تحقيقات

هل مصر باتت على أعتاب حرب مع إثيوبيا بسبب سد النهضة؟

كتب: أسامة بدير خلال الأيام القليلة الماضية، تسارعت وتيرة الأحداث بشأن قضية المفاوضات بين مصر وإثيويبا الخاصة بقواعد ملء خزان سد النهضة التى تقوم إثيويبا بإنشائه حاليا على نهر النيل، حيث أنهت ما يقارب من 63% منه وفقا لتقارير إعلامية، وباتت على وشك تخزين المياه فى بحيرة السد تمهيدا للبدأ فى توليد 600 ميجاوات من الكهرباء.

وكشفت بعض التقارير الإعلامية، عن تصاعد حدة الخلافات التى بلغت ذروتها بين البلدين خاصة بعد رفض الحكومة الإثيوبية للمقترح المصرى بشأن فترة تخزين مياه السد.

و”الفلاح اليوم“، يرصد فى هذا التحقيق آراء بعض الخبراء فى هذه الإشكالية، وهل أضحت مؤشرات نذر اشتعال أول حرب فى العالم صراعا على المياه بين البلدين بسبب سد النهضة على اعتبار أن المياه هى قضية حياة لملايين المصريين.

إثيوبيا ترفض المقترح المصري

قال سيليشي بيكيل، وزير المياه والري الإثيوبي لقناة إي بي سي الرسمية، رفضت وزارة الخارجية الإثيوبية المقترح المصرى بشأن مشروع سد النهضة والذى يتمثل فى أن تقوم إثيوبيا بملء خزان السد على فترة زمنية تزيد على 7 سنوات، وإطلاق نحو 40 مليار متر مكعب من المياه كل عام.

مصر تشكو إثيوبيا

قال حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تضمن عدة نقاط أساسية، منها، فتح ملف سد النهضة.

وأشار هريدى، في مداخلة هاتفية لبرنامج «مانشيت»، المذاع عبر فضائية «On E»، أن مصر وضعت المجتمع الدولى أمام مسؤولياته، والسعي نحو حل لهذه القضية.

وأوضح أن أزمة سد النهضة، كان يتم إدارتها على مستوى ثلاث دول، وهي مصر والسودان وإثيوبيا، أما الآن اتخذنا خطوة وخرجنا من الإطار الثلاثي والأفريقى، وذهبنا إلى المجتمع الدولي.

وشدد مساعد وزير الخارجية الأسبق، على أن مصر ليست ضد إثيوبيا في إقامة مشروعات تنموية على النيل، ولكن يجب أن تاخذ في الاعتبار المصالح المالية لدول المصب، ومنها مصر متابعا: «مياه النيل لـمصر مسألة وجود».

الحل الأمثل

أكد اللواء محمد الشهاوي، مستشار كلية القادة والأركان، إن استمرار المفاوضات هو الحل الأمثل في أزمة سد النهضة، مشيرا أن التعامل العسكري مع أزمة سد النهضة غير موجود بالمرة، ولا توجد نية لذلك، ولن يتعدى الأمر منطقة المفاوضات بين البلدين.

وأضاف الشهاوى، أنه لابد من مفاوضات تحقق المصالح بين الطرفين، لافتا أن هناك خلية متكاملة وفريق عمل من وزارة الخارجية والمخابرات العامة والقوات المسلحة لبحث الرؤى المختلفة والسيناريوهات من أجل حل ازمة السد.

وأكد مستشار كلية القادة والأركان، أن مصر لن تفقد نقطة مياه واحدة من حصتها 55 مليار متر مكعب سنوياً والمفاوضات لازالت مستمرة، مشيرا إلى أن مليء خزان إثيوبيا يستغرق 7 سنوات، ولن يكون هناك ضرر على مصر بأي شكل من الأشكال.

السيادة

ومن جانبه، قال الدكتور نادر نور الدين، خبير الموارد المائية، إن القانون الدولي يلزم إثيوبيا وأي دولة منبع تقيم سدا على النهر بعدة أمور، أولها المحافظة على المنشآت النهرية السابقة لهذا السد، وهو ما يتطلب الحفاظ على السدود المقامة على نهر النيل في مصر والسودان، بما لا يعطل أو يقلل كفاءة السدود، حسب ما ينص القانون الدولي للأنهار الصادر 1997، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة 2007.

وأضاف نور الدين، أن مصر طلبت من إثيوبيا ضمان ألا يقل تدفقات النيل الأزرق بعد تشغيل سد النهضة عن 40 مليار متر مكعب كل عام، خاصة أن تدفقات النيل كانت 50 مليار، وتنازلت مصر عن 10 مليار، وهو ما فسره بالخطأ الوزير الإثيوبي بأن المقترح المصري يجعل سد النهضة احتياطي للسد العالي.

وشدد خبير الموارد المائية، على أن مصر لا تتدخل في السيادة الإثيوبية، إلا أنها تتحدث عن مورد مشترك عليه سيادة مشتركة، وأنه من حق مصر معرفة كافة التفاصيل بالتدفقات وسنوات المليء وضمان عدم تضرر السدود المنشأة سابقا.

الضغط على إثيوبيا

وأوضح عطية عيسوي، المتخصص فى الشؤون الأفريقية، إن إثيوبيا تريد ملء الخزان في 3 سنوات، بينما ترى مصر أن هذا وقت غير كاف وأن الأمر يحتاج إلى سبع سنوات حتى تتفادى الخسائر المحتملة”، مشيرا “هدف إثيوبيا من رفض المقترح المصري هو تقصير عملية ملء خزان السد لتسريع تشغيل السد بسرعة، وتشغيل التوربينات الـ 12 بسرعة من أجل توليد كميات كبيرة من الكهرباء وتصديرها إلى دول الجوار مثل السودان الذي تعاقد مع إثيوبيا بالفعل لإمداده بجزء من كهرباء السد بأسعار رخيصة”.

وأضاف عيسوى، أن المقترح المصري الآخر الذي ترفضه إثيوبيا، هو “المنظومة الهيدروليكية لإدارة سد النهضة بالتنسيق مع السد العالي في مصر وسدود السودان“، متابعا أنه في حالة عدم حدوث ذلك وشغلت إثيوبيا سد النهضة بشكل منفرد، سيؤدي إلى خفض منسوب المياه أمام السد العالي.

ويرى عيسوي،  أن مصر لم تنفذ أوراقها بعد، إذ لديها أوراق للضغط على إثيوبيا من خلال اللجوء للمحاكم الدولية، أو التأثير على الموقف السوداني، أو الضغط على حلفاء إثيوبيا، كما أن اللجوء لمحكمة العدل الدولية قد يكون خيارا تلجأ إليه مصر، إذ تنص القوانين الدولية مثل قواعد البنك الدولي على ألا تقوم دول منابع المياه بأحواض الأنهار بالتصرف بشكل منفرد، كبناء منشآت على مجرى المياه، أو أي إجراء من شأنه خفض نسبة المياه أو إيصالها لدول أخرى، وهذه الإجراءات خالفتها إثيوبيا، لافتا إلى الشكوى التي قدمتها تشيكوسلوفاكيا ضد المجر في عام 1997 بمحكمة العدل الدولية، بعدما قامت المجر ببناء سدود بشكل منفرد في مياه نهر الدانوب، وقد حكمت المحكمة لصالح تشيكوسلوفاكيا بأن إجراء المجر غير قانوني.

وأشار المتخصص فى الشؤون الأفريقية، إن مصر تستطيع تقديم شكوى للبنك الدولي من أجل وقف تمويل أي مشاريع في إثيوبيا لحين تلتزم أديس أبابا بقوانينه، وقد تلجأ مصر إلى الصين للضغط على إثيوبيا من خلال التهديد بوقف إنشاء المشاريع الصينية الكبرى هناك.

سدود 4

بينما أشار الدكتور محمد حافظ، خبير السدود الدولى، أنه قبل استكمال تشغيل الــ 16 تروبين لـسد النهضة على إثيوبيا بداء بناء سد (مانديا) والذي يعلو سد النهضة ويبعد عنه قرابة 250 كم داخل الحدود الإثيوبية، وذلك لمنع وصول كميات (طمي) ضخمة لـسد النهضة تسبب تعطل التروبينات.

وأضاف حافظ، أن سد مانديا سيحتاج لقرابة 35 مليار متر مكعب ليمتلء خزانه، وقبل اكتمال سد مانديا سيبدأ بناء سد (مابيلا)، وقبل إكتمال سد (مابيلا) سيبدأ بناء سد (كارادوبي).

وتابع: إجمالي التخزين في تلك السدود الأربعة تعادل 150 مليار متر مكعب يضاف عليهم فواقد تقدر بقرابة 30 مليار متر مكعب يعني بنتكلم في قرابة 180 مليار متر مكعب وقد تصل لقرابة 200 مليار متر مكعب بسبب عدم وجود دراسة حقيقية لحجم الفواقد في تلك المنطقة الجيولوجية الهاشة.

وأوضح خبير السدود الدولى، أنه سيتم حجز قرابة 180 مليار متر مكعب من مصر والسودان على مدار الـ 6 سنوات التي تلي بدأ التخزين ببحيرة سد النهضة، وحتى السودان نفسها لن تتسلم أكثر من 10 مليار متر مكعب بعد استكمال تلك المنظومة.

انعدام وصول المياه

ولفت الدكتور ضياء القوصي، مستشار وزير الري السابق والخبير المائي،  إن لـمصر تخوفات فعلية من ملء وتشغيل سد النهضة في عامين، ما يعني انعدام وصول المياه إلى مصر إطلاقاً، أما في 3 أعوام فإن ذلك يعني فقدان مصر والسودان معا 28 مليار متر مكعب سنوياً  من مياه النيل، ما سيلحق بمصر ضرراً كبيراً على مستوى نتاج الغذاء.

وأوضح القوصي، أن ملء سد النهضة لا يجب أن يقل عن 7 أعوام، وهي مدة زمنية معقولة رغم إضرارها بـمصر نسبياً، شرط تعويضها مالياً أو زيادة حصتها المائية، أو بالحصول على كهرباء بعد تشغيل السد مقابل هذا الضرر.

تساؤل مشروع

وتساءل الدكتور محمد حافظ، خبير السدود الدولى: ماذا يعني موافقة إثيوبيا على خروج 35 مليار متر مكعب سنويا؟

وقال حافظ، أنه خلال الأيام الماضية ظهرت بوسائل الإعلام أخبار عن رفض إثيوبيا للمقترح المصري بالسماح يتدفق 40 مليار متر مكعب من تروبينات سد النهضة بعد استكمال تشغيله في نهاية عام 2022 بينما تصر إثيوبيا على تدفق قدره 35 مليار متر مكعب فقط.

وأضاف حافظ، إن تلك التدفقات هي تدفقات تروبينات سد النهضة بعد استكمال فترة التخزين أي بعد مضي السنوات الثلاثة الأخطر في بداية تشغيل سد النهضة، مشيرا أنه عند تشغيل كامل تروبينات سد النهضة الــ16 بعد استكمال التخزين يفترض تدفق كامل متوسط تدفقات النيل الأزرق والتي تقدر بقرابة 48 مليار متر مكعب.

وتابع: إلا أنه بسبب بناء السد وتشكيلة البحيرة عندئذ فلابد من وجود تسريبات في الفوالق الجيولوجية بالإضافة لفواقد البخر، موضحا اقتراح مصر بخروج 40 مليار متر مكعب هذا يعني ضمنيا أن مصر تعلم أن الفواقد تقدر بـ 8 مليار متر مكعب سنويا أي 48-40= 8 مليار فواقد.

إصرار إثيوبيا

ولفت حافظ، بينما إصرار إثيوبيا على أن يخرج من التروبينات 35 مليار فقط فهذا يعني أنها تعلم أن حجم الفواقد سيصل لـ 13 مليار متر مكعب سنويا، مضيفا أنه بعد استكمال التخزين في نهاية عام 2022 لن تصرف إثيوبيا لا (40 مليار متر مكعب) ولا (35 مليار متر مكعب)، فقط أقل من (20 مليار متر مكعب) وذلك لأن إثيوبيا سوف تستخدم عوائد تصدير كهرباء سد النهضة للسودان في تسديد بعض القروض الصينية ودفع مقدم بناء سد (مانديا) على النيل الأزرق والذي يبعد عن سد النهضة بقرابة 250 كم داخل الحدود الإثيوبية.

وأكد على أن كل تدفقات نهر النيل الأزرق بعد استكمال سد النهضة سوف تستولي عليها دولة السودان وذلك بحجة أن التصرف يعادل تقريبا ما تم الإتفاق عليه في اتفاقية عام 1959 أي 18.5 مليار متر مكعب، مشيرا أن معظم الأراضي الزراعية في دولة السودان سوف تتحول من نظام الري (الموسمي) إلي نظام الري (الدائم) أي أنهم سيكونوا قادرين على الزراعة على مدار العام وليس فقط (موسم واحد).

وأوضح خبير السدود الدولى، إن تدفقات النيل الأزرق بعد استكمال سد النهضة سيكون تدفق منتظم وقليل جدا يوميا مقارنة بتدفق النهر الموسمي، مؤكدا أن مطالبة مصر بتدفق قدره 40 مليار متر مكعب بعد استكمال سد النهضة يعني اعترافها بفواقد قدرها 8 مليار أي قرابة 8/55.5 = 16.5% فقد فواقد من حصة مصر وذلك بعد التخزين، لافتا إصرار إثيوبيا على تدفق قدره 35 مليار فقط يعني حجم فواقد يعادل 13/55.5 = 23.5% فقط فواقد.

الأزمة

وأردف أن الأزمة حدثت خلال سبع سنوات (1980 إلى عام 1987)، حيث انخفض تدفق النيل الأزرق في تلك الفترة إلى مستوى تدفق السنوات العجاف والذي يقدر بنحو 20 إلى 25 مليار متر مكعب، وهو ما انعكس على تدفق المياه لـنهر النيل، إلا أن السد العالي حد من تعرض مصر لأزمة كبيرة إثر انخفاض تدفق المياه من النيل الأزرق.

وتابع: في تلك الفترة كان مخزون بحيرة ناصر 133 مليار متر مكعب عند مستوى 177.75 مترا عام 1979، انخفضت إلى 125 مليار متر مكعب عام 1980/1981 ثم واصل المخزون انخفاضه مع السحب حتى بلغ نحو 37 مليار متر مكعب عند منسوب 149.4 متر فوق مستوى البحر عام 1988 قبل بدء الفيضان في يوليو/ تموز.

وبحسب موقع “أخبار مصر” فإن التخزين حتى منسوب 147 مترا توازى نحو 31.6 متر مكعب، وهو ما يعتبر تخزين ميت مخصص لاستيعاب ترسيب الطمي في البحيرة على مدى 500 عام.

ولفت حبير السدود الدولى، وصول المخزون الحى للبحيرة إلى نحو 5.4 مليار متر مكعب، قبل أن يأتي الفيضان العالي الذى حدث في صيف العام 1988، ومعه رفع منسوب بحيرة ناصر إلى نحو 168 مترا توازى مخزون قدره 89.2 مليار متر مكعب منها 31 مليار متر مكعب مخزون ميت ليبقى نحو 58.2 مليار متر مكعب مخزون حي.

تحذير رئاسي

أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال حواره مع عدد من الشخصيات الأمريكية المؤثرة داخل المجتمع الأمريكي، أنه “لن يتم تشغيل السد بفرض الأمر الواقع، لأننا ليس لدينا مصدر آخر للمياه سوى نهر النيل“، مشيراً إلى أن 95% من مساحة مصر عبارة عن صحراء، وأن أي إضرار بـالمياه سيكون له تأثيرا مدمرا على المصريين، مشدداً: “نحن مسؤولون عن أمن مواطنينا”.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى