تحقيقات

مليون و400 ألف طن أسماك من الاستزراع السمكي مهددة بالخروج من الإنتاج

كتب: هيثم خيري شهد عام 2018 هزة عنيفة للثروة السمكية وأصحاب المزارع ومصانع الأعلاف في مصر، بالتوازي مع جهود الدولة لتطوير البحيرات الشمالية وبث الروح في أحيائها المائية مجددا.. مصدر الهزة العنيفة هو خروج العديد من المنتجين في مجال الاستزراع السمكي من العملية الإنتاجية بالكامل، نتيجة للكثير من الأزمات التي لاحقت أصحاب المزارع وصناعة الأسماك على مدى السنوات الماضية، وفي مقدمتها زيادة القيمة الإيجارية على المزارع بصورة غير مسبوقة، وإزالة مئات من الأقفاص السمكية.

في ظروف غير ملائمة للاستزراع السمكي، وفرض ضرائب على صادراتنا من الأسماك ربما لأول مرة في تاريخ الاستزراع، عقد الاتحاد التعاوني للثروة المائية حلقة نقاشية موسعة حول “السياسات المؤثرة في استدامة أنشطة الاستزراع السمكي في مصر”، ضمت جميع أطراف العملية الإنتاجية في مصر، بمشاركة اللواء حمدي بدين، رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية للثروة السمكية والأحياء المائية، والدكتورة منى محرز، نائب وزير الزراعة لشئون الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية، وممثلي مصانع الأعلاف وأصحاب المزارع السمكية، وبالطبع اللواء محمد الفقي، رئيس الاتحاد التعاوني للثروة المائية الذي أدار الحلقة النقاشية.. في السطور التالية ننقل لكم وقائع النقاشات التي دارت، وإعلان وزارة الزراعة استجابتها لمطالب منتجي الأسماك بإنشاء مجلس للثروة السمكية يتبع الجهاز الحكومي للدولة بشكل مباشر.

جهود الاستزراع السمكي

مليون و400 ألف طن تنتجها مصر من الاستزراع السمكي.. هل تحقيق هذا الرقم الضخم كان سهلا؟ بالطبع لا.

اللواء محمد الفقي، رئيس الاتحاد التعاوني للثروة المائية أوضح أن الاستزراع بدأ في مصر عام 1982 بجهد عظيم واستثمارات ضخمة، في ظل حالة من عدم الاستقرار لا نزال نعيشها حتى الآن، ورغم الخوف أنتجنا أكثر من 80% من الثروة السمكية في مصر ونحو 300 ألف طن من المصايد الطبيعية بما فيها النيل والبحرين المتوسط والأحمر والبحيرات، ودون الاستزراع السمكي كنا اشترينا الأسماك في هيئة كبسولات من الصيدليات، ومعنى هذا أن الجميع عمل على تلبية احتياجات مصر محليا، من مصانع أعلاف ومنتجين وباحثين عملوا جميعا لإنماء هذا القطاع الحيوي.

أزمات تلاحق القطاع

يعرض الفقي المشكلات الراهنة قائلا: “في عام 2018 جاءت هجمة على أصحاب المزارع في هيئة مجموعة من الإزالات، بالطبع يحق للدولة أن تزيل المزارع المخالفة ولكن بالعقل، لأنها أزالت 200 ألف طن استزراع سمكي في المقام الأول قبل أن تزيل المخالفات، ثم جاءت هجمة أخرى بزيادة الرسوم على التصدير، ثم هجمة أخرى بزيادة سعر الكهرباء وتقريبا جميع مدخلات الإنتاج، ولذا استشعر الاتحاد الخطر، فبدأنا نجمع القطاع بالتعاون مع هيئة “كير” الدولية، للاجتماع في هذه الحلقة النقاشية.

واختتم الفقي بالقول: لو استمرت الدولة على هذا النهج، “المزارع السمكية مش هاتكمل وهاتخسر”.

الدكتورة منى محرز، ألقت الكرة في ملعب المنتجين المشاركين في الحلقة النقاشية فقالت: مطلوب منا أن نقدم خطة واضحة لزيادة إنتاجنا من الأسماك بكل مقوماته وأنشطته، هناك مشروعات قومية ضخمة سواء بركة غليون أو قناة السويس، ومن يريد أن يتحدث عن الاستزراع السمكي بمختلف مراحله يزور بركة غليون، باعتباره نموذجا متفردا في مصر، من أحواض سمكية لمصانع فوم وتجهيزات ضخمة ومعامل ومصانع في غاية الأهمية.

ووجهت حديثها إلى أصحاب المزارع ومصانع الأعلاف والمفرخات قائلة: “مش عاوزين حد ينتج وهو قلقان، اللي بيزرع السمك في الصحراء يحصل على رخصة، ويتم تقنين أعماله، سواء من قبل هيئة التعمير صاحبة الولاية على الاراضي الصحراوية، أو وزارة الري التي تضع المقننات المائية، أو غيرها من الجهات، خاصة وأن الاستدامة في الإنتاج السمكي سواء الصيد أم الاستزراع يجب أن يكون لها ضوابط، ويجب أن تكون مستقرة.

وتعهدت بحل مشكلة رسوم التصدير التي فرضت مؤخرا على صادرات الأسماك، حيث تقرر إرسال خطاب لوزارة الصناعة لإلغاء الرسوم على الصادرات، خاصة وأننا نصدر الآن لمعظم البلدان العربية باستثناء المملكة العربية السعودية لوجود نقاط خلافية على نظم التربية السمكية في مصر، في النهاية فالمعامل المعتمدة هي التي نحتكم إليها. كما تعهدت بالإسراع في تعديل قانون الصيد والاستزراع السمكي، ووضع منظومة للاستزراع السمكي بحيث يعمل المنتجون وهم يملكون تراخيص واضحة في ظل نظام عمل مستقر وليس تحت التهديد، لأن الحكومة تسعى في النهاية لحث المستثمرين على العمل وضخ أموالهم في ظل وضع استثماري آمن.

نقطة ضوء في “غليون”

وتناول اللواء حمدي بدين، جهود القوات المسلحة في تحقيق الأمن الغذائي من البروتين السمكي قائلا: حين تلقينا تكليفات وشرفنا بالتداخل مع هيئة الثروة السمكية للإنتاج دخلنا في هذا المجال بتعاون صادق مع وزارة الزراعة ممثلة في هيئة تنمية الثروة السمكية، لنقل الخبرات إلى لقوات المسلحة، فهذه الصناعة كانت جديدة علينا وكان حتميا أن نبدأ في التعاون مع جميع الأطراف العاملة في هذا المجال، وبناء عليه أنشأنا الشركة الوطنية للثروة السمكية في عام 2015، وكانت البداية برفع كفاءة بحيرة البردويل، ونحن الآن بصدد استكمال تطوير بحيرة البردويل بالأساس، من منطق اهتمامنا بالمواطن السيناوي وتنمية المنطقة، بالاضافة إلى الحفاظ على البحيرات المصرية بالكامل وإعادة تأهيلها كمصايد طبيعية، وكان الهدف الأساسي من كل هذا هو سد الفجوة الغذائية وتقليل الاسيتراد، حيث كنا نستورد من 350 ألف طن إلى 400 ألف طن سنويا من الأسماك بدأت تنخفض هذه النسبة ووصلت إلى 300 ألف طن فقط تمثلها الفجوة الغذائية من الأسماك.

وأفاد بأن أول وأهم التحديات التي واجهتنا هي ندرة المياه نظرا لزيادة عدد السكان في ظل محدودية المصدر المائي، وحصة المياه التي لا تزيد، وبالتالي استعنا بخبرات هيئة الاستشعار عن بعد والثروة السمكية لإقامة مشروعات في أماكن لا يمكن تنميتها عمرانيا أو زراعيا، والمناطق التي تم اختيارها مثل بركة غليون ومثلث الديبة وشرق التفريعة ومنطقة أخرى في البحر الأحمر، لم تكن لتنهض إلا بالاستزراع السمكي.

وحول طبيعة عمل مشروع بركة غليون، أكد أنها كانت تعتبر من المناطق التي يستحيل إعمارها أو زراعتها وكانت تخضع لقوات حرس الحدود وممنوع الصيد فيها، فهي أرض سبخية لا تصلح لأي من صور التنمية، وعملنا في المنطقة وجعلناها مشروعا تكامليا الهدف منه إنشاء مدينة سمكية متكاملة تضم مصانع فوم وعلف وحتى الأجولة و”فيش ميل” وثلج، حتى تعمل جميعا في منظومة واحدة.

وتابع اللواء حمدي بدين، قائلا: “في البداية لم يكن لدينا أي معلومات أو وثائق بشأن هذه المنطقة، وأمدتنا هيئة الثروة السمكية بمهندسين لتأسيس مرجع متكامل عن طبيعة المنطقة وكيفية تنميتها والمصانع التي تحتاج إليها واحتياجاتنا الفعلية في مصر، فسافر وفد من القوات المسلحة بصبحة خبراء الثروة السمكية إلى الصين وحصل الجميع على دورة تدريبية هناك شملت عمليات التفريخ، وفهمنا جيدا احتياجاتنا، حتى انتهينا إلى وضع كتيب كامل يشمل مواصفات المصانع وما الذي نحتاج إليه تحديدا وما الذي سنستورده وما هو متوافر محليا. مضيفا: الشركة الوطنية للثروة السمكية ليست بمنأى عن السوق، بل هي داخل الصناعة، ولو لم يكن هناك تعاون بين المنتجين والشركة وكل المعنيين والمسئولين في الدولة لن نستطيع العمل سويا والبناء من أجل بلدنا.

وتحدث “بدين” بالأرقام عن إنتاج المشروع بعد نحو عام من تأسيسه قائلا أن المزرعة تضم 654 حوض جمبري أصبح ينتج الآن طبقا للمعدل بالضبط، من 700 إلى 800 كيلو في الحوض الواحد، أما أحواض البلطي فقد تراوحت إنتاجية الحوض الواحد بين 18 و19 طن، مع العلم أنه أول إنتاج لها.
ووجه بدين حديثه إلى ممثلي وزارتي الزراعة والري قائلا: لو خلت مياه الصرف الزراعي من المبيدات “هاتبقى رحمة”، ووجودها بهذه الكثافة يعني كارثة كبرى، فـالمبيدات يتم رش المحاصيل بها تبعا للمواسم، مثل آفة القطن، ولو أمكن دراسة الآفات الزراعية والمبيدات وتقليل كميات المبيدات التي يتم رشها في الأراضي ووضع بدائل لها لتعظيم الاستفادة من مياه الصرف الزراعي في الاستزراع السمكي سيحقق معدلات تنمية عالية وقيمة مضافة، لذا يجب مراجعة أنفسنا حتى لا نؤذي الأراضي والمياه.

وأوضح اللواء حمدي بدين، أن الكثير من المصانع تضر بالبيئة ومياه الري بصورة كبيرة، حيث تحصل المصانع على تراخيص التشغيل طبقا للمعايير البيئية وتجتاز شروط السلامة البيئية ولكن لا تنفذها، وبالتالي تلقي مياه الصرف الصناعي في البحيرات مثل ما حدث في بحيرة قارون، وأصبحت مليئة بمياه الصرف الصناعي والآدمي، لذا يجب أن نرى الداء جيدا ونقوم بتشخيصه ونضع علاجا ناجعا له.

وحول حملات إزالة المزارع، قال بدين إن المزارع التي تم إزالتها لم يكن وضعها قانونيا بالكامل وكانت مخالفة.

تشريح الأزمات

وتحدث الدكتور أحمد عبدالوهاب برانية، أستاذ الاستزراع السمكي، بالورقة والقلم عن أوضاع المزارع السمكية الآن، قائلا أنها أكبر مصدر للإنتاج السمكي في مصر، ويقدر نصيب الفرد بحوالي 18 كجم سنويا منها 15 كجم من المزارع السمكية، وتساهم المزارع في تقليل الاستيراد بالطبع، ويوفر القطاع 150 ألف فرصة عمل طبقا لتقديرات المركز الدولي للأسماك، ولعبت الأسواق الشعبية دورا مهما في ضبط الأسعار، خاصة أسماك البلطي، ومنذ بداية عام 2018 أصبح من الواضح أن هناك تراكم للعديد من التحديات وعليه فيجب وضع تصور برؤية مشتركة بين واضعي السياسات وأصحاب المصلحة لاستمرارية هذا القطاع، وهو الهدف من عقد هذه الحلقة النقاشية، وليس المطلوب هو عرض المشاكل وإنما طرح آليات لمواجهتها، وتتمثل في إزالة المزارع السمكية بدون تخطيط، والمطلوب وضع خطة مسبقة وواضحة وليست مفاجئة في حال ضرورتها، والاستخدام الأمثل للمياه، ومشكلة الضرائب الجزافية على المزارع، ووضع آليات لإنشاء مزارع الأسماك في مصر، وإلغاء القيود على تصدير الأسماك، والاشتراك مع الهيئات المانحة لتقديم العون اللازم لتحقيق التنمية المستدامة للقطاع، وإنشاء مجلس أعلي للثروة السمكية لوضع السياسات الخاصة بتنمية القطاع يضم في عضويته جميع الجهات ذات العلاقة.

الاستزراع وتحديات المياه

الدكتور أحمد نصر الله، تحدث في هذا المحور قائلا إن 85% تقريبا من حصة مصر من المياه تستخدم في الزراعة، وتضغط الزيادة السنوية السكانية على الموارد المائية، بالإضافة لمشكلة التلوث والتغيرات المناخية التي تمثل ضغطا محتملا على الحاجة للمياه، في ظل طلب متعاظم على المياه وبالتالي يجب تعظيم الاستفادة منها.

وتطرق لمميزات الاستزراع المكثف وشبه المكثف، قائلا إنه لا يتطلب تغيير المياه أثناء موسم التربية، ومضاعفة الإنتاجية لوحدة المساحة، ويمكن تطبيق إجراءات الأمان الحيوي، والاستفادة من مخلفات الاسماك في التسميد وإنتاج الميثان، وجودته تتطابق مع شروط التسويق، أما العائد على استخدامات المياه في المحاصيل في ظل النظام المكثف وشبه المكثف يوازي الفاكهة في الجدوي الاقتصادية.

تقنين الحيازات وطرح البدائل

وحول تقنين حيازات أراضي الاستزراع، تحدث المهندس أحمد الشراكي، عضو الاتحاد التعاوني للثروة المائية وأحد كبار مستزرعي الأسماك، فقال: لو عرفنا قيمة الاستزراع السمكي في مصر لوصلنا إلى حل كثير من المشكلات المحيطة به.. مصر بلد فقيرة جدا في المصادر الطبيعية للأسماك، فالبحر المتوسط أوشك على أن يصبح صحراء سمكية، وفقا للآخر تقرير صادر عن منظمة “الفاو”، حيث يذكر أن البحر المتوسط أصبح من أكثر المصايد الطبيعية من حيث عدم استدامة الثروة السمكية على كوكب الأرض، كما أن البحر الأحمر يصعب الصيد فيه بسبب الشعاب المرجانية والسياحة التي تحجم عمليات الصيد، ثم البحيرات المصرية والتي يتصور الكثير من المتابعين وأصحاب القرار والإعلاميين أن تحسين الظروف في البحيرات وتطهيرها يعني ببساطة حل مشكلة الأسماك في مصر والاستغناء عن المزارع السمكية، وأن تطوير البحيرات يعني أن مصر ستنتج أضعافا مضاعفة من الأسماك، وهذا الكلام للأسف غير حقيقي، فالمصايد الطبيعية في العالم كله تنخفض إنتاجيتها، وقد توقف النمو في المصايد الطبيعية في العالم كله منذ منتصف السعبينات وإلى الآن، بل إنه انخفض 2 مليون طن عالميا عما كان في السابق، والسبب في زيادة زيادة الثروة السمكية عالميا هي المزارع السمكية، حتى وصلت إلى 53% من المزارع.

وأوضح أن الغرض من الدعوة لتطوير المزارع وزيادة اهتمام الدولة بها ليس زيادة الإنتاج، وإنما حتى لا يقل الإنتاج وبالتالي يزداد الطلب على الاستيراد، لذا فلو عرفنا قيمة الاستزراع السمكي قياسا بالمصايد الطبيعية ستحل مشكلة كبيرة تلقائيا.

وأضاف قائلا: القيمة العائدة من استخدام متر المياه في الاستزراع السمكي أعظم قيمة من الاستزراع النباتي، ففي مصر لا نزال نحافظ على زراعات الموز ونحافظ جدا على الاستثمارات السياحية في أراضي الجولف والساحل الشمالي من الإسكندرية وحتى مطروح التي تحصل على حصة من مياه من النيل لـنباتات الزينة، لا نستطيع المحافظة على مياه المزارع السمكية، ولذا أقول “زي ما السياح لهم حق في المياه والجولف فـالسمك أيضا له الحق في الحياة”.

ودعا الشراكي إلى ضرورة استقرار أصحاب المزارع وتقنين الحيازات الخاصة بـالمزارع السمكية، حيث كانت مصر تحتل المركز الثاني عالميا في البلطي وانحدرت إلى المركز الثالث عالميا، والتاسع في مجال الاستزراع السمكي، حسب بيانات وزارة الزراعة والفاو.

وأوضح أن المنتجين لديهم الكفاءة والقدرة على زيادة الإنتاج مرة واتنين وعشرة بشرطين: الأول هو تحقيق مكسب عادل من الاستزراع، والثاني أن يكون هناك استقرارا، والمشكلة أنه لا توجد دولة في العالم تسعى للمحافظة على إنتاجها وتفرض رسوما على الصادرات ورسوما على الإنتاج وتفرض ضرائب جزافية على المزارع.

وتابع بالقول: المنتجون الآن يخسرون وبعضهم أصبح في السجن بسبب خسارته الفادحة، والتطوير لن يتم إلا بالاستقرار، وهذا معناه أن تكون حيازة الأراضي مستقرة وتمليك المزارع السمكية وعدم زيادة الإيجارات سنويا بصورة مطردة.

ضياء البشبيشي، أحد كبار مستزرعي الأسماك في كفر الشيخ تحدث عن مشكلة الإزالات قائلا إن إزالة مزارع مثلث الديبة وسهل الطينة أثر سلبا على جميع المستزرعين على مستوى الجمهورية، خاصة ممن لا يملكون أراضيهم التي عملوا فيها منذ عشرات السنين ويستأجرونها بدون تملك بلا أسباب مفهومة، حيث تم إزالة الأقفاص السمكية في دمياط ووادي مريوط، ففقدت مصر حوالي 50 ألف طن أسماك سنويا، ثم صدرت دراسات أمنية أكدت زيادة معدلات الجريمة في هذه المناطق كرد فعل طبيعي على “قطع الأرزاق”.

وطالب البشبيشي، مع عدد كبير من أصحاب المزارع بمشاورة أصحاب المزارع السمكية من المستأجرين في حال ضرورة إزالة المزارع، وعدم إزالتها إلا بعد انتهاء موسم الاستزراع حتى لا يخسر المستزرعون كل استثماراتهم، مع العلم بأن كمية السمك التي ستنخفض في مصر، ستضطر الدولة لاستيرادها بالعملة الصعبة.

ارتفاع القيمة الإيجارية

المهندس محمد جودة، عضو مجلس إدارة الاتحاد التعاوني للثروة المائية، أوضح أن الاتحاد أرسل دراسة قانونية لهيئة الثروة السمكية يتضمن تشريعا قانونيا مفصلا على عدم تطبيق قانون الضرائب العقارية على المزارع السمكية، وإن كان ولابد أن نتعامل مع القانون لحين إلغاؤه فلابد من وجود آلية لمحاسبة المزارع السمكية، فكل مديرية من مديريات الضرائب في كل محافظة تختلف تقديراتها عن الأخرى، بل تضع تقديرات جزافية، على سبيل المثال تحدد إحدى المديريات القيمة الإيجارية بالمتر بـ50 جنيه، وأخرى بالفدان. لكم أن تتخيلوا أن الفدان يطالب بدفع 12 ألف جنيه سنويا، ثم تضع مديرية أخرى ألفي جنيه وأخرى 10 آلاف جنيه سنويا، الخلاصة انه لا توجد آليات ولا معايير لمحاسبة المزارع السمكية على الضرائب العقارية، بالرغم من وجود جهات كثيرة تستطيع تقييم وتقدير القيمة الايجارية، أما رسوم التصدير فتبلغ 12 ألف جنيه على الطن، فمن يستطيع تحمل كل هذا الرقم الضخم وكيف سيحقق أي مكسب بهذه الصورة؟

تحفيز الاستثمار المحلي

المهندس أيمن رستم، Aymen Rostom صاحب مصنع أعلاف، تحدث في هذا السياق بوضوح شديد قائلا: الصورة الذهنية عن الاستزراع السمكي في مصر سيء السمعة، وإذا كنا نتحدث عن تحفيز الاستثمار المحلي للاستزراع السمكي فلابد من وضع معايير للعمل وتحقيق استقرار حقيقي لأصحاب الصناعة وإنشاء مجلس أعلى للأسماك.. الإنتاج انخفض بصورة كبيرة في عام 2018 من 15% إلى 20% عن العام السابق.

ودعا أيمن رستم الجهات الحكومية إلى تفهم طبيعة المزارع والتعامل مع أصحاب المزارع على أنهم “مصنعين” وليسوا “تجار أراضي هاياخدوا الأراضي ويجروا بيها أو يقيموا عليها عمارات سكنية”، مضيفا: يجب أن يكون هناك نوع من التقدير والاحترام لأصحاب الصناعة، خاصة وأننا نواجه أصلا تحديات كبيرة في استغلال المياه للمزارع في ظل عدم إمكانية التحكم في مياه الاستزراع.

وحول تطوير صناعة الأسماك في مصر أوضح أنه دعا الكثير من ممثلي شركات دولية للأسماك وجميعهم لم يستجيبوا واعتبروا أن المناخ في مصر “صعب”، ومن المستحيل ضخ استثمارات في هذا القطاع لأنه غير مضمون وغير مستقر ولا توجد فيه ضمانات.

وحول إنتاج مصانع الأعلاف في مصر قال “رستم” إن مشروعات القطاع الخاص تنتج أكثر من 98% من الأعلاف في مصر، وسمعة مصر رائعة في المجال السمكي ولدينا السلاسة المصرية من أسماك الاستزراع وهي البلطي، كل هذه نقاط قوة يجب الاستفادة منها والبناء عليها وليس محاربتها بالإيجارات الكبيرة والتي تزيد سنويا كأننا نستأجر شقق مفروشة وليس أراض للاستزراع.

واختتم كلامه بتساؤل لممثلي وزارات الري والزراعة والصناعة والتجارة الذين شاركوا في الحلقة النقاشية: لماذا يتم تقدير إيجارات المزارع بـ 8 آلاف جنيه وأكثر في حين تمنح الأراضي مجانا لجهات أخرى.. “هل أصحاب المزارع هاياخدوا السمك معاهم البيت أم سيطرحونه في الأسواق؟”.

وأكد عوض مرزوق، عضو مجلس الاتحاد التعاوني للثروة المائية وأحد أصحاب المزارع السمكية، أن هناك بعدا آخر في غاية الأهمية فيما يخص مشكلة إيجارات الأراضي، وهو المدة الإيجارية، فـالاستزراع السمكي البحري تستغرق الدورة الواحدة له ما لا يقل عن عامين، في حين يتم إجراء عقود لأصحاب المزارع بـ3 سنوات فقط، ما يعني استحالة تعويض استثمارات أصحاب المزارع في دورة أو دورتين فقط، لذا يجب مد مدة الإيجارات وتخصيص المزارع بنظام حق الانتفاع.

واختتمت الحلقة النقاشية بتأكيد ممثلي الزراعة، وفي مقدمتهم الدكتوة منى محرز، على الاتجاه لإنشاء مجلس أعلى للثروة السمكية، تضم كافة أصحاب المصلحة وممثلي أصحاب المصانع والمفرخات والتجار والمستوردين والمصدرين والخبراء والباحثين.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى