رأى

كيف نحقق حوكمة فاعلة للمياه؟

أ.د/علاء البابلي

بقلم: أ.د/علاء البابلي

مدير معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة بمركز البحوث الزراعية وخبير المياه الدولي

 تحتاج أزمة المياه إلى مقاربة متعددة الأبعاد تضع في اعتبارها المخاوف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية؛ حيث إن البعد الاجتماعي يتطلب الاستخدام العادل للمياه، مثلما يتطلب البعد الاقتصادي كفاءة استعمالها أو الاهتمام بدورها في النمو الاقتصادي، ويقتضي البعد السياسي طرح فرص ديمقراطية متساوية لأصحاب المصلحة، وتحقيق عدالة توزيع المياه على مستوى النساء والفئات الضعيفة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. وأخيرا، فإن البعد البيئي يحتاج إلى الاستدامة في استخدام المياه وخدمات النظام الإيكولوجي.

إن العناصر الرئيسية للحوكمة الرشيدة هي: الكفاءة، والشفافية، والمساءلة، والاستدامة البيئية والاقتصادية، والاستجابة إلى احتياجات التنمية الاجتماعية الاقتصادية، ومشاركة أصحاب المصلحة لتحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة ولضمان العدالة الاجتماعية. وعلى المجتمع المدني، والقطاعين العام والخاص، أن يتعاونوا على تطبيق وإصلاح حوكمة المياه، لا سيما وأن الحوكمة تحتاج إلى عنصري التحسن والمرونة الدائمين في ظل بزوغ تحديات جديدة. ومن ثم، يجب أن تطبق كل دولة نموذجها الخاص، مع أنه ليس ثمة ما يمنع من وضع خطوط إرشادية عامة.

أسس الحوكمة الرشيدة التي وضعها البرنامج العالمي لتقييم المياه

ـ المشاركة: ينبغي أن يعبر جميع المواطنين عن آرائهم في عملية صنع السياسات والقرارات تعبيرا مباشرا أو عبر المنظمات الوسيطة التي تمثل مصالحهم.

ـ الشفافية: ينبغي أن تنتقل المعلومات انتقالا حرا داخل المجتمع، وأن تخضع العمليات والقرارات لقواعد الشفافية والمراقبة العامة، وأن يُعلن بوضوح حق الاطلاع على هذه المعلومات.

ـ العدالة: ينبغي أن يحصل أفراد المجتمع جميعا  على فرص متساوية لتحسين رفاهيتهم.

ـ المساءلة: يجوز أن تتعرض الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني للمساءلة أمام الشعب أو ممثلي مصالحهم.

ـ التماسك: يجب أن تكون قضايا المياه، والسياسات، والإجراءات على الرغم من طبيعتها المعقدة متماسكة، ومتسقة، وسهلة الفهم.

ـ الاستجابة: ينبغي أن تخدم المؤسسات والإجراءات جميع أصحاب المصلحة، وأن تستجيب استجابة فعلية للأولويات، أوللتغيرات في الطلب، أو للظروف الأخرى الجديدة.

ـ التكامل: ينبغي أن تدعم حوكمة المياه المقاربات المتكاملة والشاملة، وتشجع على تطبيقها.

ـ الأخلاقيات: يجب أن تقوم حوكمة المياه على أسس أخلاقية نابعة من المجتمع التي تطبق فيه كاحترام حقوق المياه التقليدية.

إن إدراك القيمة الفعلية للمياه، وتقديرها، وتحديد قيمتها الصحيحة بما في ذلك التكلفة البيئية والاجتماعية والتشغيلية والإنشائية أمور بالغة الأهمية. فمن خلال تحديد القيمة الصحيحة للمياه، وتقييم الخيارات السياسية لإدارتها بطريقة فعالة من النواحي الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية، فإن تحليل فعالية التكلفة سيساعد متخذي القرار على تضييق الفجوة بين العرض والطلب.

أما تقييم خيارات السياسة مع وضع جميع المتغيرات في الاعتبار فيساعد على التوصل إلى توافق في الآراء بين أصحاب المصلحة. ومن شأن تحليل فعالية التكلفة أيضا الموازنة بين تكاليف التحرك مقابل تكاليف التراخي عن التحرك، مع إيضاح المنافع الصحية والسياسية والبيئية التي تتحقق من تحسين المياه والصرف الصحي. ومن هنا، ينبغي أن يكون الهدف تحديد التدخل الذي يحقق أعلى عائد من أجل الوصول إلى التغطية الكلية في مجالي المياه والصرف الصحي.

ومن أركان حوكمة المياه الفعالة: إعادة توجيه سياسة المياه، وإنفاذ التشريعات واللوائح التنظيمية، والتمويل الملائم لقطاع المياه، وتطوير القدرات التنظيمية، وبرامج للمراقبة والتقييم، وإدارة المعلومات والبيانات، وتنسيق التعاون الإقليمي والدولي، والاهتمام بالتثقيف والتوعية، ودعم مشاركة أصحاب المصلحة وتمكينهم، وضمان تحقيق حقوق المياه والعدالة الاجتماعية، وزيادة الاستخدام الكفء للمياه، وتحسين الروابط بين البحث والإدارة.

إن المقاربة القائمة على العرض في إدارة الموارد المائية قد باءت بالفشل في تحقيق الأمن المائي في البلدان التي تعاني من مشكلات في توفير المياه، إذ يؤدي البحث عن مصادر توفير المياه مع إهمال كفاءة الاستخدام والتخصيص إلى ممارسات مائية غير مستدامة. ويجب لذلك أن يتغير أسلوب السياسات من إدارة العرض إلى إدارة الطلب المستدام، فضلا عن التحول من إدارة الأزمات إلى التخطيط طويل المدى.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى