رئيس التحرير

«النباتات الطبية والعطرية» سر النهضة الزراعية القادمة في مصر

بقلم: د.أسامة بدير

كلما تأملت خريطة مصر الزراعية، شعرت أننا نمتلك كنزاً دفيناً ما زال في انتظار من يُخرجه إلى النور. ليس بترولاً ولا غازاً… بل نباتات بسيطة في شكلها، لكنها غالية في قيمتها: النباتات الطبية والعطرية. إنه “الذهب الأخضر” الذي بدأ يعود من جديد، ومعه أمل كبير في أن تستعيد مصر مكانتها القديمة كواحدة من أهم دول العالم في هذا المجال.

منذ آلاف السنين، كانت مصر بلد النباتات المقدسة والعطور والزيوت. أجدادنا القدماء لم يتركوا نباتاً إلا واستخدموه في الطب أو التحنيط أو الطقوس الدينية. واليوم، ومع ازدياد الطلب العالمي على المنتجات الطبيعية، يعود التاريخ ليفتح لنا الباب من جديد.
لكن الفرق هذه المرة أن الفرصة ليست فقط في الزراعة، بل في الصناعة والتصدير والإبداع.

في رأيي، ما يميز هذا القطاع هو أنه لا يحتاج استثمارات ضخمة ولا مساحات شاسعة من الأرض، بل يحتاج فقط إلى عقل مدبر وتنظيم حقيقي. فكل فدان من النعناع أو البردقوش أو الكاموميل يمكن أن يدر ربحاً مضاعفاً مقارنة بمحاصيل تقليدية كالأرز أو القمح.

كل يوم يزداد الطلب في أوروبا وأمريكا وآسيا على الزيوت العطرية والمستخلصات الطبيعية. العالم يتجه نحو “العودة إلى الطبيعة”، ونحن في مصر نملك الطبيعة بكل تفاصيلها. لكن ما ينقصنا – من وجهة نظري – هو إدارة قوية لسلاسل القيمة: من الزراعة، إلى التجفيف، إلى التعبئة، إلى التصدير. فالقيمة الحقيقية ليست في الزراعة فقط، بل في تحويل العشب إلى منتج يحمل اسم “صُنع في مصر” على رفوف العالم.

أنا أؤمن أن الفلاح المصري يمكن أن يكون هو عمود هذا المشروع الذهبي. فلو حصل على تدريب بسيط وإرشاد واضح، وتوفرت له منظومة شراء عادلة، سيتحول كل فلاح صغير إلى منتج يصدر للعالم. الفكرة ليست مستحيلة، بل هي مسألة تنظيم وتعاون بين الدولة والقطاع الخاص ومراكز البحوث الزراعية.

الحديث عن النباتات الطبية والعطرية لا يكتمل دون ذكر العلم والبحث. نحتاج إلى تطوير أصناف جديدة أكثر إنتاجاً وجودة، وإنشاء معامل متخصصة لتحليل الزيوت وضبط المواصفات، وتوفير الدعم الفني للمزارعين. لدينا علماء كبار في مركز البحوث الزراعية ومعامل الجودة قادرون على قيادة هذه الثورة الخضراء إذا توفرت لهم الأدوات والإمكانات.

من وجهة نظري، هذا القطاع ليس مجرد “فرصة اقتصادية”، بل مشروع وطني بكل معنى الكلمة. مشروع يعيد الريف إلى الحياة، ويوفر فرص عمل للشباب، ويجعل مصر تتحدث بلغة جديدة في أسواق العالم. لقد آن الأوان أن نؤمن أن ثروتنا ليست فقط في الأرض… بل في ما نزرعه بعقلنا قبل أيدينا.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى