رئيس التحرير

الموز وملاعب الجولف وأحمد موسى

د.أسامة بدير

بقلم: د.أسامة بدير

يحاول حفنة من بعض أنصاف الإعلاميين السيطرة على عقول ملايين المصريين وتوجيه الرأى العام صوب القضايا المجتمعية المصيرية بلا حقائق أو معلومات موثقة.

وأنا هنا لست بصدد الهجوم على أشخاص بعينهم يقومون بتزيف الحقائق من أجل صناعة حالة من التأييد لسياسات تفتقر دائما إلى الدراسة العلمية والتجارب السابقة التى يمكن البناء عليها، والاستفادة منها وتطبيقها فى ظل ظروف مشابهة لضمان نجاحها.

فعندما يتعلق الأمر بحياة الشعوب وأمنها الغذائى والاقتصادى ينبغى أن تكون الكلمة الأولى للعلم والعلماء فى ذات التخصص، فهكذا تبنى الأوطان تتقدم وتزدهر وتحقق الرفاه لمواطنيها.

الحقيقة التى لا يمكن إنكارها فى وطنى أننا على أعتاب أزمة مياه خانقة ستكون لها حتما تداعيات اجتماعية اقتصادية خطيرة على القطاع الريفى خاصة، والأمن القومى المصرى عامة بسبب بناء إثيوبيا سد النهضة التى أنهت حوالى 68% من أعماله الإنشائية، وقررت بشكل منفرد بعيدا عن دولتى المصب مصر والسودان أن تبدأ فى تخزين نحو 74 مليار متر مكعب من المياه فى بحيرة السد خلال فترة لا تتجاوز الـ3سنوات، الأمر الذى سيؤدى إلى أضرار مدمرة على مصر وشعبها.

ورغم أننى كنت من أوائل الذين حذروا من خطورة بناء سد النهضة على الزراعة المصرية وأضراره البالغة على خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة، وأكدت على أن إثيوبيا تستمر فى بناء السد بالتزامن مع مفاوضات مارثونية عبثية مع مصر الغرض منها استهلاك الوقت من أجل اكتمال السد، وطالبت فى مداخلة مع قناة فرانس 24 عام 2014، أعلى سلطة فى الدولة بضرورة استخدام أحد آليات القوة الخشنة مع الجانب الإثيوبى لإنهاء هذه المشكلة بعد أن ظهر لكل صاحب عقل أن إثيوبيا تستغل الوقت ليصبح السد أمر واقع مفروض على القيادة المصرية تقبله والتعامل معه.

أما ونحن الأن، دخلنا مرحلة الشح المائى وإثيوبيا باتت على أعتاب ملء بحيرة السد تزامنا مع إعلانها رسميا فشل المفاوضات مع مصر، بدأت أصوات ليست متخصصة من هنا وهناك لا علاقة لها بالأمر تماما تتحدث عن ضرورة اتباع سياسات ترشيد استخدام المياه بل ونصبت من نفسها صانع قرار فكانت البداية مع الإعلامى أحمد موسى، الذى قال “إنه يجب منع زراعة الموز في مصر بشكل نهائى حتى يتم ترشيد استهلاك المياه“، وأكد “أن الموز من الزراعات التي تستخدم كميات ضخمة من المياه، مشيرا إلى أن زراعة فدان الموز يستهلك 18 ألف متر مكعب مياه سنويا”.

وبدورى كباحث فى الشأن الزراعى، أقول لأحمد موسى، لقد أخطأت فى المعلومة التى ذكرتها بشأن معدل استهلاك فدان الموز من المياه وبنيت قرارك المتسرع بمنع زراعته على تلك المعلومة الخاطئة، والصحيح أن معدل استهلاك المياه لفدان الموز يتوقف على عوامل كثيرة منها طبوغرافية التربة ونظام الرى المتبع والمناخ السائد والصنف المزروع.

وعموما فإنه يمكن القول أن نظام الرى السطحى بطريقة الغمر الذى غالبا ما يتبع فى أراضى الوادى يحتاج فدان الموز فى هذا النظام إلى حوالى 10 – 12 ألف متر مكعب ماء فى العام، أما الرى بالتنقيط وهو ضرورى بالنسبة للأراضى الرملية يحتاج الفدان بإتباع هذا النظام إلى حوالى 8 – 10 ألف متر مكعب ماء سنويا، وبالتالى يكون متوسط رى فدان الموز 10 ألف متر مكعب من المياه سنويا.

هذه هى الحقيقة العلمية التى يجهلها عن قصد أو بدون قصد الإعلامى أحمد موسى، الذى أضحى يفتى فى قضايا لا يعلم عنها إلا الاسم، ويُمرر على المشاهدين أمور خلافية كثيرة بنفس هذه الطريقة فضلا عن تبنيه مثل هذا الطرح بمنع زراعة محصول مثل الموز بلا مناقشة المتخصصين فى هذا الشأن.

كما أن علاج مشكلة خطيرة بحجم المياه وتينى إطروحات تستهدف ترشيد استهلاكها لا يتم بهذه الكيفية السطحية بلا أى دراسة أو بحث مع مرعاة حجم الاستثمار الزراعى فى محصول الموز والأضرار الاقتصادية التى ستلحق بمزارعى حدائق الموز والعمالة الزراعية التى سوف تتضرر جراء هذا الطرح المتسرع.

لقد بات جليا أن أحمد موسى، تغافل عن أحد أهم أشكال إهدار المياه فى مصر التى انتشرت بشكل واسع خلال العقدين الاخيرين، ملاعب الجوالف التى تزيد على 40 ملعب تشغل 4000 فدان تستهلك نحو 600 مليون متر مكعب مياه سنويا، وتبلغ مساحة الملعب الواحد 100 فدان، وكمية المياه التى يستهلكها تكفى لرى 10 أفدنة من المحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى آلاف حمامات السباحة الموجودة داخل الفيلات والمنتجعات السياحية، وأربعة آلاف بحيرة صناعية بمساحة 167 فداناً تستهلك سنوياً أكثر من 1,8 مليار متر مكعب من المياه سنويا، وكشفت الدراسة الصادرة عن الصندوق العالمى للحياة البرية، أن ملعب الجولف الواحد الذى يحتوى على 18 حفرة فقط يستهلك كمية من المياه تقدر بـ700 ألف متر مكعب سنويا، وهذه المياه كافية لاحتياجات 15 ألف نسمة سنويا.

هذه معلومات وحقائق علمية، يا أحمد موسى، عن استنزاف ثروة مصر المائية من أجل عيون حوالى 2000 لاعب جولف فى مصر منهم 1400 من الأجانب، فضلا عن الاستثمار العقارى الفاخر الذى يغازل شريحة لا تزيد على 3% من إجمالى سكان مصر على حساب حياة ملايين المصريين المحرومين من مياه الشرب النظيفة وآلاف المزارعين الذين ماتت زراعتهم بسبب نقص أو عدم توافر مياه الرى وقت الاحتياج إليها.

وأخيرا، السؤال الذى يطرح نفسه خلال تلك المرحلة الصعبة التى يعيشها ملايين المصريين وعيونهم تترقب هذا الخطر القادم لهم من آعالى نهر النيل، كيف سيتعامل النظام المصرى مع ملف سد النهضة وتداعياته الاجتماعية الاقتصادية على القطاع الريفى والأمن الوطنى؟ وما الآليات العلمية لترشيد المتاح من الموارد المائية بعيدا عن اطروحات أنصاف الإعلاميين؟

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلام علمي ويحترم
    ولكن مالايحترم فيه هو أن تجعل من أحمد موسي إنسان ونعلق علي ترهاته هذا الكائن ببغاء يردد ما يقال له ولا يعي ما يقول فهو كالحمار يحمل أسفارا . اللهم إني صائم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى