العوامل البيئية وعلاقتها بإنتاج المحاصيل
إعداد أ.د.صبحي فهمي منصور
أستاذ الأراضي بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة بمركز البحوث الزراعية
يقصد بكلمة البيئة هي المكان أو الوسط الذي ينمو فيه النبات، ويفضل تقسيم العناصر البيئية المؤثرة على إنتاج المحاصيل إلى عدة عوامل رئيسية حتى يسهل دراستها والاستفادة منها في إنتاج الحاصلات وهى: عوامل جوية، عوامل أرضية، عوامل حيوية، عوامل خارجية.
تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك
(أ)- العوامل الجوية: وتضم العوامل الجوية أو المناخية العديد من العوامل التي تكون في مجموعها المناخ أو الجو المحيط بالنبات وأهم هذه العوامل:
1ـ الحرارة: تعتبر درجة الحرارة من أهم العوامل الجوية التي لها تأثير هام على سير كل العمليات الفسيولوجية والحيوية في النبات، حيث لكل محصول مدى من درجات الحرارة يمكن أن ينمو فيه ولهذا المدى نهاية صغرى لا يمكن للنبات أن ينمو تحتها ونهاية عظمي لا يمكن للنبات أن ينمو فوقها وبين هذين النهايتين تقع درجة الحرارة المثلى أو المفضلة، حيث تصل سرعة نمو النبات أقصاها وفي هذا الإطار تنقسم المحاصيل إلى:
1ـ محاصيل الجو البارد أو المعتدل: كالقمح والشعير والبطاطس والكتان وبنجر السكر والبرسيم المصري.
2ـ محاصيل الجو الدافئ أو الحار: كالذرة بأنواعها والقطن والأرز والفول السوداني والقصب وفول الصويا والسمسم وعباد الشمس. يعتبر المحصول الشتوي هو الذي يقضي أغلب فترة نموه في فصل الشتاء، والمحصول الصيفي هو الذي يقضي أغلب فترة نموه في فصل الصيف.
2ـ الضوء: يعتبر الضوء من أهم العوامل التي تؤثر على نمو النبات حيث أنه المصدر الاساسي للطاقة وعملية التمثيل الضوئي وبدونه لا تستطيع الكائنات الحية المعيشة، وقد يكون الضوء في نفس الوقت عاملا محددا للنمو عند مستوييه الأعلى والأدنى. وكمية الضوء التي تصل الى النبات تحددها كلا من شدة الضوء وطول الفترة الضوئية.
يطلق على استجابة النبات للطول النسبي لكل من النهار أو الليل باسم الفترة الضوئية، وقد وجد أن لهذه الاختلافات في طول الليل والنهار تأثير كبير على توزيع وانتشار المحاصيل.
بعض المحاصيل تحتاج إلى أيام ذات نهار أطول من حد معين لكي تتم عمليتا الإزهار والإثمار بنجاح (كالقمح والشعير والبطاطس والبرسيم وبنجر السكر والكتان والأرز والذرة بأنواعها وقصب السكر وفول الصويا) ويطلق عليها محاصيل النهار الطويل ولو أنها تنمو خضريا في الأيام ذات النهار القصير.
هناك محاصيل أخري تحتاج إلى أيام ذات طول نهار أقل من حد معين لكي تزهر وتثمر وتسمى محاصيل النهار القصير كما يوجد أنواع أخرى من المحاصيل لا تتأثر كثيرا بطول النهار وتعتبر من هذه الناحية نباتات محايدة مثل (القطن – عباد الشمس).
3ـ الرطوبة الجوية: نجد أن نسبة الرطوبة الجوية لها تأثير كبير على كمية المياه التي تفقد من سطح الأرض بالتبخير مما يؤثر على نمو النباتات كما تزيد أو تقلل من سرعة عملية النتح في النبات، وبالتالي تؤثر على درجة النمو وذلك لشدة احتياج هذه النباتات إلى الماء الموجود في الأرض، حيث أن بعض أصناف القطن طويل التيلة تزرع في شمال الدلتا (البحيرة – كفر الشيخ- دمياط) نظرا لتوافر الرطوبة الجوية الملائمة لصفات التيلة الجيدة بعكس الأصناف (القصيرة نسبيا) والتي تتحمل جفاف الجو في محافظات جنوب مصر.
4ـ الرياح: تسبب الرياح أضرارا كبيرة للمحاصيل مثل رقاد النباتات وتساقط الأزهار أو منع الحشرات من أداء وظيفتها في تلقيح الأزهار، كما تعمل أيضا على نقل بذور الحشائش مثل بذور الجعضيض وغيرها بالإضافة إلى نقل جراثيم بعض الأمراض الفطرية (أمراض الصدأ بأنواعه المختلفة).
كما تنقل الرياح الشديدة أيضا كمية كبيرة من التراب والرمل الناعم مما يسبب انجراف الطبقة السطحية من التربة (الطبقة الخصبة) خاصة في المناطق الصحراوية والتي تسمي بالتعرية أي انجراف الطبقة السطحية من مكان إلى آخر.
يعمل المزارعون على تلافي تلك الأضرار كالاتي:
1ـ إقامة مصدات للرياح ثابتة كأشجار الكازورينا والكافور وغيرها حول الحقول.
2ـ إقامة حوائط مؤقتة من البوص أو سيقان الذرة (تزريب) بين خطوط نباتات المحصول المنزرع.
5ـ الأمطار: إن سقوط الأمطار وما تجلبه من مياه عذبة صالحة لنمو النباتات من أهم العوامل الجوية التي تؤثر على توزيع ونمو المحاصيل في العالم، حيث أن زراعة 90% من مساحة المحاصيل في العالم تعتمد على سقوط الأمطار وفي مصر تسقط بعض الأمطار الشتوية على الساحل الشمالي الغربي بالسلوم ومطروح أو الساحل الشمالي الشرقي بسيناء, وهذه الأمطار لا تكفي للإنتاج النباتي بل لابد من توافر مصدر آخر للري التكميلي, لكن هذه الأمطار يمكنها أن تساعد في نمو بعض العلفيات الحولية أو المستديمة الخضرة (مراعي طبيعية) كما في الساحل الشمالي الغربي والتي يعيش عليها أكثر من نصف مليون رأس من الأغنام والماعز.
من أهم المحاصيل المزروعة في هذه المناطق على مياه الأمطار (الشعير -البرسيم الحجازي والدحريج والنفل والقطف).
(ب)- العوامل البيئية الأرضية:
يتركز نمو جذور النباتات في الطبقة السطحية من الأرض حيث تستمد منها احتياجاتها من الماء والعناصر الغذائية، كما تتخذ الجذور من الأرض وسطا تثبت نفسها به ومكانا تنمو فيه المحاصيل الدرنية والجذرية. ويعتبر المجموع الجذري لأي نبات جزء لا يستهان به حيث التفريعات الثانوية المختلفة التي تجعل مساحة السطح المعرض من المجموع الجذري للظروف البيئية كبير جدا قد تتساوي أو تزيد عن سطح المجموع الخضري للنبات رغم أن المجموع الجذري يمثل حوالي ربع النبات بالكامل.
تتكون الأرض من مواد معدنية (حصي صغير – حبيبات الرمل. السلت – الطين) ومواد عضوية (الدبال) ناتجة من تحلل بقايا النباتات والحيوانات وتترتب المواد المعدنية والعضوية في تركيب محدد بالإضافة إلى الماء الذي يحيط بجزيئات المواد المعدنية والعضوية والهواء الذي يشغل الفراغات الخالية بين التربة والماء وكذلك الكائنات الحية الدقيقة. ومكونات التربة المتوسطة القوام هو عبارة عن 40% مواد معدنية و25% ماء و25% هواء و10% مادة عضوية.
تعريف التربة الزراعية: عبارة عن الطبقة السطحية المفككة من الأرض والتي تأثرت بعوامل التجوية والتي تتم فيها عمليات الخدمة قبل الزراعة بغرض تهيئة مرقد ملائم للبذور والمجموع الجذري.
الخواص الطبيعية للأرض:
قوام التربة (soil texture): يقصد به درجة نعومة أو خشونة حبيبات الأرض وتطلق مسميات مختلفة على الحبيبات الأرضية (الجزء المعدني) حسب أحجامها، حيث تتراوح أحجام حبيبات الرمل الخشن من 2 – 0٫2 مم والرمل الناعم من 0٫2 – 0٫02 مم والسلت من 0٫02 – 0٫002 مم بينما يقل قطر حبيبات الطين عن 0٫002 مم.
يعتبر قوام التربة صفة اساسية للارض وتحدد الى حد بعيد القيمة الاقتصادية للارض ولا يمكن تغييره بسهولة، حيث يحدد قوام التربة الى مدى بعيد كثيرا من خواصها الطبيعية مثل (معدل رشح الماء – حركة الماء الشعرى – قوة حفظ التربة للماء والتهوية – قوة التماسك – ودرجة الحرارة بها كذلك إمداد النبات بالعناصر الغذائية…الخ).
1ـ قوة حفظ التربه للماء
تتوقف كمية الماء التى تحتفظ بها التربه على مساحة السطح الكلى لحبيباتها حيث كلما زادت مساحة السطوح كلما زادت كمية الماء المحفوظ والعكس صحيح وعلى ذلك فالاراضى الطينية لها قوة حفظ للماء اكبر من الاراضى الرملية.
2ـ التمدد والانكماش: خاصيه تتمتع بها الاراضى التى تحتوى على نسبة عالية من الطين والغرويات التى تتمدد بالابتلال وتنكمش بالجفاف ويرجع ذلك الى:
ا- غرويات ارضية وتشمل ( غرويات عضوية – غرويات معدنية (الطين).
ب- الاغشيه المائية: حيث كلما زادت الاغشية المائية كلما قلت القوة الممسوكة بها هذه الاغلفة مما تسمح لحبيبات التربة الغرويه بالتمدد وعند الجفاف يتبخر الماء من الغرويات ويقل سمك الاغشية المائية فتنجذب الحبيبات وتقترب من بعضها البعض ونتيجة لظاهرتى التمدد بالانتلال والانكماش بالجفاف تظهر الشقوق بالتربة وهذه الشقوق لهل منافعها ومضارها.
منافع الشقوق:
1ـ تعمل على تحسين تهوية التربة.
2ـ تساعد على سرعة رشح الماء مما يساعد على غسيل الأملاح الذائبة.
3ـ تساعد على انتقال جزء من التربة الخصبة من على السطح الى منطقة اسفلها مما يزيد من مجال انتشار الجذور.
4ـ يعمل الانكماش على تقارب حبيبات التربة مما يساعد على تكوين تجمعات التربة.
مضار الشقوق:
1ـ تقطيع جذور النباتات.
2ـ فقد العناصر الغذائية مع الماء الراشح خلال الشقوق.
3ـ زيادة كمية المياه اللازمة لاعادة الارض الى حجمها الاول.
التماسك Consistency
يرتبط التماسك فى التربه بعدد نقاط التلامس بين الحبيبات وترجع هذه إلى:
(Adhesion أ- التجاذب بين حبيبات التربة وجزيئات الماء او ما يسمى التلاصق (Cohesion).
ب- التجاذب بين جزيئات الماء وبعضها لتكوين الاغلفة المائية.
أهمية خاصية التماسك من الوجهة الزراعية
1ـ تحدد البيئة الصالحة لتثبيت الجذور.
2ـ تحدد نوع عمليات الخدمة المطلوبة.
العوامل التى تتوقف عليها مقدار التماسك:
1ـ نوع الحبيبات السائدة.
2ـ وجود المواد اللاحمة (معدنية أو عضوية).
3ـ حجم الأغشية المائية.
تقاس قوة التماسك: بمقدار القوة اللازمة لكسر قالب من التربة مساحته 1سم2 او بمقدار القوة اللازمة لفع عمود من الصلب ذو مقطع معين داخل التربة.
عيوب شدة التماسك في الأراضي الطينية
1ـ صعوبة اجراء عمليات الخدمة.
2ـ صعوبة نمو البادرات لصعوبة رفع غطاء التربة.
3ـ صعوبة اختراق الجذور للتربة.
4ـ زيادة تكاليف عمليات الخدمة.
ـ العلاج: العمل على تقليل تماسك هذه الاراضى عن طريق تقليل نقط التلامس عن طريق تجميع الطين المتفرق وتشجيع البناء الارضي.
الليونة Plasticity
هى امكانية تشكيل التربة عند احتوائها على كمية مناسبة من الرطوبة وترجع ما تحتويه التربة من مواد غروية (عضوية او معدنية) (تختلف الليونة على حسب نوع معدن الطين لاختلاف نوع الكاتيون السائد على سطح الطين فنجد ان الصوديوم يزيد من قيم الليونة اكبر من الكالسيوم وهذه الخاصية هامة جدا عند اجراء عمليات الخدمة فعند اجرائها فى وجود نسبة رطوبة عالية فإن التربة تتعجن مما يتلف بنائها ويفسد تهويتها اما اذا كانت الرطوبة اقل من اللازم فتكون الارض شديدة الصلابة مما يصعب من خدمتها.
5ـ حرارة الابتلال: عند ابتلال التربة تنفرد منها طاقه حرارية ترتبط بالنشاط السطحى لحبيبات التربة تعرف بحرارة الابتلال وتعتبر المواد الغروية والاسطح النشطة هى المسئولة عن كمية الحرارة المنطلقة غذائية وكذلك سرعة تحلل المادة العضوية بها.
(۲) بناء التربة:
يقصد به نظام تراص وترتيب وتجاور حبيبات التربة وقد تكون حبيبات التربة بسيطة أو منفردة كما في الطبقات السطحية من الأرض الرملية وتسمي في هذه الحالة أرض عديمة البناء, أما الأراضي الطينية فتلتصق حبيبات الطين ببعضها بواسطة المواد العضوية مكونة حبيبات كبيرة، والبناء الجيد هو الذي تكون حبيبات التربة فيه متجمعة في حبيبات مركبة مما يعمل على وجود فراغات بينية تساعد على حركة الماء والهواء بسهولة وامتصاصها للحرارة والاحتفاظ بها ونمو الأحياء الدقيقة.
يؤدى تكوين البناء الارضي الى تعديل نسبة المسافات البينية فى التربة وبذلك تغير من خواص التربة المائية والهوائية والحرارية وكذا كثافتها الظاهرية (يمكن تغيير البناء خاصة فى الطبقة السطحية بالطرق الميكانيكية، حيث ان عمليات الحرث والعزيق والتمشيط تعمل على تفكيك تماسك حبيبات التربة عكس عمليات التزحيف والتلويط).
(ج)- العوامل الحيوية:
تشمل الكائنات الحية الدقيقة وكذلك حيوانات التربة من ديدان وغيرها وكلها تلعب دورا في نمو وإنتاج المحاصيل سواء كانت المفيدة أو الضارة منها، حيث توجد بعض هذه الكائنات في الأرض بالبلايين وحجمها صغير جدا ولا ترى إلا تحت الميكروسكوب وتشمل الطحالب والفطريات والبكتريا ويعود دور هذه الكائنات في عملياتها الحيوية بفوائد هامة على المحصول.
(د) العوامل الخارجية وتشمل:
1ـ العوامل السياسية: تتجه الدولة في حالة السلم للتوسع في زراعة المحاصيل التصديرية (كالقطن – الأرز-البصل – الفاكهة – الخضر) حتى تتمكن من توفير العملة الصعبة لاستخدامها وتوجيهها إلى الصناعات المختلفة، أما في حالة الحرب فتتجه البلاد إلى إنتاج الحاصلات الغذائية لتوفير الغذاء للسكان لتفادي أي نقص في المواد الغذائية نتيجة أي حصار قد يحدث للبلاد.
2ـ العوامل الاقتصادية: تشجع الدولة المزارع للتوسع في زراعة محاصيل الحبوب على حساب محاصيل الأعلاف كما تتجه إلى عدم التوسع في زراعة محصول الأرز وذلك لتوفير المياه وتوجيهها إلى التوسع الأفقي في الأراضي الجديدة, ويتم ذلك عن طريق السياسة السعرية أو الغرامات لتحقيق أهدافها.
3ـ العوامل الاجتماعية: تؤدي العوامل الاجتماعية دورا هاما في زيادة أو نقص أو منع زراعة بعض المحاصيل فمثلا تقوم الدولة بمنع زراعة المحاصيل المخدرة كالدخان والخشخاش وغيرها وذلك لحماية السكان من تأثيراتها الضارة.