رأى

ثقافة ندرة المياه 

أ.د/علاء البابلي، خبير المياه الدولي

 بقلم: أ.د/علاء البابلي

نحن بحاجة لتغيير الطريقة التي نفكر بها من ثقافة وفرة المياه الى ثقافة ندرة المياه من اجل التنمية المستدامة

 تشهد مصر مرحلة جديدة تنتقل فيها من ثقافة وفرة المياه الى ثقافة ندرة المياه، ولذلك يجب العمل على ترشيد استخدام المياه فى كافة القطاعات والذى يعد من أهم القضايا التى يجب أن تشغل بال المصريين جميعا، عن طريق العمل على تغيير الأنماط والعادات الاستهلاكية.

وان الدعوة الى ترشيد الاستهلاك لا يقصد بها الحرمان من استخدام المياه بقدر ما يقصد بها العمل على تربية النفس والتوسط وعدم الاسراف فى الاستفادة من نعمة من نعم الله عز وجل والتى حث عليها فى الآية الكريمة “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين”  وحديث الرسول صلى الله وعليه وسلم: لا تسرف فى الماء ولو كنت عاى نهر جار.

لذلك يجب التحول من ثقافة وفرة المياه التى كانت سائدة فى مصر الى ثقافة ندرة المياه والتى أصبحت واقعا، ولذلك يجب العمل على رفع كفاءة استخدام المياه وترشيد الاستخدامات المائية فى كافة القطاعات، وكذلك يجب دعم دور كافة مستخدمى المياه وخاصة المزارعين وكذلك عموم المواطنين فى ادارة وترشيد استخدامات المياه وتنمية شعورهم بالملكية ومدى أهمية ترشيد المياه بالنسبة لهم وللمجتمع بصفة عامة.

المياه فى مصر مورد محدود وفرص زيادة تلك الموارد المائية محدودة ايضا ولذلك يجب حرص كافة المواطنين على ترشيد استخدامهم للمياه للاستفادة من كل قطرة مياه.

ان تضافر جهود كافة المعنيين بقضايا المياه ورفع الوعى بتحديد قطاع المياه وكيفية مواجهتها على كافة المستويات السياسية والتنفيذية والشعبية أصبح ضرورة وليس خيارا حتى يمكن تحسين ورفع كفاءة استخدام الموارد المائية المحدودة فى مصر والحفاظ عليها من التلوث.

وكما نعلم ان عدد سكان مصر فى تزايد مستمر بينما الموارد المائية من مياه النيل محدودة (55.5 مليار متر مكعب سنويا) منذ اتفاقية 1959 مع السودان، أدى ذلك الى تناقص نصيب الفرد من المياه من حوالى 2000 متر مكعب /فرد/ سنة عام 1959 الى حوالى 630 متر مكعب/فرد/سنة عام 2015. ومن المتوقع أن يصل عدد سكان مصر فى عام 2050 الى حوالى 150 مليون نسمة ما يعنى أن نصيب الفرد من المياه سيقل ليصل الى حوالى 370 متر مكعب/فرد/سنة.

يعيش 95% من السكان على حوالى 5% من المساحة الاجمالية لـمصر ويتركز السكان فى الدلتا والشريط الضيق حول نهر النيل فى الوادى ما يؤدى الى كثافات سكانية عالية فى تلك المناطق، ولذلك كان التفكير فى عدد من المشروعات القومية التى تعمل على انشاء تجمعات سكانية جديدة تعمل على توزيع أفضل للسكان وخلق فرص عمل جديدة فى كافة المجالات الزراعية والصناعية والسياحية والخدمية. وتعتمد مصر على مياه النيل كمورد رئيسى للمياه والذى يمثل 97% من الموارد المائية المتجددة فى مصر.

الموارد المائية فى مصر هى: 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل و1.3 مليار متر مكعب أمطار على الساحل الشمالى وسيناء حوالى 2.4 مليار متر مكعب ومن المياه الجوفية غير المتجددة باجمالى حوالى 59.2 مليار متر مكعب.

تبلغ الاحتياجات المائية فى مصر حوالى 80 مليار متر مكعب لمختلف القطاعات (الزراعة – الصناعة – الشرب والاستخدامات المنزلية). وتبلغ الفجوة بين الموارد والاحتياجات المائية حوالى 20 مليار متر مكعب سنويا يتم تدبيرها من خلال اعادة استخدام مياه الصرف الزراعى ومياه الصرف الصحى المعالجة.

ان الكفاءة الكلية لاستخدام المياه فى مصر من أعلى الكفاءات فى العالم حيث تبلغ حوالى 75% وذلك نتيجة لاعادة استخدام المياه اكثر من مرة سواء كانت مياه صرف زراعى او مياه صرف صحى معالجة، وسوف تعمل وزارة الموارد المائية والرى بالتعاون مع الجهات المعنية على رفع الكفاءة من خلال اعادة استخدام كميات أكبر من المياه ولعددة مرات استخدام أكثر.

وفى هذا المجال اود ان اشير الى ان وزارة الموارد المائية والرى فى مصر قامت باعداد خطة قومية لادارة الموارد المائية فى مصر حتى عام 2017 بمشاركة جميع المعنيين بشؤون المياه فى مصر من وزارات ومؤسسات وهيئات وكافة مستخدمى المياه وقامت بتحديث هذه الخطة حتى عام 2037 لتواكب التغييرات الجديدة ومخاطر التغيرات المناخية وظاهرة الجفاف.

ان الانتاجية الزراعية فى مصر من أعلى الانتاجيات الزراعية فى افريقيا والمنطقة العربية وذلك للعديد من المحاصيل، ويجب أن نعمل على تعظيم الانتاجية الزراعية والعائد الزراعى من وحدة الارض ومن وحدة المياه. وكمية المياه الافتراضية التى تستوردها مصر (من خلال استيراد المحاصيل الزراعية لسد الفجوة الغذائية) تبلغ حوالى 30 مليار متر مكعب فى السنة.

وهذا يستدعى منا وبالطبع أن يتعاون جميع شركاء التنمية على المياه فى مصر فى هذا المجال بتغيير الممارسات على كافة الاصعدة التقليدية منها وأتباع الاساليب الحديثة من أجل استدامة هذا المورد الهام فى مصر لتغطية كافة احتياجات البرامج والمشاريع التنموية للاجيال القادمة.

*كاتب المقال: خبير المياه الدولى واستاذ الاراضى والمياه بعهد بحوث الاراضى والمياه والبئية – مركز البحوث الزراعية – مصر.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى