رئيس التحرير

كورونا بعض قيادات الزراعة!

بقلم: د.أسامة بدير

بالأمس القريب كنت مدعو فى إحدى المناسبات الاجتماعية وقابلت بالمصادفة أحد الأصدقاء الأعزاء الذى لم أقابله منذ فترة ليست بالقصيرة، أخبرني أنه كان يشغل منصب هام في وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، ومن غير تردد سألته عن موقعه الذى كان يشغله بالوزارة، فقال: سريعا، أنه تركه منذ بضع شهور، فقلت: ما السبب؟ فقال: والسعادة تكسو وجهه .. عندما أيقنت أنني لن استطيع أن اضيف للمكان أكثر مما حققت، قررت بـشفافية مطلقة أولا أمام نفسى، وثانيا مع الآخرين المخلصين – ليس المنافقين – أن اتخذ هذا القرار الذي عارضني فيه الكثير من المحيطين بي، وحتى رؤسائي، لكن مع اصراري الشديد ورغبتي في ترك المكان لشخصية أخرى ربما تملك خبرات ومهارات أفضل يمكنها أن تضيف وتحسن من الأداء بالشكل الذي يحقق مصلحة الوزارة والقطاع الزراعي وبالتالي نهضة الزراعة المصرية.

عزيزي القارىء وجب التنويه قبل الاسترسال في سطور مقالي الأسبوعي التأكيد على أنني لا أقصد قيادة أو شخصا ما بعينه داخل وزارة الزراعة وقطاعاتها ومركزيها البحثيين، فأنا أقدر واحترم الجميع، إنما أحكي واقعة حدثت بالفعل تدور حولها الفكرة الأساسية للمقال، وأنت وحدك صاحب الحكم عليه، كما أنك لك الحق تماما فى إسقاط فكرة المقال على أي شخص تريده أيان كان، وزيرا أو غفيرا.

العجيب في الأمر، ما ذكره صديقي بشأن تركه بمحض إرادته لمنصبه المرموق بالوزارة، بمعنى أنه لم يُجبر على الاستقالة أو يتم الإطاحة به، وأنا أسأل نفسى، ما العجب في ذلك؟ الرجل شخصية محترمة تقدر الأمور بميزان من دهب، وتتسم بحكمة واقتدار وتتمتع بقدر كبير من الفطنة والدهاء والذكاء الاجتماعي واستطاع أن يحقق نجاحات خلال فترة معينة وفقا لشواهد وبراهين عديدة ذكرها أثناء حواري معه، لكنه عندما أدرك الواقع وقرئه بعيوان شفافة اختار الوقت المناسب للرحيل بهدوء.

أذن ما العجب؟ أعتقد أن العجب في قصتنا الحقيقية هذه يتمثل في مضمونها وثقافتها المختلطة بكل عناصر الحكم الرشيد، فمثل هذه الثقافة غائبة تماما عن مجتمعنا، فأنا على المستوى الشخصي لم أسمع طيلة عمري وأنا في عقده الخامس عن شخصا ما ترك منصبه الرسمي طوعية بل أنه هو الذى طلب وبإلحاح شديد من أجل تجديد الدماء والدفع بقيادة اخرى بديلة ربما تحقق ما لم يستطع تحقيقه.

نعم أنها ثقافة محمودة وياليتها تنتشر في كل المجتمعات العربية مثل الانتشار السريع لـفيروس كورونا الذي ضرب غالبية دول العالم ويتوسع بشكل خطير ومرعوب من دون اكتشاف علاج حاسم له حتى الأن، والمقصود هنا وجه الشبه بين كلا الأمرين سرعة انتقال الفيروس المدمر من بلد لأخر، وسرعة انتقال فيروس شخصية الأنا بين بعض القيادات التي ترهلت وباتت لا تملك من أمرها شيئا ونفذ رصيدها المعرفي الخالي أساسا من التعامل مع كافة صنوف التكنولوجيا الحديثة وتجهل كل قواعد الحكم الرشيد، فضلا عن غياب الرؤى والأفكار المبدعة التي يمكن أن تنتشل الوزارة من معوقات وعراقيل البيروقراطية البالية التي تراجعت بـالزراعة عشرات السنين رغم الجهود المخلصة التى يبذلها بعض القيادات، لكنها تظل جهود فردية ليست فى سياق منظومة عمل متكاملة الأنساق ومتشابكة الأطراف الفاعلة من أجل تحقيق الأهداف الوطنية للقطاع الزراعي على الصعيد المحلي وبما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.

فيروس الكورونا المستجد، هو مدمر للحياة الإنسانية، وللحضارة المدنية ولجميع مناحى الحياة، كذلك فيروس الاحتكار والأنانية والذاتية ورغبة الاحتفاظ بالمنصب بالقوة الجبرية وإدارة الصراعات واختلاق مواقف ترتكب فيها سلوكيات التناحر وأحيانا سيادة البلطجة من أجل الاستمرار في المنصب مدى الحياة، جميعها عناصر هدم وتخريب للمؤسسة ولكافة قطاعاتها وإهدار لموادرها التي هى ملك لملايين المصريين، وليست إرثا يتصرف فيه المسئول كيفما شاء وفقا لأهوائه الشخصية أو أفكاره المبنية على معلومات خاطئة أو مضللة أو غرور طموحاته غير المحسوبة.

اعتقد أن بعض قيادات وزارة الزراعة وذراعيها البحثيين ينبغى أن تعيد تقييم نفسها بنفسها بكل شفافية وأن تأخذ القرار الصائب لمصلحة نفسها وللكيان الرسمي الذي تعمل فيه وتحقق للدولة المصرية انطلاقة كبرى خلال المستقبل المنظور شريطة إعلاء ثقافة التقييم الذاتي والانسحاب الطوعي من المشهد وترك الفرصة للآخرين، فـ”الكل أفضل مني” فهذا هو الشعار الذى ينبغي أن يسود بين جميع قيادات الزراعة وليس “أنا أفضل من الكل”.

حمى الله مصرنا الحبيبة من خطر فيروس كورونا هذا الوباء القاتل وأيضا غرس الله فينا احترام الآخر فكرا وقيادة وإدارة الأمور وزهد تولى المسئولية انطلاقا من تأصيل ثقافة التغيير، فضلا عن تبني فكرة الدفع بالقيادات الشابة الواعدة التى تزخر بها مصر، وتنتظر الفرصة لتحمل مشاعل البناء والرخاء والتنمية وتقود الدولة المصرية نحو مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا.

لقد تواصل معى بعض من قيادات وزارة الزراعة فى قطاعاتها المحتلفة وأيضا مركزي البحوث الزراعية والصحراء يشكون مر الشكوى من تعنت صارخ ضدهم فى أمور كثيرة من قبل رؤسائهم، وأكد البعض أن الوضع بات لا يحتمل من شدة الضغوط التى تمارس عليهم بغرض إفشالهم أو الوقوع فى أخطاء قد تدفع بهم إلى الوقوف أمام الجهات الرقابية والزج بهم إلى السجون.

وسؤالى الذى أطرحه على هذه القيادات التى  – لا أشكك فى وطنيتها أو حبها للوزارة وانتمائها وتفانيها فى العمل –  أضحت تشتكى ليل نهار من تسمم بيئة العمل بهذه الوضعية، لماذا الاستمرار في مناصبكم حتى الأن في ظل هذا الطقس السيىء المحيط بكم وفقا لما تقولون؟ ولماذا التمسك بالمنصب رغم الضغوط التى تمارس عليكم من قبل السلطة الأعلى على حد قولكم؟

أليس الأكرم لكم على الصعيد الشخصي والمهني أن تنسحبوا من المشهد بهدوء تاركين الفرصة لغيركم فلعل الأزمة تكون فيكم أنتم؟!.

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى