رأى

متطلبات الحوكمة الرشيدة للمياه

أ.د/علاء البابلي

بقلم: أ.د/علاء البابلي

مدير معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة بمركز البحوث الزراعية وخبير المياه الدولي

طورت معظم البلدان العربية الإطار المؤسسي والتشريعي اللازم لـحوكمة رشيدة للمياه، لكنه ما زال يفتفر إلى الآليات التشريعية الداعمة لتنفيذه. فالتحديات الجديدة تحتاج إلى أدوات مبتكرة، كاللامركزية، ونهج المشاركة، وتعزيز القدرات الفنية والمالية للسلطات المحلية، والحوار وتوافق الآراء، والإنفاذ الفعال والالتزام به، وتحسين أداء مؤسسات المياه.

وتحتاج الحوكمة الرشيدة إلى التنسيق والعلاقات التعاونية بين المنظمات التي تضطلع بولايات ومسؤوليات منفصلة في مجال المياه. وكلما زاد التنافس على الماء، زادت التحديات، كتوضيح الولايات، والتنسيق بين الوكالات، والتعاون بين مختلف القطاعات، وإدارة الحدود النظامية والإدارية وتخطيط المشاورات متعددة القطاعات ومتعددة أصحاب المصلحة.

وتعتبر أوجه القصور في الموارد البشرية من العوامل الرئيسية المتسببة في ندرة المياه ويشكل بناء القدرات، والتدريب، وبرامج تطوير المنظمات الحجر الأساسي لتطوير القطاع المائي. ويتطلب تطوير القدرات دعم الموارد البشرية، وتعزيز القدرات المؤسسية، وإيجاد البيئة المواتية من أجل تحقيق التنمية المستدامة. ويتحقق نجاح المنظمات عند وجود بنية ناجحة لصنع القرار، وشراكة فعالة مع أصحاب المصلحة، مع توفر روح الشفافية، والمسؤولية المشتركة.

ويتطلب الالتزام بالتشريعات المائية وإنفاذها تحديث التشريعات المائية من خلال منهج تشاركي، ونشر المعلومات، وتوفير الدعم الفني والمحفزات الاقتصادية، وتطوير قدرات المراقبة والتفتيش على الانتهاكات وفرض عقوبات عليها.

وتعتمد الاستدامة والاستمرارية البيئية للحوكمة المائية الفعالة على وجود مخطط تمويل مائي واضح يحدد مصادر التمويل والآليات الاقتصادية بهدف ضمان الأساليب المثلى لتخصيص التمويل. وتزداد مشاركات القطاع الخاص في القطاع المائي كرد فعل لعجز الحكومات عن زيادة رأس المال زيادة كافية لتمويل البنية التحتية لمجال الصرف والمياه وتشغيلهما وصيانتهما. ينبغي تقييم جميع مقاربات الخصخصة من حيث الكفاءة والعدالة والفعالية وغيرها من معايير حوكمة المياه.

كما أن الاطلاع على المعلومات والبيانات هو من العناصر الضرورية لتحقيق فعالية الحوكمة، إذ لا يمكن تخصيص المياه تخصيصا فعالا في غياب البيانات الكافية. ويدعم تحسين قاعدة البيانات المائية عملية صنع القرار على كافة المستويات بدءا من قرارات زراعة المحاصيل المحلية والمتحلمة للجفاف وارتفاع الحرارة والظروف البيئية القاسية حتى جهود التخطيط الكبرى لتحقيق التوازن في الطلب على المياه من القطاعات الزراعية، والمنزلية، والصناعية. كما يمكن أن تحسن البيانات من عدالة القرارات وشفافيتها، وأن تدعم مراقبة جودة المياه.

ويحظى التعاون الإقليمي بأهمية بالغة نظرا للاعتماد الكبير على الموارد المائية المشتركة. ومن ثم، فإن على البلدان العربية أن تتبنى منهجا استراتيجيا يدعم التضامن الاجتماعي الثقافي ويحوله إلى موقف سياسي موحد يدعم حقوق جميع البلدان المتشاطئة في الحصول على حصص مائية عادلة ومتساوية من الموارد المائية الدولية. ويؤدي التعاون رفيع المستوى مع الدول غير العربية المجاورة دورا حيويا في تحديد الأولويات، والتوصل إلى توافق الآراء، وإنشاء المؤسسات وتدعيمها، ودعم برامج العمل الهادفة إلى تعزيز الإدارة المشتركة لموارد المياه. كما أن التعاون في تحقيق فعالية الحوكمة فيما يتعلق بأحواض المياه السطحية والجوفية المشتركة يساعد على تحقيق التنمية المستدامة.

إن العدالة الاجتماعية بصفتها هدفا واضحا من أهداف تحقيق فعالية الحوكمة  ينبغي أن تكون هدفا للخيارات السياسية؛ إذ ينبغي أن تقوم السياسات بصفة رئيسية على المناهج التي تسمح بالمشاركة الهادفة لجميع أصحاب المصلحة. وبغض النظر عن المكانة أو النفوذ الاجتماعي، يجب أن تتاح لجميع الفئات المجتمعية فرصة التعبير عن مطالبها ومخاوفها في بيئة تتمتع بالانفتاح والشفافية. كما يجب النظر في قضايا المساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية أثناء صياغة السياسات، كأحد الشروط الأساسية لتحقيق فعالية حوكمة المياه.

من شأن الحوكمة الرشيدة أن تعكس السياسات والممارسات الحالية الاحتياجات البيئية والاجتماعية للأجيال المستقبلية؛ توجيه سياسات تنمية الموارد المائية نحو القضاء على الفقر، وتحسين سبل عيش الرجال والنساء. ويجب أن يعي القطاع الزراعي والمائي منظور النوع الاجتماعي، بدءا من برامج تدريب خبراء الموارد المائية والمجتمع على مقاربات ومنهجيات النوع الاجتماعي.

ومن الضروري أيضا إجراء إصلاحات على المستوى المحلي لدمج مقاربات التوعية بالنوع الاجتماعي والمشاركة في الأعمال المحلية والإقليمية بشكل فعال، وبخاصة فيما يتعلق بـتمكين المرأة في مناطق النزاعات، وفي المجتمعات الزراعية والفقيرة.

ولكي تدرك البلدان الهدف من الشمولية، فإن عليها أن تتجاوز التدابير التشريعية، وعمليات المشاركة المنظمة وتواصل العمل على تحقيق التغير الثقافي. إن الوعي العام هو القاعدة الأساسية للمشاركة الهادفة والعمل الملموس. ونحتاج لذلك إلى برامج توعية طويلة المدى تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية الاقتصادية، والبيئية محليا وإقليميا.

ويؤدي البحث والابتكار دورا مهما في الإعداد لتطبيق سياسات المياه الفعالة التي تضمن استدامة الانتفاع بموارد المنطقة العربية النادرة واستعمالها استعمالا عادلا وفعالا. إلا أن الافتقار إلى الأصول المالية والبشرية، وغياب السياسات العلمية التكنولوجية الوطنية يعيقان عمل المنظمات البحثية. وبصورة أكثر تحديدا، لا بد من تعزيز الروابط بين البحث والتطوير من ناحية، والإنتاج من الناحية الأخرى.

إن نجاح أي رؤية طويلة المدى في حوكمة المياه يستلزم الفهم السليم للمتغيرات الاجتماعية والثقافية التي يجلبها التحديث. ولا بد أن تتطور الحوكمة مثلما تتطور أنماط الحياة تطورا يصاحبه التقدم في مستويات التعليم، وزيادة معدلات التحضر، والإصلاح السياسي والاجتماعي المستمر.

وعلى البلدان العربية أيضا أن تستعد لمواجهة آثار تغيرات المناخ على تخطيط الموارد المائية، وأن تزيد من قدرتها على التكيف. ويمكن للتحول الاقتصادي والسياسي الحالي في المنطقة العربية أن يدفع إصلاح حوكمة المياه إلى الأمام من خلال زيادة نماذج المشاركة والمساءلة. وفي المقابل، فإن إصلاح حوكمة المياه سيحفز على إجراء تغيرات اجتماعية كبرى من خلال تأثير المياه في سبل العيش وغيرها من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى