الحاصلات البستانية ودورها في توفير بدائل غذائية مستدامة
إعداد: د.أسامة محمد مبروك الشيخ
باحث بقسم بحوث الحاصلات البستانية والبدائل الغذائية بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية
التنمية المستدامة هي هدف تسعى إليه الدول والحكومات لضمان تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17 التي وضعتها الأمم المتحدة، يعد وجود نظام غذائي مستدام أمراً ضرورياً وأساسياً لتحقيق أهدافها. فالقضاء على الجوع (الهدف الثاني) يتطلب توفير غذاء صحي وكافٍ لجميع السكان، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون نظام غذائي فعّال ومستدام.
أما الصحة الجيدة والرفاه (الهدف الثالث)، فنجد أن التغذية السليمة جزء أساسي من الصحة، وأن النظام الغذائي المتوازن يحد من الأمراض المرتبطة بسوء التغذية. أما الاستهلاك والإنتاج المسؤولان (الهدف الثاني عشر)، فقائم على تقليل الفاقد والمهدر من الغذاء وتحسين طرق الإنتاج والتوزيع. ولما كان العمل المناخي هو (الهدف الثالث عشر)، فإن الزراعة والغذاء يسهمان في انبعاثات الكربون، وبالتالي في التأثير على التغيرات المناخية. لذلك، فإن العمل على اتخاذ الوسائل والبدائل المتاحة لاستدامتهما يقلل من التأثير السيئ على البيئة. كما أن الحياة على الأرض (الهدف الخامس عشر) تتطلب الحفاظ على التنوع البيولوجي والأنظمة البيئية التي تتأثر بطرق وأساليب الزراعة.
ومن خلال ما تقدم، فإن تحقيق أهداف التنمية المستدامة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإصلاح النظام الغذائي العالمي وجعله أكثر عدالة وكفاءة واستدامة بيئية واقتصادية.
النظام الغذائي وأهميته
يُعد النظام الغذائي جزءاً أساسياً من حياة الإنسان، حيث يؤثر بشكل مباشر على الصحة الجسدية والعقلية. يُسهم النظام الغذائي في الوقاية من الأمراض وتعزيز جودة الحياة. يشمل النظام الغذائي جميع أنواع المنتجات الغذائية والمشروبات التي يتناولها الفرد يومياً، ويجب أن يكون متوازناً ليزود الجسم بجميع العناصر الغذائية الأساسية مثل البروتينات والكربوهيدرات والدهون الصحية، والفيتامينات والمعادن. وفي ظل التحديات المختلفة التي تواجه تحقيق نظام غذائي متوازن لصحة أفضل، تتعدد الأسباب التي قد تكون مزيجاً من أمور ترتبط بالعوامل البشرية أو غيرها.
أهم التحديات التي تواجه الأنظمة الغذائية
1ـ سوء التغذية: يشمل كلاً من نقص التغذية (كفقر الحديد ونقص البروتين) والزيادة والإسراف في التغذية (كالسمنة)، وهذا يشكل تحدياً كبيراً للصحة العامة.
2ـ الإعتماد المتزايد على الأغذية والوجبات الجاهزة السريعة والمصنعة: أدى إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.
3ـ التغيرات المناخية: تؤثر سلباً على إنتاج الغذاء وجودته، مما يهدد الأمن الغذائي العالمي.
4ـ الفقر وسوء توزيع الغذاء: يعاني ملايين الأشخاص من الجوع بسبب ضعف القدرة الشرائية وسوء التوزيع العادل للغذاء.
5ـ قلة الوعي الغذائي: يؤدي نقص المعلومات الصحية إلى اتباع عادات غذائية غير سليمة بين كثير من الأفراد.
6ـ التحديات البيئية والزراعية: مثل تدهور التربة، قلة المياه، وزيادة استخدام المبيدات، تؤثر على جودة وسلامة الغذاء.
7ـ الظروف السياسية والحروب: والمشاكل الناتجة عنها في حركة التجارة العالمية.
البحث عن بدائل وأساليب مبتكرة
باستعراض أهم التحديات، كان من الضروري البحث عن بدائل وأساليب مبتكرة تساهم في بناء نظام غذائي أكثر كفاءة وعدالة، وكان من أبرزها:
1ـ تشجيع الزراعة المستدامة: باستخدام تقنيات تقلل من استهلاك المياه والمبيدات، وتحافظ على التربة والبيئة.
2ـ الإعتماد على مصادر بروتين بديلة: مثل البروتين النباتي وإنتاج بدائل صحية من اللحوم والألبان النباتية لتقليل الضغط على الثروة الحيوانية.
3ـ تقليل هدر الطعام: عبر تحسين سلاسل الإمداد والتخزين، والتوعية المجتمعية بأهمية الاستهلاك المسؤول.
4ـ التثقيف الغذائي: لتمكين الأفراد من اختيار أطعمة صحية ومتوازنة، ما ينعكس على صحتهم العامة ويقلل من العبء الصحي على الدول.
5ـ دعم النظم الغذائية المحلية: وتشجيع الإنتاج والاستهلاك المحلي لتقليل الإعتماد على الواردات وتعزيز الأمن الغذائي.
6ـ التكنولوجيا والابتكار: استخدام الذكاء الاصطناعي، الزراعة الرأسية، واستخدام الأساليب المختلفة لتحسين الإنتاجية وجودة الغذاء.
إن تنفيذ هذه البدائل والأساليب يمثل خطوات ضرورية نحو تحقيق نظام غذائي أكثر استدامة وصحة، يواكب المتغيرات العالمية ويحمي مستقبل الأجيال القادمة.
الحاصلات البستانية والتنمية المستدامة
تعتبر الحاصلات البستانية بمختلف أنواعها من نباتات فاكهة وخضر ونباتات طبية وعطرية ونباتات زينة وغيرها من دعائم الدخل القومي لمعظم دول العالم، لأهميتها في تحقيق احتياجات الشعوب من المواد الغذائية وتصدير الفائض منها إلى الدول الأقل إنتاجاً وتميزاً مقابل العملة الصعبة والاستفادة بها واستثمارها في مختلف المشروعات التنموية بالبلاد.
ترجع أهمية الحاصلات البستانية، خاصة الفاكهة والخضر، إلى استخدامها مباشرة في تغذية الإنسان سواء بحالتها الطازجة أو بعد دخولها في بعض الصناعات الغذائية، وذلك كمصدر رئيسي للمواد الكربوهيدراتية والبروتينية والدهنية والفيتامينات والمعادن، بجانب العديد من المركبات الفعالة والنشطة حيوياً مثل مضادات الأكسدة والميكروبات والالتهابات والعديد من الوظائف الحيوية الأخرى. كما تشمل الصناعات الأخرى مثل استخراج الزيوت العطرية والأحماض والإنزيمات والبكتين، فضلاً عن تحضير بعض العقاقير الطبية التي تعالج بعض الأمراض.
تختلف الحاصلات البستانية عن المحاصيل الحقلية (القمح، الأرز، الذرة، القطن، وغيرها) بتعددها وتنوعها، واختلافها الكبير في طبيعة نموها ودورة حياتها وعمرها الافتراضي ونوعية الثمار البستانية المنتجة وموعد ظهورها واستخداماتها المختلفة، ولذلك فإن هذا التنوع يسهم بشكل كبير في تحقيق الاستدامة الزراعية والاقتصادية.
الاستدامة الزراعية
ـ تقليل المخاطر الناتجة عن تغير المناخ: وجود أنواع مختلفة من النباتات ذات احتياجات وظروف نمو متنوعة يقلل من احتمال تأثر كل المحصول بتغير مناخي معين كالجفاف أو الحرارة العالية أو الصقيع.
ـ تحسين خصوبة التربة: بعض المحاصيل مثل البقوليات تثبت النيتروجين في التربة، مما يقلل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية ويحسن من بنيتها، مما يخلق بيئة أفضل للنباتات الأخرى ويزيد من مقاومتها.
ـ تقليل استخدام المبيدات: التنوع النباتي يحد من انتشار الآفات والأمراض (كسر دورة حياتها)، حيث إن بعض الحشرات أو الفطريات تتخصص في نوع نباتي معين وبالتالي يحد من انتشارها مما يقلل الحاجة لاستخدام المبيدات الضارة بالبيئة.
ـ إدارة الموارد بشكل أفضل: التنوع يتيح استخداماً متوازناً للماء والضوء والعناصر الغذائية، ما يعزز كفاءة الموارد.
ـ تقليل تدهور التربة: التنوع في الغطاء النباتي يقلل من تعرية التربة ويحافظ على بنيتها.
الاستدامة الاقتصادية
ـ تنويع مصادر الدخل: التنوع يقلل من مخاطر الخسارة في حال فشل أحد المحاصيل، ويحافظ على توفر الغذاء ويتيح تسويق منتجات متعددة.
ـ زيادة فرص العمل: تنوع المحاصيل يعني توافر أنشطة زراعية مختلفة على مدار العام، مما يوفر فرصاً للعمالة الريفية.
ـ تحقيق عوائد مرتفعة: بعض الحاصلات البستانية مثل الفواكه والنباتات العطرية والطبية ذات قيمة سوقية عالية، مما يعزز الربحية.
ـ مرونة السوق: في حال تقلبات الأسعار أو الطلب، يمكن التحول بسهولة بين المحاصيل، مما يحسن من القدرة التنافسية للمزارع.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.