تقارير

التكنولوجيات البازغة في مواجهة التغيّر المُناخي لحماية الثروة الحيوانية والبيئة والحد من الإصابة بالسرطان

كتب: أسامة بدير في السطور التالية يستعرض مجموعة من العلماء والباحثين التكنولوجيات البازغة في مواجهة التغيّر المُناخي لحماية الثروة الحيوانية والبيئة والحد من الإصابة بالسرطان، ويأتي ذلك تزامنا مع انعقاد قمة مؤتمر المناخ COP27 بمصر والذي اختتمت أعماله منذ ساعات.

و”الفلاح اليوم” ينشر سطور هذه التكنولوجيات كما وصلته من معدوها وهم: د.علاء الخولي، د.أشرف سيور، د.حسام سيور، د.مروة سيور، ك.محمد عزالدين، م.سماح صالح (معهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية –  معهد بحوث الصحة الحيوانية – المعهد القومي الأورام – المعمل المركزي للرصد البيئي وحدة التنمية المستدامة مركز البحوث الزراعية – جامعة القاهرة – وزارة البيئة).

د.مها الشاذلي، د.وليد شل، د.هاني رجائي، د.أحمد رشاد، د.أشرف هندام، د.حازم سليمان (المعمل المركزي للرقابة على المستحضرات البيطرية الحيوية – هندسة الاتصالات – هندسة الميكاترونك – مركز معلومات تغير المناخ والطاقة المتجددة والنظم الخبيرة – معهد بحوث الصحة الحيوانية مركز البحوث الزراعية – جامعة عين شمس – الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا – مركز البحوث الزراعية).

تشمل التكنولوجيات الناشئة أو البازغة أو تكنولوجيات الجيل الصناعي الرابع والخامس جميع التطورات والابتكارات التقنية المتسارعة في مجالات العلوم والتكنولوجيا ذات التأثير الكبير على المجتمع والاقتصاد كتكنولوجيا النانو والبيولوجيا الجزيئية وتقنيات تسلسل الحمض النووي والبروتين والطب الدقيق وخدمات التطبيقات الإلكترونية والحوسبة الشبكية وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي.

في هذا الصدد نستعرض أهمية هذه التكنولوجيات في مواجهة التغير المُناخي كتحدي عالمي يهدد الثروة الحيوانية والبيئة، حيث تساهم الزراعة بشكل عام، لأن مصر دولة زراعية في المقام الأول، والإنتاج الحيواني بشكل خاص في الاحترار العالمي من خلال انبعاثات غازية في ازياد مستمر نظراً للتوسع الحتمي في تربية الحيوانات لتلبية الاحتياجات المستقبلية للسكان من البروتين الحيواني.

ناهيك عن الملوثات الصناعية مثل تلك الناتجة عن صناعة الأسمدة والأسمنت والسيراميك، الأمر الذي يستدعي ضرورة خفض تلك الانبعاثات للحفاظ على البيئة التي نعيش فيها بإقامة تعاون وثيق بين العلماء المهتمين بالصناعة والطاقة البديلة والزراعة والثروة الحيوانية والبيئة والصحة العامة وواضعي السياسات للتعامل مع مختلف الظروف بشكل متناغم يحقق المنفعة العامة، ما يستلزم تضافر جهود الأجهزة الحكومية في الوزارات مع الشركات والمجتمع المدني وتعاون دول العالم دون استثناء أو تراخ، وهو ما تسعى إليه الدولة بتبني استراتيجية التنمية المستدامة والتعافي الأخضر، وإدماج التحول الرقمي في القطاعات الخضراء والبحث العلمي.

إن استضافة مؤتمر المُناخ كوب 27 الذي تم هذا الشهر في شرم الشيخ بمشاركة 198 دولة من كبرى الدول ووفود عديدة مثلت المنظمات الدولية والأرصاد الجوية وهيئة الأمم المتحدة، لتكون مصر بؤرة هذا الحدث العالمي لبحث حلول تطبيقية ملزمة للدول خاصة الصناعية، وإطلاق 6 مبادرات عالمية لمواجهة الكوارث الناجمة عن التغيرات المُناخية منها: مبادرة الغذاء والزراعة بالتعاون مع منظمة “فاو” لبناء قدرات القارة الأفريقية وإصلاح سياسات الغذاء والزراعة، وللمؤتمر أهمية خاصة تتعلق باغتنام الفرصة لعرض المشروعات صديقة البيئة وعلى رأسها مشروعات الطاقة النظيفة ضمن خطة طموحة لريادة مصر في تصدير منتجاتها منخفضة الانبعاثات إلى العالم في ظل وفرة محلية من الغاز الطبيعي والشمس والرياح، وتفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية.

النشاط الزراعي والحيواني كتحديات مُناخية

تضخ الزراعة ما يصل إلى ربع انبعاثات الغازات الدفيئة السنوية العالمية مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز نتيجة عمليات تطهير الأراضي وحرثها وتربية الماشية وما تنتجه من غازات نتيجة التخمر المعوي وتخزين السماد العضوي، وكذلك استخدام منتجات البترول كوقود للمعدات الزراعية ومدخلات الزراعة مثل الأسمدة النيتروجينية، وقد تسبب ارتفاع هذه الغازات في ارتفاع كمية حرارة الشمس المحتجزة في الغلاف الجوي للأرض التي من المفترض أن تشع مرة أخرى إلى الفضاء، ونتيجة لذلك حدث الاحترار العالمي والتغير المناخي، وأدت زيادة درجات حرارة المحيطات إلى تمدد مياهها وباختلاطها مع المياه الذائبة من الجليد البري ارتفعت مستويات سطح البحر خلال القرن العشرين بمقدار 17 سنتيمتر.

الانبعاثات الغازية من ماشية اللحم

تُعد الثروة الحيوانية على المستوى العالمي مسؤولة عن 12٪ من انبعاثات الغازات الدفيئة السنوية، حيث أن 25٪ من الاحترار العالمي ناجم عن غاز الميثان، وقد صرّح “ستيفن تشو” عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل أن الانبعاثات الناتجة عن الزراعة وتربية الحيوانات من حيث تأثيرها التراكمي وفاعليتها تمثل مشكلة أكبر من الانبعاثات الناتجة عن توليد الطاقة معتبراً بذلك أن الزراعة والإنتاج الحيواني على رأس قائمة التحديات المناخية.

تداعيات تغير المُناخ على الثروة الحيوانية والبيئة

يؤثر الاحترار العالمي والظواهر المناخية القاسية والجفاف الشديد والفيضانات تأثيراً بالغاً على النظام البيئي، حيث يتسبب في تناقص معدل بقاء الحيوانات بأنواعها خاصة الصغيرة منها ما يؤدي إلى خلل في التنوع البيولوجي، حيث يجبر الاحترار بعض الكائنات إلى الهجرة من موطنها الأصلي أو يؤدي إلى موتها الجماعي وانقراض بعض الأنواع وتغير النظم البيئية البحرية والبرية في جميع انحاء العالم.

لعل ظهور جائحة كورونا وغيرها هو أحد أخطر المظاهر السلبية لتغير المناخ، حيث اثبتت دراسة أجراها باحثون بجامعة كامبريدج أن تغير المناخ والمد العمرانى وتدمير النظم البيئية يجعلان البشر والحيوانات على تواصل أكبر، فعلى مدار الـ100 سنة الماضية هاجر 40 نوعا من الخفافيش إلى مناطق تمتد على طول جنوب الصين وبورما ولاوس نتيجة تغير الغطاء النباتي الذي يشكل موطنها الأصلي وذلك لاختلاف درجات الحرارة ومواسم هطول الأمطار، وقد تسبب ذلك في اختلاطها مع الانسان ونقلها للفيروسات إليه، خاصة فى المناطق التى يستخدم فيها المزارعون روث الخفافيش كسماد دون معالجته كيميائيا.

مراقبة تغيرات المُناخ والسيطرة عليها

لا يمكن التخفيف من تغير المناخ ما لم نقيسه ونفهمه، ونظراً لاستمرار تغير المناخ، فإن الطرق التقليدية لقياس ذلك التغير بواسطة مقارنة نتائج الرصد بالظروف المناخية التي سادت في الماضي قد لا تكون دقيقة كونها ظروف ثابتة، حيث يجب النظر في ظروف متغيرة لمواكبة التقلبات المناخية.

لتحقيق ذلك توفر شبكات الاستشعار اللاسلكية حلاً متميزاً واقتصاديا لمراقبة جودة الهواء والتحكم التلقائي الفوري فيها، وذلك عن طريق مستشعرات غاز مثبتة على سيارة او طيارة بدون طيار (Drone) لجمع البيانات ونقلها باستخدام نقطة اتصال “واي فاي” إلى الخوادم الحاسوبية للمعالجة واتخاذ القرار المناسب في أسرع وقت.

على المستوى المحلي يقوم المعمل المركزي للرصد البيئي ومعامل الفروع الإقليمية وشبكة رصد الانبعاثات الصناعية التابعين لوزارة البيئة برصد الانبعاثات الغازية الناجمة عن الصناعات في محافظات مصر ورفع تقارير الحالة البيئية للسلطة المختصة لمعاونتها في اتخاذ القرارات اللازمة لحماية البيئة، كما تقوم محطات رصد نوعية الهواء المنتشرة في أنحاء الجمهورية التابعة لوزارة البيئة بالتعاون مع مركز الدراسات والحد من المخاطر البيئية بجامعة القاهرة بقياس ومتابعة تلوث الهواء الخارجي وكتابة تقارير أسبوعية وشهرية عن نوعية الهواء بالجمهورية.

مراقبة الحالة الصحية للحيوانات

يأتي هنا الدور الرائد لمعهد بحوث الصحة الحيوانية التابع لمركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة من خلال أقسامه ومعامله وفروعه المنتشرة في المحافظات بالتعاون مع الهيئة العامة للخدمات البيطرية ومنظمة الغذاء والزراعة الدولية “فاو” لرصد الحالة الصحية للحيوانات ومدى انتشار المسببات المرضية خاصة التي قد تصيب الإنسان.

ينفرد المعهد بوجود فريق بحثي مكون من كبار وشباب الباحثين في تخصصات علمية مختلفة مكملة لبعضها البعض من داخل مركز البحوث الزراعية وخارجه من المؤسسات البحثية المحلية والدولية، وهو فريق المحاكاة الحيوية الجزيئية الذي يسابق الزمن لتطوير وإنتاج مستشعرات ذكية من الجيل الرابع وتعميق صناعتها محلياً لاستخدامها في الكشف المبكر عن الاضطرابات الصحية والأمراض المعدية خاصة المشتركة التي قد تنتقل إلى الإنسان والعابرة للحدود الدولية، وكذلك جودة المياه في المزارع السمكية المفتوحة والمغلقة أو الأسماك النيلية والبحرية كنواة للعيادة البيطرية الإلكترونية، بالإضافة إلى تطوير وإنتاج مستشعرات ذكية للكشف عن غش الألبان وهو أمر بالغ الأهمية تهتم به مراكز تجميع الألبان المنتشرة في ربوع الجمهورية وعددها يزيد على 826 مركزاً.

ويقيس نظام المراقبة متوسط ردود أفعال الحيوان في الظروف العادية مع التركيز على قياسات درجة حرارة الجسم والمسافة التي يقطعها ومعدل التغذية كل ساعتين لرصد الحيوية أولاً بأول والكشف المبكر عن الأمراض وجودة الألبان وجودة الهواء والمياه، ويتم إرسال تلك البيانات لحظياً ونتائج تحليلاتها إلى صانعي القرار لاتخاذ الإجراء المناسب أو المربين او المستثمرين في قطاع الصناعات الغذائية.

هنا يجدر التنبيه إلى أن هناك حاجة ملحة إلى انتهاج استراتيجية قومية بالتعاون بين مؤسسات الصحة والبيئة والزراعة لبناء قدرة مراقبة صحية لحماية الإنسان والحيوان في عالم يتغير فيه المناخ بمعدل سريع، لاسيما وأنه حتى وقت قريب مضى كانت الصحة العامة على مستوى العالم تركز بشكل أساسي على فهم العواقب الصحية لتغير المناخ واستكشاف أساليب تقليل تلك الآثار أكثر من اهتمامها بالقدرة الوظيفية على تنفيذها في أرض الواقع وإجراء المراقبة الصحية المتعلقة بتغير المناخ.

التخفيف من آثار تغير المُناخ من خلال العمل على تحويل نظام الثروة الحيوانية

نحن في أمس الحاجة إلى استراتيجيات التخفيف من حدة تغير المناخ الرامية إلى الحد من كثافة الانبعاثات في هذا القطاع لتلبية الطلب المتزايد على منتجات الثروة الحيوانية، حيث يُشكل التكثيف المستدام لنظم الإنتاج الحيواني تكنولوجيا رئيسية لتخفيف آثار تغير المناخ على الرغم من عدم مسئولية مصر والدول الأفريقية عن حدوث ظاهرة تغير المناخ ولكن إجراءات التخفيف تأتي ضمن مشاركة مصر لمواجهة هذا التحدي الذي يهدد الحياة على سطح الكرة الأرضية.

أشار تقرير المخاطر العالمية بمنتدى الاقتصاد العالمي عام 2020 أن الثلاث قضايا البيئية (الأحداث المناخية الحادة – التغير المناخي – فقدان التنوع البيولوجي) هم الأخطر ضمن الـ5 مخاطر التي تشكل المخاطر العالمية على كوكب الأرض.

لذا تهتم مصر بالأبحاث والتكنولوجيات التي يمكنها المساهمة في التخفيف والذي يمكنه أن يحقق الإنتاج المستدام لقطاع الإنتاج الحيواني، ولكن اختلاف نظم الإنتاج الحيواني بين التربية المجمعة والفردية وكبار وصغار المربين يجعل تنفيذ سياسات التخفيف تحدياً كبيراً، وستسهم عمليات التحول في نظام الثروة الحيوانية بنسبة 21٪ من إجمالي التخفيف.

وجدير بالذكر أن سياسات التخفيف التي تستهدف الانبعاثات الناجمة عن تغير استخدام الأراضي هي من 5 إلى 10 مرات أكثر كفاءة من السياسات التي تستهدف الانبعاثات الناتجة من الثروة الحيوانية فقط، ويبدو واضحاً أن تعزيز التحولات نحو نظم تربية أكثر إنتاجية بالتزامن مع السياسات المناخية التي تستهدف تغيير استخدام الأراضي هو النظام الأكثر كفاءة لتحقيق النتائج المرجوة في مجالي المناخ وتوفير الغذاء.

مثلاً بالنسبة للمجترات التي تشكل جزءاً كبيراً من الثروة الحيوانية يجب الانتقال من النظم الغذائية القائمة على الرعي إلى الاعتماد بشكل أكبر على الأعلاف المركزة لخفض انبعاثات الميثان الذى يمثل أحد التحديات الملحة التي تواجه قطاع إنتاج المجترات.

تركز استراتيجيات الحد من هذا المصدر للانبعاثات على تحسين كفاءة تخمير الكرش وزيادة الإنتاجية الحيوانية عن طريق التحكم في النظام الغذائي واللقاحات الفعالة والآمنة والإضافات الكيميائية الحيوية والطبيعية وكذلك التحسين الوراثى والانتقاء الجيني، كما تحسن معالجة الأعلاف بالتقطيع والطحن والمعالجة بالبخار وزيادة التغذية المركزة وإضافة قليل من الدهون والأحماض الدهنية من عملية الهضم وتخفف من إنتاج الميثان المعوي في المجترات.

تمثل الانبعاثات الصادرة عن تخزين السماد العضوي كمية صغيرة نسبياً من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة الزراعية المباشرة التي يمكن خفضها عن طريق خفض درجة حرارة التخزين لخفض هذه الانبعاثات بنسبة 30 – 50٪.

كما أن تربية الحيوانات الأكثر إنتاجية تؤدي إلى تقليل المتطلبات الغذائية اللازمة للوصول إلى نفس مستوى الإنتاج، على سبيل المثال فقد أدى التحسين الوراثي في دجاج التسمين إلى تحسين معدل الاستفادة من الأعلاف وبالتالي خفض الانبعاثات بشكل كبير.

ترتبط صحة ورفاهية الماشية بالتغيرات السلوكية والأيضية التي يمكن أن تؤثر على انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث تحتاج الحيوانات المريضة التي تكافح العدوى إلى مزيد من الطاقة، فأمراض الماشية يمكن أن تزيد من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تصل إلى 24٪ لكل وحدة من الحليب المنتج وما يصل إلى 113٪ لكل وحدة من اللحم، كما يؤدي المرض الذي يقلل مؤقتاً من تناول الأعلاف أو القدرة على الهضم إلى انخفاض معدل النمو والحاجة إلى مزيد من الوقت والطاقة.

التخفيف من آثار تغير المُناخ من خلال التكنولوجيات البازغة والاعتماد على الطاقة البديلة وترشيد استهلاكها والتوسع في إنشاء المدن الذكية

لولا ظهور إنترنت الأشياء (IoT) لما تمكنا من بناء المدن الذكية والسيارات المتصلة والأجهزة القابلة للارتداء على الجسم، التي غيرت الطريقة التي يتصل بها البشر والأجهزة ويتفاعلون مع بعضهم البعض من خلال شبكة واحدة ضخمة يمكن من خلالها إبطاء تغير المناخ ومعالجة القضايا الزراعية وإدارة النفايات وحل التحديات الملحة في العالم كندرة المياه وتنظيم استهلاك الطاقة والحد من الانبعاثات الكربونية.

تمشياً مع الثورة الصناعية الرابعة تأسست عدة شركات أمريكية منها شركة تسلا موتورز لإنتاج السيارات والقطارات والطائرات الكهربائية، ثم تأسست شركة سولار سيتي لإنتاج محطات الطاقة الشمسية كطاقة نظيفة بديلة للحد من الاحتباس الحراري، بعدها تأسست شركة أوبن آي إيه لأبحاث الذكاء الاصطناعي، ثم شركة نيور الينك لتطوير اتصال العقل البشري بحواسيب المستقبل واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي المبني على تحليل البيانات وتعَلّم الآلة والتعَلّم العميق، وسيوفر الجيل الخامس من تقنية الهاتف المحمول اللاسلكية المعروفة باسم فايف جي، اتصالات واسعة النطاق فائقة السرعة لتمكين الشبكات الذكية المعقدة للغاية من ربط مليارات نقاط البيانات عبر مسافات مهولة.

من المتوقع أن تسهم التكنولوجيات البازغة في تطوير مصادر الطاقة البديلة، حيث ستستخدم ألواح البولي سيليكون البلورية في تحسين كفاءة الألواح الشمسية التي تلتقط 20٪ فقط من الطاقة الشمسية، وستصبح صناعة الرياح العائمة على سطح البحر أرخص من صناعة الرياح البرية، وستؤدي الرياح البحرية دورا حيويا في الاقتصاد الأزرق، وستنتشر كذلك بصورة كبيرة تقنية البطاريات الليثيوم بعد أن انخفضت تكلفتها بنسبة 85٪ بين عامي 2010 و2018، فأصبحت تمثل الآن أكثر من 90٪ من جميع بطاريات المرافق والسيارات الكهربائية.

الواح البولي سيليكون البلورية لتحسين كفاءة الألواح الشمسية

لقد برز مؤخراً الهيدروجين المفصول من الماء بالتحليل الكهربي كتقنية رئيسية لتخزين الطاقة على المدى الطويل لأنه وقود متعدد الاستخدامات خال من الكربون يمكن الاستفادة منه في تدفئة المباني والنقل لمسافات طويلة وكمصدر نظيف للحرارة فائقة العلو في الصناعات الثقيلة، وبحلول سنة 2025 سيستخدم الكربون السلبي كوقود رخيص للطائرات الذي سيتم توليده من الكتلة الحيوية مثل الخشب أو العشب أو غيرهما من المواد العضوية التي تلتقط ثاني أكسيد الكربون أثناء نموها، فإذا ما تم استخدام هذه الكتلة الحيوية لتوليد الحرارة والكهرباء داخل أفران خاصة فإنها ستحول ثاني أكسيد الكربون إلى كربون صلب، والذي يمكن تخزينه أو نشره في التربة لتحسين الاحتفاظ بالماء، ولكن سيظل الكربون السلبي مورداً محدوداً بسبب الحاجة إلى استخدام الأراضي في أغراض أخرى متعددة على رأسها الزراعة.

سيتطلب التوسع الحضري متسارع الخطى من المدن الكبيرة الحفاظ على إمدادات متواصلة من الطاقة لتشغيل المتطلبات المعيشية داخل المباني وحولها، حيث يوفر هذا الزحف الحضري السريع فرصة مثالية للحد من آثار تغير المناخ نظراً لأن المباني والمتاجر والمدارس والمستشفيات ومراكز التسوق تشكل الجزء الأكبر من البنية التحتية للمدينة، وبذلك يصبح جعلها أكثر ذكاءً وسيلة للحد من استهلاك الطاقة والبصمة الكربونية، وبالتالي الحد من تغير المناخ عن طريق تحديث المباني القديمة بتغذيتها بالتكنولوجيا المواكبة للاضطرابات المناخية، فتقنية المباني المتصلة تمكن من إدارة الإضاءة والتدفئة والتبريد بشكل رشيد لتعظيم الموارد الطبيعية الثمينة وخلق مصادر جديدة للطاقة، كما يمكن لبرامج المباني الذكية تحديد المشاكل وجدولة الصيانة طبقاً لأولوياتها من ناحية التكلفة والتأثير.

كما تمكن التطبيقات الإليكترونية من استخدام التحليلات والنمذجة لبناء مساحات ذكية، فعلى سيل المثال يستقبل أزور ديجيتال توينز (Azure Digital Twins)، وهو حل للذكاء المكاني، بيانات قادمة من مستشعرات حرارة ورطوبة وضغط وخلافه من الجيل الرابع للتكنولوجيا ليساعد المستخدمين على فهم العلاقات والتفاعلات بين الأشخاص والأماكن والأجهزة لتحديد الاحتياجات والقضايا العاجلة التي تجب معالجتها وتوصيلها بأنظمة التذاكر الآلية مثل (Dynamics 365 for Field Service)، كما يمكن استخدام أزور ديجيتال توينز لدراسة الاستخدام الأمثل للمساحة، ما يسهم في الحد من تأثير تغير المناخ، ويمكن أيضاً استخدام هذه التقنية لضبط الإضاءة ودرجة الحرارة وفقاً للاحتياجات الحقيقية مما يقلل من الاستهلاك غير الضروري دون الإخلال بالراحة.

التكنولوجيات البازغة لتجنب الإصابة بالسرطان

تسببت الثورة الصناعية في أحد أكبر المشاكل التي نعاني منها وهي تلوث الهواء، فالعواقب البيئية لانبعاثات الكربون وتغير المناخ قد تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان، حيث أثبت العلماء أن العوامل البيئية هي واحدة من أهم أسباب السرطان لأنها تحرض على حدوث العيوب الوراثية، وتبدأ الملوثات طفرات جينية متتالية من شأنها أن تغير في نهاية المطاف المسار الطبيعي لتكاثر الخلايا.

تجدر الإشارة إلى أن التعرض لبعض المواد الكيميائية والمواد الخطرة يزيد من خطر الإصابة بالسرطان مثل الأسبستوس والنيكل والكادميوم والأفلاتوكسينات وثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد النيتروجين وأول أكسيد الكربون والمركبات العضوية المتطايرة، كما تشكل ملوثات الهواء الثانوية في الغلاف الجوي من الملوثات الأولية وتشمل الأوزون الغازي الذي يعد مكونا رئيسيا للضباب الدخاني

من العلوم البازغة يعتبر علم الأورام الدقيق، أحد أفرع الطب الدقيق، من أفضل الأسلحة لهزيمة السرطان، حيث يمكن من خلال معرفة التسلسل الجيني الكشف عن التغيرات الجينية أو البروتينية في جسم الإنسان، ويساعد اختبار المؤشرات الحيوية (biomarkers) في الحصول على العلاج المناسب للمريض المناسب في الوقت المناسب.

 ومن التقنيات البازغة التي من شأنها تغيير طريقة علاج السرطان اللقاحات الشخصية والعلاج الخلوي وتحرير الجينات وعلاجات الميكروبيوم، ومع انخفاض المعروض من خبراء الأطباء، يمكن للرقمنة سد الفجوة مع المرضى عن طريق التطبيب عن بعد والذكاء الاصطناعي لدعم الأطباء في اتخاذ القرارات، ومع اعتماد التكنولوجيا الناشئة على نطاق واسع سيكون التعاون الصناعي والشراكات بين القطاعين العام والخاص مفتاحاً للتغيير المنهجي طويل الأجل.

شهدنا على مدى السنوات القليلة الماضية تطبيقات واعدة للتقنيات الناشئة لمواجهة التحديات البيئية مثل تكنولوجيا إنترنت الأشياء للمدن الذكية والحلول الرقمية التي تستخدم الموارد الطبيعية بشكل أكثر كفاءة والمباني الخضراء الذكية.

فرص الاستفادة من التغير المُناخي

يمثل التقدم في علوم المواد النانونية أفقاً واعداً في مجال استخدام المحفزات المبتكرة في تقليل البصمة الكربونية والاستفادة منها بتحويل غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان الي الهيدروجين والتي تُعد من المصادر الخضراء لتوليد الطاقة خاصة في المناطق النائية لخلق مجتمعات جديدة تقوم علي الزراعة الدقيقة بتقنيات حديثة تعتمد على تدوير المخلفات الحيوية والانبعاثات الغازية.

كما تقدم أيضا علوم المواد المتقدمة بدائل متطورة لتجميع وتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربية ومواد أخرى لتقليل فقد الطاقة المنتجة وتخزينها، أما بالنسبة للتغيرات المناخية المفاجأة من رياح وأمطار وكذلك المد والجزر فإنه يتعين استخدام التكنولوجيات المستحدثة من توليد الكهرباء من مراوح الرياح وبدالات الأمواج.

توربينات الرياح فوق سطح البحر لتوليد الطاقة البديلة

هناك عدة طرق تمكن مربي الماشية من ذوي الحيازات الصغيرة من التكيّف مع تغيرات الطقس والمناخ من خلال جعل إنتاجهم أكثر كفاءة لزيادة الدخل، والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، والتعامل مع التغير المناخي، حيث يمكن لأصحاب الحيازات المحدودة زيادة تأقلم أنظمة الثروة الحيوانية الخاصة بهم لتحمل الصدمات المناخية عن طريق استخدام أفضل سلالات الماشية، وأجود أصناف المحاصيل خاصة المحلية التي تطورت لتتحمل درجات الحرارة العالية والجفاف والآفات والأمراض، فالأنظمة الغذائية عالية الجودة تزيد من احتواء الكربون وتقلل من إنتاج غاز الميثان من قبل المجترات مع الحصول على الكميات المستهدفة من اللحوم والحليب بعدد أقل من الحيوانات.

مصر في مواجهة التغير المُناخي

تُعد مصر من أكثر الدول المعرضة للمخاطر الناتجة عن تأثيرات التغير المناخي على الرغم أنها من أقل الدول إسهاماً في انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى عالمياً حيث أن نسبة انبعاثاتها 0,6% فقط من إجمالي انبعاثات العالم.

ونظراً لتعدد الأطراف المعنية بالتعامل مع تحديات التغير المناخي بطبيعة الحال، فقد تأسس المجلس الوطني للتغيرات المناخية برئاسة رئيس مجلس الوزراء ومقرره وزارة البيئة وعضوية الوزارات المعنية لضمان دمج مواجهة آثار تغير المناخ في خطط التنمية وتسهيل التواصل والتعاون بين تلك الأطراف التابعة لوزارات مختلفة دون الدخول في معوقات بيروقراطية.

لقد أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لتغيُّر المناخ 2050 على هامش مشاركتها في فعاليات مؤتمر المناخ السابق في جلاسكو “COP26″، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام من تنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات، وبناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، وتحسين حَوْكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ، وتحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، وتعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي لمكافحة تغير المناخ.

وتحرص مصر خلال فترة ترأسها للإتفاقية الإطارية للدول الأطراف للتغيرات المناخية حالياً وحتى تسليمها الرئاسة لدولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر 2023 على وضع قضايا الأمن الغذائي وثلاثية الغذاء والطاقة والمياه على الأجندة العالمية، ويهدف الربط إلى إتاحة فرص جديدة لمواجهة ندرة الموارد وتأثيرات التغيرات المناخية على تلك الموارد، كما يلقي الضوء على التفاعلات المتداخلة بين البشر والموارد الطبيعية ما يدفعنا لأهمية التحول نحو أنماط الإنتاج والاستهلاك المستدام والتوجه نحو اقتصاد منخفض الكربون يعتمد على معدل اقتصادي أعلى وكثافة طاقة أقل.

وأخيراً وليس آخراً، فإنه يتعين تبني مشروع قومي لإجراء المراقبة الصحية للإنسان والحيوان بخصوص تغير المناخ ضمن إعلان مصر مؤخراً عن الطرح الأول للسندات الخضراء بقيمة 750 مليون دولار لتمويل مشروعات خضراء تضم القائمة الأولى منها مشروعات للتخفيف والتكيف مع آثار الاضطرابات المناخية، خاصة أن الدولة تستوعب تماماً مفهوم الصحة الواحدة الذي تشارك فيه وزارات الصحة والزراعة والبيئة لاسيما أننا نعيش عصر إنترنت الأشياء والجيل الرابع للتكنولوجيا.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى