسات المستقبلية للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في السلطنة.إن المطالبة بالحفاظ على الطبقة الوسطى وحمايتها، ليست نزوة ، بل نراها ضرورة لحماية قيم المجتمع وتأصيل المواطنة في نفوس النشء، بل هي ضمان وأمان للمجتمع واستقراره.

قطاع غزة والضفة الغربية

في القطاع أن “الطبقة الوسطى” تتكون من ثلاثة شرائح وهي “الشريحة العليا والوسطى والدنيا”، مشيراً إلى أن الشريحة الأولى حافظت على أوضاعها المعيشية طوال الفترة الماضية. أما الشريحة الوسطى فقد انتقل معظم فئاتها إلى أوضاع الشريحة الدنيا، أما الدنيا فقد انتقل معظمهم إلى خط الفقر الوطني وكثيرٌ منهم انتقل إلى الفقر المدقع وأصبح تدهور واضح في هذه الشريحة.

تشير إحصائيات بأن 41% من الشعب في حالة بطالة، 60% بطالة في صفوف الشباب الفلسطيني الغزي، الفقر والفقر المدقع يصل حوالي 65%، يضاف إلى ذلك 30% من الموظفين يصنفوا ضمن خط الفقر. وكما حدد البنك الدولي والمؤسسات الدويلة بأن الذين دخلهم أقل من 1780 شيكل يدخلون تحت خط الفقر المدقع، بينما الذين دخلهم أقل 2470 شيكل فيدخلون تحت خط الفقر.

أن سنوات الحصار أفرزت طبقة عليا تسمى “بأباطرة الحروب” أو “أمراء الحروب” وتتحكم بالوضع الاقتصادي وتقوم بأعمال غير منتجة مثل المنتجعات أو تجارة السيارات وغيرها، مبيّناً أن فئة رجال الأعمال وأصحاب المشاريع المنتجة قد تقلصت، على حد تفسيره، وبين أن، الضفة أقل حده في وضوح هذه الظاهرة فبرغم سوء الأوضاع الاقتصادية والحواجز وجدار الفصل العنصري الذي يشل الحركة ويعرقلها سواء داخليا أو خارجيا، إلا أنها أفضل حالا من غزة، لافتا إلى أن معدل الدخل للفرد الواحد بالضفة يقدر بحوالي 1700شيكل، بينما معدل الدخل للفرد الواحد في غزة لا يزيد عن 970 شيكل.

أن السنوات الأخيرة شهدت تعمق الفجوة بين الفقراء والأغنياء في المجتمع الفلسطيني، فيما أخذت الطبقة الوسطى في التلاشي لتتسع طبقة الفقراء.أن الطبقة الوسطى هي صمّام الأمان الاقتصادي والأمني والاجتماعي والسياسي لأي دولة في العالم، حيث توفر الكوادر المنتجة التي تُعيد دخولها بالقوة الشرائية، بل وتحافظ على أمن الدولة، وبالتالي تستتب وتستقر الأمور الأخرى.

مصر

إن ثروة الطبقة المتوسطة في مصر تقلصت بأكثر من 48%، لينخفض عددها من 5.7 ملايين شخص بالغ في عام 2000م، إلى 2.9 مليون بالغ في 2015م، يمثلون الآن 5% فقط من إجمالي البالغين، ويستحوذون على ربع ثروة المصريين. أن الطبقة المتوسطة في مصر هم الذين تراوح ثرواتهم بين 14.5 ألف دولار و145 ألف دولار، سواء كانت مالية أم أصولا وعقارات، وذلك وفقًا لأسعار الدولار في عام 2015م (7.78 جنيهات في البنوك الرسمية)، لكنهم الآن بدئوا في فقد ثروتهم والانتقال لخط الفقر بسبب الأوضاع المزرية التي تشهدها مصر.

ان أوضاع الطبقة المتوسطة في مصر ستكون “في غاية الصعوبة” خلال الاعوام القادمة، وأن تنحسر تلك الطبقة خلال العامين المقبلين، وأن يهبط جزء منها إلى أسفل خط الفقر، لأن “دخول معظم المنتمين لهذه الطبقة ثابتة تقريبا بالجنيه، والزيادات السنوية المحدودة لن تصمد أمام موجة التضخم القادمة”. إن نسبة الفقر ارتفعت في مصر خلال العاميين الماضيين لتصل إلى 27.8% من المصريين العام الماضي مقابل 26.3% في 2013، بمعدل نمو 5.7%، وتركز معدلات الفقر في الصعيد، حيث توجد أفقر محافظتين في مصر وهما سوهاج وأسيوط وتبلغ نسب الفقر بهما 66% من السكان، وهو مايعني إن الطبقة المتوسطة أصبحت فقيرة.

إن سقوط الطبقة المتوسطة في مصر يعني كارثة كبرى، فهي بمثابة “رمانة الميزان” بين الأغنياء والفقراء، وتهاويها يختل ميزان الدولة وتنتهي الفئات الاقتصادية حيث سيتهاوى أصحاب الملايين إلى تلك الطبقة المتوسطة وتهبط تجارتهم وأعمالهم فلن تجد أحد يشتري بضائعهم. وأضافت أن نحو 15% من الطبقة المتوسطة تتهاوى لتبقى فقيرة و5% من طبقة الأغنياء في طريقها إلى الطبقة المتوسطة وسيظل هذا الانحساب الإجباري مستمر ما دام الوضع الاقتصادي متفاقم.

السعودية

لدراسة الأحوال المعيشية للأسر السعودية اتضح من خلالها أن 51٪ من الأسر السعودية لا يوجد لديها دخل ثابت، و40٪ لا يزيد دخلها الشهري على 6 آلاف ريال، في حين يرتفع الدخل إلى حدود مفتوحة لدى 9٪ من الأسر السعودية!!).

إن تأمين الجبهة الداخلية لا يتم إلا من خلال الطبقة الوسطى والمجتمعات المدنية التي تتكئ على مؤسسات مدنية تعطي نسبة كبيرة من الاهتمام للطبقة الوسطى لتأمين خطرها من جانب, من جانب آخر للإفادة منها, وتفعليها, وتعزيز كافة الشرائح فيها, وتقويمها فالطبقة الوسطى بما تملكه من تطلعات سياسية ورؤى ثقافية وحراك اقتصادي وقدرة على التأثير هي القاعدة التي ينطلق منها المجتمع, وتأمين الجبهة الداخلية لا يتم إلا من خلال الطبقة الوسطى.

ثانياً: الطبقة الوسطى والتنمية

بعد اندلاع الاحتجاجات السياسية في إطار ما يسمى ثورات “الربيع العربي” في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وما رافقها من تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصبح الهاجس الأمني من أولويات الدول العربية. وعلى ضوء ذلك تزايدت حمى الهجرة في صفوف الكفاءات الوطنية باتجاه أوروبا وشمال أمريكا. غياب الاستقرار الأمني والتعددية السياسية والفشل في التأسيس لبناء نظم ديمقراطية وهجرة الكفاءات كلها عوامل تؤدي إلى تراجع الاقتصاد والركود والتضخم وتراجع مستويات الدخل واتساع دائرة الفقر بشكل يحرم الدول العربية من فرص تشكيل طبقات وسطى تضمن لها مستقبل آمن.

ليست المهمة الوحيدة للطبقة الوسطى هي تعزيز الطلب على السلع والخدمات الخاصة، لكنها تعزز أيضا الطلب على الكثير من الخدمات، مثل التعليم، والصحة، والبنية التحتية. والإنفاق الاستهلاكي المرتفع من قبل الطبقات المتوسطة يُسهم بصورة رئيسية في تحسين قدرة الاقتصاد على النمو ليس فقط بسرعة أكبر، ولكن أيضا على نحو مستدام وجامع.

تم تقدير حجم الطبقة الوسطى في مصر، الأردن، فلسطين، سوريا، تونس، واليمن باستخدام نهج الضعف. وبموجب هذه الطريقة، تعرف الطبقة الوسطى على أنهم ذوو الدخل الأعلى من خط محدد بنحو الضعف؛ أي أولئك الذين هم يؤمنون بشكل معقول من الوقوع في براثن الفقر. وحسب البنك خط الضعف عند 4.9 دولار في اليوم للشخص الواحد بتقديرات عام 2005.

وفقًا لتقديرات البنك الدولي، نحو 36% من سكان من هذه الاقتصاديات الخمسة كانوا ينتمون للطبقة المتوسطة حتى منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وتضخمت الطبقة الوسطى إلى 42% بحلول العام 2010. وكان نمو الطبقة الوسطى قويا بشكل خاص في سوريا وتونس، ولكن كانت ديناميكيات الطبقة المتوسطة سلبية في أماكن أخرى, مثل مصر واليمن، انخفض حجم الطبقة الوسطى بشكل كبير. وبحلول نهاية العقد تراجعت الطبقة الوسطى إلى أقل من 10 في المائة فقط.

دور الطبقة الوسطى

مثلَّث التنمية – كما رسمه قادةُ الفكْرِ الاقتصادي الأوائلُ – عبارة عن قمة هَرَمية صغيرة (الطبقة العليا)، وقاعدةٍ عريضة، لكنها ليست الأكبرَ مِن حيث العدد (الطبقة الدنيا)، والقلب عبارة عن طبقة كبيرة من حيث العدد (الطبقة الوُسطى) تقوم بدور التنمية الحقيقة في المجتمع، وتضمن الاستقرار الاقتصادي في المدى البعيد، وتمثل عصب أي تنمية حقيقة، و”الحراك الاجتماعي social mobility” بين الطبقات هو المؤشر الحقيقي لقياس تقدم المجتمع. إن تأخر العالم العربي – بالصورة التي نراها اليوم – يرجع بصورة كبيرة منه إلى ضعف – وأحيانًا غياب – تلك الطبقة الوسطى المستقلة، لا سيَّما مع ابتعاد الدولة عن تقديم ودعم الخدمات الاجتماعية، وخضوعها لإملاءات الاقتصاد الحر المدعوم غربيًّا، وضعف الرقابة على عمل مؤسسات القطاع الخاص التي دائما ما يكون الربحُ هدَفَها الأول والأخير، لتكبِّلَ كلُّ هذه المحدَّدات أبناءَ تلك الطبقة، وتمنع تمددها وقيامتها بدورها المنوط.

لنا في التجارِب الغربية عبرةٌ؛ فقد لعبت الطبقةُ الوسطى الناشئة في القرن الثامنَ عشر والتاسع عشر – دورا رائدا في التنمية والحرية، فقد حَدَّت من فسادِ الطبقة الحاكمة، ورسَّخت ضمانات حرية الرأي والتعبير والحصول على المعلومات والشفافية ووضوح الإدارة، في ظل دساتير تحمي هذه الحقوق، وتحدد الواجبات، وهذا جوهر قوة الرأسمالية الغربية.

إلا إن الوضع في الدول العربية مختلف تمامًا، فقد اختلط الحابل بالنابل، وأصبح أصحاب السلطة هم أصحابَ أو شركاءَ الشركات، وأصبح رجال الأعمال وزراء ونواب في المجالس النيابية، وبطبيعة الحال يرسمون خطط وزاراتهم وفق مصالح شركاتهم، وليس لصالح التنمية والتقدم، كما أن أصحاب الاستثمارات يلهثون وراء مسئولي الحكم؛ حتى يضمنوا سندا لهم للتحايل على القوانين، أو للحصول على مكاسب وامتيازات معينة، مقابل حصولهم على نِسَب أو أسهم محددة في رأس المال.لقد حولت السياسات العربية الطبقةَ الوسطى من طبقة مستقلة إلى تابعة، ومن طبقة منتجة إلى مستهلكة، وقد ساهمت سياسات القومية العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي بصورة كبيرة في تحطيم الطبقة الوسطى، عبر عمليات التأميم التي شهدتها العديد من الدول العربية.

إن الحديث الآن عن الطبقة الوسطى، واستعادة دورها في إحداث التنمية المجتمعية – يتزامن مع تصريحات كبار المسئولين العرب، التي يَعِدون فيها بإحياء دور تلك الطبقة المهمَّشة حاليًّا، وإدراجها ضمن أولويات برامج المستقبل، دون وضوح الرؤية حول ماهية الطبقة الوسطى، وحدود دورها في عملية النهوض المجتمعي والتنمية المستدامة.

إن شخصنه أنظمة الحكم في أغلب الدول العربية، وغياب الدوافع الحقيقة للتنمية المجتمعية – نَتج عنه ظهورُ طبقةٍ طفيلية صعدت السلم الاجتماعي بسرعة، على حساب أصحاب الطبقة المتوسطة، التي نفَضت الدولة يدها عن رعايتهم بسبب برامج الخصخصة والتكيف الهيكلي، التي لا تراعي البعد الاجتماعي، ونقص التمويل اللازم لبرامج الرعاية الاجتماعية لمحدودي الدخل، بما فيها أبناء الطبقات المتوسطة.

إنَّ تراجع دور الدولة الاجتماعي جعل الطبقة الوسطى عُرضةً لارتفاع الأسعار والبطالة، وتدنِّي مستوى الخدمات التي يحصلون عليها، فما كان أمام عدد كبير منهم سوى الفرار إلى الخارج، أو الخنوع للأمر الواقع، ومن ثَم استشْرت قيَمُ اليأس والإحباط واللامبالاة، وضعف الانتماء الوطني.

في دول الخليج، حذَّر تقرير حديث – أصدره اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي – من أن تتحول طبقات غنية ومتوسطة بين يوم وضحاه إلى طبقات فقيرة؛ نظرا للتراجع الحاد في أسعار الموجودات التي تقتنيها، سواء كانت أراضيَ وعقاراتٍ أو استثمارات ماليةً.أن ما يجري في دول الخليج هو بروز هوَّة واسعة بين الطبقات الاجتماعية؛ نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار، وعدم قدرة الاقتصاد المحلي على إيجاد فرص عمل مناسبة، بالإضافة إلى جمود حجم الرواتب، وتدني مستوياتها، وهشاشة الأسس الاقتصادية والمالية التي تقوم عليها عملية خروج ودخول أفراد من وإلى الطبقة الوسطى.

في مصر الدولة العربية الكبرى من حيث عدد السكان، وبعد أن بدأت الطبقة الوسطى تتنفس الصُّعداء في ثمانينيات القرن الماضي بعد هجرة أعداد كبير منها للدول الأوروبية، أو سفرهم إلى منطقة الخليج العربي، جاءت شركات توظيف الأموال، والتهمت جزءا كبيرا من كعكة غربتهم، ومع اتجاه معظم دول الخليج لإتباع سياسة توطين العمالة، ووضع الدول الأوروبية قيودًا هائلة على سفر العرب – وخاصةً المسلمين – إليها؛ خاصةً بعد أحداث سبتمبر 2001، ارتفعت أعداد العاطلين بعد أن تخلت الدولة عن سياسات التشغيل، وحقق الفقر معدلات هائلة. ولعل لغة الأرقام هي الأكثر دقةً، فقد أفاد تقرير التنمية البشرية الدولية أن 14 مليون مصري – مِن أصل ما يقرب من 78 مليون نسمة هم عدد السكان الإجمالي – يعيشون تحت خط الفقر، لتحتل مصر المركز 111 بين دول العالم الأكثر فقرا.

إن ارتفاع نسب الفقر بهذا الشكل مع زيادة معدلات التضخم والارتفاع ألجنوني في أسعار السلع الأساسية – دمَّر التركيبة الطبقية للمجتمع المصري، وضاعت معه الطبقة الوسطى، لنرى فقط طبقتين: هما العليا وعمادها رجال الأعمال وكبار رجال الدولة البيروقراطيين، والطبقة الدنيا وهي جموع الشعب الغفيرة.

لا شكَّ في أن الطبقة الوسطى العربية أضْحت على مفترق طرق، وعليها أن تختار طريقها للمستقبل دون تأخير؛ إذ لم يعد هناك وقتٌ كافٍ للاختيار، فهناك الضغوط الغربية والأمريكية من أجل إجراء إصلاحات اقتصادية، والدخول طوعًا أو كرهًا في الاقتصاد الرأسمالي المعولم، إلى جانب التحديات الداخلية المتمثلة في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والبطالة والفقر، والتفاوت الكبير بين الدخول والأسعار.

الطبقة الوسطى والنهضة الغائبة

إن ضعف وغياب الطبقة الوسطى هي احد أهم المسائل التي تعلب دورا كبيرا في تراجع العالم العربي.  فبلا طبقة وسطى مستقلة فاعلة اقتصاديا وغير معتمدة على الدولة، لن يكون هناك نجاح في التقدم والتنمية وضمان الحريات  في البلاد العربية. في الحالة العربية لازالت الدول هي التي تقوم بالتنمية، ولازالت الطبقة الوسطى ضعيفة محدودة بحكم كبت الدول لها عبر القوانين التي تحد من نموها أو من خلال ملكية الدول لوسائل الإنتاج والأرض والثروات.

التنمية وفق الشروط العربية ترتبط حتى الآن بوجود الكثير من التلاصق بين الذين يقودون الدولة وبين الذين يسيطرون على الاقتصاد، وفي هذا إفساد للتنمية وإدخال لها في طريق مسدود لا يختلف عن ذلك الذي دخل فيه الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه المفاجئ. إن القول السياسي الشهير ”أن السلطة المطلقة تتحول إلى مفسدة مطلقة“ فيه الكثير من الصحة.  فكلما ازدادت الصلاحيات لدى الفئات الحاكمة كلما ازدادت نسب الفساد وانتشرت، وهذا بدوره ينعكس على الاستقرار لأنه يحد من نمو طبقة وسطى مؤثرة  مستقلة وافرة العدد وقوية البنية قادرة على القيام بأعباء التنمية وحماية الاستقرار البعيد الأمد.

إن أصحاب السلطة في الدول العربية هم شركاء الشركات، بل يصعب على الكثير من الشركات والاستثمارات العمل في الكثير من الدول العربية بلا شريك قوي يكون احد أركان السلطة والحكم. كانت أول الضربات الموجهة للطبقة العربية الوسطى الصاعدة في زمن القومية العربية والناصرية عندما انتشرت سياسة التأميم في معظم الدول العربية.

كما وجهت لهذه الطبقة الوسطى ضربة قاسية عندما حولتها الدولة إلى طبقة تعتمد على الدولة وعقودها مما حد من نموها المستقل. بل يمكن القول أن النفط تحول لأحد اكبر العوامل التي تحد من نمو هذه الطبقة، وذلك من خلال سيطرة الدول على الإنتاج والثروات مما أحبط المجتمع وحوله إلى موقع استهلاك لا إنتاج وموقع اعتماد لا استقلالية.

من هنا ضعف العرب في كافة مجالات العلم والإنتاج والمؤسسات.  ولم تكن عملية بروز مفكرين كبار مثل طه حسين، وعباس محمود العقاد، ومغنين ومغنيات مثل عبد الحليم حافظ و أم كلثوم وعشرات غيرهم في ذلك الزمن السابق سوى تعبير عن نمو الطبقات الوسطى المستقلة ومطالبها. لكن تلك التجارب لم تصمد أمام سطوة الدولة.

قد أضاف إلى صعوبة نمو طبقات وسطى عربية. إن الدولة  في البلاد العربية ظلت أسيرة العلاقة المبهمة والصعبة بين الدولة والأسرة المسيطرة. لا يوجد دولة عربية واحدة بما فيها الدول الجمهورية إلا والعلاقة بين الأسرة والدولة في التصاق كما يلتصق طفل بأمه. فالعرب لازالوا في مرحلة الطفولة السياسية بسبب هذا الالتصاق، وهذا يحد من نموهم.

بينما يمكن القول بأن هذا الالتصاق كان في السابق أصل نشوء جميع الدول وانه لا ضرر من وجوده في مرحلة، لكن الدول العربية تأخرت في عملية الفصل. لقد فصلت الدول الغربية ومعظم دول العالم بين الأسرة والدولة كما فصلت بين الطائفة والدولة، وهذا سمح لتطور الدول ونموها وتنميتها بصفتها حامية البلاد والوعاء الأساسي للتنمية والمستقبل.

إن دعوات الإصلاح في أكثر من دولة عربية قد تنجح في اخذ العالم العربي نحو أفق جديد في مجال نمو الدولة كقوة فوق كل القوى والعائلات والطوائف والقبائل والأعراق.  في ظل غياب الطبقة الوسطى تتلاعب السلطات بالمستقبل، فتارة يصبح الدين والدولة شيء واحد، وتارة تتحول الدولة إلي أسرة من خمسة أفراد، وتارة تتفكك، وتارة يصعد الإرهاب بين الفئات المستثناة وتارة يعم العنف والحروب الأهلية والغضب الأصولي وتارة ترتفع نسب الهجرة إلى بلاد أخرى.   إن المفتاح في المستقبل كان وسيبقى في مدى المقدرة على نمو قوى الطبقة الوسطى المستقلة ذات الحس المستقبلي. هذا مفتاح إصلاح المرحلة القادمة.

إن ثروة الطبقة المتوسطة في مصر تقلصت بأكثر من 48%، لينخفض عددها من 5.7 مليون شخص بالغ في عام 2000م، إلى 2.9 مليون بالغ في 2015م، يمثلون الآن 5% فقط من إجمالي البالغين، ويستحوذون على ربع ثروة المصريين، وبلغت نسبة المواطنين الذين يعيشون أسفل خط الفقر في مصر 27.8٪ في عام 2015، وهو أعلى معدل منذ عام 2000، وفقا لبيانات بحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

فى الوقت نفسه «سيطرت العقارات غير الرسمية على 70٪ من الإنشاءات الجديدة سنويا ما بين عامي 2007 و2014، بسبب البناء على أرض زراعية أو إنشاء أدوار مخالفة للتصريح، و20٪ ذهبت للقطاع الخاص الرسمي، و10٪ للحكومة.. نسبة القطاع غير الرسمي كانت 40٪ في وقت سابق، وببساطة هذا يعنى أن أغلب العقارات في مصر لا تناسب أذواق من نطلق عليهم الطبقة المتوسطة». حيث أرخص وحدات «رسمية» موجودة في منطقة الهضبة الوسطى بسعر 300 ألف جنيه، وأرخص وحدات إسكان اجتماعي يبلغ ثمنها 154 ألف جنيه، وهى أسعار مرتفعة مقارنة بدخول المصريين.وإذا كان المتوسط العالمي لسعر امتلاك منزل هو ما يساوى 6 أضعاف الدخل السنوي، فإن 54٪ من المصريين لا يستطيعون شراء شقة متوسطة السعر، وفى حالة الإيجار، فالمعدل العالمي ربع المرتب، وبالمقارنة بدخول المصريين، فعلينا أن نعلم أن أكثر من 50٪ من المواطنين لا يكفى ربع راتبهم لتأجير وحدة إسكان متوسط».

أن الطبقة المتوسطة في مصر هم الذين تراوح ثرواتهم بين 14.5 ألف دولار و145 ألف دولار، سواء كانت مالية أم أصولا وعقارات، وذلك وفقًا لأسعار الدولار في عام 2015م (7.78 جنيهات في البنوك الرسمية)، لكنهم الآن بدئوا في فقد ثروتهم والانتقال لخط الفقر بسبب الأوضاع المزرية التي تشهدها مصر.إن نسبة الفقر ارتفعت في مصر خلال العاميين الماضيين لتصل إلى 27.8% من المصريين العام الماضي مقابل 26.3% في 2013، بمعدل نمو 5.7%، وتركز معدلات الفقر في الصعيد، حيث توجد أفقر محافظتين في مصر وهما سوهاج وأسيوط وتبلغ نسب الفقر يهما 66% من السكان، وهو مايعني إن الطبقة المتوسطة أصبحت فقيرة.أن 18% من سكان محافظة القاهرة فقراء، وأن أقل نسبة فقر في المحافظات جاءت ببورسعيد بنسبة 6.7% تلتها محافظة الإسكندرية بنسبة 11.6% من إجمالي سكان المحافظة، وأن نسبة 34.4% من دخل الأسر يتم إنفاقه على الطعام والشراب سنويًا، و17.5% نسبة الإنفاق على المسكن ومستلزماته، و10% على الصحة، و2.1% إنفاق على الثقافة والترفيه و2.5% الإنفاق على الاتصالات.

ثالثاً: الطبقة الوسطى والربيع العربي

1- ديناميكية الطبقة المتوسطة والربيع العربي

في الاقتصاديات الحديثة، لا تعزز الطبقة المتوسطة الطلب على بضائع وخدمات القطاع الخاص فحسب، بل أيضا تصر على جودة الإدارة والخدمات العامة، كالتعليم والصحة والبنية الأساسية. الاستثمارات في هذه المجالات لاتحسن فقط من قدرة الاقتصاد على النمو السريع، بل أيضا على النمو المستدام والاشتمالي. ومن ثم، فإن فهم وضع الطبقة المتوسطة في العالم العربي مهم للغاية.ومع هذا، فإن معرفة من هي الفئة التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة في العالم العربي ليس بالمهمة الواضحة تماما.

نقص بيانات المسح اللازمة لتحليل أنماط الاستهلاك على المدى البعيد في البلدان العربية يعد سببا أساسيا للاعتماد على التعريفات التي تركز على  الانتماءات السياسية والمهنية، أو على استخدام التعريفات القائمة لتحديد وضع الطبقة المتوسطة في مناطق أخرى. ومثال على ذلك، تظهر  أن تبني هذه التعريفات ينتج عنه تقديرات للطبقة المتوسطة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إما صغيرة بدرجة غير معقولة (أقل من 5% من عدد السكان) أو مفرطة في ضخامتها (أكثر من ثلاثة أرباع السكان).

في مقالى، هذا وصف الطبقة المتوسطة يطلق على أصحاب الدخول التي تعلو فوق خط معين للضعف، بالتحديد الآمنين بدرجة معقولة من الوقوع في براثن الفقر. نحسب خط الضعف هذا عند 4.9 دولار في اليوم للشخص الواحد بتقديرات عام 2005، ولا تتجاوز احتمالات سقوط من هم أعلى من هذا الخط في الفقر خلال الفترة القادمة نسبة العشرين في المائة.

خلال نفس الفترة، كانت الطبقة المتوسطة في استياء وإحباط متزايدين، حتى في البلدان التي كانت تنمو فيها هذه الطبقة، وتراجعت مستويات السعادة في جميع البلدان التي شملها تحليلنا خلال الفترة السابقة على الربيع العربي في الألفية، وكان هذا التراجع جليا بشكل خاص في بلدان الربيع العربي وبين شرائح الطبقة المتوسطة في المجتمع والتصورات السائدة عن تدني مستويات المعيشة، خاصة جودة الخدمات العامة، وارتفاع معدلات البطالة، وقضايا الإدارة العامة.

 2- تآكل الطبقة الوسطى في الربيع العربي

أن غالبية البلدان العربية تعاني من تدهور المشروع التنموي، أو انحرافه عن مسار التنمية الشاملة المستدامة، بعد أن أخفقت معظم مشاريع التنمية الصناعية في البلدان العربية، التي تتمتع ببنية وإمكانيات مادية وبشرية صالحة في التوسع الصناعي، في حين حققت بعض البلدان النفطية نموا محدودا في مجال الصناعات الاستخراجية والبتر وكيماوية، بينما انعدمت التنمية الصناعية في بقية البلدان العربية. وبعد أن أخفقت غالبية مشاريع التنمية الزراعية، في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وعجزت البلدان العربية عن الاستفادة من الإمكانات المتاحة لإنتاج المحاصيل الأساسية.

من ناحية أخرى نجد أن جميع البلدان العربية تعتمد على ديمقراطية مشوهة، مراوغة ومنقوصة، لا تمت إلى الحرية بصلة، وتجل المجتمعات العربية تعاني من تفاوت حاد بين الفقراء والأغنياء. وداخل هذا المشهد وفي قلبه، توجد الطبقة الوسطى العربية الحديثة، بعض فئاتها تتحالف مع الطبقة الحاكمة، لترتوي وتنتفع من هذه الوضعية، بينما غالبيتها وباقي الطبقات، تعاني الحرمان.إن التركيب الطبقي العربي يتضمن ست طبقات أساسية، هي: الطبقة المركزية المتحكمة، الطبقة الوسطى المتنفذة، الطبقة الوسطى المستقرة، الطبقة الوسطى الفقيرة، الطبقة العاملة، الفئات اللاطبقية الكادحة. وأن أفراد كل طبقة، يشتركون معا في العديد من الخصائص الحضارية، التي تؤثر فيها خمسة متغيرات: مستوى الدخل ونوعه، مستوى التعليم والتدريب، الموقع البيروقراطي داخل مؤسسة العمل، أساليب الحياة، مجموعة المتغيرات القبلية/الطائفية/العرقية/السياسية التسلطية.

أنه رغم أن التركيب الطبقي العربي، يعاني من علاقات استغلال أكيدة، ومن تناقضات طبقية عميقة، إلا أن البلدان العربية لم تشهد صراعا طبقيا بالمعنى الدقيق، وخضعت للإذعان الطبقي، حيث عجزت كافة الطبقات، عن مواجهة الطبقة المركزية المتحكمة المتحالفة مع الطبقة الوسطى المتنفذة، وساعد على تكريس هذا الإذعان، عدم مأسسة الصراع السياسي، وتشوش الصراع الاقتصادي بالتمييز الطائفي/الإثني/القبلي، والكبت العنيف الذي تمارسه المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن من أجل حماية الطبقة المركزية وحليفتها الطبقة الوسطى المستنفذة.

أن المشهد ألصراعي الراهن في بلدان الربيع العربي، وكافة البلدان، يشير إلى وجود استقطاب طبقي واسع النطاق، حيث أن الطبقة المركزية بتحالفها مع الطبقة الوسطى المتنفذة (العسكرية، والمدنية، والتقليدية) في طرف، والطبقات الوسطى المستقرة والوسطى الفقيرة، والطبقة العاملة، والكادحين والعاطلين، في الطرف النقيض. والفارق أن بلدان الربيع، حسمت الصراع مؤقتا، بعد العصف بالطبقة المركزية، ولكنها دلفت إلى صراع أيديولوجي، بعد أن فرضت الحركات الدينية هيمنتها على مشهد ما بعد الثورة، ولا يمكن التنبؤ بمصير هذا الصراع حتى الآن.

أما بقية الدول العربية، فلا مفر أمامها، سوى اتخاذ ما يلزم نحو حلحلة هذا الاستقطاب، عبر سياسات وعمليات تحقق العدل الاجتماعي والحرية والديمقراطية، وبطبيعة الحال، فإن الطبقات المركزية والوسطى المتنفذة في تلك البلدان قد جربت واستنفذت كافة الوسائل القمعية، ولم يعد أمامها الآن سوى الإذعان لإصلاحات جذرية إن أرادت أن تتجنب المد الثوري.

تقسم الطبقة الوسطى في البلدان العربية، إلى مجموعتين: الأولى تختص بالبلدان النفطية وتضم تسع دول، هي “الإمارات، البحرين، الجزائر، السعودية، العراق، عمان، قطر، الكويت، ليبيا” والثانية تختص بالبلدان غير النفطية، وتضم ثلاث عشرة دولة، هي “الأردن، تونس، جيبوتي، السودان، سوريا، الصومال، فلسطين، جزر القمر، لبنان، مصر، المغرب، موريتانيا، اليمن”، وحاول الاستدلال من الإحصاءات الديموغرافية الاجتماعية والحيوية والجغرافية، إلى جانب متغيرات القوة العاملة والمهنة، والنشاط الاقتصادي، في رسم صورة مبدئية عن طبيعة السكان المرشحين للدخول ضمن الطبقة الوسطى الكلية.

أن عدد السكان الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى الكلية في الوطن العربي، يبلغ 146 مليون نسمة، ويمثلون نسبة 44,5% من جملة سكان الوطن العربي، يعيش 80 مليون نسمة تقريبا في البلدان العربية غير النفطية، ويمثلون نسبة 38,3% من جملة السكان، في حين يعيش 66 مليون نسمة في البلدان العربية النفطية، ويمثلون نسبة 57,6% من جملة السكان. ويتركز 100 مليون نسمة ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى، في ست دول عربية، هي: مصر، المغرب، السودان، السعودية، الجزائر، العراق. بنسبة 42،3 بالمائة من جملة سكان هذه الدول. وفى دول الشام، حيث يبلغ حجم الطبقة الوسطى 27,5 مليون نسمة، تمثل ما يقرب من 60% من جملة السكان (وافدين ومواطنين)، يرتفع إلى أكثر من 80% إذا تم استبعاد نسبة الوافدين.

كذلك الوضع في دول الشام – ما عدا العراق – حيث تضم ما يقرب من 34 مليون نسمة ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى، وهم يمثلون 50% من جملة سكان الشام، بينما يتسم التركيب الطبقي في إقليم المغرب العربي بانخفاض الخصوبة، حيث يبلغ حجم الطبقة الوسطى 36 مليون نسمة، وتمثل 40% من جملة السكان، ويمكن أن نطلق على التركيب الطبقي في الشرق الأفريقي – ما عدا مصر – بأنه تركيب عاقر، حيث يبلغ حجم الطبقة الوسطى 48,5 مليون نسمة، وتمثل 28% من جملة سكان هذا الإقليم.

من خصائص الطبقة الوسطى أنها طبقة وسطى عربية خدمية ذكورية في كافة بلدان الوطن العربي، ومنهكة اقتصاديا واجتماعيا في غالبية البلدان العربية غير النفطية، ومن المتوقع أن يشهد تركيب الطبقة الوسطى في كل من سوريا، مصر، تونس، اليمن، وليبيا، ظاهرة الانكماش الطبقي، ففي اللحظة التاريخية الانتقالية، المصحوبة، كما هو مشهود حتى الآن، بتدمير البنية الاقتصادية، يحدث تدهور بالغ في الخصائص الحضارية للوعاء الطبقي الثانوي، وتتبخر كتلته (أفراد الطبقة)، إلى أن ينضب، فيعود أفراده إلى الوعاء الطبقي الأصلي التي قد تطول فتستغرق عقودا، أو تقصر فتستغرق سنوات عديدة، ينكمش التركيب الطبقي، ليصبح تركيبا ثلاثيا، أو حتى ثنائيا، حسب شدة ونطاق ومدة هذا الانهيار أو التدهور، الأمر الذي يعظم من حجم التحديات، والمسؤوليات التاريخية الملقاة على عاتق الطبقة المركزية الجديدة في تلك البلدان، لإعادة بعث الروح في الاقتصاد المدمر في تلك البلدان، على أرضية تحول ديمقراطي، نرجو أن يتحقق.

أما البلدان غير النفطية، فمثقلة بالديون، والبلدان النفطية تعاني من الانخفاض المستمر في أسعار النفط، والعالم يتحول نحو الليبرالية المتوحشة، والدولة تتخفف من أعبائها الاجتماعية، ولم تتمكن أي من الدول العربية، استثمار الإيجابيات المحدودة، للانطلاق نحو اقتصاد السوق، التي تطلبت شروطا لم تتحقق في الوطن العربي، فلا الأسواق حرة، ولا الدول العربية تمارس الديمقراطية، ولا توجد إستراتيجية تنموية تركز على الاستثمار الإنتاجي، فكانت العواقب وخيمة على الاقتصاديات الكلية العربية، وانعكس ذلك على الطبقة الوسطى العربية بالانكماش والمزيد من التهميش.

يعتبر الفساد، والظلم الاجتماعي في توزيع الثروة، وقمع الحريات، عوامل مشتركة، حاضرة في كل ثورات الربيع العربي. غير أن الفساد والظلم الاجتماعي يعتبران من أهم أسباب اندلاع الثورة التونسية والمصرية، بينما السبب الجوهري في انطلاق الثورة الليبية، هو الرغبة في الخلاص من نظام حكم فردي مستبد، أما اليمن فكان في حالة ثورات فرعية مستمرة منذ توحيد شطري اليمن في 1990، وتمركز العناصر الجهادية العربية العائدة من أفغانستان في اليمن، والتقت مصالح الجميع في انتفاضة شعبية لوقف التعديلات الدستورية، التي تتيح للرئيس اليمني البقاء لولاية أخرى.

الطبقة الوسطى حاضرة بقوة في كافة الثورات الأربع، كقائدة دون قيادات فردية في أي من بلدان الربيع العربي، وداخل الطبقة الوسطى، كان للقوى الدينية، حضور قوي في مصر وتونس وليبيا، والقوى القبلية أكثر حضورا في اليمن، بينما كان للقوى الدينية والقبلية حضور شبه متساو في ليبيا، غير أن القوى الدينية، تحاول بسط هيمنة (غير ديمقراطية) على المرحلة الانتقالية في كل من تونس ومصر وليبيا.

كافة البلدان العربية تأثرت بالانتفاضات الشعبية في بلدان الربيع العربي، وحدثت تغييرات طفيفة، سواء لإرضاء الشعوب، أو حتى لممارسة مزيد من القمع، ولو أخفقت عملية التحول الديمقراطي في البلدان المنتفضة، فإن أوضاع الوطن العربي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لن يطرأ عليها تحسن كبير في العقد القادم.

احباطات الطبقة المتوسطة شجعت ثورات الربيع العربي

من منظور البيانات الاقتصادية وحدها، ما كان ينبغي أبدأ أن تحدث ثورات الربيع العربي عام 2011. فالأرقام من العقود السابقة تعطي صورة مشرقة: المنطقة حقَّقت تقدما مطردا نحو القضاء على الفقر المدقع، وتعزيز الرخاء المشترك، وزيادة معدلات الالتحاق بالتعليم، وخفض أعداد الجوعى ووفيات الأطفال ووفيات الأمهات.

كانت الإصلاحات تمضي قدما، ومعدل النمو الاقتصادي معتدلا. لكن في أواخر عام 2010 وأوائل عام 2011، نزل ملايين المواطنين إلى شوارع مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مطالبين بالتغيير، وبدأ الشارع العربي يتحدَّث عن وضع لم تكن المؤشرات الكمية القياسية تنبَّأت به.

عشية اندلاع أحداث الربيع العربي، كان مستوى الرضا عن نوعية الحياة منخفضا نسبيا، وكانت مستويات عدم الرضا عن نوعية الحياة آخذة في الزيادة. وبحلول عام 2010، كان الناس في البلدان التي شهدت أشد الاضطرابات في الربيع العربي، وهي سوريا وليبيا وتونس ومصر واليمن، من بين أقل الشعوب سعادة في العالم. وتفشَّت مشاعر الاستياء والسخط، لكنها كانت تتركز في شريحة 40% المتوسطة من السكان أكثر وضوحا منها في أفقر 40%.

مع نهاية العقد الأول من القرن الحالي، كانت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنطقة الوحيدة في العالم التي شهدت تراجعات حادة في الرفاه الشخصي. وتُظهِر الإحصاءات المستقاة من مسوح الرفاه والتي وردت في التقرير زيادة مشاعر عدم الرضا عن الخدمات الحكومية التي تؤثِّر على مستويات المعيشة في المنطقة.

من بين هذه الإحصاءات، كانت نسبة من يشعرون بعدم الرضا عن مدى توفر مساكن ميسورة التكلفة هي الأكثر شدة، لكن كان هناك أيضا زيادة في نسبة السكان الذين يشعرون بعدم الرضا عن وسائل النقل العام، ونوعية الرعاية الصحية، وتوفر وظائف جيدة.

تكيّف الطبقة الوسطى مع تداعيات الربيع العربي

شكل «الربيع العربي» والانفتاح السياسي النسبي في بعض الدول فرصة مهدت لبروز قوى سياسية واجتماعية تعبر عن واقع الطبقات الوسطى وتطلعاتها بغض النظر عن المنهج المتبع في القياس. ولم تبرز هذه الخلافات قبل «الربيع العربي» بين مختلف القوى السياسية لأن المجال السياسي كان مغلقاً، وكان الهم هو الانعتاق من الأنظمة القائمة، والتي برز معها العديد من القوى الاجتماعية التي لم تكن قادرة على خوض معركتها الحقيقة والسياسية.

كذلك تتكون الطبقة الوسطى في العديد من الدول العربية من فئتين عريضتين هما: العاملون في القطاع العام والعاملون في المؤسسات الأمنية، فهذه الفئات هي الأكثر تعليما والأكثر تأثيرا، لكن أوضاع هذه الفئات شهدت تراجعا في مستويات المعيشة بسبب عدم قدرة الدول على إدامة الإنفاق على هذه الفئات والمؤسسات التابعة لها، خصوصا في مجال التعليم.

ما حصل أن هذه الفئات التي كانت تشكل الطبقة الوسطى تراجعت وفقدت كثيرا من الحوافز والامتيازات التي كانت تدافع عنها، والفئات العليا من موظفي القطاع العام والمؤسسات الأمنية هي الوحيدة التي تمكنت من الحفاظ على مكتسباتها بل وزيادتها في بعض الأحيان من خلال بناء تحالفات جديدة مع الفئات الصاعدة من رجال الأعمال والقطاعات المالية التي لم تتمكن الفئات التقليدية من التعامل معها والاستفادة منها. من هنا برزت تحالفات جديدة بين الفئات العليا من موظفي الدولة ورجال الأعمال، خصوصاً في الدول التي طبقت برامج إصلاح اقتصادي بإشراف المؤسسات الدولية.

هذا أدى إلى تراجع الطبقة الوسطى التقليدية لمصلحة الطبقات الصاعدة والتي لا يوجد كثير من المشترك في ما بينها، فمصادر الدخل تختلف والرؤى السياسية والاقتصادية متباينة بين الفئتين، وفي الوقت ذاته تعاني «الطبقة الوسطى الصاعدة» انقساماً على خلفيات فكرية ودينية، فهي تلتقي عند مبادئ الليبرالية الاقتصادية وحرية الأسواق، لكنها تختلف كثيرا في رؤيتها السياسية والاجتماعية إلى درجة الاستقطاب والتباين في بعض الأحيان، ولعل هذا يبرز في شكل واضح في كل من تونس ومصر والى درجة أقل في المغرب.

كل هذا يعني أن الطبقة الوسطى التي غيبت لفترات طويلة وهيمنت عليها فئة موظفي القطاع العام والمؤسسات الأمنية هي التي اضمحلت وتراجعت، وهي فئات منظمة وتملك عدداً من المنابر الإعلامية للتعبير عن أزمتها وإيصال صوتها، في حين أن الطبقات الصاعدة هي التي تشغل الحيز الجديد، لكنها منقسمة على ذاتها.

هذا يعني أن تحالفات جديدة لا بد أن تنشأ بين الطبقات التقليدية التي تعاني تراجعا والطبقات الصاعدة، فهناك كثير من القواسم المشتركة بينها، خصوصاً في المجال الاجتماعي. كذلك سيستمر التحالف ما بين فئات رجال الأعمال والطبقات الوسطى الصاعدة حماية لمصالح تلك الفئات ومكاسبها الاقتصادية التي راكمتها خلال فترة التحولات الاقتصادية منذ بداية التسعينات.

ستجد الديناميكية التي سترسم حدود العلاقة بين هذه الفئات تعبيراتها في المؤسسات السياسية المنتخبة، والتي من شأنها استيعاب هذه المتغيرات ورسم التحالفات الجديدة، لكن هذه تحتاج إلى مدى زمني يتحقق فيه استقرار هذه العلاقات وإجراءات بناء الثقة بين مختلف الفئات التي لم تعتد على العمل معا في السابق. الأكيد هو أن التحالفات الجديدة برسم التشكل والاضمحلال المزعوم للطبقة الوسطى يتحدث عن فئة سادت لفترة لكنها أفلت بتراجع قدرات الدولة المركزية على إدامتها والحفاظ على مكاسبها في عالم سريع التغير.

رابعاً: الطبقة الوسطى وإسرائيل

لقد فطنت إسرائيل منذ زمنٍ بعيد إلى حقيقة أن أي نهضة عربيَّة شاملة تمثل منطلقا لتغيير موازين القوى القائمة حاليا، والتي تميل لصالح إسرائيل، ترتبط أساسا بحدوث تحول ديمقراطي حقيقي، يُفضي إلى ولادة أنظمة سياسيَّة تتبنى مشاريع نهضة حقيقة.

لقد أدركت إسرائيل أن حدوث التحولات الديمقراطيَّة في العالم العربي يتوقف بشكل أساسي على وجود طبقة وسطى سميكة ومؤثرة؛ لذا فقد سعت تل أبيب إلى أن تسهم سياساتها تجاه العالم العربي في تحطيم هذه الطبقة، إن أحد أهم الآليات التي اتبعتها إسرائيل لتحقيق هذا الهدف تمثل في تقليص الخيارات المتاحة أمام الطبقة الوسطى العربيَّة في كل ما يتعلق بهويتها الوطنيَّة وموقفها من إسرائيل، وقد أصبح أمام هذه الطبقة خياران لا ثالث لهما: فإما الانضمام للحركات الإسلاميَّة، وإما أن تكون جزءا من البني المجتمعيَّة المرتبطة بأنظمة الحكم الديكتاتوريَّة، والتي تجد مصالحها في كل ما يضمن استقرار الأنظمة القائمة، لذا أبدت هذه البني حماسا زائفًا للتسويات مع إسرائيل.

إن ما يثير فزع الإسرائيليين في كل ما يتعلق بدور الطبقة الوسطى في العالم العربي في ظل الثورات العربية، يتمثل في التالي:

1ـ استيقاظ الطبقة الوسطى من سباتها العميق ودورها الحاسم في إنجاح أهم ثورتين في العالم العربي، وهما: الثورة التونسيَّة والثورة المصريَّة.

2ـ الخوف من أن تسهم رياح الثورة العربيَّة في تقليص الفروق في طابع الأجندة التي ترفعها النخب الإسلاميَّة والعلمانيَّة في الوطن العربي، بحيث يتمَّ التوافق على برامج عمل تؤسس لولادة أنظمة سياسيَّة تحكمها قيم الديمقراطيَّة، تأخذ على عاتقها القيام بالمشاريع ذات النهضة، سيما من ذلك النوع الذي تحذره إسرائيل، في ظل أقل قدر من الرفض الدولي.

خامساً: الطبقة الوسطى والتحديات الراهنة

مع التراجع الكبير في الإيرادات النفطية وما استتبعه من تأثيرات سليبة بالغة على أسواق المال والعقارات، تثار تساؤلات حول التحديات التي تواجهها الطبقة الوسطى الخليجية في الوقت الراهن، كون هذه الطبقة تمتاز في الغالب باعتمادها على مصادر دخلها من توظيف فائض أموالها في الغالب إما في العقارات أو الأسهم، حيث تبين بعض الإحصاءات أن ثروات الطبقة الوسطى في بعض دول المنطقة قائمة على مثل هذه الأنشطة المضاربية وتعتمد بنحو النصف عليها.

تظهر دراسات للبنك الدولي أن الطبقة الوسطى الخليجية تتراوح ما بين 20% – 30% وذلك بالمقارنة مع 45% في الولايات المتحدة و55% في الهند والصين وفقا لمقياس دخل الفرد بالمقارنة مع نصيب الفرد من الدخل القومي. كما تستخدم الدراسات بعض المؤشرات الاجتماعية للطبقة الوسطى الخليجية. ووفقا لمقياس التعليم، تبلغ نسبة المتعلمين الحاصلين على درجة البكالوريوس فأعلى 51% في قطر ثم الكويت 42% ثم سلطنة عمان 35% ثم البحرين 33% ثم السعودية 31% ثم الإمارات 15%. أما وفقا لمقياس العاملين في وظائف مهنية وعلمية وإشرافية، تتصدر قطر بنسبة 57% تليها الكويت 42% السعودية 41% ثم سلطنة عمان 38% ثم الإمارات 37% ثم البحرين 21%..

يكاد المشهد اليوم يكون تكرارا للمشهد الذي رأيناه عام 2008، حيث إن الأرصدة المالية التي تكونت لدى الأفراد والعائلات في فترة الازدهار الاقتصادي طوال السنوات السابقة للعام ما قبل الأزمة العالمية توجهت إلى قطاعات الاستثمارات في الأسهم والإنشاء والتعمير وأحدثت دفعة قوية ،وذلك ما أدّى إلى صعود قيمة الأسهم والإيجارات والأراضي بصورة مبالغ فيها ما أدّى إلى ارتفاع أسعار جميع السلع والمواد. وقد أدى ذلك إلى بروز طبقة وسطى كبيرة تمتلك أصولا مضخمة في أسعارها بشكل كبير.

إلا أن نشوب الأزمة المالية وانهيار أسعار الأسهم والعقارات أدى إلى تبخر جزء كبير ليس من تلك الثروات فحسب، بل ما تم بناؤه خلال ثلاثين سنة بشكل تراكمي، وأحدث فجوة كبيرة جديدة بدليل أن فئات واسعة من المواطنين المحسوبين على الطبقة الوسطى لا يستطيعون اليوم شراء أرض لبناء منزل لهم. فكثير منهم يقومون الآنَ ببناء شقق لهم في منازل آبائهم وبذلك توجه المجتمع مرة أخرى إلى العائلة الممتدة التي تضم الجد والأبناء والأحفاد في منزل واحد.

أن غياب بلورة دور واضح للطبقات الوسطى في الاقتصاديات الخليجية أسهم مع عوامل أخرى في عدم استغلال الموارد البشرية والرأسمالية إلى الحد الأقصى، وانخفاض معدل الإنتاجية، وعدم القدرة على تقليل الاعتماد على النفط وإنشاء هياكل اقتصادية أكثر تنوعا. كما أن ضعف الطلب على اليد العاملة في القطاع العام قد يكون من أسباب أفول الطبقة المتوسطة، حيث يتم حاليا خلق معظم فرص العمل لدى القطاع الخاص، خاصة في القطاعات الخدمية.

يتضح من ذلك أن الحفاظ على أوضاع الطبقة الوسطى ورعايتها وتنميتها هو تحد تنموي بالدرجة الأولى. لذلك، فإن المطلوب هو إيجاد حلول طويلة الأجل لتنمية الطبقة الوسطى في دول المجلس تعتمد بدورها على تطوير نموذج التنمية الراهن من خلال تنويع مصادر الدخل، وإدخال أنشطة أكثر إنتاجية وذات قيمة مضافة حقيقية للأفراد العاملين، وليس فقط لمالكي هذه الأنشطة. ومن شأن هذه الأنشطة توفير وضع اقتصادي مستقر للطبقة الوسطى وتقليل اعتمادها على الأنشطة المضاربية لتحسين أوضاعها.

كما أن هناك حاجة لوضع خطط طويلة الأجل لتعزيز أوضاع الطبقة الوسطى تتبنى هذا الهدف الاستراتيجي وتضع الوسائل المناسبة وترصد الموارد المالية والبشرية للقضاء على الفقر المعيشي. إن ضمان نجاح هذه الإستراتيجية يتطلب وجود شراكة فعلية بين الدولة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني بقصد تضافر الجهود لرفع إنتاجية الأداء في مجالات التوظيف والتدريب والتعليم والرعاية الصحية والاستثمار.ويرتبط نمو الطبقة الوسطى بتحقيق استقرار في الحالة الاقتصادية، وتحقيق مواءمة بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. فالحل لا يكمن في التراجع عن النمو الاقتصادي المتسارع عند ارتفاع مدا خيل النفط، وما يرافقه من زيادة في أسعار كلف المعيشة والسكن وغيرها، بقدر ما يعني ضرورة تحقيق نمو اجتماعي يتكافأ مع ذلك التسارع في المجال الاقتصادي بل ويفوقه ويسبقه.

هذا يتطلب بدوره وجود أنظمة للحماية الاجتماعية والضرائبية من شأنها التقريب بين الطبقات الاجتماعية وتسهم في إعادة توزيع الثروة.كما أن خلق شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص بما يسمح بتنمية الدور القطاع الخاص في التنمية، وتوسيع مساحة استثماراته الوطنية والخليجية هي جميعها سبل لدعم وتعزيز أوضاع الطبقة الوسطى.

التوصيات

تعتبر الطبقات الوسطى في المجتمعات كافة خاصة العربية منها عنصرا وأداة هامة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في الدولة، إلا انه ليست هناك رؤية واضحة أو خطة ولا حتى الأدوات الكفيلة لتعزيز دور هذه الطبقات في العالم العربي والنهوض بها بدلا من الانتظار حتى تصبح من الماضي وتنزل إلى المرتبة المرعبة إلا وهي الفقيرة.

في حين يعتبرها البعض رافعة للاقتصاد الوطني وعنصرا فاعلا في خفض معدلات الفقر، إضافة إلى أنها تشكل السد المنيع بوجه حالات طارئة يتساءل البعض الأخر فيما إذا كانت هذه الشريحة تشكل حقيقة اجتماعية أم أنها مجرد أداة للتعبئة خدمة لهدف معين، وعكس ما يظنه الآخرون يمكن القول إن مفهوم الطبقات الوسطى يعني مستوى أفضل للعيش وقوة شرائية افعل، إضافة إلى ضمان استقرار البلد المعني.

يعد اكتشاف بعض الدول العربية اليوم لأهمية عنصر الطبقات الوسطى ودورها في المجتمع، دليل وعي حتى ولو جاء متأخرا. وتذكر أيضا بالتجارب في هذا المجال وبالخسارات التي لحقت به جراء تراجع الحيز الذي كانت هذه الطبقات تمثله في عدد من البلدان، وانعكاسات ذلك فيما بعد على أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية. وفي الدول العربية تعتبر السياسات الاجتماعية والاقتصادية المتخبطة من اكثر العوامل التي لها انعكاساتها وأثارها السلبية على الطبقة الوسطى بحيث فقدت هذه الأخيرة مواقعها المتميزة نسبيا لمصلحة قوى اجتماعية أخرى.تبدو الحاجة ماسةً لعدد من الخطوات العربية كي تَسترد الطبقة الوسطى عافيتها ، ولعل أهمها:

1ـ تبنِّي برامج وإستراتيجيات قومية، نابعة من رغبات الشعوب، وبعيدة عن أملاءات قوى الرأسمالية العالمية المتوحشة، وتوجيهات وأوامر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

2ـ التركيز على تنمية العنصر البشري، وربط العملية التعليمية باحتياجات السوق المحلي والدولي.

3ـ أن تعود الدولة إلى سابق عصرها في حماية الفئات الفقيرة، وتوفير الاحتياجات والخدمات الضرورية لها.

4ـ وضع برامج وآليات لضمان التوزيع العادل للدخل، والتصدي لمشكلة البيروقراطية التي تقف عائقًا أمام عملية التنمية.

5ـ اعتبار أزمة الطبقة الوسطى هي أزمة تنمية، وليست أزمة فئة أو شريحة اجتماعية بعينها.

6ـ دعم قيم الحرية والمشاركة السياسية؛ حتى يكون للشعب دورٌ كبير في صياغة السياسات والأهداف، وبالتالي تحمُّلِ مسؤولية التنمية.

يتوقع الخبراء في الشأن الاقتصادي والاجتماعي اليوم إن تصبح مسألة إحياء الطبقات الوسطى في العالم العربي قضية محورية خصوصا بعد اكتشاف عدد من المسئولين أهمية الدور الذي يمكن إن تضطلع به هذه الشرائح من ناحية امتصاص حده الأزمات (الربيع العربي) وإجهاض تفجرها من جهة، ومن جهة أخرى، تشكيل صمام أمان في البلد من خلال طبقة محكومة بان تدافع عن مصالحها، وحتى عن امتيازاتها. فاكتشاف أهمية هذه الطبقات لم يعد، على ما يبدو حكرا على العالم العربي اليوم. إذ انه من الملاحظ، إن الكثير من حكومات دول الاتحاد الأوروبي وفي طليعتها فرنسا وألمانيا، بدأت تركز في طروحاتها ودراساتها، وحتى في الخطب التي يلقيها وزراؤها، على ضرورة إحياء الطبقات الوسطى وعدم المساس بمكتسباتها.

المراجع

  • Artukhova, I. Roshсhina, G. Kalyanova, M. Katz, E3S Web Conf., 41, 04008 (2018)
  • Global Wealth Report 2018 (CSB, Washington, 2018)
  • Human Development Indicators and Indicies: 2018. Statistical Update Team (UNDP, Genova, 2018)
  • Our Common Future. Report of the World Comission on Environment and Development (United Nations, New York, 2018)
  • Roshina, N. Artyukhova, WELLSO 2016 Future Academy, 43-50 (2017)
  • Statistical Yearbook 2018 (United Nations, New York, 2018)
  • The changing nature of work. World development report 2019 (The World Bank, Washington, 2018)
  • The Changing Wealth of Nations 2018. Building a sustainable Future (WBG, Washington, 2017)
  • The Global Competitiveness Report 2018 (WEF, Genova, 2018)
  • The Legatum Prosperity Index. 12edition. Country Profiles- 2018 (LI, London, 2018)
  • The Sustainable Development Goals Report (United Nations, New York, 2017)
  • Transforming our World the 2030. Agenda for sustainable Development (United Nations, New York, 2015)
  • World Development indicators 2018 (WBY, Wаshington, 2018)

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى