رأى

نظرة لإدارة الموارد المائية في مصر

بقلم: أ.د/علي إسماعيل

أستاذ إدارة الأراضي والمياه ـ معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة ـ مركز البحوث الزراعية

نظرا للظروف الحالية وما يطرا عليها من متغيرات محلية وإقليمية فان الموارد المائية الموجودة أصبحت غير كافية من الناحية العملية والتطبيقية وان التطور السريع الذي تشهده مصر خلال السنوات القليلة الماضية من توسع عمراني حضاري والذي يمثل نقلة حضرية ونوعية للدولة المصرية، والتي ظهرت بمجموعة المدن الجديدة وعلي راسها العاصمة الإدارية والعالمين والمنصورة الجديدة ومدينة الجلالة  وغيرها من المدن الحديثة العصرية والتي تصل الي 16 مدينه بخلاف التطورات الصناعية وانشاء محاور تنموية جديدة مثل المنطقة الاقتصادية لـقناة السويس والمثلث الذهبي التعديني في سفاجا وغيرها من مناطق التنمية المتعددة بالإضافة الي مشروعات استصلاح وتنمية الأراضي وخلق مجتمعات زراعية صناعية جديدة من خلال استصلاح واحد ونصف المليون فدان تصل الي أربعة ملايين فدان ومنها مشروع الشركة الوطنية للزراعات المحمية لـ100 الف صوبة زراعية تغطي انتاج مليون فدان من الخضر والفاكهة والتقاوي والزهور وكذا مشروع المليون راس من الماشية وغيرها من مشروعات التنمية المتكاملة والشاملة التي تنتشر في ربوع مصر والتي يتبنها السيد الرئيس والتي سوف تنعكس مردودها علي الشعب خلال السنوات القادمة تحتاج منا الاهتمام  واعادة التفكير بهدوء في حجم الطلب علي المياه والقدرة علي تلبية هذه الاحتياجات والاستدامة  خلال  المائة عام القادمة من خلال مفهوم جديد وهو تكامل الادارة للموارد المائية في مصر.

وان إدارة منظومة المياه في مصر لابد وان تتغير من منظور الوفرة الي منظور الندرة ووضع التدابير المؤسسية من خلال إدارة متكاملة للموارد المائية تنظر خارج الصندوق وليس داخل الصندوق اعتمادا علي خبراء مصريين وطنيين بمنظور عام وشامل مع تشجيع البحث العلمي في مجال ترشيد الاستخدام للمياه والطرق غير التقليدية لتحلية المياه بتقنيات مصرية وأفكار وطنية للوصول الي اقصي استفادة من المتر المكعب من المياه والاستفادة من التكنولوجيات العالمية لتعظيم الاستفادة من وحدة المياه حسب استخداماتها سواء كانت في الزراعة فهي مرتبطة بوحدة الارض وكمية الطاقة المنتجه منها واذا كانت في الصناعة فلابد من النظر الي العائد الاقتصادي للوحدة المستخدمة واذا كانت في الاسكان فالمعايير قد تختلف لانها تصبح في مرتبة اعلي وهي احتياجات الحياه ومايلزم المواطن من احتياجات ضرورية يومية بعد ان انخفض نصيب الفرد من المياه العاذبة من 800 متر مكعب الي 600 متر مكعب.

وحسب برامج الامم المتحدة فان الفرد يحتاج من المياه الي 30 لترا يوميا  كاستخدامات متنوعة فان اعادة استخدام المياه الناتجة عن الصرف الصحي لابد من اعادة تدويرها ولابد من البحث عن الوسائل البديلة للتدوير الداخلي بعيدا عن التدوير الخارجي في المحطات الرئيسية.

وكما يظهر ذلك في بعض الفنادق الموجودة في المناطق الساحلية والمصانع التي يمكنها اعادة استخدام المياه المنصرفة منها مرة اخري كدوائر مغلقة ضمن منظومة المعالجة لقدرتها المالية علي ذلك والا يسمح لها بالانشاء من البداية الا ولوكانت تمتلك  هذة القدرة فتصبح صديقة للبيئة وغير ملوثة للمياه سواء كانت تصب في النهر او المصارف من اسوان وحتي رشيد ودمياط.

فمن المهم هو التخطيط الجيد لادارة الموارد المتاحة وتعظيم استخدامها وجلب موارد اخري من خلال الطرق غير التقليدية لمحاولة ثبات نصيب الفرد عند مستوي مقبول من حدود الفقر المائي الحالي مع عدد سكان متزايد وتطورات تكنولوجية عالية فالتوجه المحمود الذي اصبح حتميا وهو تحلية المياه المالحة ومياه البحر علي السواحل الشمالية دون الاعتماد علي مياه النيل واعلم ان هناك لجنه عليا لحماية النيل ولكن قد ان الاوان ان تصبح اللجنه العليا لادارة الموارد المائية المصرية من منظور متكامل فالعمل اصبح هنا من منظور شامل لكل الموارد المائية المتاحة والمستخدمه.

فالمؤسسة المسئولة عن تحلية المياه وتدوير مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي وغيرها من المصادر ربما تكون مصدر اساسيا وشريكا في الموارد المائية و مناسب في المستقبل القريب لتغطية جزء من الاحتياجات المائية في الاستخدامات المختلفة مع انخفاض تكلفة التحلية وظهور تكنولوجيات بديلة للمعالجة.

وبنظرة سريعة الان وتحت الظروف الراهنة وقد وصل منسوب المياه الي اعلي مستوياته 181 مترا منذ اكثر من عشر سنوات والوصول باقصي مستوي للتخزين في بحيرة السد العالي مع اعتبارات تأمين السد العالي وفتح مفيض توشكي واعادة وصول المياه الي منخفضات توشكي وشحن الخزان الجوفي لمنطقة شرق العوينات فان الامر يحتاج الي التفكر والتدبر، وهل يمكن ان تمر مرحلة مليء سد النهضة دون اضرار جسيمة ام ان الوضع يحتاج سيناريوهات اخري للادارة المائية في مصر وقد وصلت مياه الري الي الشيخ زويد في سيناء وان الادارة المتكاملة قد تفيد في كيفية الاستفادة من هذ الخير الذي ارسله الله لنا لنستفيد منه في مرحلة مليء سد النهضة وادارة الازمة بدون توتر وانفعال.

وقد تم تحديد مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية من قبل الشراكة العالمية للمياه بوصفها عملية تشجع على التنسيق والإدارة للمياه والأراضي والموارد ذات الصلة بهدف تحقيق أقصى قدر ممكن من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية الناجم على نحو عادل دون المساس باستدامة النظم الإيكولوجية الحيوية.

وقد أوصي بصفة خاصة بتطوير الإدارة المتكاملة للموارد المائية في البيان الختامي لوزراء المؤتمر الدولي المعني بـالمياه والبيئة في عام 1992 (ما يسمى بمبادئ دبلن) ويهدف هذا المفهوم إلى تشجيع التغييرات في الممارسات التي تعتبر أساسية لتحسين إدارة الموارد المائية وفي التعريف الحالي يستند في الإدارة المتكاملة للموارد المائية علي ثلاثة مبادئ تعمل معا كإطار عام حاكم وهي:

ـ المساواة الاجتماعية: ضمان المساواة في الوصول لجميع المستخدمين ولا سيما الفئات المهمشة والفقيرة من المستخدمين إلى كمية كافية من المياه ونوعيتها اللازمة للحفاظ على رفاهية الإنسان.

ـ الكفاءة الاقتصادية: تحقيق أكبر قدر من الفائدة لأكبر عدد ممكن من المستخدمين تتفق مع الموارد المالية والمائية المتاحة والقدرة علي الاتاحة في المناطق المختلفة.

ـ الاستدامة الإيكولوجية: وهي تتطلب أن يتم الاعتراف بالنظم الإيكولوجية المائية الموجودة وكمستخدمين وأن يتم تخصيص ما يكفي للحفاظ على أدائها الطبيعي.

وتعتمد ممارسات الإدارة المتكاملة للموارد المائية في السياق على المستوى التنفيذي وان ذلك يمثل التحدي الاعظم في ترجمة المبادئ المتفق عليها إلى إجراءات ملموسة وواقعية وينبغي النظر إلى الإدارة المتكاملة للموارد المائية على أنها عملية مستمرة بدلا من نهج الطلقة الواحدة وهو نهج طويل الأجل ومتكرر وليس خطيا في الطبيعة. وباعتبارها عملية تسعى إلى تحويل نظم تنمية المياه وإدارتها من أشكالها غير المستدامة حاليا فإن الإدارة المتكاملة للموارد المائية ليس لها بدايات أو نهايات ثابتة يمكن البدء عندها او التوقف معها وعلاوة على ذلك لا يوجد نموذج إداري واحد صحيح يمكن الاعتماد علية لاختلاف المدخلات فإن الإدارة المتكاملة للموارد المائية تكمن  في اختيار وتعديل وتطبيق المزيج الصحيح من هذه الأدوات لحالة معينة. ومن اهم الشروط الشاملة التي تعتبر مهمة أيضا عند تطبيق مفهوم الادارة المتكاملة للموارد المائية هي:

ـ الإرادة السياسية والالتزام الحكومي والتشريعات الحاكمة.

ـ تنمية القدرات وتعظيم الاستفادة وضبط الاولويات طبقا للاحتياجات الملحة.

ـ الاستثمار الكافي والاستقرار المالي والاسترداد المستدام للتكاليف.

ـ رصد وتقييم ومتابعة النظام التنفيذي لمنظومة الادارة المتكاملة للمياه.

ومن الناحية التنفيذية تشمل منهاج الإدارة المتكاملة للموارد المائية تطبيق المعرفة من مختلف التخصصات فضالا عن رؤى أصحاب المصلحة المتعددين والمستفيدين  لوضع حلول فعالة ومنصفة ومستدامة لمشاكل المياه والتنمية وتنفيذها.

وعلى هذا النحو فإن الإدارة المتكاملة للموارد المائية هي أداة شاملة للتخطيط والتنفيذ التشاركي لإدارة وتنمية الموارد المائية بطريقة توازن بين الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية ومتطلبات التنمية وتضمن حماية النظم الإيكولوجية للأجيال القادمة وإن استخدامات المياه العديدة المختلفة من أجل الزراعة والنظم الإيكولوجية الصحية للناس وسبل العيش فهي تتطلب إجراءات منسقة ومتوازنة وعملية، فمن ثما  فإن نهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية هو نهج شامل لعدة قطاعات تعمل سويا ولها اهداف مشتركة تهدف إلى أن تكون عملية مفتوحة ومرنة  للوصول الي اهداف  مشتركة تحقق المطلوب. ويجتمع جميع أصحاب المصلحة على الطاولة لوضع السياسات واتخاذ قرارات سليمة ومتوازنة استجابة للتحديات المحددة التي تواجه ندرة المياه في مصر.

ويركز نهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية على ثلاثة أساسيات ويهدف إلى تجنب نهجا مجزأ لإدارة الموارد المائية من خلال النظر في الجوانب التالية:

ـ الهيكل التنفيذي: إن وجود بيئة تمكينيه من خلال هيكل تنفيذي فعال ومناسب اصبح أمر ضروري لضمان حقوق ومصالح جميع أصحاب المصلحة (الأفراد وكذلك المؤسسات وأصحاب المصلحة من المستفيدين وشركات القطاعين العام والخاص والهيئات العلمية البحثية والجهات السيادية) وكذلك لحماية الأصول العامة مثل القيم البيئية الجوهرية.

ـ أدوار المؤسسات: إن التطوير المؤسسي أمر بالغ الأهمية لصياغة وتنفيذ سياسات وبرامج الإدارة المتكاملة للموارد المائية ويشكل عدم مطابقة المسؤوليات والسلطات والقدرات اللازمة للعمل جميع المصادر الرئيسية لصعوبة تنفيذ الإدارة المتكاملة للموارد المائية في ظل عدم وضوح الرؤيا وتنازع الاخنصاصات واولويات المطالب الملحة.

ـ الأدوات الإدارية: الأدوات الإدارية للإدارة المتكاملة للموارد المائیه ھي الأدوات والأساليب التي تمکن من مساعدة صانعي القرار علی اتخاذ قرارات رشيدة ومستنیرة من  بین الإجراءات البدیله.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى