البيئة

ظاهرتان تتحكمان في مستقبل كوكب الأرض «النينو» و«النينا»

إعداد: د.شكرية المراكشي

رئيس مجلس إدارة شركة مصر تونس  للتنمية الزراعية واستصلاح الأراضي

منذ اسبوع بدء العلماء يتكلم عن ظاهرة “النينو” والتوقعات التي ستحدث مع ارتفاع الحرارة خلال هذا الاسبوع بأن الأرض تسجل حرارة قياسية خلال هذه الايام.

الحديث عن ظاهرة “النينو” مثل كل فترة من الزمن في هذا التوقيت وأن سنة 2024 تعد من أكثر الاعوام سخونة في العالم، واصفين ما ستبقى عليه الارض هو حرارة عالية وجفاف ونقص في الحصاد وتغيير وضغط ودوران الغلاف الجوي، وبالتالي اختلال في النظام البيئي.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

لقد اصبح هذا الموضوع “حديث الساعة” منتشرا على كل وسائل الاعلام مرئية ومكتوبة، فتمكنت الرهبة والخوف من كل فرد في المجتمع  وخصوصا حين يستمع الى ما يقال “تجنبوا الخروج” او لا تخرجوا وقت سطوع الشمس”.

ما العمل اذن، هل ستبقى المجتمعات حبيسة  البيوت خوفا من “ضربة الشمش”؟ دون عمل؟

“النينو” و”النينا” ظاهرتان معروفتان لعلماء المحيطات والأرصاد الجوية منذ عشرات السنين ولكن بما أنهما تحدثان في أقل مناطق العالم المأهولة بالسكان، فقد بقيتا لأمد طويل مثار اهتمام فئة قليلة جدا من الباحثين.

كان من المحتمل أن تبقى هاتان الظاهرتان غير معروفة لولا تكرار حدوثهما بعنف، وما ترتب على ذلك من تأثيرات بيئية عدة بعد التغيرات المناخية التي تسبب فيها الانسان، بالرغم من أن “النينو” و”النينا” تحدثان في المنطقة نفسها، فقد حظيت “النينا” باهتمام أقل مقارنة بـ”النينو”؛ وذلك لقلة تكرار حدوثها نسبيا خلال العشرين سنة الماضية من القرن العشرين، ولأن آثارها أقل حدة من آثار “النينو”.

ظاهرتا النينو والنينيا هما المحركان الرئيسيان – وإن كانا ليسا الوحيدين – للنظام المناخي للأرض.

اقرأ المزيد: ظاهرة النينو المناخية .. أقوى ظاهرة طبيعية يتعرض لها العالم 

ظاهرة النينو

ظاهرة “النينو” ليست من الظواهر الجوية الحديثة، فقد دلت الدراسات على أنها موجودة منذ مئات السنين؛ حيث أدت ملاحظة الغطاءات الجليدية وطبقاتها فوق جبال الإنديز، واتساع مستعمرات المرجان ونموها في البحار الدافئة، إلى التأكد من أن تاريخها يرجع إلى أكثر من 1500 سنة.

كان أول تسجيل موثق لها في القرن الخامس عشر، في بداية اكتشاف المستعمرين الإسبان، المستكشف جيرو نيمو بنزوتي، خلال الفترة 1547-1550 لأمريكا الجنوبية. تحدث هذه الظاهرة بشكل دوري كل عدة سنوات، وتؤثر على النمط العام للطقس والمناخ في مناطق مختلفة حول العالم.

هي ظاهرة طبيعية تحدث في المحيط الهادئ وتتميز بارتفاع درجة حرارة سطح المياه في المنطقة المركزية للمحيط الهادئ الاستوائي. تحدث هذه الظاهرة بشكل دوري كل عدة سنوات، وتؤثر على النمط العام للطقس والمناخ في مناطق مختلفة حول العالم..

تبقى الظواهر الطبيعية هي الشغل الشاغل للهيئات والمنظمات البحثية في مجال علوم الفلك والمناخ والتي تختص بدراسة الظواهر الطبيعية وتأثيراتها المناخية.

فمنذ القدم يسعى العلماء إلى قراءة الحقائق الكامنة وراء نشوء الكثير من الظواهر، وارتباطها سواءً بحركة الكواكب أو العوامل الفلكية والمناخية الأخرى وتحديد درجة تأثيرها على كوكب الأرض. من خلال مجموعة من المتغيرات التي تحصل مناخياً، وبالتالي تساعد هذه الدراسات على تجنب وقوع الإنسان ضحية للكوارث الطبيعية من فيضانات وأعاصير وزلازل.

وفقاً للأرصاد الجوية، “النينو” ظاهرة مناخية طبيعية تحدث كل ثلاث سنوات في المحيط الهادئ، وهي ارتفاع في درجة حرارة سطح المحيط /0.5/ درجة مئوية، وقد تستمر هذه الظاهرة لمدة خمس سنوات، نتيجة لتسخين القسم الشمالي من المحيط الهادي وتتسبب في تبدلات مناخية في كل الكرة الأرضية، وتتمثل في الجفاف والفيضانات وتدمير المحاصيل الزراعية.

تعمل  ظاهرة “النينيو” من خلال مجموعة من التيارات المائية الدافئة، حيث تحفظها الرياح في القسم الغربي من الكرة الأرضية، ومن ثم تنفلت هذه التيارات بسبب ضعف الرياح وتتجه على وجه الخصوص باتجاه سواحل أمريكا الجنوبية مسببة تغيرات مفاجئة، كما تعمل “النينو” على ثبات الأنظمة الجوية في النصف الشمالي من الأرض؛ مما يؤدي إلى زيادة حدة التطرف الحراري في مناطق متفرقة من العالم. وانه امر استثنائي أن تشهد اربع سنوات متتالية حدوث ظاهرة “النينو”.

خلال النصف الأخير من سنة 2023، من المتوقع أن تكون النينو في مرحلة نشطة، وبالتالي فإن لها تأثيرات محتملة على العالم. بالنسبة للبحار والأحياء البحرية، قد تحدث تغيرات في درجة حرارة المياه وتوزيع الأنواع البحرية، مما قد يؤثر على النظم البيئية والتنوع البيولوجي.

اقرأ المزيد: لماذا تغير شتاء مصر؟

ظاهرة النينو المناخية .. أقوى ظاهرة طبيعية يتعرض العالم لها!  وقد يكون معظمنا شهد وطأة ارتفاع درجات الحرارة في العديد من الدول  ويتوقع أن تكون لهذه الظاهرة في العام 2024 فعلا  تأثيرات كبيرة، وأن تؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق بدرجات الحرارة، حيث شهدت بعض دول العالم درجات حرارة عالية أودت بحياة الكثيرين وتسببت بأمراض وحالات اختناق، بينما تشهدت مناطق أخرى في العالم أمطاراً غزيرة، أي أن النينو ستكون الأقوى هذا العام.

تاريخ ظاهرة النينو

عام 1876 اعتبر العام الذي رصدت فيه حادثة شبيهة بظاهرة النينو، وسجلت تأثيراتها، علماً أن العلماء يرجعون أول حادثة مسجلة في التاريخ إلى منتصف القرن الخامس عشر تقريباً، حيث تشير مصادر تاريخية إلى سنة حدثت فيها أحداث مشابهة لما يرافق النينو من ظواهر.

أما القرن العشرين فقد شهد أول حادثة تتعلق بالنينو في العام 1982، والتي اعتبرت الأشد عندما ضربت سواحل أمريكا الجنوبية، حيث سجلت درجات حرارة مرتفعة في مياه المحيط الهادئ وصلت إلى 150 درجة مئوية، وفي عام 1992-2002 كانت لهذه الظاهرة نتائج كارثية على المزارعين والصيادين في كثير من دول العالم.

كيف تحدث ظاهرة النينو

ـ التسخين: إن وجود تيارات ساخنة في المحيط الهادئ متجهةً نحو الشرق لتصل إلى سواحل أمريكا الجنوبية نتيجة للتسخين الذي تحدثه مجموعة هذه التيارات في قاع المحيط الهادي، من الممكن أن تشكل مع غيرها منظومة متكاملة، تؤدي إلى التغير الكبير في درجات حرارة المياه وبالتالي حدوث النينو.

ـ الثلوج: إن الثلوج الكثيفة المتساقطة شتاءً على القارة الآسيوية تؤدي إلى إحداث اختلال حراري في فترة ذوبان الثلوج في فصل الصيف، وبالتالي اختلال في حركة التيارات المائية القريبة من المحيط الهادي.

عوامل أخرى: مثل تأثير بعض الكواكب القريبة أو العواصف الشمسية أيضاً تغير في دوران الأرض، حيث أوضحت هيئة الأرصاد الجوية الأسترالية في تقريرها، أن ظاهرة “النينو” المناخية التي تؤثر على العالم.

تقول الهيئة الأسترالية للأرصاد أن نتيجة الأحوال الجوية التي ترافق ظاهرة النينو، فإن الظروف لن تكون مهيئة لزراعة القمح في البلاد، وأن إنتاج السكر قد ينخفض على مستوى العالم، وهذا يعني تأثير “النينو” كظاهرة مناخية على الإنتاج الزراعي، مما سيؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وارتفاع الأسعار العالمية للغذاء. وتوقعت الهيئة أيضاً بأن يكون الشتاء أقل برودة وأقل أمطاراً بسبب التأثر بـ”النينو” (نقلاً عن هيئة الأرصاد الجوية الأسترالية).

ماذا ينتج عن ظاهرة النينو؟

ـ التطرف الحراري: يعني ذلك تفاوت في درجات الحرارة بين ارتفاعها في مناطق معينة مثل القارة الأوروبية، وانخفاضها الشديد في مناطق أخرى مثل شرق آسيا وأجزاء من شرق أوروبا وجنوب شرقها.

ـ الفيضانات: فيضانات في عدة مدن يقابلها جفاف في مدن أخرى من العالم، حيث تكثر الفيضانات في سنوات النينو، حيث شهدت البيرو أمطاراً غزيرة وأجزاء من أوروبا بالإضافة إلى أجزاء من شرق آسيا.

ـ الأعاصير: يلاحظ في فترة “النينو” ازدياد احتمال حدوث الأعاصير ومعظمها يتركز في المحيط الهادئ بشكل كبير، ويقابله الهدوء الاستوائي في المحيط الأطلسي.

تقول منظمة الغذاء العالمي أن النينو تسبب في ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، لما لها من تأثير على المنتجات الزراعية. وقد أعلنت الإدارة القومية الامريكية للمحيطات والبيئة أن هذه الظاهرة المناخية أضرت بالكثير من الدول الفقيرة، خاصة في أفريقيا، وتبقى “النينو” إحدى الظواهر التي تحير العلماء، باعتبارها الظاهرة التي لا يمكن التنبؤ بها مسبقاً.

يرى معظم العلماء اليوم أن العلم الحديث لم يستطع حتى الآن إيجاد السبب الحقيقي والواضح لنشوء هذه الظاهرة الطبيعية، كما لم يفلح في وضع مخطط يظهر التناوب الذي تتكرر فيه “النينو”، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بها قبل حدوثها لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من تأثيراتها السلبية.

فيما يتعلق بالقطبين الشمالي والجنوبي، قد تتسبب ظاهرة النينو في زيادة درجة حرارة الهواء والمياه حول هذه المناطق، مما يؤدي إلى ذوبان الجليد وتسارع عملية انحسار الجليد في المناطق القطبية.

بالنسبة للثلوج، قد يؤدي تأثير النينو إلى زيادة درجات الحرارة في بعض المناطق، وبالتالي قد يكون له تأثير على توزيع الثلوج وكميتها في بعض المناطق التي تعتمد على الثلوج كمورد مائي أو لأغراض سياحية.

تأثيرات “النينو” على اليابسة، وبالأخص على الدول العربية في شرقها وغربها، جنوبها وشمالها يمكن أن تشمل زيادة في درجات الحرارة، ونقص في كميات الأمطار، وزيادة في التجفيف والجفاف. قد تتأثر الموارد المائية والزراعة والبيئة بشكل عام، مما يؤثر على الاقتصاد والحياة اليومية في هذه المناطق.

مع ذلك، يجب أن نلاحظ أن تأثيرات “النينو” ليست قطعية وقد تختلف من منطقة إلى أخرى، وقد يكون هناك عوامل أخرى تؤثر على الطقس والمناخ خلال هذه الفترة. من المهم أن تتابع المنظمات والمؤسسات المختصة بالأرصاد الجوية والمناخ تطورات النينو وتوفر توصيات وتحذيرات للمجتمع الدولي والدول المتأثرة بالتغيرات المتوقعة.

من الملاحظ أنه كتطور طبيعي لتوصيات المجتمع الدولي والدول المتأثرة بالتغيرات المناخية وتطورات النينو، يمكن أن تتضمن التوصيات والتحذيرات التالية:

1ـ توسيع الجهود الدولية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة: ينبغي على الدول والمجتمع الدولي اتخاذ إجراءات فورية وفعالة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب التغيرات المناخية، مثل ثاني أكسيد الكربون. يجب زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة.

2ـ تطوير القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية: يجب على الدول تعزيز قدراتها للتكيف مع التغيرات المناخية، بما في ذلك تحسين البنية التحتية وتطوير استراتيجيات مستدامة للمياه والزراعة والمدن والبنية التحتية الساحلية.

3ـ التعاون الدولي والشراكة: يجب تعزيز التعاون الدولي والشراكات لمواجهة التغيرات المناخية وتطورات “النينو”. يمكن أن تشمل هذه الشراكات تبادل المعلومات والتكنولوجيا والموارد المالية لدعم الدول المتأثرة وتعزيز قدراتها.

4ـ التحذيرات المبكرة والتنبؤ: يجب تعزيز النظم العالمية للتحذير المبكر والتنبؤ بالتغيرات المناخية وظواهر النينو. يساعد التحذير المبكر في تقليل التأثيرات السلبية للأحداث الطبيعية المتطرفة وتقلبات الطقس المفاجئة.

5ـ دعم الدول النامية: ينبغي على المجتمع الدولي تقديم الدعم والمساعدة اللازمة للدول النامية المتأثرة بشدة بالتغيرات المناخية وتطورات النينو. يجب تعزيز التمويل وتحسين نقل التكنولوجيا وتعزيز القدرات لهذه الدول لمواجهة التحديات المناخية.

6ـ الحفاظ على النظم البيئية الهشة: يجب حماية النظم البيئية الهشة مثل الشعاب المرجانية والغابات المطيرة والمناطق القطبية، حيث يمكن أن تكون تأثيرات التغيرات المناخية والنينو مدمرة. يتطلب ذلك تبني سياسات حماية بيئية صارمة وتشجيع الاستدامة في استخدام الموارد الطبيعية.

توصيات وتحذيرات لمجتمعنا تتطلب تعاون وجهود مشتركة من جميع الأطراف لمواجهة تحديات التغيرات المناخية وتطورات النينو، فالعمل المشترك والاستجابة الفعالة هما السبيل للتصدي لهذه القضايا العالمية الملحة.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى