إدارة التقاوي في زراعة القمح: من اختيار الحبوب حتى تحقيق إنتاج يفوق 24 أردب للفدان

إعداد: أ.د.خالد فتحي سالم

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

يُعد القمح واحدًا من أهم المحاصيل الاستراتيجية في مصر والعالم العربي، ويعتمد المزارعون بدرجة كبيرة على إنتاج الفدان وتحقيق أعلى مردود من وحدة الأرض والري. ومن أهم العوامل المؤثرة في إنتاجية القمح: نوعية التقاوي، طرق معالجتها، الكثافة النباتية، ومعدلات التفريع وعدد السنابل في المتر المربع.

ومع ارتفاع تكاليف الإنتاج وتذبذب أسعار المدخلات، يلجأ كثير من المزارعين إلى استخدام تقاوي مأخوذة من محصول الموسم السابق، الأمر الذي يتطلب وعيًا شاملاً بكيفية اختيارها ومعاملتها لضمان سلامتها من الأمراض وتحقيق نمو قوي.

في هذا المقال، سنقدم دليلًا تفصيليًا مبنيًا على توصيات فنية، لشرح أفضل أساليب التعامل مع التقاوي المحلية، وطريقة معالجتها فطريًا، إضافة إلى تأثير كمية التقاوي المستخدمة على المحصول، وكيفية الوصول إلى عدد سنابل يضمن إنتاجًا يتجاوز 24 أردب للفدان.

أولًا: أهمية اختيار التقاوي وصلاحية استخدام مخزون الموسم السابق

تقاوي القمح هي حجر الأساس في نجاح الموسم الزراعي. وإن كانت مصر تنتج سنويًا تقاوي معتمدة عالية الجودة، إلا أن العديد من المزارعين يعتمدون على التقاوي المخزنة من سنة لأخرى توفيرًا للتكاليف. وهذا ممكن بالفعل بشرط اتباع ضوابط محددة لضمان جودة الحبوب وخلوها من الأمراض.

شروط يجب توافرها في التقاوي المخزنة:

• امتلاء الحبوب وثقل وزنها: الحبوب الثقيلة ذات الوزن النوعي المرتفع تعطي نباتات قوية، جذورًا عميقة، وتفريعًا أعلى، وهو ما ينعكس على عدد السنابل وحجم السنبلة.

• خلو التقاوي من التفحم السائب والمغطى: مرض التفحم يُعد من أخطر الأمراض المنقولة مع الحبوب. وإذا كان محصول الموسم الماضي مصابًا بالتفحم السائب يمنع تمامًا استخدام التقاوي، لأن الفطر يكون موجودًا داخل الحبوب نفسها.

• خلو التقاوي من الرطوبة والعفن: الرطوبة تُفقد الحبوب حيويتها، وتُعطي مجالًا لنمو الفطريات. يجب أن تكون التقاوي جافة تمامًا وغير متكتلة.

• عدم خلط الأصناف: الخلط بين أصناف مختلفة يؤدي إلى تفاوت في طول النباتات وموعد الطرد والنضج، وبالتالي يخفض الإنتاج.

• التخزين الجيد: التقاوي يجب أن تُخزن في مكان جاف، مظلل، بعيد عن الحرارة والحشرات، مع تهوية جيدة.

علامات تدل على عدم صلاحية التقاوي:

• تغير لون داخلي عند كسر الحبة.

• رائحة كريهة أو ظهور بقع سوداء.

• نسبة كبيرة من الحبوب الخفيفة أو المكسورة.

ثانيًا: لماذا يجب معاملة التقاوي فطريًا؟

التقاوي المخزنة – حتى لو كانت جيدة – تكون عرضة للإصابة بالفطريات التي تسبب:

• التفحم السائب والمغطى

• موت البادرات

• أعفان الجذور

• أمراض تخفض نسبة الإنبات

ولذلك، فإن معاملة التقاوي قبل الزراعة خطوة لا غنى عنها، سواء للتقاوي المحلية أو المعتمدة.

أهم المبيدات الفطرية المناسبة للتقاوي:

• فيتافاكس – تيرام (Vitavax–Thiram): الأشهر في مقاومة التفحم السائب والمغطى، مناسب لأعفان الجذور، معدل الاستخدام: 2.5 جم/كجم تقاوي.

• رانر أو تريتسان (Ranar / Tritzan): فعال ضد فطريات البادرات، معدل الاستخدام: 2.5 – 3 جم/كجم تقاوي.

• منتجات حديثة مثل فولكور، دايفيدور أو رويال فلور: فعالة بجرعات أقل، معدل الاستخدام: 1–2 مل/كجم تقاوي.

طريقة المعاملة الصحيحة:

1. ضع كمية التقاوي في شيكارة أو برميل بلاستيك نظيف.

2. أضف المبيد بالجرعة المُحددة.

3. اخلط جيدًا لمدة 3–5 دقائق حتى تتغطى كل الحبوب.

4. لا تُزيد نسبة الرطوبة؛ فالرطوبة الزائدة تؤخر الإنبات.

5. قم بالزراعة خلال 24 ساعة من المعاملة.

هذه الخطوات تقلل الإصابة بنحو 90–95%، وتزيد نسبة الإنبات وتجانس النباتات.

ثالثًا: كمية التقاوي المثالية للفدان والمتر المربع

تحديد كمية التقاوي من أهم عوامل نجاح محصول القمح. فالزيادة الكبيرة تؤدي إلى تزاحم النباتات وتنافسها على الغذاء، بينما النقص يمنع تكوين عدد كافٍ من السنابل.

الكمية القياسية:

• 50–55 كجم للفدان عند الزراعة على خطوط أو بالتسطير، وهي الكمية التي تعطي أفضل كثافة نباتية.

الحالات التي نزيد فيها كمية التقاوي:

• التقاوي خفيفة الوزن: 60–65 كجم للفدان لتعويض نقص الامتلاء.

• الزراعة البدار اليدوي: 70–80 كجم للفدان بسبب عدم انتظام توزيع الحبوب.

• الزراعة المتأخرة بعد 30 نوفمبر: 60–65 كجم للفدان لتعويض انخفاض التفريع.

كمية التقاوي للمتر المربع:

• 20–25 جرام تقاوي/م² (يعادل 400–450 بذرة/م²).

رابعًا: تأثير زيادة أو نقص كمية التقاوي

تأثير زيادة كمية التقاوي:

• انخفاض التفريع بسبب تنافس النباتات على الضوء.

• زيادة طول النباتات واحتمال الرقاد.

• سنابل صغيرة وعدد حبوب أقل.

• زيادة الرطوبة → فرص الإصابة الفطرية.

كيفية العلاج:

• زيادة التسميد الأزوتي قليلًا في الرية الأولى.

• الحد من الأزوت في الأطوار المتأخرة لتقليل الرقاد.

• استخدام سيليكات أو كالسيوم لتقوية السيقان.

• مكافحة الحشائش مبكرًا لتقليل المنافسة.

تأثير نقص كمية التقاوي:

• النباتات متباعدة، وعدم تكوين عدد مناسب من السنابل.

كيفية العلاج:

• زيادة التسميد الفوسفاتي والبوتاسي.

• زيادة جرعة الأزوت في رية المحاياة لتنشيط التفريع.

• الاعتناء بريّة الزراعة ورية المحاياة.

• منع الحشائش تمامًا لأنها تنافس النباتات الضعيفة.

خامسًا: مميزات التقاوي الثقيلة مقارنة بالخفيفة

التقاوي الثقيلة:

• نسبة إنبات مرتفعة.

• جذور قوية وتفريع أكبر.

• مقاومة أفضل للبرد والملوحة.

• إنتاج سنابل أكبر وعدد حبوب أعلى.

• انتظام في النمو وكثافة أفضل.

التقاوي الخفيفة:

• إنبات ضعيف.

• جذور قصيرة ونمو بطيء.

• عدد أشطاء قليل.

• سنابل صغيرة وعدد حبوب أقل.

• تفاوت كبير بين النباتات.

سادسًا: دور الكثافة النباتية والتفريع في إنتاجية القمح

زيادة الإنتاج ترتبط بعدد السنابل في المتر المربع.
النبات الواحد في الأحوال المثالية قد يُنتج من 3 إلى 5 أشطاء قوية، كل شطء قادر على إنتاج سنبلة كاملة، وهذا يتطلب:

• تقاوي جيدة.

• توزيع منتظم للتقاوي.

• ضبط التسميد والري.

سابعًا: عدد السنابل في المتر المربع اللازم لتحقيق إنتاج يفوق 24 أردب للفدان

الإنتاجية العالية تعتمد على تحقيق 350 إلى 450 سنبلة في المتر المربع.

• أقل من 300 سنبلة → محصول منخفض.

• أكثر من 450 سنبلة → زيادة كثافة تؤدي إلى رقاد ونقص حجم السنبلة.

ثامنًا: كيفية الوصول إلى هذا العدد من السنابل

1. الزراعة في الموعد المناسب: من 10 إلى 25 نوفمبر.

2. اختيار تقاوي ثقيلة ومعاملة فطريًا.

3. تحديد الكثافة النباتية الصحيحة: 50–55 كجم للفدان (تسطير)، 20–25 جم/م².

4. التسميد المتوازن:

   • فوسفور: 100 كجم سوبر فوسفات.

   • الأزوت: 70–80 وحدة حسب نوع السماد.

   • بوتاسيوم: 25–50 كجم سلفات بوتاسيوم.

5. إدارة الري بدقة: 6–7 ريات، مع تجنب التغريق.

6. مكافحة الحشائش مبكرًا.

7. التسميد الورقي عند الحاجة خاصة في مرحلة التفريع، ورش العناصر الصغرى مثل الحديد والزنك والمنجنيز والبورون.

تاسعًا: تأثير هذه الإجراءات على الإنتاج النهائي

الجمع بين: تقاوي ممتازة، معاملة فطرية، كمية مناسبة، إدارة تسميد وري جيدة → يؤدي إلى:

• تجانس في النمو.

• تفريع قوي.

• عدد سنابل مناسب.

• سنابل ممتلئة وعدد حبوب مرتفع.

وبذلك يُتوقع إنتاج يتراوح بين 24–28 أردب للفدان، وقد يصل إلى 30 أردب في الأراضي الخصبة أو مع الإدارة المثالية.

الموجز المختصر:

إن تحقيق إنتاجية مرتفعة من القمح ليس أمرًا صعبًا، ولكنه يعتمد على دقة الإدارة وجودة التقاوي. استخدام التقاوي المحلية يمكن أن يكون ناجحًا بل وممتازًا إذا تم اختيارها بعناية ومعالجتها فطريًا واستخدام الكمية المناسبة، ثم إدارة التسميد والري وفق أسس علمية. وعندما يتم الوصول إلى كثافة سنابل بين 350 و450 سنبلة/م²، يصبح الفدان قادرًا على الإنتاج فوق 24 أردب بسهولة.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.