رأى

المرأة “جاتوه” المجتمع المصري و”كريمة” التنمية

د.حسن جلال

بقلم: د.حسن جلال شعبان

باحث بقسم الدراسات الاجتماعية – مركز بحوث الصحراء

أتصور أنه لا يشك مواطن مصرى فى أن المرأة تشكل كميا نصف المجتمع كما لا يمكن أن يشك فى أهمية أدوارها، لو اتيحت لها فرص مشاركة اجتماعية بالمعنى الشامل للكلمة ومع هذا هى طرف مظلوم اكاد أن اقول “مقهور” مرتين مرة من قسوة الأوضاع البنائية العامة، واخرى من قسوة الرجل واستغلاله ولهذا يرى الكثير ونرى معهم أن اختيار أى نمط تنموى مطروح تتحدد نتائجه بطرح بعض المسائل الهامة عليه، مسألة الملكية والتوزيع، الديمقراطية والمشاركة، أوضاع المرأة، أو بعبارة اخرى مسائل الثروة والسطة للمرأة، ومع تعالى الأصوات، وفى زحمة الأرقام، نجد نصف جسم المجتمع رهين محبسى التبعية والوعى الزائف، ومعنى هذا ببساطة إمعان فى إهدار اثمن مورد تنموى، وهو المرأة، أعنى البشر.

لا يفوتنا أن نشير إلى أن المرأة إن تأصل الثبات في شخصيتها، والاطمئنان في قلبها، والأمل بالمستقبل في وجودها منحت كل المسيرة الاجتماعية طاقة كبرى، وهيأت لها كل مقومات المسيرة الصالحة.

المرأة تارة ننظر إليها بوصفها إنساناً فعالاً فى الحياة، وأُخرى نركز عليها بما لها من خصائص تنفرد بها باعتبارها الأم والبنت والأخت والزوجة، وهي بهذا الاعتبار تمتاز على الرجل بما تحمله من طاقات عاطفية متميزة، وقدرات تكوينية مؤثرة، ومن ثم ما تحمله من وظائف اجتماعية فريدة.

يمكن أن نطل إطلاله سريعة على أحوال المرأة من خلال رصد بعض الملاحظات التى من بينها على سبيل المثال وليس الحصر ما يلى:

تنتشر الأمية بين المرأة المصرية بشكل مأساوى حيث تقترب نسبة الأمية فيها من النصف زيادة أو نقصانا.

نظرآ لارتباط العمل فى المجتمع المصرى بما يسمى “بتسعير الشهادات” فيتوقع تاثير التعليم على مشاركة المرأة المصرية فى العمل، فضلا عن تخلف العلاقات الاجتماعية، ولذا تشير المعطيات الاحصائية إلى أن مشاركة المرأة المصرية فى العمل تكاد تكون ضعيفة، فالنساء النشيطات اقتصاديا تتراوح نسبتهن فى المجتمع المصرى ما بين 8% إلى 10% باستثناءات قليلة تكاد لا تذكر.

اذا نظرنا إلى مشاركتها السياسية، نجدها ضعيفة، باستثناء نساء بعينهن ذوات أصول وانتماءات طبقية متميزة بالأصل، بالرغم من أن المشاركة السياسية أصبحت متاحة للجميع، على عكس ما كان سابقا.

اللافت للنظر أن الوعى بـالمرأة المصرية إنسانا، وعضوا قادر على العطاء يكاد يكون وعى زائف، فخريطة هذا الوعى لا تخرج عن النظر للمرأة المصرية، من خلال الجنس والإنجاب والأعمال المنزلية التقليدية، ويفضح هذا عن نفسه من خلال الإعلام حيث هى المرأة .. موضوع صراع بين رجلين ـ او هما امرأتان متنافستان على رجل واحد .. فكأنها بهذا المعنى موضوع تملك للرجل، ومثل هذا القول يكاد يكون عام .. تفصح عنه معظم أعمال الأدباء والأعمال الفنية المسرحية والسينمائية، وحتى الوعى بها كما تكشف عنه بعض البحوث والدراسات العلمية لم يخرج عن هذا الإطار.

فى دراسة أجريت على عينة من الرجال والنساء أوضحت نتائجها أن العمل الأساسى للمرأة هو البيت، بل إن أعداد من الرجال يصل إلى أكثر من الثلث تصور أن عمل المرأة سيخرجها عن طاعة زوجها فضلا عن عدم كفاءتها وما ستخلفه من مشكلات فى العمل، وهناك دراسة أخرى تسير نتائجها فى نفس المنحنى، حيث أوضحت إجابات الرجال بما فيهما الشباب بأن النساء لا تصلحن للوظائف العامة، زد على كل هذا النظرة السلفية للمرأة والاعتراف والقيم السائدة من عصور وحتى القوانين الوضعية تأتى مكرسة تبعية المرأة للرجل، ظالما أو مظلوما وإن أعطتها بعض الحقوق فهى مشروطة بظروف بعينها، سواء فى الطلاق أو العمل أو ما إلى ذلك من أجور.

تتباين مشكلات المرأة المصرية، تباينآ نسبيآ حسب المجتمع (الريفى، الحضرى، البدوى) او حسب المناطق (العشوائية، والحضرية، والريفية) ومع وجود نظرة عامة متدنية إليها، فهى أيضآ نظرة مزدوجة، فقد أتيح لشرائح منها التعلم والعمل، لكنها كبلت فى الوقت نفسه بقيود قانونية، وثقافية هى انعكاس لأساس اجتماعى اقتصادى مشوه، فضلآ عن معاناتها من قسوة الحياة، والحاجة الحالة، لابسط ضرورات الحياة الإنسانية.

خلاصة القول: أن المرأة هى نصف المجتمع وهى من تلد النصف الأخر ولذلك فإن الاهتمام بها وبدراسة القضايا أو المشكلات التى تعانى منها يعنى الاهتمام بالمجتمع الذى تعيش فيه والتى تشكل نصفه وتلد النصف الاخر، وهى الأمان العاطفى (تبادل الحب مع شخص أخر) والأمن الاقتصادى والمنزل المستقل وإنجاب الأطفال وأن النتائج المترتبة على الحرمان من المرأة كزوجة الشعور بالاحباط والحرمان والعزلة وفقدان التوازن النفسى والعدوانية وحرمان الاشباع الفطرى، فضلا على الآثار الاجتماعية والأخلاقية والصحية على الأفراد والمجتمع، وأن مستقبل التنمية فى مصر مرتبط بلا شك بأوضاع النساء بوصفهن أعضاء فى المجتمع المصرى، وهل سيزيد من عطائنه فى العمل والإنتاج والإبداع وهل سيجعلها النظام الاجتماعى أمرأة عاملة مشاركة بفاعلية اكثر، هذا ما سوف تعمل نحوه التوجهات التنموية المصرية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى