رأى

عطاء فاقد الشيء

هند معوض

بقلم: هند معوض

كاتبة وأديبة

كانت “فاطمة” تسير بخطوات مسرعة ولكنها منهكة بعد يوم من العمل الشاق وساعات من السهر في قسم الطواريء بالمشفى، حيث أنها تعمل ممرضة بإحدى المستشفيات الحكومية، لكنها ورغم التعب لم يغب عن ذاكرتها ذلك المشهد المؤثر الذي دخل فيه رجل رث الثياب يبدو عليه الفقر والحوجة وهو يحمل صغيرا ينزف ويهرول به نحو قسم الطواريء مستنجدا بكل الأطباء لكي ينقذوا حياته..

بدأ الفريق الطبي عمله بسرعة لانقاذ حياة الصغير وإجراء جراحة سريعة لوقف النزيف وبعد أن استقرت حالة الطفل وزال التوتر الذي سيطر على الجميع، ذهبت الممرضة لذلك الرجل الذي أحضر الطفل لأخذ بيانات الطفل ظنا منها أنه والده، ولكن كانت المفاجأة! حيث أخبرها أن ذلك الطفل صدمته سيارة مسرعة فأصابته إصابة بالغة وظل ملقيا على الأرض ينزف والمارة يخافون أن يحملوه للمشفى حتى لا يتعرضوا للتحقيق والأسئلة الكثيرة، ولكنه أسرع ليحمله ناسيا أو متناسيا أن ابنه يرقد على سرير المرض في بيته الصغير لا يجد ثمن العلاج، وأن كل ما كان في جيبه هو 100 جنيها وعلاج ابنه يتخطى 500 جنيها ولكنه عندما رأى تلك الحادثة وأن المصاب هو أحد أطفال الشوارع الذين لا أحد يرعاهم أو يرق لحالهم، رق هو لحاله وحمله محاولا انقاذه، تحدث “سامح” والدموع تترقرق في عينيه، ثم أخرج المائة جنيه التي كانت في جيبه وتركها للصغير وأخبر فاطمة أن تشتري له طعاما وحلوى ومضى وهو على يقين أن الخير لا يبلى وأن من أرسله لينقذ ذلك الصغير بجهده الضئيل وجنيهاته القليلة هو كذلك من سينقذ ابنه دون حول منه أو قوة.

ابتسمت فاطمة رغم التعب وقالت في نفسها: حقا فاقد الشيء هو من يعطيه بالصورة التي تمنى أن يأخذه بها.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى