رأى

تحديات الحوكمة الفعالة للمياه

أ.د/علاء البابلي

بقلم: أ.د/علاء البابلي

مدير معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة بمركز البحوث الزراعية وخبير المياه الدولي

 في ظل الندرة المائية والمصالح المتنافسة، يخلق التوازن بين الاستخدامات المتعددة للمياه مصاعب اجتماعية واقتصادية. فالنشاط الزراعي، على الرغم من مساهمته بـ7% فقط من إجمالي الناتج المحلي، يستهلك كميات مياه تزيد على الكميات المستهلكة في النشاط الصناعي والمنزلي؛ أما إذا خصصنا حصة مائية للقطاعات الأعلى إنتاجا، كقطاع الصناعات الثقيلة والسياحة، فسيزداد اعتماد البلدان العربية على واردات الغذاء، وسيتحول ملايين العمال غير المهرة إلى عاطلين؛ وإذا ارتفع معدل استهلاك المياه في المنازل، فستقل موارد المياه المتاحة للزراعة. ومن ثم، سيتعين على البلدان العربية أن ترفع كفاءة الري، وأن تعتمد أكثر على الموارد المائية غير التقليدية، وأن تدير زراعة المحاصيل بشكل أجود، وتساعد المزارعين في الحصول على وظائف أخرى.

ويشكل التوزيع العادل للمياه تحديا في بلدان عديدة، حيث تفتقر المناطق الريفية، والفقراء، والفئات المهمشة لأسباب عرقية، أو طبقية، أو قَبلِيِّة، أو نوعية عموما إلى مياه الشرب النظيفة، والصرف الصحي لمُسن. وتعكس صور عدم المساواة هذه حالة التهميّش الاجتماعي والسياسي التي تحرم الفقراء حرمانا منهجيا من الحصول على الفرص والخدمات المتاحة.  وعلى الرغم من توسع المنطقة العربية في توفير موارد المياه وخدمات الصرف، فقد اتسم التقدم بالبطء في بلدان عديدة. ففي عام 2010 ، افتقر ما يقرب من 18% من سكان المنطقة العربية إلى المياه النظيفة، فضلا عن عدم تمتع ما يقرب من 24% بخدمة الصرف الصحي المحُسن.

ويعيش غالبية هؤلاء السكان المحرومين في البلدان ذات الدخل المنخفض التي تعاني من الاحتلال أو تمزقها النزاعات. وتتضح هذه التفاوتات المتعلقة بخدمات المياه بين المناطق الريفية والحضرية على وجه التحديد مع أن العديد من المدن الرئيسية تواجه أيضا أزمات تناقص المياه. ومن هنا، يجب أن تضمن حوكمة المياه الفعالة حصول جميع الأفراد على مياه شرب آمنة. في حين يتطلب ضمان التوزيع العادل للمياه إشراك أصحاب المصلحة جميعا  وخاصة الفقراء والنساء في إدارة المياه.

ويعتبر توفير مياه الشرب والصرف الصحي حقا من حقوق الإنسان الأساسية؛ فقد أقر كل من المجلس العالمي للمياه، والمنتدى العالمي الثالث للمياه، والشراكة العالمية للمياه، وبيان دبلن بشأن المياه والتنمية المستدامة، والأمم المتحدة أن “حق الإنسان في المياه من الحقوق التي لا غنى عنها في سبيل حياة تنعم بالكرامة الإنسانية “، فضلا عن أن الحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي من «الشروط الأساسية لإدراك حقوق الإنسان الأخرى.

يمكن أن تتسبب عملية توزيع المياه في نشوب النزاعات أو تصاعدها، إذ أنها غالبا ما تعكس صورا لعدم المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ويمثل التنافس على المياه العابرة للحدود، كمياه نهر الأردن المشتركة بين إسرائيل والأردن ولبنان ودولة فلسطين وسورية، ونهري جوبا وشبيلي المشتركين بين إثيوبيا والصومال، بعدا أساسيا في النزاعات السياسية الإقليمية. ولا يزال قصور حوكمة الموارد المائية المشتركة يهدد استقرار المنطقة، ويلقي بظلال الشك على تخطيط الموارد المائية في دول المصب.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى