رأى

مفيض توشكى: الحائط الأول للدفاع عن مصر ومنبع نهر غرب الوادي

بقلم: أ.د.صبحي فهمي منصور

أستاذ الأراضي بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة – مركز البحوث الزراعية

كلنا يعلم مدى تصاعد الخلافات بين مصر وإثيوبيا، التي ترفض الحل السلمي لهذه الخلافات، وأخيرًا الأضرار التي لحقت بدولتي المصب (مصر والسودان) من خلال عمل فيضان صناعي مفاجئ بدون أن تُعلم دولتا المصب للتنسيق بينهم. وأكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أن «الجانب الإثيوبي استغل فترة المفاوضات لفرض الأمر الواقع»، و«مصر تحتفظ بحقها في الدفاع عن مصالحها، وهو موقف واضح لا يحتمل اللبس، ونتابع عن كثب أي تطورات تحدث في منطقة الحوض الشرقي».

أولًا: مفيض توشكى الحائط الأول للدفاع عن مصر

نظرًا لأن إثيوبيا لا تحترم عهودًا أو اتفاقيات، ولها في ذلك سوابق كثيرة، يجب علينا أن نأخذ حذرنا من احتمال انهيار السد في أي لحظة، خاصة أنه لا يوجد تنسيق بينها وبين دول المصب. وعلينا أن نتساءل ما هي الخطوات التي يجب أن نستعد لها، علمًا أن هذا السد يمتلئ بـ74 مليار متر مكعب من المياه، ومنسوبه يصل إلى 150 مترًا أعلى سطح التربة. وهناك دراسات تحدد الوقت الذي تستغرقه مياه هذا السد للوصول إلى مصر عند بحيرة ناصر، وهو 12 يومًا.

ماذا نحن فاعلون إذا ما قدر الله أن نحافظ أولًا على جسم السد العالي من الانهيار، وثانيًا على عدم حدوث أضرار لسكان مصر، خاصة إذا علمنا أن مفيض توشكى يستوعب حتى 120 مليار متر مكعب من المياه، ولكن يحده التصرف من بحيرة ناصر إلى المفيض بكمية تقدر بـ330 مليون م³/يوم، كما أن التصرف اليومي للسد العالي يصل إلى 250 مليون م³/يوم، ومفيض الطوارئ للسد العالي يصل إلى 200 مليون م³/يوم.

وبحسبة بسيطة نجد أن كل ما يتم تصريفه من خلال السد العالي والمفيض بدون حدوث أي أضرار للأراضي الزراعية وللبشر هو:
330 + 250 + 200 = 780 مليون م³/يوم، ويمكننا أن نوصلها إلى مليار م³/يوم، وبهذا يمكننا تصريف حوالى 12 مليار م³ مياه يوميًا.

لذا يجب علينا العمل الآتي:

1ـ العمل على تفريغ المياه من بحيرة ناصر، وبافتراض أنها ممتلئة عن آخرها (بمعنى أن السعة الحية لها تحتوي على 90 مليار م³ من المياه)، ويجب تفريغ جزء منها بما يقارب سعة خزان سد النهضة، وما قد يستجد من انهيار بعض من السدود السودانية، أي العمل على تفريغ ما يقرب من 74 مليار م³ في مدة لا تتجاوز 12 يومًا، وهي المدة التي تستغرقها مياه سد النهضة للوصول للبحيرة.

2ـ إذا قسمت هذه الكمية على المدة نجد أنه لابد من تصريف ما يقرب من 5 مليار م³/يوم من البحيرة إلى المنخفض (5 × 12 = 60 مليار م³).

3ـ بافتراض تصريف ما يقرب من مليار م³/يوم من خلال السد العالي × 12 يوم = 12 مليار م³.

4ـ نجد أن إجمالي ما يتم تصريفه من خلال السد العالي ومفيض توشكى يصل إلى 60 + 12 = 72 مليار م³، وبهذا يمكن تفريغ البحيرة من المياه لتستقبل مياه سد النهضة بدون أي أضرار أو فيضانات تضر بالإنسان أو الجماد.

لكي يتم ذلك، لابد من استبدال السد الترابي الفاصل بين البحيرة والمفيض، الذي يتم فتحه وغلقه من خلال اللوادر والحفارات (وقد تستغرق العملية وقتًا قد لا نملكه)، إلى بوابات تفتح وتغلق أوتوماتيكيًا، وحبذا إذا تم عمل سد للاستفادة منه في توليد الكهرباء. بالإضافة إلى العمل على زيادة التصرف الخارج من البحيرة إلى المفيض ليصل إلى 5 مليار م³/يوم.

ثانيًا: منبع نهر غرب الوادي

كلنا يعلم أن أرض مصر تنحدر من الجنوب إلى الشمال، ومفيض توشكى (منسوبه 126 م فوق منسوب سطح البحر، وهو أقل من منسوب بحيرة ناصر 179 م)، ويستوعب ما يقدر بـ120 مليار م³ من المياه، ويمكن تطهيره ليستوعب 200 مليار م³ (ليكون مخزنًا للمياه عند توصيل نهر النيل بنهر الكونغو).

بدلاً من ترك هذه الكمية الضخمة من المياه العذبة لتتبخر بفعل درجات الحرارة العالية في الجنوب، أو تركها لتتخلل إلى المياه الجوفية، يمكننا العمل على توصيلها لمحافظة الوادي الجديد من خلال البحيرة الغربية بمفيض توشكى، والتي تبعد عن المحافظة 85 كم فقط. ورغم أن سطح الأرض منحدر من الجنوب إلى الشمال، إلا أننا وجدنا تبة صغيرة تعوق جريان الماء، وكما نجد، في حالة إزالة هذه التبة، ستجري المياه في اتجاه انحدار التربة لتصل إلى واحة باريس، ثم إلى الخارجة، وهكذا تصل مياه النيل إلى محافظة الوادي الجديد.

تعتبر محافظة الوادي الجديد أكبر محافظات مصر مساحة، حيث تبلغ مساحتها نحو ثلثي مساحة الصحراء الغربية، أي 43.6% من إجمالي مساحة مصر.

يمكن اعتبار مفيض توشكى منبع هذا النهر وتسميته نهر غرب الوادي. وبوصول المياه إلى المحافظة، يمكن زراعة ما يقرب من 470 ألف فدان في هذه المنطقة (المقترح موضح على الخريطة باللون الأزرق).

الخط الأزرق يمثل النهر الخارج من مفيض توشكى متجهًا إلى الوادي الجديد.

وبالنظر إلى الخريطة (شكل 2)، يمكن العمل على مد هذا النهر عن طريق السير في المنخفضات حتى وصوله إلى النهر الصناعي بالدلتا الجديدة، ليكون مصدرًا لإمداده بالمياه العذبة بدون الحاجة إلى محطات رفع، وبهذا يمكننا التوسع في زراعة واستصلاح أراضٍ جديدة على طول جانبي هذا النهر.

شكل 2 يوضح الواحات في الصحراء الغربية التي يمكن أن يتخللها النهر حتى الوصول إلى النهر الصناعي.

النهر الصناعي في مصر

هو نظام لنقل المياه الجوفية والصرف الزراعي والصحي المعالج، ويعتمد على شبكة من المواسير ومحطات الرفع العملاقة وشبكات الري الحديثة، بهدف تحقيق الأمن الغذائي لمصر وتوسيع الرقعة الزراعية، خاصة في الصحراء الغربية ووسط وشمال سيناء.

أولًا: النهر الصناعي في الصحراء الغربية

يجري الآن استكمال أعمال إنشاء أضخم نهر صناعي في العالم بطول 114 كيلومترًا في قلب الصحراء، حيث من المقرر أن ينتج النهر نحو 10 مليون م³ من المياه. ويأتي هذا المشروع الضخم في إطار استكمال استصلاح وزراعة 2.2 مليون فدان، بما يمثل 23% من حجم الرقعة الزراعية التي تملكها مصر حاليًا (تقريبًا 25% من المساحة الزراعية في مصر).

النهر الصناعي سيضم 22 كيلومترًا من المواسير المدفونة تحت الأرض، تقوم بنقل المياه الجوفية والصرف الزراعي والسطحي، بعد معالجتها بمحطة «منطقة الحمام»، لزراعة 2.2 مليون فدان بالصحراء الغربية. بالإضافة إلى المسار المفتوح للنهر، الذي يمتد بطول 92 كيلومترًا، وقد تم الانتهاء بالفعل من 35% من الأعمال الإنشائية لمواسير نقل المياه، و65% من أعمال المنطقة المكشوفة.

ويعتمد أكبر «نهر صناعي» في العالم لري «الدلتا الجديدة» على مصادر المياه الآتية:

1ـ مياه الصرف الزراعي والصحي بغرب الدلتا: بدلاً من إلقائها في مصرف المكس، والتي تلوث شواطئ الإسكندرية، سوف يتم تحويل مسارها ومعالجتها ثلاثيًا في محطة عملاقة بمنطقة الحمام لتكون أكبر من محطة بحر البقر.

2ـ مياه النيل: يتم نقلها من فرع رشيد من خلال ترعة صناعية جاري العمل على تنفيذها.

3ـ المياه الجوفية: من خلال السحب من خزان المياه الجوفية بمنطقة غرب وجنوب العلمين بنسب مدروسة.

ثانيًا: النهر الصناعي الجاري تنفيذه في شمال ووسط سيناء

يضم مسارين لنقل المياه المعالجة بواسطة محطة “بحر البقر”، والمتدفقة بترعة الشيخ جابر إلى مناطق متفرقة بسيناء استعدادًا لزراعتها لأول مرة. يبلغ طول المسار الأول 80 كم، وهو عبارة عن مواسير تمتد من جنوب ترعة الشيخ جابر، ويتفرع بعدها بمناطق جنوب بئر العبد والقنطرة شرق وشرق البحيرات، حتى يصل إلى الجفجافة بوسط سيناء.

بينما يتم تنفيذ المسار الثاني من جنوب قاطية إلى جنوب الشوحط، وهو عبارة عن مسار مكشوف. ويبلغ طول النهر الصناعي بسيناء نحو 108 كم، تشمل 18 محطة رفع عملاقة، ستساهم بزراعة نحو نصف مليون فدان بواسطة جهاز “مستقبل مصر” التابع للجيش المصري.

لذا، أهدى فكرتي هذه إلى كل من ينتمي إلى تراب هذا الوطن ويجاهد في رفع شأنه عاليًا. فمصر، المكان والمكانة، تستحق أكثر مما هي عليه الآن، وهذا هو دورنا جميعًا.

وفي النهاية، أؤمن بالحكمة التي تقول:
«لا تجعل الفكرة تقف عندك، اجعلها كلمة سائرة، عسى الله أن يصلح بها وطن».

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى