تقارير

الاقتصاد الأخضر.. طريقنا للتنمية المستدامة

كتب: د.محمد شطا يُعرّف الاقتصاد الأخضر Green Economy بأنه الاقتصاد الذي يهدف إلى الحدّ من مخاطر التلوث بأنواعه، والاحتباس الحراري، وندرة الموارد، بهدف تفعيل تنمية مستدامة حقيقية تَحُولُ دون تدهور البيئة.

رغم الارتباط الوثيق للاقتصاد الأخضر بالنواحي البيئية؛ إلا أنه يركز على أن يكون اقتصادًا قابلًا أكثر للتطبيق على الصعيد السياسي.

د.محمد شطا

كانت الأمم المتحدة قد عرّفت الاقتصاد الأخضر في عام 2010 بأنه اقتصاد ينتج عنه تحسين رفاهية الإنسان، والعدالة الاجتماعية، مع تقليل المخاطر والندرة البيئية بشكل كبير. وهو في أبسط تعبير عنه اقتصاد منخفض الكربون، وفعال من حيث الموارد، وشامل اجتماعيًّا.

في حالة الاقتصاد الأخضر يكون نمو الدخل والعمالة مدفوعين بالاستثمارات العامة والخاصة التي تقلل من انبعاثات الكربون والتلوث، وتعزز كفاءة استخدام الطاقة والموارد، وتمنع فقدان التنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي.

وأقر تقرير الاقتصاد الأخضر لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2011 بأن الاقتصاد كي يكون صديقًا للبيئة، يجب ألا يكون فعّالًا فحسب؛ بل يجب أن يكون عادلًا على النطاق المجتمعي أيضًا؛ فالإنصاف يعني الاعتراف بأبعاد الاستدامة الثلاثة: (الاقتصاد، والبيئة، والمجتمع)، والعمل على تنميتها معًا دون تخصيص الموارد لبُعد واحد فقط لضمان الشمول.

ومن السمات التي تميز الاقتصاد الأخضر عن الأنظمة الاقتصادية السابقة التقييم المباشر لرأس المال الطبيعي، والخدمات الإيكولوجية، بوصفها ذات قيمة اقتصادية، ونظام محاسبة التكاليف بالكامل الذي يتم فيه تتبع التكلفة إلى المراحل المستقبلية من معالجة أي أضرار بيئية ناتجة.

كما يتم نقل التكاليف بشكل موثوق إلى الكيان الذي يتسبب في ضرر أو يتجاهل أحد الأصول. وتُحتسب تلك الأضرار على أنها مسؤوليات. وعلى تلك الأسس تعمل الدول الكبرى والشركات العالمية على تبني السياسات البيئية وفكر الاستدامة كوسيلة قابلة للتطبيق لتعزيز ممارساتها في مجال الاقتصاد الأخضر.

النمو الأخضر

يُعرِّف التقرير الثالث لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) النمو الأخضر بأنه: «تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية مع ضمان استمرارية الأصول الطبيعية في توفير الموارد والخدمات البيئية التي تعتمد عليها رفاهيتنا».

التنمية المُستدامة

عرَّفت اللجنة العالمية للبيئة والتنمية (WCED) عام 1987 التنمية المستدامة بأنها: «تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها».

العلاقة بين الاقتصاد الأخضر والنمو الأخضر والتنمية المستدامة

يسعى الاقتصاد الأخضر إلى تحقيق النمو في الناتج المحلي الإجمالي والعمالة بواسطة الاستثمارات في القطاعين العام والخاص، والتي تُسهم في المحافظة على البيئة والقضاء على الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية.

كما يساعد في الإصلاحات السياسات البيئية والاقتصادية للحكومات التي تدعم التحول، وهذا ما أوضحته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من خلال وضع استراتيجية لزيادة فرص تحقيق النمو الأخضر والتي تتمثل في:

ـ تعزيز الابتكار ما يؤدي إلى خلق أفكار جديدة لمعالجة المشاكل البيئية.

ـ تقديم حوافز لزيادة الكفاءة في استخدام الموارد والأصول الطبيعية.

ـ تحفيز الطلب على التكنولوجيا الخضراء (غير الملوثة للبيئة) وإنشاء أسواق جديدة.

ـ تعزيز ثقة المستثمرين من خلال زيادة القدرة على التنبؤ بنسب المخاطرة وتَحقيق التوازن للاقتصاد الكليّ.

وبالتالي يحقق الاقتصاد الأخضر شروط كلًا من النمو الأخضر والتنمية المستدامة، والتي تتمثل في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية المصاحبة لحماية البيئة من التلوث والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

الاقتصاد الأخضر والتحديات البيئية

منذ الثورة الصناعية كان للسلوك البشرى الملوث (الاستخدام المفرط للآلات الملوثة للبيئة) أثرٌ سلبىّ متزايد على كوكب الأرض. فعلى الرغم من أنه عالج المجاعات وحقق الرفاهية والازدهار إلا أنه أدى إلى التلوث المتزايد والمستمر للبيئة. فعلى سبيل المثال تغير المناخ، ظاهرة الاحتباس الحرارى وتآكل طبقة الأوزون، ونحن حتى الآن نحاول تقليل الأثر السلبي لهذه الظاهرة. الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية؛ والذى أدى إلى التصحُّر وتدهور الأراضي الزراعية والندرة في الموارد الطبيعية الرئيسية بما في ذلك الماء والمعادن.

يمكن للحلول والفرص التي يُوفرها الاقتصاد الأخضر أن تساعد في معالجة العديد من الآثار السلبية على البيئة، وفي نفس الوقت تدعيم التنمية الاقتصادية. لذلك يحتاج الاقتصاد الأخضر إلى وجود سياسة قوية وسليمة يتم تنفيذها بشكل صحيح.

الجهود المبذولة للتوجُّه نحو الاقتصاد الأخضر في مصر

لا تتواني القيادة السياسية المصرية في السعي الي كل ما هو جديد في سبيل الارتقاء بمستوي معيشة جميع المواطنين وفي سبيل ذلك عهدت الحكومة المصرية في المضي قدماً نحو تبني سياسات تنموية شاملة تراعي الابعاد البيئية والاجتماعية وتتوافق مع المعايير الدولية في الحفاظ علي كوكب الارض.

برنامج مصر لتبديل وإعادة تدوير السيارات

قامت وزارة المالية عام 2011 بالتعاون مع القطاع الخاص (خمسة موزعين) وبعض البنوك التجارية (أربعة بنوك) وإحدى شركات التأمين بهدف تسهيل عملية التبديل وإعادة تدوير السيارات، فلقد خفضَّ القطاع الخاص أسعار السيارات وتولَّى إعادة تدويرها. كما قامت البنوك التجارية بخفض معدل الفائدة بهدف زيادة الطلب على القروض، فتم تبديل 41000 سيارة مما ساعد على تقليل انبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون بمعدل 61000 طن سنويًا.

مشروع مكافحة التلوث المصري (EPAP)

قام جهاز شئون البيئة بإنشاء هذا المشروع بهدف تحسين المعلومات العامة ونشر الوعي البيئي، وتسليط الضوء على المشكلات البيئية ذات الصلة بالصناعة في مصر.

مركز الإنتاج الأنظف (ENCPC)

قامت وزارة التجارة والصناعة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية بتأسيس مركز الإنتاج الأنظف لتقديم خدمات للقطاع الصناعي في مصر، والتي تتمثل في:

ـ تقديم المساعدة الفنية للصناعة المصرية من خلال برامج الإنتاج النظيف، بالإضافة إلى تقديم دراسات توضح أثر مُختَلَف الصناعات على البيئة.

ـ تقديم المساعدة التقنية لاستخدام المواد الكيماوية على سبيل المثال: التعامل مع النفايات الصناعية وإعادة تدويرها.

ـ تقديم الاستشارات التمويلية والعمل كوسيط لتوفير فرص الحصول على قروض من البنك الدولي والوكالة الألمانية للتعاون الفني (GTZ)، وذلك لارتفاع تكلفة المشروعات الصديقة للبيئة.

ـ تقديم برامج تدريبية والمشاركة في المشروعات الدولية.

مجموعة الأنشطة الهندسية لتصميم الآلات والمعدات (ENTAG)

تقوم هذه الشركة بمعالجة النفايات الصلبة والتخلص منها في الشرق الأوسط، وهي شركة مصرية مستقلة أسسها مجموعة من المصريين المتخصصين لتقديم خدمات بيئية عالية الجودة.

شركة أونيرا لأنظمة الطاقة (Onera Systems)

تم تأسيسها بواسطة شركة الشرق الأوسط للهندسة والاتصالات (MEET)، وهي شركة مساهمة مصرية متخصصة في معدات الطاقة المتجددة التي تتضمن النظام الشمسي ونظام الرياح وخلايا الوقود.
استراتيجية مصر للاقتصاد الأخضر.

أطلقت الدولة المصرية في عام 2016 استراتيجيتها الوطنية المعنية بـالاقتصاد الأخضر، وذلك على هامش مؤتمر الوزراء الأفريقيين المعنيّ بالبيئة African Ministerial Conference on the Environment (AMCEN)، الذي عُقد في القاهرة في ذلك العام. وكان القادة الأفارقة في المؤتمر قد دعوا إلى تعزيز رؤية إنمائية واضحة لأفريقيا في سياق أجندة الاستدامة الدولية 2030 واتفاق باريس.

وخلال المؤتمر، صرّح رئيس الوزراء المصري السابق “شريف إسماعيل” بأن البيئة هي إحدى الركائز الأساسية لاستراتيجية مصر 2030، إذ تتوافق هذه الاستراتيجية مع أهداف تغير المناخ، والتي تشمل: النهوض بنوعية الحياة، وتوفير مصادر نظيفة للطاقة.

وتهدف الاستراتيجية الجديدة إلى الانتقال التدريجي إلى الاقتصاد الأخضر بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP ومركز البيئة والتنمية للمنطقة العربية وأوروبا CEDARE، وتتضمن الاستراتيجية أربعة مجالات تركيز رئيسة، هي: المياه، والزراعة، والنفايات، والطاقة. وتضمنت الاستراتيجية التكيف التدريجي للمشتريات الحكومية مع المنتجات الصديقة للبيئة والتكنولوجيات المستدامة.

إلا أن أبرز التحديات التي هددت تلك الاستراتيجية وقت إطلاقها هي الصعوبات التي تواجه خفض انبعاثات الغازات الدفيئة. فقد أعرب خبراء البيئة عن قلقهم بشأن التوسع في استخدام الفحم بدلًا من مصادر الوقود منخفضة الانبعاثات الكربونية.

لكن التقارير التي أعلنتها وزارة البيئة في العام نفسه، كشفت عن استراتيجية مزيج الطاقة المستقبلية التي تتضمن تغييرات إيجابية جذرية في خارطة الطاقة في مصر؛ إذ تضع الاستراتيجية التوجهات المطلوبة لخفض نسبة استخدام طاقة الوقود الأحفوري من 95٪ إلى 50٪ بحد أقصى، مع زيادة نصيب موارد الطاقة المتجددة إلى 30٪، والطاقة النووية إلى 5٪.

وبهذا تمثل استراتيجية مصر للاقتصاد الأخضر خطوة رئيسة إلى الأمام في متابعة مسار التنمية الاقتصادية التي تأخذ في الاعتبار الحفاظ على البيئة والندرة البيئية، وتدعم إنشاء مجتمع أكثر مرونة واستعدادًا للتغيرات المستقبلية في مجالات البيئة.

*مُعد التقرير: خبير السياسات الزراعية والتنمية الريفية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى