رأى

معوقات التنمية الاجتماعية بالمجتمع السيناوي

د.حسن جلال شعبان

بقلم: د.حسن جلال شعبان

باحث بقسم الدراسات الاجتماعية – مركز بحوث الصحراء

يهدف هذا المقال إلى إبراز أهم المعوقات التى تحول دون تحقيق التنمية الاجتماعية المرغوبة فى المجتمع السيناوي، وذلك من خلال اعتماد مقاربة سوسيولوجية تحليلية للفعل التنموى فى بعده الاجتماعى بالأساس، وأبعاده الاقتصادية، والثقافية وفق سياسة استراتيجية فى التخطيط، وفلسفة تشاركية فى التنفيذ والإسهام، لتحقيق التطور والتنمية بـالمجتمع السيناوى.

معوقات التنمية بالمجتمع السيناوي

إن المقصود بمعوقات التنمية تلك العوامل التى تؤدى إلى الانحراف عن النموذج المثالى للتنمية والحيلولة دون تحقيق الأهداف التى تسعى إليها، فهى اتجاها سلوكيا سلبيا، ومعوقات التنمية هى من الأسباب التى تقف حاجزا أمام تقدم الشعوب، وكذلك نوع من المناهضة الثقافية التى تواجه عملية التخطيط، فالمخطط الذى يرسم خطط التغيير قد يصطدم بأفراد المجتمع وسلوكهم الذى قد يعوق عن تحقيق أنماط السلوك التى يريد المخطط أن يسير وفقها.

بوجه عام تشكل المعوقات تحديات أمام محاولات التقدم للمجتمعات المختلفة، وتتوزع هذه المعوقات بين المعوقات الاجتماعية المتمثلة فى ارتفاع معدلات الزيادة السكانية بالنسبة للإنتاج مع عدم الاستغلال الأمثل لتلك القوى البشرية المتزايدة، وكذلك سوء توزيع السكان جغرافيا والتفاوت فى الازدهار والنمو وسوء توزيع الأفراد والمؤسسات مكانيا بين المناطق المختلفة للمجتمع، وانتشار ظواهر الأمية وانخفاض المستوى التعليمى والصحى وسوء التغدية وانتشار الأمراض.

إضافة إلى النقص الملحوظ فى الثقافة الاستهلاكية خاصة فيما يتعلق باستهلاك الكهرباء والطاقة والمياه، مع ظواهر سلبية كانتسار السوكيات الإدارية والفساد كـالرشوة والبيروقراطية واللامبالاه، والمعوقات الاقتصادية كانتشار معدلات مرتفعة من البطالة وقلة وهشاشة البنية الاقتصادية التحتية، والتبعية المالية للخارج فيما يخص المشاريع المحلية عن طريق القروض.

المعوقات الإدارية المتمثلة فى أشكال متعددة من سوء إدارة المنشأت وتخلف فى أساليب العمل الإدارى والبعد عن الأساليب الإدارية الحديثة، وتضارب القرارت الإدارية فى بعضها البعض وتناقضها فى بعض الاحيان. هذا إضافة إلى المعوقات السياسية التى تتمثل في سيطرة العلاقات التقليدية والقبلية والعشائرية على العلاقات الرسمية، وتمركز القرارت السياسية فى أيدى بعض الجماعات أو المصالح الخاصة.

إن التنمية فى مفهومها الواسع تعنى بالدرجة الأولى تنمية الإنسان، وتعزيز فرص مشاركته فى تنمية مجتمعه، بصرف النظر عن حالته الجسمانية أو مكانته الاجتماعية، إن دوره هو الذى يحدد مكانته الاجتماعية ويعزز كرامته الإنسانية هو يمثل غاية أى برنامج للتنمية، وهو فى نفس الوقت وسيلة من وسائل تحقيق أهدافها، انه عامل قوة لكثير من مشروعات وبرامج التنمية التى يكون مصدرها الإنسان ذاته.

جدير بالذكر أن التقدم الاقتصادى لا يعنى الزيادة فى الإنتاج فحسب، بل يعنى أيضا العدالة فى توزيع الثروة والدخل، والا أعتبر تقدم منقوص (ظاهرى) فقط، ذلك أن عدالة التوزيع شرط أساسى وجوهرى فى تحفيز المواطنين على العمل التشاركى والإسهام الايجابى فى فعل التنمية الشاملة، وهذا ما يفتقد فى كثير من الدول النامية ومنها الدول العربية بالخصوص برغم الكثير من المحولات.

كما أن قلة الوعى لدى الغالبية الساكنة بـالمجتمع السيناوي سوء من ابناء سيناء أو الوافدين عليها وعدم تحمسهم للمشاركة فى الجهود التنموية المحلية المرتبطة بعديد من العوامل الثقافية المنبثقة عن القيم والتقاليد السائدة فى المجتمع، والتى كثيرآ ما تقف فى وجه تنفيذ مخططات التنمية، لتشبث أفراد المجتمع السيناوي بعادتهم وقيمهم التى يصعب عليهم التنازل عنها لتكون معضلة حقيقية أمام ما تقتضيه متطلبات التنمية ومضامينها واستراتيجياتها.

إن فلسفة المطالبة بالحقوق والتغاضى عن أداء الواجبات هى السمة الغالبة لدى معظم أفراد المجتمع المصري، وهذا ما يعكسه الواقع، لا سيما فيما يخص الاستفادة من المشروعات السكنية، نجد معظم أفراد المجتمع المصري ان لم يكن الكل يسلكون كل الطرق للاستفادة من هذا الحق المشروع فى اعتقادهم.

الامر الذى يؤكد على ضرورة وجود نظرة شمولية واقعية تشاركية تنصهر فيها كل الجهود فى بوتقة واحدة، فلم تعد التنمية إذن مسؤولية الدولة وحدها فحسب، بل أصبحت مسؤولية المجتمع بكل مكوناته وأجهزته، إن أفرادا أو جماعات أو حكومات، وكل هذا يعد الرهان الحقيقى لتجاوز العقبات التنموية بـالمجتمع السيناوي، ومن ثمة تحقيق الوثبة المرغوبة لاستقرار هذا المجتمع وتفعيل أدوار أفراده بتعزيز روح انتمائهم الوطنى.

مقترحات للتغلب على معوقات التنمية بالمجتمع السيناوي

ـ إن تفعيل التشاركية فـالتنمية ليست مسؤولية الدولة بمفردها (الدولة الرعاية والحاضنة) هى فعل تشاركى تكاملى، وفق منطق “التنمية بإسهام الجميع والعائد للجميع”.

ـ ضرورة الإعداد والتكوين المسبق للقيادات المحلية بـالمجتمع السيناوي وفق شروط ومعايير علمية وموضوعية مدروسة بعيدة عن الارتجالية أو أى نزعات حزبية أو انتماءات قبلية ضيقة، تشرف على إدارتها نخب مؤهلة فى جميع المجالات، وهو من شأنه أن يجنبنا اهدار المال العام، وتعطيل الخطط التنموية، وإجهاض المشاريع الهادفة للنهوض بـالتنمية بجميع أبعادها.

ـ لا شك أن تهيئة المناخ التنموى من خلال تعزيز العلاقات الفاعلة بين القطاعات الثلاثة (المنظمات الحكومية, والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص) ستشكل مجتمعة رأسمال استثمارى حقيقى يمول مشروعات التنمية الهادفة للنهوض بالجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتى سيكون عائدها إنسانى بالأساس.

ـ تعزيز روح الانتماء المجتمعى لدى جميع أفراد المجتمع السيناوي، من خلال تنمية الوعى بأداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق، وذلك وفق نموذج العدالة الاجتماعية الراعية للمصالح الجماعية المشتركة.

ـ فتح باب التدريب لأفراد المجتمع السيناوي على المهارات المختلفة التى تساعدهم على العمل والشعور بالذات.

ـ تحسين جودة التعليم بجميع مراحلها وانواعه (عام – صناعى – تجارى) مع ايجاد المزيد من البرامج الموجهة نحو سوق العمل حتى لا يختل التوازن بين خريجى الجامعات واحتياجات سوق العمل فى المستقبل وينعكس بدوره على المجتمع من اهدار للموارد وانتشار البطالة.

ـ مساعدة القطاع الخاص على اتاحة فرص عمل جديدة من خلال تقديم التسهيلات التى تساعد على ذلك فى اطار القانون.

ـ تعديل سياسات التشغيل فى القطاع الحكومى التى بأمكانها ان تخلق فرص عمل جديدة.

ـ القضاء على الفساد من جذوره (بتر الفاسدين).

ـ اطلاق منصة للمعرفة لغرض إدارة الشباب لتوثيق الأفكار والابتكارات والمبادرات والدروس المستفادة من مبادرات الشباب الناجحة المتعلقة بأهداف التنمية، على ان يدعم الشركاء الثلاثة (المنظمات الحكومية، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص) هذا المشروع تقنيآ وماليآ.

ـ وضع استراتيجية تنظر الى توليد فرص عمل جديدة لكونها احد اهم المداخل لمعالجة قضايا الفقر والربط بين النمو الاقتصادى وتحسين الاحوال المعيشية للمواطنيين.

فى النهاية تتضح لنا أهمية المسألة التنموية بـالمجتمع السيناوي على أعتبار أن الدولة بالمفهوم الحديث قد تراجعت عن الكثير من الأدوار التقليدية الأحادية الجانب، إذ بفعل تأثير العديد من التحولات العالمية والوطنية فى مختلف المجالات (الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية) برزت توجيهات تؤكد على ضرورة ايجاد عمليات تنموية جديدة تبنى على فعل المشاركة التكاملية بين الدولة والقيادات والمنظمات والأفراد الفعالة بـالمجتمع السيناوي، بما يعزز روح الانتماء والمواطنة والعدالة الاجتماعية لجميع الأفراد، ويؤسس بذلك لثقافة التعايش والإسهام المشترك لكل الطاقات والشرائح الاجتماعية، بما يضمن تحقيق تنمية رائدة غايتها السامية لتعزيز إنسانية الإنسان.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى