تحقيقات

زراعة المكسرات في سيناء بين التجربة والواقع

كتب: هيثم خيري تشهد عدة بقاع من الأراضي المصرية هذه الأيام واقعا جديدا في تراكيب محاصيل المكسرات أو “النقليات” في مصر، وخاصة في محافظتي جنوب سيناء وشمال سيناء، قد تغير من أنماط استهلاك المصريين للفستق وعين الجمل واللوز والبندق، وتجعل من هذه السلع التي تعتبرها الحكومة رسميا “استفزازية” في متناول الأيدي بأسعار أقل من المستوردة.

بعد أيام من الآن، سيتجدد الحديث عن فاتورة استيراد الياميش والمكسرات، بأرقام فلكية تصل إلى عدة مليارات من الجنيهات. وتؤكد التقارير الصادرة العام الماضي عن الإدارة المركزية للحجر الزراعي بـوزارة الزراعة أن السوق المصرية استقبلت 21 ألف و55 طنا من 6 أصناف من المكسرات قبل شهر رمضان تبلغ قيمتها السوقية أكثر من 2 مليار و100 مليون جنيه خلال موسم رمضان فقط، ووفقا للتقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الشهر الماضي، فقد استوردت مصر سلعا استفزازية بينها المكسرات خلال 8 أشهر بما يتجاوز 103 مليون دولار، وسط توقعات باستمرار استيراد المكسرات من الخارج وفقا لاحتياجات المستهلكين قبل شهر رمضان المبارك.

في هذا التحقيق، سنحاول تقصي رحلة بحث لتتبع أثر زراعة المكسرات أو “النقليات” في مصر، وتعرض التجارب الناجحة التي أثبتت جدواها الاقتصادية، وبدء زراعتها على نطاق 400 فدان في محافظة جنوب سيناء، وإمكانات نشر هذه الزراعات والتوسع فيها في العديد من المحافظات المصرية وفقا لاحتياجاتها من المياه والتربة والظروف الملائمة لزراعتها.

التاريخ يثبت نجاح زراعة البندق

تبدأ رحلة بحثنا مع عبد الرحمن أمين أبو ركاب عبد الرحمن امين ابوركاب، المزارع بالفيوم، والذي قام بزراعة أصناف غريبة عن البيئة المصرية وأثبتت نجاحها مثل الشاي، حيث يؤكد أن محمد علي باشا زرع بنفسه أشجار البندق في حديقة قصره بمنطقة كوم أوشيم، ولا تزال شاهدة حتى الآن على إمكانية زراعة البندق في البيئة المصرية.

ويذكر التاريخ أن أفراد الأسرة المالكة كانوا يزورون كوم أوشيم ويتنزهون في الحديقة البالغ مساحتها 55 فدان، وهي تقع بجوار قصر محمد علي، وكانوا يتجولون وسط أشجار الزيتون والبندق والفواكه.

تجارب زراعة المكسرات

ويسعى مئات المهندسين الزراعيين على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الزراعية لزراعة البندق والمكسرات في مصر، يشهد على ذلك زيادة الحديث الدائر حول تجارب إكثار اللوز والبندق وعين الجمل والفستق وإلحاحهم في الأسئلة والاستفسارات عن البيئة المناسبة لنمو الأشجار.

ومن بين هؤلاء المهندس الزراعي طارق محمد، الذي يقول إنه يجمع المعلومات والدراسات عن زراعة البندق، وقدم طلبا باستيراد بعض التقاوي والشتلات من صديق له في دولة الإمارات وينتظر مجيئها لتجربتها.

أما المهندس الزراعي محمد فهمي، فله تجارب ناجحة في زراعة أشجار الفستق واللوز لكنها لا تزال مجرد تجارب وإن بدأت في مرحلة الإثمار، كما يؤكد.

ننتقل من التجارب الصغيرة إلى التجارب الكبرى التي أثبتت نجاحها في الأراضي السيناوية، حيث يؤكد المهندس عاطف حامد، مدير مديرية زراعة جنوب سيناء، أن المحافظة نجحت في زراعة الفتسق واللوز وعين الجمل في مدينة وأراضي سانت كاترين على نطاق أوسع من ذي قبل، وأصبح المزارعون يقبلون بشغف على زراعة مساحات من أراضيهم بمحاصيل النقليات أو المكسرات.

يضيف المهندس عاطف حامد قائلا: تعتبر جنوب سيناء من المحافظات الصحراوية، ورغم ذلك فقد حباها الله بالظروف البيئية والمناخية المتنوعة بين مدن المحافظة، وتعتبر سانت كاترين من المدن التي تقل فيها درجات الحرارة بشدة شتاء، ولذا تعتبر من أهم عوامل نمو أشجار النقليات وبخاصة الفستق، حيث تم توقيع بروتوكول تعاون بين المركز القومي للبحوث وأكاديمية البحث العلمي ومحافظة جنوب سيناء بهدف التوسع في أشجار النقليات على مستوى محور قناة السويس وجنوب سيناء على وجه الخصوص، وبالفعل تم توزيع الشتلات لزراعة 420 فدان بأشجار اللوز وعين الجمل والفستق، ويقود هذا العمل الرائد في مصر الدكتور محمود سامي أبو رية، أستاذ الفاكهة بـالمركز القومي للبحوث.

نجاح زراعة 10 آلاف شتلة

ويشير مدير مديرية الزراعة بجنوب سيناء إلى أن المرحلة الأولى من المشروع تضمنت توزيع 10 آلاف شتلة على المزارعين مجانا منذ 5 سنوات، وأثبتت نجاحها الكبير، وتم جمع أول محصول من المزارعين من قبل مديرية الزراعة بهدف تسويقها وأثبت المحصول نجاحا من أول إثمار له، موضحا أن التجارب استهدفت معرفة طبيعة المناطق وتأثير الظروف البيئية والمناخية على نمو الأشجار، وتنفيذ العديد من الدورات التدريبية للمزارعين على زراعتها، وبدأت المديرية منذ عدة أشهر فقط في نقل تلك التجارب إلى مزارعي راس سدر والطور بدعمهم بالدورات التدريبية لكيفية الزراعة وخدمة الأشجار وتوزيع الشتلات المجانية عليهم.

يوضح الأمر أكثر الدكتور محمود سامي أبو رية، أستاذ الفاكهة بقسم تكنولوجيا الحاصلات البستانية بالمركز القومي للبحوث، ومدير المشروع، أن المركز أجرى بعض التجارب والأبحاث المطورة على التربة الزراعية بمدن المحافظة بالاشتراك مع باحثي المركز، من خلال فريق عمل ضم 8 تخصصات منذ عام 1998 وحتى 2007، ونجحت بالفعل التجارب نظرا لملاءمة التربة بها ولظروف المناخ، مضيفا أن تلك المحاصيل تجود زراعتها في التربة الرملية والطينية، وبعضها يتحمل الجفاف مثل الفستق واللوز، فتلك الزراعات تعتبر غذاء ودواء في الوقت نفسه، وغنية بالبروتينات والألياف وتساعد في الوقاية من الأمراض السرطانية وتعمل على حماية القلب كما تحتوي على نسبة كبيرة من الدهون المفيدة.

إكثار وزراعة المكسرات في جنوب سيناء

ويضيف الدكتور سامي: تساؤلت منذ 25 سنة عن إمكانية التخلي عن استيراد المكسرات من الخارج بالعملة الصعبة، وتوفير البدائل في الأراضي الصحراوية لزراعة محاصيل تدر ربحا فائق الربحية مقارنة بالمحاصيل الأخرى، وفي اعتقادي أن الأبحاث الكبرى تحتاج إلى الصبر، وأصبحت قضية نشر زراعة المكسرات في مصر هي قضية عمري، وبدأت في مخاطبة المسئولين إلى أن وصلنا لصيغة بروتوكول التعاون مع محافظة جنوب سيناء لإكثار وزراعة المكسرات على نطاق واسع.

ويقول الشيخ جميل عطية، المزارع بمنطقة سانت كاترين، أن مدينة سانت كاترين تشتهر منذ قديم الزمن بزراعة الفواكه واللوز، وخبرتنا من ايام أجدادنا في الزراعة بالتعاون مع المركز القومي للبحوث صرنا نشهد إنتاجا في أشجار الفستق واللوز وبعض الأشجار المعمرة الأخرى لم نكن نراها من قبل بهذه الصورة، وزادت إنتاجيتنا من هذه المحاصيل.

ويروي حمدي فتيح، مزارع بجنوب سيناء، تجربة زراعته للوز والفستق فيقول: كلما أعطيت الزراعة حقها أعطتك ثمارا طيبة، وعلى قدر الاجتهاد يكون الجزاء، ومن خلال مشروع المركز القومي للبحوث حصلنا على الشتلات وعرفنا من المهندسين طريقة الزراعة ومواعيد الري والتسميد والحمد لله نجحنا وأصبح المزارعون يسألون عن هذه الأصناف ويسعون لزراعتها في أراضيهم وحدائقهم.

شمال سيناء الأولي في زراعة اللوز

ومن جنوب سيناء إلى شمال سيناء، حيث يتحدث الدكتور وائل موسى غيث Wael Ghieth، مدير محطة بحوث صحراء شمال سيناء بالشيخ زويد، والملقب بـ “أبو اللوز” في مصر عن تفاصيل زراعة اللوز في شمال سيناء، باعتبارها المحافظة الأولى على مستوى الجمهورية في هذا المحصول، مؤكدا أنه كان يزرع حتى وقت قريب على نطاق 15 ألف فدان في منطقتي الشيخ زويد ورفح، إلا أن مواجهة الإرهاب وانصراف المواطنين عن الزراعة أدت لهجر نسبة كبيرة من الأراضي، ومن المتوقع عودتها لسابق عهدها بعد الانتهاء من الحرب الدائرة على الإرهاب بأراضي المحافظة.

بدأ الدكتور وائل بحثه على مدى 5 سنوات ـ كما يؤكد ـ انتقل فيها بين المحافظات لتتبع أصناف اللوز، ضمن مشروع كان ممولا من مركز بحوث الصحراء وتوقف تمويله، فاضطر لاستكماله على نفقته الخاصة، بهدف “حل لغز إكثار اللوز في مصر”.

مشكلة زراعة اللوز

ويضيف الدكتور وائل: مشكلة اللوز أنه لا يعرف التوافق الذاتي والخلطي، بحيث أنه لا يلقح نفسه، ولذلك يجب أن يتم زراعته مع أصناف معينة حتى يثمر بشكل جيد، فلو حدث اختلاف في مواعيد تلقيح المتوق (الأجزاء المذكرة في الزهرة) للمياسم (الأجزاء المؤنثة في الزهرة) يحدث خلل في الشتلة ولا تعطي ثمارا وهذا ما يسمى بعدم التوافق الذاتي، وهذه ظاهرة طبيعية تحدث في شمال سيناء، إلا أننا استطعنا مواجهتها.

ويتابع الدكتور وائل: اللوز شجرة صحراوية ممتازة نصفها بالشجرة الذهبية في سيناء، ونجح المركز في استيراد بعض الأصناف وانتخاب مجموعة من الشتلات لتصبح توليفة يتم تطعيم الأشجار بها مجتمعة، بحيث يتم تقسيم البستان إلى 4 أجزاء ويزرع في كل قسم من الأقسام الأربعة نوع من أشجار اللوز، للحصول على أعلى إنتاجية للمحصول، ويتم زراعتها في رفح والشيخ زويد على مياه الأمطار والري التكميلي بـالمياه العذبة، لأنه لا يتحمل الملوحة الشديدة للمياه الجوفية التي وصلت في الآبار السيناوية إلى 3 آلاف جزء في المليون، مؤكدا أن اللوز يزرع في شمال سيناء منذ زمن بعيد حيث كان ولا يزال الأصل في زراعة الخوخ السيناوي المطعوم بشجر اللوز المر، فضلا عن أن هذه الأشجار المرة لها فوائد عديدة في تطعيم المشمش والرقوق والنكتارين واللوز الحلو.

وحول زراعة عين الجمل والفستق والبندق فيؤكد أنه غير مجد في شمال سيناء، ويعتبر تمثيله ضعيفا جدا لا يرقي للتمثيل المشرف، حيث جرب بنفسه زراعة الفستق في وسط سيناء على مدى عشر سنوات وباءت محاولاته بالفشل.

تراجع الإقبال علي شراء المكسرات

ويبقى الإشارة إلى توقعات شعبة العطارة بغرفة القاهرة التجارية بأن يتراجع الإقبال على استهلاك المكسرات في رمضان القادم أسوة بالموسم الماضي، حيث تراجعت القدرة الشرائية للمكسرات بنسبة 50% مقارنة بالسنوات السابقة تأثرا بارتفاع الأسعار الرهيب، حيث سجل كيلو الكاجو المحمص 320 جنيها، وزاد سعر كيلو عين الجمل المقشر إلى 280 جنيها، وبلغ سعر كيلو اللوز 280 جنيها، وزاد سعر كيلو البندق المقشر إلى 190 جنيها.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. اللوز وعين الجمل موجود من سنة ١٩٧ج وناجحه جدا في سينا وعندي شتلات بكميات كبيره وعندي خبره في زراعتها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى