رئيس التحرير

مياهنا أمانة والفلاح المصري قادر على الترشيد دون أن يخسر المحصول

بقلم: د.أسامة بدير

أؤمن أن أعظم ما نملكه في هذا الوطن ليس الذهب ولا النفط، بل الماء. هو سر الحياة، وبدونه لا تنبت شجرة ولا تُثمر أرض.
وفي وقت أصبحت فيه نقطة الماء تُحسب حساباً دقيقاً، بات من الضروري أن ندرك – نحن أبناء الريف والزراعة – أن كل قطرة باتت أمانة في أعناقنا.

من يعيش بين الغيطان يعرف جيداً معنى العطش الذي يصيب الأرض حين تتأخر الساقية أو يقل منسوب الترعة. الفلاح هو أول من يتأثر بندرة المياه، وأول من يستطيع أن يصنع الفارق في الحفاظ عليها. لكن المشكلة الحقيقية ليست في وعي الفلاح وحده، بل في الوسائل الحديثة التي لم تصل بعد إلى كل يدٍ عاملة في الأرض.

 أنا أرى أن التحول إلى أنظمة الري الحديثة – بالتنقيط أو الرش أو الري الذكي – لم يعد مجرد مشروع حكومي، بل أصبح خيار بقاء. هذه الأنظمة توفر ما بين 30 إلى 50% من المياه، وتزيد الإنتاجية في الوقت نفسه. الفلاح الذي يظن أن الري الحديث “غالي” لم يحسب كم يخسر من مياه وطاقة ومحصول بسبب الطرق القديمة. المعادلة بسيطة: ما تنفقه اليوم على تطوير الري، تسترده غدًا من وفرة الإنتاج وقلة الهدر.

كثير من المزارعين ما زالوا يروون الأرض بعادة قديمة: “كل تلات أيام نسقي الغيط”، بغض النظر عن حالة التربة أو الطقس. لكن العلم يقول غير ذلك؛ فكل محصول له احتياجاته المائية الدقيقة التي يمكن تحديدها بالأجهزة أو التطبيقات الحديثة. الفلاح الذي يتعلم كيف “يُفكر مع الأرض” هو الذي يربح. فالإدارة الذكية للمياه لا تعني التقليل من الري، بل تعني الري في الوقت المناسب وبالكمية المناسبة.

لا يمكن أن ننكر حجم الجهد الذي تبذله الدولة في تبطين الترع، وتبطين المصارف، وتحديث شبكات الري في الأراضي القديمة والجديدة. لكن نجاح هذه الخطط يعتمد أولاً وأخيراً على وعي المزارع. المياه لن تُحافظ على نفسها إن لم نحافظ نحن عليها، والري الحديث لن ينجح إن ظل التفكير قديما.

خلال متابعتي لعدد من المشروعات الزراعية في مناطق مختلفة، لاحظت أن المزارعين الذين تبنّوا تقنيات الري الحديث تحسّنت لديهم جودة المحصول بنسبة ملحوظة، وأصبحوا أكثر قدرة على التوسع دون زيادة في استهلاك المياه. وهذا هو الدرس الأهم: الترشيد لا يعني الحرمان، بل يعني الاستخدام الذكي للمورد الأغلى في حياتنا.

“مياهنا أمانة” ليست مجرد عبارة نُرددها في الحملات التوعوية، بل مسؤولية وطنية ودينية وأخلاقية. وإذا كان نصيبنا من المياه محدودًا، فإن ذكاءنا في استخدامها يمكن أن يكون بلا حدود.
الفلاح المصري أثبت عبر التاريخ أنه قادر على التكيف مع كل الظروف، واليوم عليه أن يُثبت أنه أيضاً قادر على حماية ما تبقّى من حياة في كل قطرة ماء.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى