الذكرى الـ14 لوفاة العالم الدكتور أحمد مستجير
بقلم: د.محمد علي فهيم
وكيل المعمل المركزي للمناخ الزراعي ـ مركز البحوث الزراعية
بعد أسابيع تحل علينا الذكرى الـ14 لوفاة العالم الفذ الجليل أ.د/ أحمد مستجير … ابو الهندسة الوراثية – مزارع الفقراء – بحار في بحور العالم – عالم علم السعادة – العالم الاديب – عالم الوراثة الشاعر العبقري – العالم الذي غواه الشعر – وكثر الكثير … عالم جليل تخصص في الهندسة الوراثية.
حقق العديد من الإنجازات والاكتشافات التي خدمت بلاده وأمته، آمن بدور العلم في إسعاد الفقراء، وحل المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتهم بالعلم الذي امتلك ناصيته، وهو أيضا الأديب والشاعر ذو الحس المرهف والأسلوب المميز، صاحب الدواوين والكتب التي وضع فيها عصارة فكره وخلاصة جهده في مجال الأدب والشعر، وهو أيضا الإنسان صاحب المواقف الوطنية والإنسانية المشرفة الذي عشق بيئته وانطلق منها إلى فضاء العلم إنه العالم المصري الدكتور أحمد مستجير الذي عرف نفسه قائلا “أنا في الحق موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري، أجلس على شاطئ وأستعذب التأمل في الآخر.. وأعرف أن الفن أنا، والعلم نحن، ذبت في الـ نحن وأحن إلى الأنا، وأعرف أن الفن هو القلق وأن العلم هو الطمأنينة؛ فأنا مطمئن أرنو إلى القلق” رحم الله العالم الجليل الفذ الأستاذ الدكتور أحمد مستجير … وجعل علمه “صدقة” جارية فى ميزان حسناته … وللمتابع بعض الملاحظات:
– من خلال سيرة هذا العالم ونتائج ابحاثه في علوم الوراثة وعلوم الحياة وتوقف الاهتمام بها او تجاهلها … عرفنا كيف تم “اندثار” الحضارة الفرعونية وانقطاعها عن الحياة فى مصرنا المحروسة … اتاريها جينات الأهمال واللامبالاه من قديم الزمان.
– اين هي مدرسة “مستجير” ولماذا لم يستكمل تلاميذه ما بدءه او توصل اليه من مسائل علمية وتطبيقية؟؟
– لماذا لم تستغل كلية الزراعة جامعة القاهرة هذه المدرسة لتطبيق بحوثها على أرض الواقع رغم ان دولا وجامعات ومؤسسات دولية قامت بذلك وواصلت تطوير ما بدءه؟
– انا قرأت له ترجمته “للربيع الصامت” وتصرفه فيه باسلوب أدبي رائع .. وهنا اتوقف عند كتاب “الربيع الصامت” Silent Spring الذي يعتبر أثر كلاسيكي في مجاله، يعتبره أرباب الاختصاص من الكتب التي غيرت مجرى التاريخ. تنتمي مؤلفة هذا الكتاب “راشيل كارسون” إلى نفر من العلماء الواقعيين والمدربين أحسن تدريب في حقل اختصاصهم. وفضلاً عن ذلك، فهي تمتلك بصيرة الشاعر وحسّه المرهف.
في هذا الكتاب استجابت كارسون لنداء الطبيعة بمسحة عاطفية، فكان له أصداؤه في حمل الحكومات على إحداث تغيرات جذرية في سياستها تجاه البيئة. لقد لعبت كارسون دوراً هاماً وحاسماً من خلال كتابها هذا في إطلاق حركة حماية البيئة والحفاظ عليها من التلوث والاندثار.
لم يقتصر الأمر على حركات أنصار البيئة فحسب، بل تعدى ذلك كله إلى قيام علم البيئة Ecology، حتى صار موضوع البيئة وحمايتها ودراستها والاهتمام بها يؤلف جزءاً من الذخيرة اللغوية لدى كل فرد من الناس. حيث قالت…. (كم أخاف أن يأتي الربيع القادم صامتاً بلا طيور تغرد في الغابة، وتعج الصحراء بالجراد ويتشوه منظر النجوم والقمر) راشيل كارسون .. هل سيكون هناك ربيع صامت جديد مثل ربيع عالمة الأحياء راشيل كارسون وهو الربيع الأسود الذي حذرت منه في كتابها؟ (الربيع الصامت) ليس قصة للاستئناس في قرائتها والإنسان مستلق على الأريكة الوثيرة، وليست من كتب الخيال والقصص العلمية، إنه كتاب ثقة منذر ومنبه استقبلته حركات انصار البيئة في كل مكان في العالم بفرح.
لكن في زمن كان العالم فيه نائما حيث لم تكن هناك في القواميس مفردات كـالتلوث أو البيئة بمدلولاتها الحالية، كانت البيئة غير منظورة للناس، حتى جاء الطوفان الذي نشاهد بداياته الآن، البحار تنقلب في ربع دائرة الأرض، العواصف تتكاثر وتزداد عنفا، الأمطار تتساقط في مكان وتشح في امكنة أخرى كل هذه علامات نهاية العالم.
– الان في مصر لدينا ليس ربيعاً صامتاً بل ربيعاً وصيفاً وخريفاً وشتاءاً … انه جنون واستهتار بهذا البلد … القادم اسوء بكثير وسوف تتقلص الاختيارات جدا … عشوائية وتسيب ولامبالاه يرقى لدرجة الاجرام في حق هذا البلد وحق ساكنيه ومستقبل اجياله … تذكرو معي جيداً مقولة راشيل كارسون “فتعود الحشرات والأمراض لترث الأرض”.
وأعود مرة أخرى إلى عالمنا ” أبو المزَارع” رائد علم الهندسة الوراثية فى مصر والعالم … ولد مستجير في ديسمبر 1934 بقرية الصلاحات بـمحافظة الدقهلية وتوفي في 17 أغسطس 2006 عن عمر يناهز 72 عاماً في أحد المستشفيات في النمسا بعد إصابته بجلطة شديدة في المخ … «مستجير» كان يرى أن «البيوتكنولوجيا» أو التكنولوجيا الحيوية، يمكنها إسعاد الفقراء، ومن خلالها يمكن للعالم زراعة الأنسجة ودمج الخلايا بالهندسة الوراثية، وإنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير، والبشر يعتمدون فى غذائهم على القمح والأرز.
من هنا بدأ د. مستجير فى استنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل الملوحة والجفاف، لسد فجوة الغذاء. مشروع «زراعة الفقراء»، أحد أبرز إنجازات «مستجير»، الذى بدأ العمل فيه عام ١٩٨٩ بمساعدة عدد كبير من المتخصصين فى مجال الزراعة، لاستنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل درجات عالية من الملوحة والجفاف بهدف الاستفادة منها فى زراعة الصحراء فى الدول النامية.
استفادت دولة الهند من أبحاث «مستجير» حول زراعة القمح بواسطة مياه البحر مباشرة دون تحليتها، ولم تضف لها كثيرا، وتحولت من دولة مستوردة للقمح حتى منتصف التسعينيات، إلى مصدرة له عام ٢٠٠٤ بعد أن حققت الاكتفاء الذاتى لشعب قوامه 1.8 مليار نسمة. للدكتور مستجير إسهامات علمية بارزة عادت على المجتمع بالخير، فقد لعب دوراً كبيراً فى تطوير زراعة القمح والتصدى لأخطار تلوث البيئة، وقدم أكثر من أربعين بحثاً علمياً فى مجال إنتاج الألبان واللحوم والدواجن والوراثة الحيوانية، كما قام بتهجين الأبقار بأنواع أجنبية، مستخدماً تكنولوجيا التلقيح الصناعى بالسائل المنوى المستورد، ما يؤدى لرفع إنتاجية اللبن واللحم. أثرى المكتبة العلمية بالعديد من المؤلفات فى الهندسة الوراثية، منها:
ـ مقدمة فى علم تربية الحيوان ـ دراسة فى الانتخاب الوراثى فى ماشية اللبن ـ كتاب فى التحسين الوراثى لحيوانات المزرعة ـ كتاب فى النواحى التطبيقية فى تحسين الحيوان والدواجن ـ المشاكل الفلسفية للعلوم النووية ـ الربيع الصامت ـ صراع العلم والمجتمع ـ وصناعة الحياة ـ التطور الحضارى الإنسانى ـ طبيعة الحياة ـ البذور الكونية ـ هندسة الحياة ـ لغة الجينات ـ الشفرة الوراثية للإنسان ـ الجينات والشعوب واللغات.
رحم الله العالم الجليل … وللدكتور مستجير مشروعات أخرى تغير معالم الاقتصاد والأمن القومي ولكنها حبيسة الأدراج . منها مشروع ملاحات كنج مريوط يزرع بالأرز الطافى وهو الذى يتم زراعته فى الفلبين واليابان وبعض دول شرق أسيا و بعد الزراعة بأيام يحدث فيها التجذير أى خروج الجذور ونمو النبات يتم إلقاء زريعة سمك وبعد بداية نمو الأسماك بنسبة ليست كبيرة يتم إدخال البط وتربيته على المسطح المائى.
تلك أقل من خطوط عريضة فالمشروع ضخم جدا ويوفر الأرز والأسماك والبط مع تقليل الحاجة لتسميد الأرز بدرجة كبيرة لأنه سوف يتم تسميده من فضلات السمك والبط تسميد حيوى سليم ومباشر وذلك يمنع تكاثر الطحالب زيادة عما يلزم كونها هى الغذاء لزريعة السمك، يعنى توفير حوالى 75% من تسميد الأرز وتوفير نفس النسبة تقريبا من غذاء السمك وحوالى 40% من غذاء البط.