رأى

نوعية الحياة الريفية

أ.د/أسامة متولي محمد

بقلم: أ.د/أسامة متولي محمد

أستاذ الاجتماع الريفي – كلية الزراعة – جامعة الفيوم

ظهر مفهوم نوعية الحياة في الستينات ليعبر عن مرحلة ما بعد الثورة الصناعية، وما تتطلبه من استخدام الوفرة الاقتصادية في إشباع الطموحات الاستهلاكية المتزايدة للسكان والتي أوجدها التقدم السريع في مجال التنمية الاقتصادية (الغندور، 1999 : 19).

ولقد إتخذ هذا المفهوم في بداية السبعينات شكلاً أخر مختلفاً عن الشكل الذي ظهر به في الستنيات، ليعبر عن عدم الرضا عن الوضع القائم ورفضه للمجتمع الإستهلاكي، ومن ثم طرحت فكرة نوعية Quality الحياة كمعارضة لفكرة الكم Quantity التي طرحها النظام الاقتصادي في ذاك الوقت، وبذلك فلقد أمتد هذا المفهوم ليشتمل علي أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية وبيئية بدلاً من مجرد التركيز علي جانب استهلاك السلع المادية وإعتباره عاملاً لتحديد المكانة الاجتماعية وغاية نهائية لتحقيق الإنجاز والتفوق الشخصي (صالح ، 1990 : 55-56).

وعلي الرغم من الانتشار السريع في إستخدام مفهوم نوعية الحياة، إلا أن التعريف بالمفهوم أو محاولة تحديده لم يلقي إلا القليل من الاهتمام، فمستخدمي هذا المفهوم لم يتفقوا بعد علي معني محدد لهذا المصطلح، الأمر الذي يشير إلي تعدد وتنوع تعريفات هذا المفهوم.

وفيما يلي محاولة لإلقاء الضوء علي بعض التعريفات التي عالجت مفهوم نوعية الحياة:

في محاولة لإبراز الجانب الاقتصادي لمفهوم نوعية الحياة، يذكر البردان (2006: 24) نقلاً عن ميلسون Melson  أن نوعية الحياة هي الأمل في تحقيق مستقبل أفضل، بما يتضمنه ذلك من شراء أراضي جديدة، وتحقيق تحسن في الدخل والطعام والملبس والمسكن، وفرص أفضل للترقي في المهنة، وكذلك الارتقاء بمستوي الرفاهية الاجتماعية.

وللتأكيد علي أهمية الجوانب الاجتماعية والنفسية، يعرف محرم وآخرون (2003 : 12-13 ) نوعية الحياة بأنها مفهوم يغطي جوانب الأمن والسلام وتكافؤ الفرص والمشاركة والرضا الذاتي، حيث تعتمد نوعية الحياة في مجتمع ما ليس فقط علي مستويات إشباع الحاجات الأساسية بالكم والنوع والتوقيت وإنما أيضاً علي أنماط التوزيع للسلع والخدمات المختلفة، وقد تختلف هذه الأنماط حسب أنواع الحاجة وحسب الثقافات. وفي نفس هذا السياق يعرف غرايبة (2009 : 3) نوعية الحياة بأنها مفهوم يشير إلي حالة الرضا والسعادة والرفاهية ( أو عكس ذلك) التي يعيشها الفرد أو مجموعة من الأفراد، مع ضرورة توافر متطلبات المعيشة الأساسية.

ولتوضيح أهمية إشباع الحاجات الإنسانية في إطار مفهوم نوعية الحياة، تعرف ناهد صالح ( 1990 : 60) نوعية الحياة باعتبارها تقويم لرضا الناس المستمد من درجة إدراكهم للإشباع الحقيقي لحاجاتهم المادية واللامادية. وفي ذات السياق تعرف زين دوبا ( 2005 : 74) نقلاً عن سولومان Soloman نوعية الحياة بأنها مفهوم شامل يغطي جميع جوانب لحياة كما يدركها الأفراد أنفسهم، ولذلك فهو يشمل الإشباع المادي للحاجات الحيوية والإشباع المعنوي لتحقيق التوازن النفسي للفرد من خلال تحقيق ذاته.

ولإبراز الجانب الخدمي لمفهوم نوعية الحياة، يعرف “ويليتس” هذا المصطلح باعتباره التقدير الذاتي الذي يبديه الفرد نحو نفسه ومجتمعه المحلي كمكان للعيش والإقامة، وكذا التقدير الذاتي لمستوي الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية (Willitis , 1993 : 664). وفي الإطار ذاته يعرف ” فيلسون وماكوي” نوعية الحياة بأنها شعور الأفراد بتوفر الخدمات والمرافق المحلية والمشاركة في الشئون العامة للمجتمع المحلي ( Filson and Mc Coy, 1993 : 26).

ولقد اختلفت الرؤي حول الأساليب المتبعة في قياس نوعية الحياة، وعلي الرغم من ذيوع وإنتشار هذا المفهوم علي المستوي الدولي والإقليمي والمحلي، فبينما تركز بعض القياسات علي جوانب معينة للمفهوم تركز قياسات أخري علي جوانب لم تتناولها القياسات الأولي، الأمر الذي جعل من مفهوم نوعية الحياة مركباً معقداً يصعب تفسيره إلا في إطار المؤشرات والمكونات التي دخلت في بنائه، وعليه يصبح مستوي نوعية الحياة المتحصل عليه لمجتمع ما مقيداً بمكوناته البنائية التي أخذت في الإعتبار عند الحساب (ريحان ويحيى، 2005: 167- 168).

وقد أثمرت جهود الباحثيين والدارسين عن إقتراح بعض المقاييس لمفهوم نوعية الحياة، يمكن استعراض بعضها علي النحو التالي:

في دراسة محرم وآخرون (2004) عن أثر برنامج شروق علي تحسين جودة الحياة الريفية، استخدمت الدراسة ثمانية محاور لقياس جودة الحياة الريفية وهذه المحاور هي:

الغذاء والتغذية: ويقصد به الكميات التي تستهلكها الأسرة المعيشية شهرياً للمجموعات الغذائية الرئيسية.

حق تقرير المصير للمجتمع المحلي: وقد تكون هذا المفهوم من خمسة عناصر رئيسية هي: المكانة الاجتماعية الفردية، الديمقراطية، العدالة، الوعي، المشاركة.

النمط السكني : وقد تضمن ذلك مدي توافر كل من: مياه الشرب النقية، الكهرباء، الصرف الصحي.

التعليم : حيث تضمن كل من: محو الأمية، النسق التعليمي.

الصحة : وتضمنت المنشآت الصحية، أساليب العلاج.

القيم والمعايير التنموية: ويقصد بها حجم وقيمة التغيرات النوعية في القيم والمعايير التنموية.

خدمات ومرافق النفع العام: وقد تكون هذا المتغير من ثلاث مفاهيم هي: الأهمية، الكفاءة، الحالة.

درجة الاستفادة من أنشطة المشروعات: وقد تضمن ذلك درجة استفادة المبحوثين من 27 مشروعاً تنموياً رئيسياً.

وفي دراسة ريحان ويحيى (2005) عن مقاييس جودة الحياة بين الفكر النظري ومحددات التطبيق العملي، فقد استخدمت الدراسة خمسة محاور رئيسية لقياس جودة الحياة الريفية، وذلك علي النحو التالي:

السعادة النفسية: وقد تضمن هذا المتغير خمسة مفاهيم فرعية هي: العشرة، احترام الذات، السلامة النفسية، التحفيز والتحدي، أخري (الشعبية، الفردية، الترابط، الإبداع، السيطرة).

الحالة الاقتصادية: حيث اشتمل هذا المؤشر علي ست عناصر فرعية هي: مستوي المعيشة، البطالة، الاعتماد المالي، المسكن، عرض وتوزيع السلع الأساسية، ملائمة وسائل المواصلات.

الحالة الإجتماعية: وقد اشتمل هذا المؤشر علي ست عناصر فرعية هي: العلاقات الأسرية، الصداقة، الرضا الوظيفي، الجريمة والعنف، الصحة والغذاء، المستوي التعليمي.

قضاء وقت الفراغ: واشتمل كذلك علي ست عناصر فرعية هي: التسلية، مشاهدة البرامج الرياضية، أداء بعض الأعمال الفنية، قراءة الكتب والمجلات، زيارة المتنزهات والحدائق، التعرض للتلوث.

الحالة السياسية: واشتمل على خمس عناصر فرعية هي: المشاركة السياسية، تغطية الأخبار، الحريات والحقوق المدنية، استجابة الحكومة، الخدمات العامة.

أما دراسة دوبا (2005) عن نوعية الحياة وعلاقتها بالإدراك البيئي في ضوء بعض المتغيرات النفسية، فقد استخدمت أربعة محاور لقياس نوعية الحياة وهى:

المستوى الاجتماعي الاقتصادى: ويتمثل في المستوى التعليمي، ومستوى الدخل، ومقدار الإنفاق على جوانب الحياة المختلفة مثل: تعليم الأولاد والترفيه والحاجات اليومية للأسرة.

نوعية الحياة البيئية: وتشمل على الخصائص الفيزيقية للمسكن، والخصائص الفيزيقية للمنطقة التي يقطنها الفرد وذلك من ناحية جودتها وتحديد المشكلات البيئية المنتشرة في البيئة مثل الضوضاء والازدحام وتلوث الهواء وتوافر المساحات الخضراء والخصائص المعمارية.

نوعية الحياة الصحية والتعليمية: وتعبر عن مدى توافر الخدمات الصحية والتعليمية وانتشار الأمراض.

نوعية الحياة الاجتماعية: وتعبر عن علاقة الفرد بالآخرين وخصوصاً جيرانه، وعلاقة الأفراد مع بعضهم البعض، وعلاقتهم بالمنطقة السكنية التي يقيمون فيها، وطبيعة سكان المنطقة ومدى توافر الأمن فيها.

وفي دراسة البردان (2006) عن نوعية الحياة في المجتمعات الزراعية الجديدة، فقد استخدمت الدراسة خمسة مكونات رئيسية لوصف متغير نوعية الحياة وهى:

المكون الاقتصادى لنوعية الحياة: ويشتمل على المحاور الستة التالية: قيمة الانفاق الأسري الشهري ونصيب الفرد منه، قيمة نسبة الإنفاق على بندي الغذاء والترفيه، الوضع التغذوي، درجة التمكين الاقتصادي، درجة تحسن مستوى المعيشة واستمرار هذا التحسن، حيازة الأجهزة الكهربائية المنزلية الحديثة.

المكون الاجتماعي لنوعية الحياة: ويشتمل على أربعة مؤشرات فرعية هى: المستوى التعليمي، الفجوة النوعية، درجة الاستقرار الأسري، درجة التكافل الاجتماعي.

المكون النفسي لنوعية الحياة: ويشتمل هذا المكون على متغيرين هما: الرضا عن الأجهزة التنفيذية بالمجتمع المحلي، درجة الانتماء المجتمعى.

المكون البيئي لنوعية الحياة: ويشتمل هذا المكون عل ثلاثة مؤشرات فرعية هي: صحة بيئة المسكن، صحة بيئة الجوار المسكنى، السلوك البيئى.

المكون الخدمى لنوعية الحياة: وينطوى على جانبين أساسيين هما: درجة توافر الخدمات، درجة الاستفادة من الخدمات.

وأخيرا وفي دراسة حسانين (2008) عن التنمية الاجتماعية في مرحلة الإصلاح الاقتصادي (مؤشرات نوعية الحياة)، فقد ميزت الدراسة بين نوعين من مؤشرات الحياة وهما:

مؤشرات نوعية الحياة المادية: واشتملت على ستة محاور هى: الدخل، الصحة، التعليم، العمل، الإسكان، البيئة.

مؤشرات نوعية الحياة المعنوية: واشتملت على خمسة محاور هى: الأمن، الأمان الأجتماعي، الحرية، رؤية المستقبل والطموحات، الرضا عن الحياة.

مما سبق، ومن خلال عرض التعريفات السابقة وكذلك طرق القياس المختلفة لمفهوم نوعية الحياة، فقد أمكن استخلاص ستة مكونات رئيسية يتضمنها هذا المفهوم، بحيث ينطوي كل مكون على مجموعة من المؤشرات الفرعية، وهذه المكونات الرئيسية هي: المكون الاجتماعي، المكون الاقتصادى، المكون السياسي، المكون النفسي، المكون البيئي، المكون الخدمى.

المراجع

البردان، محمد عبد الرازق أمين

  • نوعية الحياة في المجتمعات الزراعية الجديدة، رسالة دكتوراه، كلية الزراعة، جامعة الإسكندرية.

الغندور، العارف بالله

  • أسلوب حل المشكلات وعلاقته بنوعية الحياة” دراسة نظرية”، المؤتمر الدولي السادس، مركز الإرشاد النفسي، جامعة عين شمس.

حسانين ، مجدة إمام

  • التنمية الإجتماعية في مرحلة الإصلاح الاقتصادي، دراسة سوسيولوجية للمؤشرات الإجتماعية (مؤشرات نوعية الحياة)، رسالة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة عين شمس.

دوبا، زين إحسان

  • نوعية الحياة وعلاقتها بالإدراك البيئي في ضوء بعض المتغيرات النفسية” دراسة مقارنة في علم النفس البيئي علي عينات من ساكني المناطق العشوائية”، رسالة دكتوراه، معهد الدراسات والبحوث البيئية، جامعة عين شمس.

ريحان، إبراهيم إبراهيم ومجدي علي يحيى

  • مقاييس جودة الحياة بين الفكر النظري ومحددات التطبيق العملي “دراسة حالة علي قرية نوي – مركز شبين القناطر- بمحافظة القليبوبية”، المجلة المصرية للبحوث التطبيقية (20) 7، ص ص 165-184.

صالح، ناهد

  • مؤشرات نوعية الحياة: نظرة عامة علي المفهوم والمدخل، المجلة الاجتماعية القومية، المجلد السابع والعشرون، العدد الثاني .

محرم، إبراهيم وسمير الشاذلي وأيمن الخفيف وأحمد إسماعيل وصلاح عامر

  • أثر برنامج شروق علي تحسين جودة الحياة الريفية، جهاز بناء وتنمية القرية المصرية، وزارة التنمية المحلية.

Filson , Glen and Melinda Mc Coy

  • Farmers Quality of Life: Social Class, Rural Sociology (13) 1 PP. 15-36.

Willitis, Fern K.

  • Question order Effects on Subjective Quality of Life, Rural Sociology (60) 4 PP.654-666.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى