رأى

مفهوم «التمكين الاجتماعي».. دراسات في تمكين «المرأة الريفية»

بقلم: أ.د.أسامة متولي محمد

أستاذ الاجتماع الريفي ووكيل كلية الزراعة لشئون الدراسات العليا والبحوث بجامعة الفيوم

يعتبر مفهوم التمكين Empowerment من المفاهيم الاجتماعية الهامة باعتباره عنصراً حيوياً لا يمكن تجاهله في عملية التنمية، فعملية التمكين تعنى العمل الجماعي في الجماعات المقهورة، أو المضطهدة للتغلب على العقبات وأوجه التمايز التي تقلل من أوضاعهم أو سلب حقوقهم، ومفهوم التمكين والتقوية أساسي لتقدم المرأة فهو يمكن المرأة من اتخاذ القرارات والمطالبة بالحصول على الحقوق والخدمات (المجلس القومي للمرأة، 2005: 59)، وقد تعددت التعاريف التي تناولت التمكين، وفيما يلي استعراض لبعض هذه التعاريف:

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

للتركيز على أهمية وجود دعم من السلطة لإحداث التمكين، تعرف أماني صالح (232:2002) التمكين: بأنه هو نوع من الدعم الخارجي من قبل السلطة المستنيرة في المجتمع، والتي يفترض أن تنظر بروح المسؤولية إلى كافة المواطنين، دفعاً لمسيرة التطوير والتنمية في المجتمع، كما يشير العتيبي (2004: 92) إلى أن التمكين: يعني فلسفة إعطاء مزيد من المسؤولية وسلطة اتخاذ القرار بدرجة أكبر للأفراد في المستويات الدنيا.

ولإبراز دور التمكين في زيادة النفوذ والقوة، يعرف فانيسا (Vanessa, 1987: 117) تمكين المرأة: بأنه إضفاء القوة على المرأة. والقوة هنا تعنى أن يكون للمرأة كلمة مسموعة ولها القدرة على التحليل والابتكار والتأثير في القرارات الاجتماعية المؤثرة على المجتمع ككل وأن تكون موضع احترام كمواطنة متساوية ولها اسهاماتها على كل المستويات في المجتمع، وإدراك قيمتها ليس فقط في المنزل بل في المجتمع، كما يشير مولر (Muller, 1998: 3) إلى تمكين النساء: بأنه قدرة المرأة أو مجموعة من النساء في أن يقاومواالتحكم المفروض لضبط سلوكهن أو إنكار حقوقهن والحصول على المصادر الاجتماعية والمادية والتي تشتق منها القوة، إلا أن مصادر القوة تعوقها عناصر ثقافية جامدة.

وللتأكيد على دور التمكين في زيادة درجة المشاركة، يرى مينتوسك (Mentosk, 1991: 169) أن التمكين يعبر عن فعالية المشاركة للمرأة في صنع القرارات السياسية وتطبيق وتنفيذ تلك القرارات، كما تعرفهاجلال حلمي (2003: 161) على أنه هو التحكم في العلاقات الاجتماعية والانتاجية التي من خلالها تساهم المرأة اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً في رفاهية أسرتها وتقدم مجتمعها.

ولتوضيح أهمية التمكين في زيادة الوعي وتنمية القدرات، يعرفه دوروثي (Dorothy, 1995: 488) علي أنه استراتيجية تزيد من قدرات الأفراد على التعامل مع العوائق المتعلقة بالمشكلات وتنمى دورهم القياسي، وتزيد من قدراتهم على اتخاذ القرارات المجتمعية وأيضاً القرارات المتعلقة بحياتهم الخاصة،كما يعرف الكبيسي (2004: 136) تمكين المرأة: بأنه زيادة الاهتمام بالسيدات من خلال توسيع صلاحياتهن وإثراء كمية المعلومات التي تعطى لهن، وتوسيع فرص المبادرة والمبادأة لاتخاذ قراراتهن، ومواجهة مشكلاتهن التي تعترض أدائهن.

بناءاً على ما سبق، وكمحاولة لصياغة تعريف أكثر شمولاً لمفهوم تمكين المرأة، يمكن تعريف هذا المفهوم على النحو التالي: تمكين المرأة هو العملية التي يتم بمقتضاها توفير فرص أكبر للمرأة للحصول على الموارد والمعارف والمهارات والمعلومات اللازمة لمساعدتها على تحسين ظروفها المعيشية وإنجاز أهدافها، وذلك بهدف تعزيز قدرتها على المساهمة الإيجابية في رفاهية أسرتها وتقدم مجتمعها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

تتعدد أنواع التمكين، حيث يمكن التمييز بصفةٍ عامة بين ثلاثة أنماط مختلفة للتمكين هي:

ـ التمكين الاجتماعي: والذي يركز على مجموعة من القضايا الهامة مثل: زيادة نسبة مشاركة المرأة في القضايا المجتمعية،وإيجاد المزيد من العلاقات المتنوعة بين منظمات المرأة الوطنية والعربية من أجل التنسيق فيما بينها، ورفع مستوى الوعي للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والعمل على توفير الخدمات التي تساعد المرأة على إحداث التوازن في مسؤوليتها ودورها التنموي (Longwe, 1998: 19).

ـ التمكين الاقتصادي: فمن الملاحظ أن التبعية الاقتصادية للمرأة تؤدي إلى عرقلة قدرتها على رعاية نفسها، لذلك يهدف التمكين الاقتصادي إلى: زيادة في حجم مشاركة المرأة في سوق العمل، وزيادة درجة استفادة المرأة من عائد المشاركة في التنمية، والعمل على زيادة قدرة المرأة واعتمادها على ذاتها من أجل إسهامها في الحياة الاقتصادية (Longwe, 1998: 19).

ـ التمكين السياسي: والذي يتبلور في دعم المشاركة السياسية للمرأة، من خلال زيادة نسبة تمثيلها في مواقع اتخاذ القرار، وزيادة نسبة عضويتها في الأحزاب السياسية والنقابات، والجمعيات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني، وزيادة تمثيلها في المؤسسات العربية والإقليمية والدولية (فحجان، 2006: 39).

ومن خلال فحص نماذج من البحوث والدراسات الاجتماعية السابقة التي اهتمت بقضية تمكين المرأة، فقد تبين من دراسة اللبودي (2022) عن “التمكين الاقتصادي الاجتماعي للمرأة الريفية وأثرع على التنمية الريفية بريف محافظة كفر الشيخ”، أن المتوسط الكلي لمستوى التمكين الاقتصادي الاجتماعي للمرأة الريفية بشكل عام كان متوسطاً وفقاً للمقياس المعتمد في هذه الدراسة، وقد جاء بُعد العمل والحصول على التمويل اللازم لمشروعاتها الإنتاجية في المرتبة الأولى، يليه بُعد الملكية الخاصة لزيادة المستوى الاقتصادي في المرتبة الثانية، ثم بُعد إدارة شئون الأسرة في المرتبة الثالثة، ثم بُعد اتخاذ القرارات الأسرية في المرتبة الرابعة، يليه بُعد الاستقلالية الاقتصادية في المرتبة الخامسة، ثم بُعد الاعتماد على الذات والثقة بالنفس في المرتبة السادسة، يليه بُعد القدرة على التنافسية الاقتصادية في المرتبة السابعة، وأخيراً بُعد اتخاذ القرارات الإنتاجية في المرتبة الثامنة.

أما دراسة سالم وآخرون (2014) عن “محددات تمكين المرأة الريفية المُعيلة بمحافظة الفيوم”، فقد أوضحت وجود علاقة ارتباطية معنوية موجبة بين مستوى تمكين السيدات المُعيلات المبحوثات والمتغيرات التالية:عدد سنوات تعليم المبحوثة، ومتوسط أعمار الأبناء، ومتوسط عدد سنوات تعليم الأبناء، والانفتاح الثقافي، ومستوى المعيشة، وعمر المبحوثة، والحالة الزواجية، ومهنة المبحوثة.

كما تبين وجود ستة متغيرات مستقلة تساهم في تفسير التباين الكلي في مستوى تمكين السيدات المُعيلات المبحوثات، وهذه المتغيرات هي: مستوى المعيشة، ومتوسط سنوات تعليم الأبناء، وعدد سنوات تعليم المبحوثة، ودرجة الاستفادة من الخدمات المجتمعية، والحالة الزواجية، ومهنة المبحوثة.

أيضا أوضحت دراسة العزاوي (2012) عن “تمكين المرأة الريفية في التنمية المستدامة في ريف محافظة بغداد”، وجود ارتباط معنوي بين مستوى التمكين العام للمرأة الريفية وبين المتغيرات البحثية التالية: السن، والدخل، وحيازة الأجهزة المنزلية، وحالة المسكن، ومستوى الطوح، وإدراك المراة لمكانتها في المجتمع، والانفتاح الجغرافي، والانفتاح الثقافي، والاتجاه نحو التحديث، والمشاركة الاجتماعية غير الرسمية، والمهارات والقدرات الخاصة، والاحساس بالعدالة الاجتماعية، والاعتمادية، والحالة الاجتماعية، والمهنة، والرضا عن الخدمات المقدمة، والمشاركة الاجتماعية الرسمية، والمشاركة التنموية.

أما دراسة إبراهيم ودراز (2009) بعنوان “دراسة حالة تمكين المرأة الريفية اقتصادياً واجتماعياً بقرية العصلوجي بمحافظة الشرقية”، فقد أوضحت نتائج الدراسة أن تمكين المرأة الريفية اجتماعياً قد أدى الآثار الاجتماعية التالية: زيادة مستوى المشاركة الاجتماعية الرسمية، وحدوث تغير إيجابي في الاتجاه نحو المنظمات الأهلية، زيادة درجة الاتجاه الإيجابي نحو إقامة المشروعات متناهية الصغر، وزيادة مستوى الانفتاح الجغرافي.

في دراسة عليمات (2008) بعنوان “تمكين المرأة الريفية من خلال المشاريع المدرة للدخل – دراسة حالة بالأردن”، فقد بينت نتائج الدراسة أن معظم المشاريع المدرة للدخل والمستخدمة في تمكين المرأة كانت في مجال تربية الحيوانات باعتباره نشاط اقتصادي تقليدي في المجتمع الريفي، كما بينت نتائج الدراسة كذلك أن هذه المشاريع قد وفرت فرص عمل للمرأة في بيئتها المحلية، وساهمت في تحسين جزئي لدخل الأسر، كما ساهمت بشكل أكبر في تحسين دور المرأة ومكانتها في أسرتها ومجتمعها المحلي، إضافة إلى تعزيز ثقتها بنفسها ورؤيتها لذاتها.

فيما يختص بدراسة فرج (2007) بعنوان “تمكين المرأة التي تعول للمشاركة في التنمية الريفية في بعض قرى محافظة الجيزة”، فقد أشارت نتائج الدراسة إلى معنوية العلاقة بين درجة التمكين الاجتماعي للمرأة المعيلة والمتغيرات المستقلة التالية: الحالة الاجتماعية، ومدة الإعالة، وعدد ساعات عمل المبحوثة، ومتوسط تعليم الأبناء، ومتوسط أعمار الأبناء، والدخل الشهري للأسرة، وحالة المسكن، وحيازة الأجهزة المنزلية، والمهارات والقدرات، وإدراك المرأة لمكانتها في المجتمع، ومستوى الطموح، والقيادية.

أخيراً، وفي دراسة ثابت (2004) بعنوان “تمكين المرأة ودورها في عملية التنمية – دراسة اجتماعية بمدينة القاهرة”، فقد أوضحت نتائج الدراسة عدم تحقيق المرأة العاملة في عينة الدراسة تمكيناً على مؤشر العضوية في المنظمات وأنشطة الجمعيات الأهلية، علاوة على عدم تحقيقها للتمكين كذلك فيما يتعلق بإدارة الوقت المبذول نحو نفسها وشئون الترفيه في حياتها، إلا أنها استطاعت أن تحقق تمكيناً فيما يتعلق بإدارة الوقت المبذول في الأعمال والمسئوليات المهنية والأسرية. وفيما يخص اتخاذ القرارات الأسرية فقد حققت تمكيناً فيه، بينما لم تحقق تمكيناً بالنسبة لنوعية القرارات وموقف الزوج نحو قراراتها ومشاركته في المسئوليات المنزلية.

المراجع 

ـ ابراهيم، محمد سليمان وأحمد دراز (2009)، دراسة حالة تمكين المرأة الريفية اقتصادياً واجتماعياً بقرية العصلوجي الشرقية، المؤتمر التاسع والثلاثون لقضايا السكان والتنمية، الأزمة الاقتصادية العالمية، معهد التخطيط القومي، المركز الديموجرافي، القاهرة.

ـ العتيبي، سعد بن مرزوق (2004)، أفكار لتعزيز تمكين العاملين في المنظمات العربية، ورقة علمية للملتقى الاداري الخامس، المنظمة العربية للتنمية الادارية، القاهرة.

ـ العزاوي، نادية كاظم عنون (2012)،  تمكين المرأة الريفية في التنمية المستدامة في ريف محافظة بغداد، رسالة دكتوراه، كلية الزراعة، جامعة القاهرة.

ـ الكبيسي، عامر خضير (2004)، إدارة المعرفة وتطوير المنظمات، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية.

ـ اللبودي، سلمى سالم محمد (2022)، التمكين الاقتصادي الاجتماعي للمرأة الريفية وأثره على التنمية الريفية بريف محافظة كفر الشيخ، رسالة دكتوراه، كلية الزراعة، جامعة كفر الشيخ، 2022.

ـ المجلس القومي للمرأة (2005)، تطور أوضاع المرأة في عهد مبارك (1981 – 2004)، الطبعة الثانية، القاهرة.

 ـ ثابت، نشوى توفيق (2004)، تمكين المرأة ودورها في عملية التنمية: دراسة اجتماعية بمدينة القاهرة، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة عين شمس، القاهرة.

ـ حلمي، اجلال اسماعيل (2003)، اعادة الهيكلة الرأسمالية: تمكين أم تهميش للمرأة المصرية؟، دراسة حالة لعينة من المستفيدات منالصندوق الاجتماعي للتنمية،العولمة وقضايا المرأة والعمل، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة القاهرة.

ـ سالم، أمل مسعود محمود ونفيسة حامد الهواري وأسامة متولي محمد (2014)، محددات تمكين المرأة الريفية المعيلة بمحافظة الفيوم، مجلة المنوفية للبحوث الزراعية، مجلد (39)، عدد (6)، 2014.

ـ صالح، أماني (2002)، التمكين السياسي في الوطن العربي: الشروط والمحددات، دراسة حالة التمكين السياسي في الكويت وقطر، جمعية دراسات المرأة والحضارة، القاهرة.

ـ عليمات، اللوزي (2008)، تمكين المرأة الريفية من خلال المشاريع المدرة للدخل: دراسة حالة في الأردن، رسالة ماجستير، كلية الآداب، الجامعة الأردنية.

ـ فحجان، وفاء محمود (2006)، مشاركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل الرسمي بين التهميش والتمكين، دراسة ميدانية بمدينة غزة، رسالة ماجستير،معهد البحوث والدراسات العربية، جامعة الدول العربية.

ـ فرج،حنان مكرم (2007)، تمكين المرأة التي تعول للمشاركة في التنمية الريفية في بعض قرى محافظة الفيوم، رسالة دكتوراه، كلية الزراعة، جامعة عين شمس.

Dorothy, N. G. (1995), Marie Overbuy Well Participation, Encyclopedia of Social Work. National Association of Social Workers, United States.

Longwe, Sara (1998), Education for Women’s Empowerment or Schooling for Women’s Subordination? In Gender and Development, an Oxfam  journal, volume 6. No.2. July.

Mentosk, Kara (1991), Women’s Participation in The Process of Community, of Guelph. Unit. Adjustment.

Muller, A (1998), Female Empowerment and Demographic Processes, Moving Beyond Cairo. http.//www.iussp.org.

Vanessa, Griffin (1987), Women Development and Empowerment: A pacific Feminist Perspective, Asian and Pacific Development Center, Kuala Lumpur.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى