رأى

الهجرة البيئية وتأثيرات التغير المناخي

مقال الدكتورة «شكرية المراكشي» رئيس شركة مصر تونس للتنمية الزراعية

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شهدت البشرية تحركات هجرة واسعة النطاق بحثا عن الطعام والمأوى والأمان، وإلى جانب الأسباب الاقتصادية والسياسية كانت البيئة عاملا أساسيا في التهجير القسري عبر تاريخنا. بعد الثورة الصناعية، كان التدهور البيئي الطبيعي والكوارث مثل الأعاصير والعواصف والجفاف هي المسببات الرئيسية للتنقلات البشرية، إضافة إلى ندرة موارد الأراضي.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

في القرن العشرين، تغيرت طبيعة ونطاق الهجرة البيئية بشكل كبير نتيجة لتغير المناخ العالمي. بدءا من الثورة الصناعية الأولى في القرن الثامن عشر، زادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2) من حرق الوقود الأحفوري بشكل متزايد، مما أدى إلى ارتفاع تركيزه في الغلاف الجوي إلى مستويات لم تشهدها الأرض منذ آلاف السنين. هذا الارتفاع في تركيز CO2 أسهم بشكل كبير في ارتفاع درجات الحرارة العالمية وظاهرة “الاحتباس الحراري”.

منذ عام 1880م، لوحظ ارتفاع متسارع في درجات الحرارة السنوية، حيث زادت من 0,6 درجة إلى 1,4 درجة مئوية سنويا. هذا الارتفاع السريع في درجات الحرارة يُعَد مؤشرا على تغير المناخ السائد. هذا التحول في المناخ له تأثيرات كبيرة على البيئة والبشر، حيث يؤدي إلى زيادة تكرار وشدة الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والفيضانات.

اقرأ المزيد: تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر على المناطق الساحلية نتيجة التغير المناخي

مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، يصبح التهديد البيئي أمرا أكثر تداولا وتسليطا للضوء عليه. تصبح تأثيراته ملموسة على الحياة البشرية والبيئة، حيث يزيد من خطر الجفاف وارتفاع منسوب البحار وانقراض الكائنات الحية. تزداد حاجة البشر إلى التكيف وتطوير استراتيجيات للتخفيف من تأثيرات هذا التغير المناخي.

بالنظر إلى التحديات المستقبلية، يجب على المجتمع العالمي تبني سياسات مستدامة للتخفيف من التأثيرات البيئية وتعزيز الاستدامة. يجب تعزيز جهود البحث والتطوير للتكنولوجيا البيئية وتوجيه الاستثمارات نحو تطوير مصادر الطاقة المتجددة وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.

باختصار، لقد شهد التاريخ تحولات في نمط الهجرة البيئية، حيث تحولت أسبابها من التدهور البيئي الطبيعي إلى التأثيرات المتزايدة لتغير المناخ العالمي. ومع تزايد التحديات البيئية، يتعين على البشر تبني استراتيجيات جديدة للتكيف والحفاظ على استدامة كوكب الأرض.

اقرأ المزيد: «الاستمطار الصناعي».. الإيجابيات والسلبيات

تحليل التأثيرات المناخية على الهجرة: تحديات وحلول

في عام 1992، عقدت الأمم المتحدة مؤتمرا مهما يتعلق بالبيئة والتنمية، وخلال هذا المؤتمر، أشار المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى زيادة عدد النازحين بسبب أسباب معقدة متعلقة بالنمو السكاني والفقر والمجاعة والتدهور البيئي. كان ذلك بادئة للانتباه إلى تداعيات التغيرات المناخية على الهجرة.

عالِم البيئة “نورمان مايرز”، في سبيل تقدير تأثير تغير المناخ على الهجرة، تنبأ في أوائل التسعينيات بأنه قد يكون هناك 150 مليون لاجئ بيئي بحلول عام 2050. تحديثات لهذه التقديرات جاءت لترفع هذا الرقم إلى 200 مليون. وهذه التوقعات أثارت اهتماما واسعا بأثر تغير المناخ على الهجرة. ومع ذلك، يجب مراعاة أن “مايرز” لم يكن خبيرا في مجال الهجرة، وتلك التقديرات اعتمدت بشكل أساسي على تحليل الأرقام الديموغرافية والبيانات المتاحة.

اقرأ المزيد: “الفلاح اليوم” ينشر كلمة وزير الزراعة في مؤتمر الهجرة والزراعة والتنمية الريفية

إلا أن هذه التقديرات تعرضت للانتقاد بسبب تبسيطها المفرط واعتمادها على العلاقة الخطية بين التأثيرات البيئية والهجرة. كما أنها لم تأخذ بالاعتبار آليات التكيف المحتملة أو العوامل السياقية. وعلى الرغم من هذه الانتقادات، اعتمدت هذه التقديرات على نطاق واسع نظرا لنقص الأبحاث الأخرى في هذا المجال.

لكن لتحقيق تقديرات دقيقة لأثر التغيرات المناخية على الهجرة، يجب تسليط الضوء على عدة جوانب. يجب على منتجي البيانات طرح أسئلة تفصيلية تتعلق بعوامل القرار للهجرة بسبب التغيرات المناخية. من ضمنها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تؤثر على قرارات الهجرة. علاوة على ذلك، يجب دراسة الأماكن المستهدفة للتغيرات المناخية والأماكن المتوقعة لنزوح السكان.

لا يجب تجاهل أهمية استراتيجيات التكيف التي يمكن أن تتبناها الأسر المعيشية للتخفيف من تأثيرات التغيرات المناخية والبيئية. يُظهر التاريخ أن معظم المهاجرين البيئيين من المرجح أن يظلوا داخل حدود بلدانهم. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر استخدام مصادر بيانات غير تقليدية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والبيانات الضخمة، وتعزيز قدرات المؤسسات الإحصائية لتتبع تحركات المهاجرين القسريين داخل وعبر الحدود الوطنية.

يجب أن نعترف بأن العلاقة بين تغير المناخ والهجرة معقدة للغاية، وتحتاج إلى أبحاث معمقة وشاملة لتقدير تأثيراتها بدقة. تقديرات مايرز كانت افتتاحية للنقاش، ومع ذلك، يجب أن نستمر في تطوير منهجيات أكثر دقة وشمولية لتحليل هذه الظاهرة المعقدة والهامة.

هناك العديد من الأبحاث التي تسلط الضوء على العلاقة بين تغير المناخ والهجرة. تعتمد الأبحاث على مجموعة متنوعة من المنهجيات والأدوات لتحليل هذه الظاهرة المعقدة على سبيل المثال:

1ـ تقرير اللجنة البيئية الدولية (IPCC) – AR5: تمثل تقارير اللجنة البيئية الدولية واحدة من أهم المصادر التي تستند إليها الأبحاث في مجال تغير المناخ وتأثيراته. تقرير اللجنة الخامس AR5) يتناول تأثيرات تغير المناخ على النظم الإيكولوجية والبشر والاقتصاد. يمكن الاطلاع على تقديراتها لتأثيرات المناخ على الهجرة والتنقل.

اقرأ المزيد: ندوة علمية إقليمية تناقش تأثير التغير المناخي على الجوانب الديمغرافية والاجتماعية على المرأة العربية

تقرير اللجنة البيئية الدولية (IPCC) – الإصدار الخامس (AR5) هو تقرير هام وشامل يتناول تأثيرات تغير المناخ والتغيرات البيئية على النظم الإيكولوجية والبشر والاقتصاد. يمثل هذا التقرير إحدى أهم المصادر التي تتناول العلاقة بين تغير المناخ والهجرة. يتلخص محتوى التقرير في:

ـ المقدمة: يقدم التقرير نبذة عامة عن التغير المناخي والتأثيرات المتوقعة على البيئة والمجتمعات، ويعرض السياق العالمي للتحديات التي تواجه العالم بسبب التغير المناخي.

ـ تقييم التغير المناخي: يتناول هذا القسم تقديرات التغير المناخي الحالي والمتوقع في مختلف المناطق، مع التركيز على الارتفاع في درجات الحرارة، ذوبان الجليد، وارتفاع مستوى البحار.

ـ تأثيرات على البيئة: يشمل هذا الجزء تقديرات تأثيرات تغير المناخ على النظم الإيكولوجية مثل التغير في النمط البيئي، فقدان التنوع البيولوجي، والأحواض المائية.

ـ تأثيرات على البشر: يتناول هذا الجزء تأثيرات تغير المناخ على البشر والمجتمعات، بما في ذلك تأثيراتها على الأمان الغذائي، والصحة، والسكن، والاقتصاد.

ـ التكيف والتخفيف: يبحث هذا القسم في استراتيجيات التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي، وكيفية تطبيقها للحد من التأثيرات السلبية.

ـ سيناريوهات المستقبل والخيارات السياسية: يقدم هذا الجزء سيناريوهات متعددة للتطورات المستقبلية المرتبطة بالتغير المناخي وتأثيراته، بالإضافة إلى الخيارات السياسية الممكنة للتكيف مع هذه التغيرات.

ـ التقييم الشامل والاستنتاجات: يقدم هذا القسم تقييما شاملاً لتأثيرات تغير المناخ وتأثيراتها على النظم البيئية والبشر، مع تلميحات للتحديات المستقبلية.

اقرأ المزيد: «الغليان المناخي» ومستقبل المياه على كوكبنا

تقرير اللجنة البيئية الدولية – AR5 هو مصدر هام لفهم تأثيرات تغير المناخ والتغيرات البيئية على الهجرة والمجتمعات. يقدم البيانات والمعلومات الأساسية لاتخاذ قرارات استراتيجية وسياسية للتكيف مع التحديات المتعلقة بتغير المناخ وتأثيراته.

2ـ منظمة الهجرة الدولية IOM): قامت منظمة الهجرة الدولية بالعديد من الأبحاث والتقارير التي تتناول تأثيرات تغير المناخ على الهجرة والتنقل. توفر هذه التقارير رؤى عميقة حول كيفية تفاعل التغير المناخي مع عوامل أخرى تؤثر على حركة السكان.

3ـ مشروع الجغرافيا البيئية للهجرة GEEM): هذا المشروع يهدف إلى تطوير نماذج جغرافية بيئية لفهم السيناريوهات المستقبلية للهجرة المرتبطة بالتغيرات المناخية. يستند المشروع إلى تحليل البيانات الجغرافية والبيئية لتقدير النماذج والاتجاهات المحتملة.

4ـ معهد البيئة العالمي IIED): يقدم IIED أبحاثًا تعنى بالعلاقة بين التغيرات المناخية والهجرة، مع التركيز على الأثر المحتمل للتغيرات المناخية على المجتمعات الريفية والمعوقات التي تواجه الناس في التكيف مع هذه التغيرات.

اقرأ المزيد: الهيدروجين الأخضر والطريق إلى المستقبل

5ـ الأبحاث الجغرافية والبيئية: هناك العديد من الدراسات الأكاديمية التي تستخدم نماذج جغرافية وبيئية لتحليل تأثيرات تغير المناخ على الهجرة. تسعى هذه الدراسات إلى تحديد المناطق الأكثر عرضة للتأثيرات والعوامل التي تسهم في اتخاذ قرارات الهجرة.

بالنسبة للرؤية التي يمكن تقديمها لتحليل هذه الظاهرة المعقدة والهامة، يجب أن تكون الرؤية متكاملة وشاملة، مستندة إلى تعدد المنهجيات والبيانات من مصادر متعددة، ومنهجية البحث يمكن أن تشمل:

ـ تحليل تفصيلي للسياق المحلي: يجب تحليل التأثيرات على مستوى مجتمعات معينة ومناطق معينة، وفهم التغيرات المناخية المتوقعة والتحديات المحلية.

ـ استخدام النماذج الرياضية والنماذج المتنبئة بالمناخ: تستخدم النماذج لتقدير تأثيرات التغير المناخي المحتملة على الموارد والظروف المحيطة، وكيف يمكن أن تؤثر على قرارات الهجرة.

ـ دراسات تفصيلية للقصص البشرية: يمكن أن تقدم دراسات حالات لأفراد ومجتمعات تضيف لمسة إنسانية للتأثيرات والتحديات التي تواجهها الهجرة المرتبطة بالمناخ.

ـ تكامل البيانات المتعددة: يجب جمع وتحليل بيانات من مصادر متعددة مثل الاقتصاد والاجتماع والبيئة والمناخ لفهم الصورة الكاملة.

ـ التعاون المشترك: تشجيع التعاون بين الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والأكاديميين لتبادل المعرفة والبيانات وتحسين فهمنا لهذه الظاهرة. باختصار، تحليل العلاقة بين تغير المناخ والهجرة يتطلب رؤية متعددة المناهج تجمع بين التحليل الكمي والنوعي وتكامل البيانات من مصادر متعددة. تقدير تأثيرات هذه العلاقة المعقدة يسهم في فهمنا لتحديات مستقبل الهجرة والتكيف مع تغير المناخ.

اقرأ المزيد: الاقتصاد الأزرق والتنمية المستدامة

تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على قرارات الهجرة في ظل التغيرات المناخية

في عالم يشهد تزايدا مستمرا لتأثيرات التغيرات المناخية، يبرز التحدي العالمي لتحديد مسارات الهجرة والتكيف مع تلك التحولات. يتداخل تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بشكل معقد، ليصبح توجيه قرارات الهجرة مجموعة معقدة من العوامل التي تؤثر فيها تلك المتغيرات.

1ـ العوامل الاقتصادية: تبقى فرص العمل ومستوى الدخل من العوامل الحاسمة في تحديد اتجاهات الهجرة. ففرص العمل المغرية والأجور المجزية تجذب الأفراد نحو المناطق التي تتيح لهم تحسين جودة حياتهم وتحقيق استقرار اقتصادي.

2ـ العوامل الاجتماعية: تعكف الأوضاع الأمنية والاستقرار على لعب دور حيوي في توجيه قرارات الهجرة. المناطق المتضررة من الصراعات وعدم الاستقرار قد تدفع الأفراد للبحث عن ملاذ آمن وفرص أفضل.

3ـ العوامل البيئية:تزداد أهمية تأثير تغير المناخ، حيث تتضمن ظواهر مثل ارتفاع منسوب البحر وزيادة تكرار الكوارث الطبيعية. مناطق تصبح غير صالحة للعيش نتيجة لتلك التحولات تدفع السكان نحو الهجرة بحثًا عن بيئات أكثر استدامة.

بالإضافة إلى ذلك، تلعب العوامل البيئية الأخرى مثل ندرة المياه والتصحر دورا حاسما في توجيه قرارات الهجرة. الأماكن التي يصعب فيها تأمين الموارد الأساسية تجبر السكان على مغادرة مناطقهم بحثا عن بيئات توفر لهم فرصا أفضل.

اقرأ المزيد: السد الإثيوبي والهجرة غير الشرعية!!

دراسة الأماكن المستهدفة والمتوقعة للتغيرات المناخية والهجرة

يتطلب تحليل الأماكن المستهدفة للتغيرات المناخية والهجرة تقديم نظرة شاملة للوضع. هذا يشمل دراسة تأثير التغير المناخي المتوقع، وتحديد المناطق الأكثر تأثرا بتلك التغيرات، مثل المناطق الساحلية التي يمكن أن تتعرض لزيادة في منسوب البحر.

كما يتضمن الأمر فهم التوجهات السكانية وأنماط النمو، ومقدرة المنطقة على استيعاب تدفقات الهجرة المحتملة. هذا يعني توفير الخدمات والبنية التحتية الضرورية لاستقبال السكان الجدد وتأمين تكاملهم في المجتمع.

إن فهم العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تؤثر على قرارات الهجرة أمر حاسم لتطوير استراتيجيات فعالة للتكيف مع تغيرات المناخ وتقديم الدعم للسكان المتأثرين. من خلال تحليل الأماكن المستهدفة للتغيرات المناخية والتوقعات بنزوح السكان، يمكن تحقيق تقديرات أكثر دقة للتأثيرات المستقبلية وبالتالي توجيه الجهود نحو التكيف والمساعدة.

تعزيز الفهم والعمل على تحقيق الاستدامة في ظل التحديات المناخية والهجرة

يعيش العالم تحولا جذريا نحو الاستدامة، وذلك بسبب تزايد التحديات المناخية وتأثيراتها على البيئة والهجرة. لاحظنا أن هناك حاجة ملحة لفهم أعمق لهذه التحديات والبحث عن حل مستدام يسهم في الرفاهية والاستدامة في المناطق المتأثرة والمناطق المستقبلية المستهدفة للنزوح.

يجب على المجتمع الدولي التعاون من أجل تطوير نهج متعدد التخصصات يجمع بين مختلف العلوم لتحقيق هذه الأهداف، وهى:

1ـ إجراء دراسات الحالات التفصيلية: تعتبر دراسات الحالة المفصلة أداة هامة لفهم السياق المحلي وتحديد الأسباب وراء قرارات الهجرة. من خلال دراسة الحالات المحددة، يمكننا تحليل تأثير التغيرات المناخية والعوامل الاقتصادية والاجتماعية على قرارات الهجرة في مناطق محددة ومعرفة تأثيرها على السكان والمجتمعات.

2ـ الانتقال إلى الوظائف الخضراء: في سبيل تحقيق الاستدامة، يجب أن ننتقل إلى وظائف أكثر استدامة وأقل تلوثًا للبيئة. مفهوم الوظائف الخضراء يشير إلى الوظائف التي تساهم في حماية البيئة وتحسين الاستدامة. يجب تطوير مؤشرات إحصائية تقيّم خضرة سوق العمل وانتقال العاملين إلى الوظائف الخضراء. كما يجب أن نركز على تطوير المهارات اللازمة لهذه الوظائف وتوجيه التعليم والتدريب نحوها.

اقرأ المزيد: سد النهضة.. الاتحاد الأوروبي.. الهجرة غير الشرعية

3ـ التحول من الوعود إلى التنفيذ: مؤتمرات الأمم المتحدة المتعلقة بالتغير المناخي تلعب دورا حيويا في تحقيق التعامل مع هذه التحديات. من برلين إلى جلاسكو وشرم الشيخ، يجب أن يكون هناك التزام قوي لتحويل الوعود إلى إجراءات فعلية. الدول المتقدمة يجب أن تتحمل مسؤوليتها تجاه التلوث البيئي والتغير المناخي من خلال التحفيز على انتقال إلى اقتصادات أكثر استدامة.

التحديات المناخية والهجرة تستدعي تحركا فوريا وتعاونا عالميا. يجب أن نستفيد من الخبرات والمعرفة المتاحة ونعمل على تحقيق التوازن بين الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية. عبر تبني نهج متعدد التخصصات وتعزيز التعاون الدولي، يمكننا تحقيق تحول حقيقي نحو الاستدامة والحفاظ على كوكبنا للأجيال القادمة.

مؤتمرات المناخ والجهود العالمية لمواجهة التحديات البيئية والمناخية والتحول نحو مستقبل مستدام: من باريس إلى شرم الشيخ

في عام 2015، شهدت العالم تحولا تاريخيا في مجال مكافحة تغير المناخ من خلال اتفاقية باريس. خلال الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف في باريس في ديسمبر 2015، توصلت الدول إلى اتفاق مهم يهدف إلى الحد من ارتفاع درجة حرارة العالم بشكل كبير وتسريع الإجراءات لتحقيق مستقبل مستدام. يهدف هذا الاتفاق إلى الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة العالم هذا القرن أقل بكثير من درجتين مئويتين والسعي لتحقيق زيادة أقل من 1,5 درجة مئوية.

من خلال اجتماعات مؤتمرات المناخ، مثل الدورة السادسة والعشرين (COP26) في جلاسكو في عام 2021، وما يليها مؤتمر COP27 في شرم الشيخ في عام 2023، تسعى الدول إلى تحقيق التزاماتها بتقليل انبعاثات الكربون وتحقيق أهداف مكافحة تغير المناخ.

تطلب مبادرات التحول إلى الوظائف الخضراء تكامل جهود العالم من أجل تطوير وظائف تعزز الاستدامة وتحد من التلوث. يجب تحويل الاقتصادات من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح. هذا يتطلب استثمارات كبيرة في مجالات مثل الطاقة والنقل وإدارة المخلفات.

تطبيق الاستراتيجيات الوطنية لتغير المناخي، مثل استراتيجية مصر 2050، يمكن أن يكون له تأثير كبير على تقليل الانبعاثات وتحقيق التكيف مع آثار التغير المناخي. يجب على الدول تعزيز سياستها البيئية والمناخية من خلال تحسين كفاءة الطاقة وتنويع مصادر الطاقة وإدارة المخلفات بشكل أكثر استدامة.

معالجة قضايا المهاجرين البيئيين يجب أن تكون جزءا من الجهود الدولية. يمكن للمهاجرين البيئيين أن يصبحوا سفراء لتبادل التجارب والمعرفة بشأن كيفية التكيف مع التحديات البيئية. على الدول أن تعمل على تحسين بنيتها التحتية وتعزيز الوعي بأهمية مكافحة تغير المناخ.

في مؤتمر COP27 شرم الشيخ، تم الاتفاق بين دول العالم على إجراءات عملية تساهم في تنفيذ استراتيجيات التخفيف والتكيف مع تغير المناخ، يتطلب تحقيق التحول نحو مستقبل مستدام جهودًا مشتركة من الدول والمجتمعات الدولية. من خلال التعاون والتكامل، يمكننا تحقيق أهداف مكافحة تغير المناخ وتحقيق عالم أفضل وأكثر استدامة للجميع.

اقرأ المزيد: «الزراعة التجديدية» ضرورة مع التغير المناخي

تحديات وإشكاليات توفير بيانات عن الهجرة ذات العلاقة بالتغيرات المناخية

مع تصاعد قضية هجرة تغير المناخ كأحد التحديات العالمية، يظهر جليا أن هناك عددا من التحديات المعقدة التي تواجه توفير بيانات دقيقة وشاملة حول هذا النوع من الهجرة. هذه التحديات تتعلق بتعريف الهجرة، والتنبؤ بالتدفقات المستقبلية، وتحديد أسباب الهجرة، وجمع البيانات المحددة لهذه الظاهرة.

1ـ عدم وجود تعريف واضح: الأمر الأكثر تعقيدا عند التعامل مع هجرة تغير المناخ هو غياب تعريف دقيق واضح لهذا النوع من الهجرة. تتنوع المصطلحات والمفاهيم المستخدمة في الأدبيات والدراسات للإشارة إلى هذا المفهوم، مما يجعل توحيد الجهود وتبادل المعلومات أمرا صعبا.

2ـ الصعوبة في عزل العوامل البيئية: التحدي الثاني يكمن في صعوبة عزل العوامل البيئية عن دوافع الهجرة الأخرى. فالأسباب البيئية غالبًا ما تتداخل مع عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية، مما يجعل من الصعب تحديد العوامل البيئية كمحركات رئيسية للهجرة.

3ـ عدم التنبؤ الدقيق بالتدفقات المستقبلية: من أكبر التحديات التي تواجه تحليل هجرة تغير المناخ هو صعوبة التنبؤ بالتدفقات المستقبلية للمهاجرين بسبب التغيرات المناخية. تعتمد هذه التدفقات على العديد من العوامل المتغيرة، بما في ذلك التطورات المناخية وكمية الانبعاثات المستقبلية، وهو ما يجعل التنبؤ بالأعداد والأماكن التي قد ينتقل إليها المهاجرون صعبا.

4ـ تعقيد تغير المناخ: التحولات المناخية تعتبر تحديا معقدا بحد ذاته. فالأثر البيئي لتغير المناخ يمكن أن يؤثر على مجموعة متنوعة من الأماكن والمجتمعات بطرق مختلفة. يمكن أن يؤدي التغير المناخي إلى حدوث حوادث مفاجئة وبطيئة التطور، وهذا يجعل من الصعب توقع تأثيرها الفعلي على حركات الهجرة.

اقرأ المزيد: التنوع الغذائى هو الحل لمواجهة آثار التغير المناخي

5ـ ضرورة جمع البيانات المحددة: تجميع البيانات المتعلقة بالهجرة بسبب التغيرات المناخية يتطلب التركيز على جوانب متعددة. فإضافة إلى الأشخاص الذين يعبرون الحدود، يجب أيضًا مراعاة المهاجرين الداخليين الذين يتعرضون لنزوح داخلي بسبب الأحداث البيئية. علاوة على ذلك، يجب تقييم تأثير التحويلات المالية للمهاجرين على المجتمعات المتأثرة بشكل كبير بالتغيرات البيئية.

تظهر التحديات المعقدة لتوفير بيانات حول هجرة تغير المناخ أهمية تعاون الجهود الدولية لمواجهة هذه المشكلة. من المهم تحديد مفاهيم ومصطلحات موحدة للهجرة البيئية، وتوجيه جهود جمع البيانات نحو فهم أفضل لتأثيرات التغير المناخي وكيفية تأثيرها على حركات الناس. تحليل هجرة تغير المناخ يتطلب مزيدًا من الأبحاث والتعاون الدولي لمعالجة هذا التحدي المعقد بشكل فعال.

سبل تعزيز توفير بيانات قضايا الهجرة في سياق التغيرات المناخية والبيئية

تعيش البشرية حقبة من التحديات البيئية والمناخية التي تلقي بظلالها على حركات الهجرة عبر العالم. لذا، يجب أن نجد سبلًا لتوفير بيانات دقيقة وشاملة حول هذه القضية المهمة. وهذا عرض لبعض الخطوات التي  تسهم في توفير البيانات وتعزيز الوعي بقضايا الهجرة في سياق التغيرات المناخية والبيئية.

1ـ رصد اتجاهات الهجرة الداخلية: تعتبر الهجرة الداخلية نتيجة للتغيرات المناخية والبيئية تحديا كبيرا. يجب على الأجهزة الإحصائية في جميع أنحاء العالم تطوير مسوح أسرية تتبع اتجاهات الاسر المعيشية نحو الهجرة الداخلية. هذا سيمكننا من فهم ما إذا كانت هناك علاقة بين التغيرات المناخية وحركات الهجرة الداخلية والتخطيط للتكيف معها.

2ـ التعاون بين المتخصصين: من المهم جمع خبرات المتخصصين في علوم المناخ والبيئة مع الخبراء في مجال الإحصاء والهجرة. يمكن أن تساهم هذه الشراكة في تطوير منهجيات موحدة لرصد تأثيرات التغيرات المناخية والبيئية على قرارات الهجرة.

اقرأ المزيد: مخاطر التغيرات المناخية «كارثية» على مستقبل الأمن المائي والغذائي

3ـ إطلاق مبادرات لنشر الوعي: لزيادة الوعي بقضايا الهجرة في سياق التغيرات المناخية والبيئية، يجب على الأجهزة الإحصائية إطلاق مبادرات توعية ومن المهم أن يكون لدينا فهم شامل لتأثيرات هذه القضايا على الهجرة.

4ـ تطوير تعريفات ومنهجيات موحدة: تلعب اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة دورا مهما في تطوير تعريفات موحدة للهجرة في سياق التغيرات المناخية والبيئية. يجب أن يتم توحيد المصطلحات وتطوير منهجيات للرصد تمكن من تحليل البيانات بشكل موحد ودقيق.

5ـ الاستفادة من البيانات الضخمة: من أجل توفير بيانات دقيقة وشاملة، يجب استغلال البيانات الضخمة وتوجيه جهود التحليل نحو فهم أفضل للعلاقة بين التغيرات المناخية والهجرة. يمكن تطوير نماذج مبتكرة تسهم في رصد هذه الظاهرة بشكل أفضل.

6ـ وضع مؤشرات دقيقة: تعتبر مؤشرات أخرى مهمة لقياس تأثير التغيرات المناخية والبيئية على الهجرة. يجب وضع تصنيفات تخص المؤشرات المتعلقة بهذه القضايا ضمن أهداف التنمية المستدامة 2030. هذا سيوفر أدوات للأجهزةالإحصائية لرصد وتحليل هذه البيانات.

7ـ منصات إلكترونية لتبادل التجارب: تقديم منصات إلكترونية تمكن المهاجرين من نقل تجاربهم وسلوكياتهم المصاحبة للبيئة. هذا يمكن أن يسهم في نقل تلك التجارب الإيجابية وتشجيع التعاون العالمي  واتخاذ قرارات مستدامة.

اقرأ المزيد: وزير الري: نقص مواردنا المائية سيؤدي إلى موجة كبيرة من الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية

ختاما: إن تحقيق الوعي وتكيف المجتمعات مع قضايا الهجرة في سياق التغيرات المناخية والبيئية يعد تحديا هاما، ويجب أن يتعاون المتخصصون والمؤسسات الدولية لتطوير استراتيجيات وأدوات فعالة لجمع وتحليل البيانات وتوجيه السياسات نحو التكيف والتخفيف من تلك التأثيرات.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى