رئيس التحرير

إذن.. هى الحرب على الصين

د/أسامة بدير
د/أسامة بدير

بقلم: د. أسامة بدير

ذهبت لأشترى لعبة لإبنى من أحد محلات ألعاب الأطفال بالقاهرة، اقترب منى صاحب المحل عندما هممت بأخذ لعبة معينة، قال لى بصوت حزين، من فضلك اختار لعبة غير هذه.

دفعتنى رغبة الفضول وسألته، لماذا؟ فرد قائلا بصوت كله كآبة وحسرة لأنها مصنوعة فى الصين، فقلت له، ما العيب فى ذلك فكل ما يحيط بنا صينى لدرجة أننى أصبحت أخشى أن أستيقظ يوما من نومى، أجد رجال الأعمال فى بلادنا استوردوا لنا اللغة الصينية لتحل محل العربية.

نظر لى صاحب المحل نظرة اختلطت فيها السخرية بالغضب، وقال يا أستاذ أنت لا تدرى ما يفعله الصينيون بالمسلمين؟ إنهم يعاملونهم أسوأ معاملة، التعذيب والاعتقال والنفى والطرد وربما القتل، كلها ممارسات يومية فى منطقة تسمى تركستان الشرقية بالصين.

فقلت له إذن لماذا قمت باستيراد كل هذه الألعاب من الصين؟ رد على بصوت قوى، كنت لا أعرف عن تلك المذابح التى ترتكبها الحكومة الشيوعية الظالمة بحق المسلمين هناك، وبعد اليوم قررت قطع كل تعاملاتى الاقتصادية معهم نهائيا.

انصرفت من المحل مسرعا عقب هذا الدرس القاسى الذى أعطانى إياه هذا البائع، وفى الوقت نفسه دار بخاطرى عدد من الأسئلة لعل أهمها: هل المسلمون مضطهدون فعلا فى الصين؟ وما هى تركستان الشرقية؟ وهل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى هذا الإقليم منهارة لهذا الحد؟

كان على أن أبحث جاهدا لأصل إلى الحقيقة، وأضعها أمام القارىء بكل ما فيها من مرارة وأسى، ثم بعد ذلك عليه أن يختار بين موقفين، كلاهما أصعب من الآخر، لكن الأهم والأنفع لدينه يبقى خيارا استراتيجيا له مهما كانت المغريات.

تركستان مصطلح تاريخي يتكون من مقطعين، ترك وستان، ويعني أرض الترك، وتنقسم إلى تركستان الغربية أو آسيا الوسطى التي تشغل الثلث الشمالي من قارة آسيا، ويحدها من الشرق جبال تيان شان، ومن الغرب جبال الأورال وبحر قزوين، ومن الشمال سلاسل جبلية قليلة الإرتفاع، ومن الجنوب هضبة، وتركستان الشرقية وتسمى أيضا بغورستان هى مقاطعة خاضعة للصين – وتعرف باسم مقاطعة سينكيانج أي المستعمرة الجديدة فى محاولة من جانب الحكومة الصينية لتصيينها ديموغرافيا – يحدها من الشمال الغربي ثلاث جمهوريات إسلامية هي كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، ومن الجنوب أفغانستان، وباكستان، ومن الشرق أقاليم التبت الصينية.

وكانت تتمتع تركستان الشرقية قديما بأهمية كبيرة في التجارة العالمية، فكان طريق الحرير المشهور يمر بها، ويربط الصين ببلاد العالم القديم والدولة البيزنطية.

وحاليا تتعرض مقاطعة تركستان الشرقية كل يوم لممارسات قمعية مخططة، وتطهير عرقي وتهجير وعمليات استيطان، حتى قلت نسبة المسلمين فيها إلى نحو 40% بعد أن كانت أكثر من 95% من نسبة السكان.

كانت بداية وصول الإسلام إلى تركستان – بصفة عامة – في خلافة عثمان بن عفان على يد الصحابي الحكم بن عمرو الغفاري، بيد أن مرحلة الفتح الحقيقية كانت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على يد قائده الباسل قتيبة بن مسلم الباهلي الذي تمكن في الفترة من (83- 94هـ = 702- 712م) من السيطرة على ربوع التركستان ونشر الإسلام بين أهلها.

وقد عرفت تركستان الشرقية الإسلام عن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يحملون بضائعهم ومعها الإسلام في أي مكان يسافرون إليه، فقد كان طريق تجارتهم ودعوتهم طريقا واحدا، فتوثقت العلاقات التجارية بين العرب والصين، وحصل بعض التجار المسلمين على ألقاب صينية رفيعة.

ولقد توطد الإسلام في تركستان الشرقية، سنة (322هـ = 934م)، بعدما دخل الإسلام الخان ستاتول بوجرا، الذي أصبح حاكما للإقليم، وأسلم لإسلامه معظم السكان، وبمرور الوقت أصبح شرق تركستان مركزا رئيسيا من مراكز الإسلام في آسيا.

ونتيجة إسلام هذا الزعيم الكبير، أسلم معه أكثر من مائتي ألف عائلة، أي ما يقارب مليون نسمة تقريبا، ووسع رقعة مملكته فشملت أجزاء من التركستان الغربية، كما ارتقت البلاد في عهده في النواحي الحضارية المختلفة.

وظلت تركستان الشرقية منارة تزدهر بإسلامها، تمارس دورها الدعوى للإسلام فى آسيا كلها، إلى أن جاءت أسرة المانشو إلى الحكم في الصين سنة (1054هـ = 1644م)، وكانت البداية لا تبشر بخير، إذ بدأت حملة من الإضطهاد والعذاب للمسلمين في الصين، اضطر فيها المسلمون إلى رفع السلاح – لأول مرة في تاريخ الصين– سنة (1058هـ = 1648م) مطالبين بالحرية الدينية، وهو ما كلفهم الكثير من الدماء والأرواح، وقمعت ثورات المسلمين بقسوة شديدة وصلت إلى حد المذابح والإبادة الجماعية، وكانت هذه الفظائع تجري خلف أسوار الصين، دون أن يدري بها أحد في العالم الإسلامي.

واستولى الصينيون على تركستان الشرقية سنة (1174هـ = 1760م) بعد أن ضعف أمر المسلمين بها، وقتلت القوات الصينية وقتها مليون مسلم، واستمرت ثورات المسلمين التى لم تهدأ طوال مائة عام، إلى أن تمكن المسلمون بعدها من الإستقلال بتركستان الشرقية سنة (1282هـ = 1865م)، وذلك أثناء الصراع مع أسرة مانشو، ولم تجد هذه الدولة الوطنية تأييدا ولا إعترافا من العالم، واستطاعت الصين مهاجمتها واحتلالها مرة أخرى سنة (1292هـ = 1875م).

ثم حصلت تركستان الشرقية على الإستقلال الذاتي سنة (1366هـ = 1946م)، وخلال النصف الثاني من القرن العشرين استولي الشيوعيون على حكم الصين في سنة (1369هـ – 1949م) وهادن الشيوعيون المسلمين أول الأمر، وذلك نظير مساعدتهم أثناء الحرب الأهلية.

وقد وزعت نشرات عن منح الحكم الذاتي للمسلمين في الصين ضمن 34 مقاطعة – وكلها مزيفة – وفرض الشيوعيون على المسلمين نظام الزواج المختلط، ونظام الكميونات، ونظام المعيشة المشتركة، وصادروا أملاك الأوقاف الإسلامية، وحجبوا مرتبات الوعاظ والمدرسين، فاضطروا للعمل داخل الكميونات، وأحرقوا الكتب الإسلامية وأغلقوا المساجد، وهدموا الكثير منها، كما أغلقوا المدارس، وبالتالى شرد علماء الدين، وهرب العديد منهم إلى الخارج.

وكان عدد المسلمين بتركستان الشرقية عندما سيطر الشيوعيون عليها حوالي 2,3 مليون مسلم، وعدد المساجد يزيد على الألفي مسجد، وقد بدأ الشيوعيون منذ احتلالهم لها ارتكاب مذابح رهيبة، أعقبها استقدام مهاجرين صينيين بأعداد ضخمة في عملية إحتلال إستيطاني واسعة، وذلك للتقليل من عدد أهل البلاد المسلمين.

وألغى الصينيون الملكية الفردية، واسترقوا الشعب المسلم، وأعلنوا رسميا أن الإسلام خارج على القانون، ويعاقب كل من يدين به، ومنعوا خروج التركستانيين الشرقيين خارج البلاد، كما منعوا دخول أي أجنبي إليهم، وألغوا المؤسسات الدينية وهدموا أبنيتها، واتخذوا المساجد أندية لجنودهم، وغيروا الأبجدية الوطنية بحروف أجنبية، وجعلوا اللغة الصينية اللغة الرسمية، واستبدلوا بالتاريخ الإسلامي تعاليم “ماوتسي تونج”، وأرغموا المسلمات على الزواج من الصينيين.

ولم يتوقف هذا الحقد الأسود الدفين تجاه المسلمين، وزاد الأمر سوءا لما قامت الثورة الثقافية في الصين، وزادت حدة اضطهاد المسلمين، ورفعت الثورة شعارات عدة من بينها ألغوا تعاليم القرآن.

ورغم هذا الكبت والاضطهاد فقد استمرت ثورات المسلمين العنيفة التي تعمل الصين على إخفاء أنبائها عن العالم، ومنها ثورة (1386هـ = 1966م) في مدينة كاشغر، التي حاول فيها المسلمون أداء صلاة عيد الأضحى داخل أحد المساجد، فاعترضتهم القوات الصينية وارتكبت في حقهم مذبحة بشعة، وانتشرت الثورة في الإقليم، وقام المسلمون بحرب عصابات ضد الصينيين، واستشهد في هذه الثورة – خلال أحد شهورها فقط – حوالي 75 ألف شهيد.

ولم تسلم هذه الصحوة الإسلامية من مخالب القمع الشيوعي، إذ قامت الحكومة باعتقال أئمة المساجد، ومنع النساء من دخول المسجد، ومنع دروس الوعظ والإرشاد فيه.

وأصدر الحزب الشيوعي الصيني في تركستان الشرقية قرارا فى 1996/5/13، يفوض بموجبه الجيش صلاحيات كاملة لإنفاذ خطة قمعية سميت اضرب بقوة لمدة مئة يوم، اعتقل خلالها أكثر من عشرة آلاف مسلم.

ونص قرار سري صدر عن المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بتاريخ 19/3/1996 على اعتبار تركستان الشرقية جزءا لا يتجزأ من الصين ، ومنع أي نشاط ديني، وطرد كل من يفعل ذلك، وبموجب القرار لابد للحكومة والحزب والجيش أن يضعوا خطة مشتركة لإعداد قوة عالية التجهيز والتدريب لقمع أي حركة أو مظاهرة فيها بالقوة.

وتستمر معاناة المسلمين تحت وطأة القمع اللأخلاقى حتى فى شهر رمضان حين توجه مسلمو مدينة بينين بتركستان الشرقية في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان عام 1417هـ إلى المساجد لأداء صلاة التهجد، لكنهم فوجئوا برجال المباحث الشيوعيين عند أبواب المساجد يمنعونهم من الدخول.

استجاب موظفو الدولة لتهديدات المباحث خوفا من فقدان وظائفهم، أما الشباب والنساء فقد أصروا على حضور الصلاة، مما حدا برجال الشرطة إلى إطلاق النار عليهم وقتل ثلاثين منهم، بينهم نساء.

واتخذت السلطات الصينية إجراءات أمنية من ضمنها منع صلوات الجماعة، ومنع الموظفين والمدرسين والطلاب من الصوم، ومعاقبة أي شخص يحث المسلمين على أداء هذه الفريضة.

كما أصدرت السلطات أوامرها إلى المطاعم بأن تفتح أبوابها في نهار شهر رمضان، وطلبت من الرجال الملتحين بأن يحلقوا لحاهم، والنساء اللواتي يرتدين الحجاب بنزعه، وإلا فإن الحكومة ستتخذ التدابير لإجبارهم على ذلك.

وعللت السلطات الصينية وفق ما ذكرت وكالة أنباء فرنسية بأن هذه الإجراءات تهدف إلى تأمين الأوضاع بالإقليم بعد سلسلة هجمات أودت بحياة 20 ضابطا ورجل أمن صينيا، وألقت باللائمة فيها على جماعات إسلامية تهدف إلى إستقلال الإقليم عن الصين وإقامة دولة إسلامية.

غير أن بكين لم تقدم دليلا واحدا على صدق ادعاءاتها بحسب تقرير سابق لوكالة الأنباء الفرنسية.

ورغم كل ما ورد من مذابح ارتكبت بحق ملايين المسلمين فى تركستان الشرقية على أيدى الحكومات الشيوعية المتعاقبة التى لا دين ولا ملة لها، إلا أننا ينبغى أن نقف أمام حقيقة مفزعة بكل المقاييس هى..

أرقام هيئة الجمارك الصينية تشير إلى توسع التجارة بين الصين و22 دولة عربية – مسلمة – الأعضاء فى جامعة الدول العربية خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2008 بنسبة 29.6% مقارنة بنفس الفترة من عام 2007، لتصل إلى 55.08 مليار دولار أمريكى، وبلغت نحو80 مليار دولار عام 2008، وصولا إلى تجاوزها الـ100 مليار دولار عام 2010، وانتهاءا بنحو 200 مليار دولار بنهاية 2015.

ألم يحن الوقت يا مسلمين وياعرب أن تحذوا حذو صاحب محل ألعاب الأطفال، الذى فكر وقرر المقاطعة الاقتصادية للصين بمجرد علمه بما يحدث هناك للمسلمين فى تركستان الشرقية؟

فتحية لهذا التاجر، ودعاء من القلب له من نحو 21 مليون مسلم مضطهدين فى تركستان الشرقية بأن يجزيه الله خير الجزاء، ويكون نموذج لكل مسلم يهب لنصرة أخيه المسلم.

للتواصل مع الكاتب
[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى