تحقيقات

سد النهضة الإثيوبي.. سيناريوهات الأزمة والحل

كتبت: هند محمد إن الموقف الإثيوبي المتعنت خلال المفاوضات المتعلقة بـسد النهضة الذي تشيده على مجرى النيل الأزرق – الرافد الأساسي لـنهر النيل يعتبر أخطر ما تواجه مصر خلال تلك المرحلة، فضلا عن التهديد الوجودي للدولة المصرية جراء الانتهاء من بناء السد الإثيوبي وتشغيله فعليا، ولذا دعت جامعة الدول العربية مجلس الأمن الدولي لمناقشة أزمة سد النهضة.

جامعة الدول العربية تتدخل

في اجتماع غير عادي لوزارء الخارجية العرب، الثلاثاء 15 يونيو الجاري في العاصمة القطرية الدوحة، أعلنت الجامعة أنها قد تتخذ “إجراءات تدريجية” لدعم موقف مصر والسودان في خلافهما مع إثيوبيا بشأن السد.

لكن إثيوبيا رفضت موقف الجامعة ووصفته بـ”غير العادل”، مجددة رفضها تدويل الأزمة.

كما صدر بيان مشترك في التاسع من يونيو الجاري عن اجتماع وزراء الخارجية والري في مصر والسودان حول سد النهضة، قال فيه مسؤولو البلدين إن المفاوضات وصلت “إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإثيوبي”.

وأكدوا على أهمية تنسيق جهود البلدين “لدفع إثيوبيا على التفاوض بجدية وبحسن نية وبإرادة سياسية حقيقية، من أجل التوصل لاتفاق شامل وعادل وملزم قانوناً حول ملء وتشغيل سد النهضة“.

بدائل أمام مصر

لكن بعد جولات عديدة من المفاوضات غير المثمرة على مدى سنوات، هل أمام مصر بديل آخر غير التفاوض؟ وهل ما يزال الخيار العسكري مطروحا؟

يرى مسؤولون في مصر والسودان أن “النبرة” الإثيوبية تبدو متحدية للبلدين، إذ أكدت أديس أبابا مرارا مضيها قدما في الملء الثاني للسد بحلول موسم الفيضان المتوقع في يوليو المقبل، بصرف النظر عن التوصل لاتفاق مع مصر والسودان من عدمه.

وفي نهاية مايو الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، عن خطة لبناء 100 سد صغير ومتوسط في مناطق مختلفة من بلده خلال السنة المالية المقبلة، الأمر الذي رفضته مصر معتبرة هذه التصريحات “تكشف مجددا عن سوء نية إثيوبيا، وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية التي تتشاركها مع دول الجوار وكأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها ومُسَخرة لخدمة مصالحها”.

البديل العسكري

توحي تحركات مصر على صعيد التعاون العسكري والاستخباراتي مع عدد من الدول الأفريقية المحيطة بـإثيوبيا، خلال الأشهر الأخيرة، بأن هناك تحركا عسكريا ضد السد يجري الإعداد له.

وزار الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرا دولة جيبوتي، وهو أول رئيس مصري يقوم بهذ الخطوة.

وقالت القاهرة إن الزيارة استهدفت تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية، والأمنية، والعسكرية.

وتعدّ جيبوتي خامس دولة مجاورة لإثيوبيا – بعد السودان وأوغندا وبوروندي وكينيا – تعزز معها مصر تعاونها العسكري خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

كما أجرت مصر عدة مناورات عسكرية مشتركة مع السودان، حمل آخرها اسم “حماة النيل” نهاية مايو الماضي. فهل يمهد ذلك لتحرك عسكري مرتقب؟

يقول العميد خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن مصر والسودان أعلنتا مرارا انتهاجهما العمل الدبلوماسي والسياسي لحل الأزمة، ولا يزالان متمسكان به “رغم مواجهة إخفاقات متتالية وإفشال متعمد من جانب إثيوبيا“.

لكن بيان الخارجية المصرية الأخير وما جاء على ألسنة المسؤولين عن هذا الملف “يجعل كل السيناريوهات مطروحة على الطاولة” أمام مصر والسودان، للدفاع عن حقوقهما المشروعة وإتقاء وقوع أضرار جسيمة عليهما جراء السد، حسب عكاشة.

في المقابل يستبعد بدر شافعي، باحث متخصص في الشؤون الأفريقية، لجوء مصر للحل العسكري لأسباب عدة من بينها “عدم وجود حدود مباشرة بين مصر وإثيوبيا وبعد المسافة بينهما، وعدم امتلاك مصر لطائرات قاذفات قنابل بعيدة المدى – بي 52 – قادرة على تدمير جسم السد”.

وأضاف: “كما أن إثيوبيا تمتلك منظومة دفاع جوي وأجهزة رادار قوية اشترتها من إسرائيل، وأخيرا فإن تدمير السد قد يغرق السودان“.

وتابع: “الآن هناك خلف السد الإثيوبي نحو 5 مليارات متر مكعب من المياه، فأي ضربة للسد ستدفع بهذه المياه إلى السودان، الذي ليس لديه سعة تخزينية سوى 5 مليارات متر مكعب خلف سدوده. أي أن السودان بحاجة إلى إفراغ مخزونه من المياه أولا، قبل أي ضربة عسكرية لـسد النهضة وهذا أمر مستحيل”.

هل توافق أمريكا على ضرب السد الإثيوبي؟

يرى مراقبون أن أي ضربة عسكرية مصرية محتملة للسد يجب أن تحظى أولا بموافقة أمريكية، الأمر الذي بدا يلوح في الأفق في أكتوبر الأول من العام الماضي 2020، حين حذر الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب الإثيوبيين من أن “مصر قد ينتهي بها الأمر إلى تفجير السد”.

بينما لا يبدو الأمر كذلك مع إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي فرض عقوبات على أديس أبابا ليس بسبب سد النهضة، وإنما بسبب “فظاعات ارتكبت في إقليم تيغراي” الإثيوبي.

لكن العميد خالد عكاشة، يرى أنه في حال قررت مصر تحركا عسكريا لمواجهة مشكلة وجودية، مثل سد النهضة، فإنها “لن تنتظر موافقة من أي طرف. من يمتلك قرار السيناريو العسكري هو القيادة السياسية والأجهزة والمؤسسات المعنية في الدولة المصرية”.

المسار القانوني

وقال بدر شافعي، إن من بين السيناريوهات التي يمكن اللجوء إليها في مثل تلك الأزمات هو التوجه إلى التحكيم الدولي، عبر تشكيل محكمة دولية خاصة بموافقة طرفي النزاع، كما حدث بين مصر وإسرائيل في قضية جيب طابا الحدودي، أو عبر اللجوء لمحكمة العدل الدولية ويستلزم ذلك موافقة الطرفين أيضا، ومن ثم التزامهما طوعا بما يصدر عن المحكمة.

وأضاف شافعي: “هذا السيناريو مستبعد تماما لأن إثيوبيا ترفضه، بل إنها حتى ترفض وساطة رباعية دولية تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى جانب الاتحاد الأفريقي، وتتمسك فقط برعاية الاتحاد الأفريقي للمفاوضات”.

الانسحاب من إعلان المبادئ

ويرى شافعي، أن أمام مصر خيار الانسحاب أو التهديد بالانسحاب من اتفاق إعلان المبادئ المتعلق بـسد النهضة، والذي وقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم في مارس عام 2015.

وأردف: “ربما تكون هذه خطوة رمزية مهمة تعري السد من الشرعية. لن تكون كافية وحدها وإنما ربما تؤثر ضمن إجراءات أخرى”.

لكن خالد عكاشة، يستبعد هذا الخيار، ويقول: “لا أعتقد أن هذا الخيار وارد في ذهن المفاوض المصري، لأن الاتفاق يمثل إلزاما لإثيوبيا بعدم الإضرار بدولتي المصب. فريق التفاوض يذهب في اتجاهات أخرى. لم نسمع أبدا بالتلويح بهذا الأمر”.

وأضاف عكاشة: “لو نفذ اتفاق المبادئ وفق نصوصه سيحد من الأضرار على دولتي المصب، ويرتب التزامات على إثيوبيا ويراعي مصلحتها في الوقت ذاته. إنه اتفاق متوازن للغاية ويحقق مصالح الدول الثلاثة”.

التفاوض هو الحل

في النهاية يرجح شافعي، أن تستمر مصر والسودان في مسار المفاوضات، لما ورد سالفا من أسباب استحالة أو صعوبة البدائل الأخرى، كما يضيف سببا آخر وهو: “إعلان إثيوبيا عن خفضها لارتفاع الممر الأوسط من جسم السد ليصبح 573 مترا، بعد أن كان الارتفاع المستهدف 595 مترا وذلك لأسباب لوجيستية خاصة بأديس أبابا”.

وقال شافعي: “هذا الارتفاع سيخزن فقط نحو 4 مليارات متر مكعب من المياه خلال موسم الفيضان، بعد ما كان يستهدف نحو 13.5 مليار”.

“هذه المليارات الأربعة قد يأتي بها الفيضان دون أن تتأثر حصة مصر، كما أن بحيرة ناصر خلف السد العالي ممتلئة بالمياه، وبالتالي فمرحلة الملء الثاني لـسد النهضة يرجح ألا تضر بحصة مصر من المياه“.

لكنه ينصح في حال الاستمرار في التفاوض، بأن تبقى مصر والسودان موحدين في موقفهما وأن يعملا على حشد ضغط دولي على إثيوبيا بهدف التوصل لاتفاق ملزم وأن يستخدما – في سبيل ذلك – الانسحاب أو التهديد بالانسحاب من اتفاق المبادئ “كورقة ضغط على أديس أبابا”.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى