«خلط المبيدات» استراتيجية الحماية المتكاملة ضد أمراض النبات وآفاته

بقلم: أ.د.خالد فتحي سالم

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

تعيش الزراعة الحديثة مرحلة دقيقة من التحديات مع تزايد شراسة الآفات وتنوع مسببات الأمراض، سواء كانت فطرية أو بكتيرية أو فيروسية أو نيماتودية أو حشرية، الأمر الذي فرض على المزارع استخدام وسائل أكثر كفاءة وشمولية في المكافحة. ومن بين هذه الوسائل برزت فكرة خلط المبيدات كأداة علمية تجمع بين الفعالية الاقتصادية وسرعة الأداء، لتشكل ما يُعرف اليوم بمفهوم المكافحة المتكاملة للآفات.

الفكرة… تناغم بين المواد لا تصادم

تعتمد فكرة خلط المبيدات على دمج مادتين فعالتين أو أكثر تختلفان في آلية العمل، بهدف تحقيق تأثير مزدوج أو ثلاثي ضد مجموعة واسعة من الآفات. فبينما يهاجم أحدها المسبب الفطري، يعمل الآخر على القضاء على الحشرات أو البكتيريا أو النيماتودا، مما يؤدي إلى تغطية شاملة تقلل فرص الإصابة المتجددة وتحد من تطور المقاومة.
الخلط لا يعني بالضرورة مضاعفة القوة، بل تحقيق تكامل في التأثير، بحيث يعمل كل مبيد على هدف محدد داخل الكائن الممرض، سواء في إعاقة عملية التنفس أو تثبيط تكوين البروتينات أو تدمير جدار الخلية أو منع التكاثر.

خلطات فطرية رائدة

من أنجح التركيبات الفطرية المنتشرة في الأسواق الزراعية:
تيبوكونازول + ترايفلوكسى ستروبين (Tebuconazole + Trifloxystrobin): فعالة ضد البياض الدقيقي والزغبي والندوة المبكرة والمتأخرة وتبقعات الأوراق وصدأ القمح.
أزوكسي ستروبين + ديفينوكونازول (Azoxystrobin + Difenoconazole): تستخدم لمكافحة الندوات وتبقع الأوراق في القمح والعنب والطماطم.
مانكوزيب + ميتالاكسيل (Mancozeb + Metalaxyl): تركيبة كلاسيكية قوية ضد البياض الزغبي والندوة المتأخرة في البطاطس والطماطم.
كاربيندازيم + كلورثالونيل (Carbendazim + Chlorothalonil): فعالة ضد تبقعات الأوراق والأعفان السطحية في البقوليات والخضروات الورقية.

خلطات حشرية فعّالة

تمثل الحشرات أحد أخطر التحديات في الزراعة، وقد أثبتت الخلطات الحشرية المتوافقة فعاليتها في القضاء على عدة أطوار للحشرة الواحدة. من هذه الخلطات:
لامبدا سايهالوثرين + كلوربيريفوس (Lambda-cyhalothrin + Chlorpyrifos): توليفة تجمع بين مبيد بيروثرويدي سريع المفعول ومبيد فوسفوري طويل الأثر، فعالة ضد الذبابة البيضاء والمنّ ودودة ورق القطن وحفارات الأوراق.
إيميداكلوبريد + بيتا سايهالوثرين (Imidacloprid + Beta-cyfluthrin): تجمع بين تأثير جهازي واتصال مباشر، وتستخدم على نطاق واسع ضد التربس والذبابة البيضاء والمنّ في الخضروات والفاكهة.
سبينوساد + لامبدا سايهالوثرين (Spinosad + Lambda-cyhalothrin): خلطة آمنة نسبيًا على الأعداء الحيوية وتوفر تأثيرًا سريعًا ضد الحشرات القارضة والمثقبة.

خلطات بكتيرية وفيروسية

تزايد الاهتمام بالمبيدات البكتيرية والفيروسية كجزء من برامج المكافحة الحيوية، حيث تستخدم مواد ذات أصل طبيعي تعمل بطرق مختلفة عن الكيماويات التقليدية.
من المبيدات البكتيرية المشهورة باسيلوس ثورينجينسيس (Bacillus thuringiensis) الذي يمكن خلطه مع مبيدات فطرية خفيفة مثل الكبريت الميكروني أو مبيدات نحاسية لمكافحة البياضات والفطريات السطحية.
أما المبيدات الفيروسية مثل فيروس النوكليوبوليهدروسيس (NPV) فهي تستهدف يرقات حرشفية الأجنحة، ويمكن خلطها مع مبيدات حشرية حيوية أخرى مثل سبينوساد لتحسين الفعالية ضد دودة ورق القطن ودودة الطماطم.

خلطات نيماتودية

النيماتودا تعد من أخطر الآفات الخفية التي تضعف الجذور وتقلل الإنتاجية. ومن التركيبات التي تُستخدم في مكافحتها:
فلوبيرام + فلوبيتراميد (Fluopyram + Fluopyramide): تركيبة حديثة ذات تأثير مزدوج ضد النيماتودا وبعض الفطريات الجذرية.
أبايمكتين + أزوكسي ستروبين (Abamectin + Azoxystrobin): مزيج يجمع بين مبيد نيماتودي حيوي ومبيد فطري، يحقق حماية متكاملة للجذور ضد الفطريات والنيماتودا.

فوائد الخلطات المتكاملة

تشير التجارب الميدانية إلى أن استخدام الخلطات المتوافقة بين المبيدات الفطرية والحشرية والبكتيرية والنيماتودية يحقق نتائج متميزة، منها:

• تغطية شاملة لمجموعة واسعة من المسببات المرضية والآفات.

• خفض عدد الرشات وتقليل استهلاك الوقود والعمالة.

• تأخير ظهور المقاومة بسبب اختلاف آليات التأثير.

• تحسين الحالة الصحية للنبات وزيادة القدرة الإنتاجية والجودة.

• توفير الوقت والتكاليف مقارنة باستخدام كل مبيد على حدة.

الحذر من الخلط العشوائي

رغم هذه المزايا، فإن الخلط العشوائي بين المبيدات دون معرفة علمية قد يؤدي إلى تفاعلات كيميائية غير مرغوبة تسبب فقدان الفعالية أو زيادة السمية للنبات.
كما أن اختلاف الأس الهيدروجيني للمحاليل أو وجود مواد مؤكسدة قد يسبب ترسيب المواد أو انسداد الرشاشات. لذلك يُنصح دائمًا بـ:

• التأكد من توافق المواد الفعالة قبل الخلط.

• قراءة النشرات الفنية لكل مبيد بدقة.

• تجربة الخلطة على مساحة صغيرة قبل الاستخدام الموسع.

• تجنب خلط أكثر من مبيدين في مرة واحدة إلا بناءً على توصية فنية.

نحو مكافحة متكاملة ومستدامة

إن خلط المبيدات ليس مجرد إجراء ميداني لتقليل الجهد، بل هو نهج علمي متكامل يسعى لتحقيق التوازن بين الفعالية والاقتصاد والاستدامة البيئية.
فالمكافحة الحقيقية لا تقتصر على الرش بالمبيدات، بل تشمل إدارة الآفات بطرق متكاملة، مثل استخدام الأصناف المقاومة، والزراعة النظيفة، وتناوب المحاصيل، والتسميد المتوازن.

الموجز المختصر

إن خلط المبيدات الفطرية والحشرية والبكتيرية والنيماتودية والفيروسية يمثل تطورًا مهمًا في مفهوم وقاية النبات، إذ يجمع بين سرعة الأداء ودقة الاستهداف.
لكن النجاح في تطبيقه لا يتحقق إلا بالمعرفة العلمية والتطبيق السليم. فحين يُستخدم الخلط بوعي وتخطيط، يصبح أداة فعالة لحماية المحاصيل وتحقيق زراعة مستدامة آمنة اقتصاديًا وبيئيًا.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.