رأى

لا مفر من الترشيد

د.حسان محمد النبوي حجازي

بقلم: د. حسان محمد النبوي حجازي

 تمثل الموارد الطبيعية في كل بقاع الأرض عنصر الانتاج الرئيسي في الانشطة الاقتصادية المختلفة، وعلى رأس تلك الانشطة قطاع الزراعة، ورغم تعدد وتنوع الموارد الطبيعية الخاصة بالنشاط الزراعي من أرض قابلة للزراعة وطبيعة المناخ، ومياه عذبة صالحة لري الحاصلات الزراعية؛ إلا أن أهم هذه العناصر على الإطلاق الموارد المائية للبلاد فهي المحدد الرئيسي للنشاط الزراعي وبدونها لن يكون هناك إنتاج زراعي؛ حيث توجد مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة إلا أنه يعوذها الماء اللازم لزراعتها؛ فالزراعة تمثل أكبر الانشطة الانتاجية استهلاكاً لموارد المياه الطبيعية؛ فقطاع الزراعة المصري يستهلك بمفرده حوالي 81,5% من الموارد المائية المتاحة سنوياً في مصر، والتي لا تتعدى جملتها 73,8 مليار م3 سنوياً، وهي كمية محدودة جداً طبقاً للمتعارف عليه دولياً بالنسبة لعدد سكان البلاد فطبقاً لهذا الأمر نحن نعاني من عطش وخطر حقيقي فطبقاً للإحصائيات فإننا نقع تحت خط الفقر المائي والمقرر بـ1000م3 سنوياً للفرد الواحد من السكان.

والخطورة الحقيقية ليست في حجم المياه المستهلكة في قطاع الانتاج الزراعي ولكن في عظم حجم المهدر من الموارد المائية فالفاقد من الموارد المائية يفوق كمية المياه المستفاد منها فعلاُ في ري الحاصلات؛ فالواقع يشهد إسراف شديد جداً في استخدام المياه من جهة وعدم الالتزام بالمقررات المائية الخاصة بكل محصول وهذا يمثل سلوكاً غير رشيد في استخدام المياه المحدودة بطبيعتها، بالإضافة إلى ضياع كميات كبيرة في شبكات الري أثناء نقل المياه.

المهم في القضية التي نحن بصددها أنه يصعب بشدة زيادة المتاح من مواردنا المائية السنوية؛ فحصة مصر الثابتة من مياه النيل 55,5مليار م3 سنوياً تجاهد مصر للحفاظ عليها بعد التطورات الأخيرة المتعلقة ببناء السدود في دول منابع النيل وعلى رأسها سد النهضة الإثيوبي، كما أن مشروعات أعالي النيل توقفت منذ عقود (قناة جونجلي) وأصبح من المستبعد اتمامها بعدما انفصال جنوب السودان.

والسؤال المطروح منذ فترة ليست بالقصيرة ما الحل؟

الترشيد هو الحل الذي لا مفر منه وأية أطروحات أخرى تمثل تسكين للوضع لا حلاً له. لكن البداية الحقيقية لا بد أن تنبع من الدولة بكل أجهزتها المعنية سواء وزارات مختصة أو اعلام مساند والذي في اعتقادي يمثل مع الإرشاد الزراعي رأس الحربة نحو تأصيل ودمج ثقافة ندرة الموارد المائية وضرورة الترشيد في وجدان وضمير أبناء مصر جميعاً في الريف والحضر؛ فلابد من المصارحة والمكاشفة بحقيقة الوضع المائي في مصر وخطورته أمام الرأي العام وبخاصة المزارعين.

وعلى الرغم من كون الترشيد ورفع كفاءة استخدام مياه الري قد ركزت عليه استراتيجية التنمية الزراعية المصرية إلا أنه توجد عقبات كبيرة أمام تحقيق الأمر وعلى رأسها المشكلة الإدارية المتمثلة في تآكل الكوادر الإرشادية الزراعية التي يمكن أن تتواصل مع المزارعين طيلة الوقت لحثهم واقناعهم بضرورة الترشيد وأنه سوف يعود بالنفع عليه وعلى صيانة أرضه وتعظيم الاستفادة من المياه المتاحة والأسمدة المضافة، فضلاً عن اتاحة كميات من المياه المتوفرة تستعمل في ري أراض أخرى في حاجة إليها، ويمكننا للتغلب على مشكلة قلة الكوادر في جهاز الإرشاد الزراعي البحث في فكرة تكوين شركات للإرشاد الزراعي تتعاقد الدولة معها وتجدد التعاقد وفق النتائج التي تتحقق على يديها والتقدم الحادث في مناطق عملها.

كما أنه لابد من تقبل فكرة إعادة التخطيط إلى قطاع الزراعة في مصر ولا يظن أن ذلك ضد التحرر الاقتصادي وحرية السوق ولكنه حماية لهذا القطاع الحساس والحيوي فلا يكفي أن تكون الدورة الزراعية استرشاديه بل لابد من فرضها وفق خطة وآليات موضوعية تحقق الفائدة المرجوة للمزارع وللوطن ككل؛ فتضمن تلك الإدارة للمزارع سعراً مناسباً يحقق الربحية اللازمة لنشاطه الانتاجي وتوفر للوطن الحاصلات الزراعية التي يحتاجها.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى