رأى

مياه مفيض توشكى والأمطار: التحدي الكبير لمصر

بقلم: أ.د.صبحي فهمي منصور

أستاذ الأراضي بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة – مركز البحوث الزراعية

من المعلوم لدينا جميعًا أن المياه من أهم المحددات الرئيسة، فهي تؤثر على نوع النشاط الاقتصادي وحجمه ومكانه. وحيثما وُجدت المياه توجد الحياة، فهي ثاني متطلبات الحياة بعد الهواء، وينطبق عليها المثل القائل: “أهون موجود وأعز مفقود”. نشترك جميعًا في عدم الاهتمام بالمياه حيثما توجد، ونفزع كثيرًا عند عدم وجودها، لذا يجب أن نغير من سلوك حياتنا بحيث نهتم بها في كلا الحالتين لضمان حياة الأجيال القادمة.

ونظرًا لأننا في مصر نعاني من العجز المائي، فقد دخلت مصر ضمن نطاق الدول التي تعاني من الفقر المائي، حيث ينخفض فيه نصيب الفرد في هذه الدول عن 1000 م³ من المياه. ولكن نجد أن نصيب الفرد في مصر أقل من 500 م³، أي أقل من حد الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة.

وفي ظل هذا العجز، وتحت ضغط المحافظة على سلامة السد من الانهيار، نضطر إلى تصريف المياه الزائدة من خلال مفيض توشكى. لذا أتساءل: ماذا بعد؟ حيث أن المياه في بحيرات المفيض الخمسة ليس لها مخرج آخر سوى التسرب لباطن التربة، ثم إلى المياه الجوفية أو التبخر تحت حرارة الشمس المحرقة.

في مقال سابق أشرنا إلى إمكانية توصيل المفيض لمحافظة الوادي الجديد من خلال البحيرة الغربية بمفيض توشكى، والتي تبعد عن محافظة الوادي الجديد 85 كم فقط. ورغم أن سطح الأرض منحدر من الجنوب إلى الشمال، إلا أن وجود تبة صغيرة تعوق جريان الماء لوصوله إلى المحافظة. لذا، في حالة إزالة هذه التبة، ستجري المياه في اتجاه انحدار التربة لتصل إلى واحة باريس ثم إلى الخارجة، وهكذا تصل مياه النيل إلى محافظة الوادي الجديد (بمجرد إزالة التبة).

وتعتبر محافظة الوادي الجديد أكبر المحافظات حيث تبلغ مساحتها الكلية 43.6% من مساحة الصحراء الغربية. وبوصول المياه إلى المحافظة يمكن زراعة ما يقرب من 470 ألف فدان في هذه المنطقة (المقترح موضح على الخريطة باللون الأزرق). ويمكن العمل على مد هذا النهر عن طريق السير في المنخفضات حتى وصوله إلى النهر الصناعي بالدلتا الجديدة ليكون مصدرًا لإمداده بالمياه العذبة بدون الحاجة إلى محطات رفع، وبهذا يمكن التوسع في زراعة واستصلاح أراضٍ جديدة على طول جانبي هذا النهر.

ويمكن اعتبار مفيض توشكى هو منبع هذا النهر، ويمكن تسميته “نهر غرب الوادي”، وبذلك يمكن الاستفادة الكاملة من مياه المفيض بدلاً من إهدارها بتركها تتبخر تحت حرارة الشمس أو تخترق باطن التربة.

(الخط الأزرق يمثل النهر الخارج من مفيض توشكى متجهًا إلى الوادي الجديد)

ثانيًا: مياه الأمطار – إلى أين؟

رغم قلة كميات الأمطار التي تسقط على مصر، إلا أننا لا نحاول الاستفادة منها، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. تجمع مياه الأمطار عند مطالع ومنازل الكباري العلوية، مما يؤدي إلى تعطيل الكثير من السيارات.

  2. تجمع مياه الأمطار داخل الأنفاق، مما يعيق سيولة المرور.

  3. الطرق جميعها غير مستوية عند منسوب معين؛ فبعضها يكون منسوب الميل فيه ناحية اليسار، وأخرى ناحية اليمين، وبعضها ليس لها منسوب، فنجد أن المياه تكون متجمعة أحيانًا جهة اليسار وأحيانًا جهة اليمين وأحيانًا في الوسط، مما يؤدي إلى إهدار هذه المياه دون الاستفادة منها.

ولذلك يجب العمل على أن تكون الطرق بمنسوب ميل محدد يجبر مياه الأمطار على التحرك خلالها، وفي نهاية هذا المنسوب يجب عمل فتحات صرف لتتجمع فيها هذه المياه حتى يمكن الاستفادة منها. علماً بأن هناك دولًا مجاورة تطبق هذا النظام، وهناك من يعملون على قياس عمق هذه المياه وحسابها للاستفادة منها.

وأخيرًا، نحن لسنا أقل من هذه الدول، ويجب أن نحذو حذوها في كيفية الاستفادة من كل قطرة مطر تسقط على أي جزء من الدولة المصرية، خاصة إذا علمنا أن الخطر الأكبر الذي يهدد الأمن المائي المصري هو عزم إثيوبيا على بناء خمس سدود على النيل الأزرق لحجز 250 مليار م³، بعد الانتهاء من السد الأول وهو سد النهضة، وتستعد لبنائهم على التوالي. (الصورة التالية توضح مواقع هذه السدود على النيل الأزرق)

ومن أجل ذلك، لا يجب أن نترك من يعبثون بأمن مصر في أمان، بل يجب أن نتذكر أن من يتحدى مصر يتحدى التاريخ، ومن يتحدى التاريخ يتوه بين صفحاته.

وقديما كانوا يقولون إن مصر هي أم الدنيا وغوث العباد منذ عهد سيدنا يوسف عليه السلام، واليوم نقول إن مصر هي أم الدنيا وأم العرب، حيث يدل حروف اسمها على هذه المعاني:

  • حرف الميم: يشير إلى أن مصر مباركة في ملكوت الرب.

  • حرف الصاد: يشير إلى أن مصر صبورة في التعب والغلب.

  • حرف الراء: يشير إلى أنها الرحيمه في السلام والحرب.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى