الأجندة الحيوانية

كيف تتأقلم الإبل مع ظروف البيئة الصحراوية؟

كتب: د.صفوت كمال تحت ظروف الصحراء القاسية تعيش العديد من الحيوانات الثديية، حيث يندر الماء والعشب وترتفع درجة الحرارة صيفا إلى حد يكون من الصعب عنده لأى نوع من أنواع الحيوانات التكيف مع هذه الظروف، إلا إذا توفر له كثير من الخصائص الفسيولوجية والسلوكية حتى يساعدها علي مقاومة هذه الظروف، من هذه الخصائص مايلي:

1ـ القدرة الكبيرة علي المحافظة علي الماء الموجود في الجسم والحد من فقده سواء كان علي شكل بول أو عرق للمحافظة علي درجة حرارة الجسم.

يكون لدى الحيوانات القدرة علي الاحتفاظ بدرجة حرارتها ثابتة مهما ارتفعت درجة حرارة الجو المحيط بها.

وفي حالة الحيونات الصغيرة الحجم قد تلجأ للاختباء من شدة الحرارة في داخل مساكنها أو جحورها حتي المساء إلي الحد الذي تنخفض فيه درجة الحرارة إلي الدرجات المثلي لنشاطها المعيشي، ولكن الجمل بحجمه الكبير لا يستطيع الاختفاء تحت سطح الارض والهروب من أشعة الشمس ودرجات الحرارة العالية.

أ.د/صفوت كمال

إضافة لذلك لابد للإبل أن تقاوم نقص الموارد المائية وقلة كثافة الغطاء النباتى في الأراضي الصحراوية، حتي النمباتات الموجودة به تكون من النباتات الشوكية والملحية لتقاوم هي الاخري ظروف الصحراء القاسية حتي انه لا يستطيع كثير من الحيوانات الاخري الاعتماد عليها في تغذيتها.

لكن الإبل بما حباها الله من قدرات تمثلت في العديد من الخصائص التشريحية والفسيولوجية والسلوكية مكنتها دون غيرها من الحيوانات من التلاؤم العيش في هذه الظروف، ومن هنا برزت قيمة الإبل كحيوان مهم في مناطق يصعب علي غيره العيش فيها.

والان نستعرض بشئ من التفصيل الإبل وتأقلمها مع المناخ الصحراوي:

أولا: الخصائص الغذائية

كما أشرنا سابقا تختص الإبل بقدرة عالية على رعى الكثير من النباتات الصحراوية التى عادة ما تكون أشجاراً وشجيرات منخفضة القيمة الغذائية إضافة إلى أن هذه النباتات تكون عادة من النباتات الشوكية أو الملحية والتى تسبب العديد من المشاكل فى الكلى، ونظرا لقدرة الجمل على تركيز البول فإن بإمكانه رعى النباتات الملحية وشرب الماء المالح، وكذلك فى فصل الصيف يلاحظ احتواء كرش الحيوان على كميات كبيرة من الأملاح، ووجد أن نسبة السوائل المالحة قد تصل إلى 30% من وزن الجسم.

كذلك تبدأ مراحل امتصاص المواد الغذائية فى الكرش حيث تمتص فيها الأملاح والماء، وكذلك تتميز الإبل بقدرتها الفائقة على تحويل اليولريا بواسطة الأحياء الدقيقة الموجودة بالكرش إلى بروتينات تستخدم فى بناء جسمه.

من السلوك الغذائي للإبل اثناء الرعي أنها تقضم جزءا بسيطا من النبات ثم تتركه وتمضي مسافة ثم تقضم جزاءاً من النبات اخر بمعني انها لا ترعي في مكان ضيق حتي في حالة عدم وجود كثافة رعوية عالية وجيدة، ومن المعلوم ان الإبل تستطيع الرعي حوالي 50كم في اليوم بطريقة عادية وطبيعية ولذلك نستطيع القول أن الإبل لا ترعي رعياً جائراً وتعطي الغطاء النباتي فرصة للنمو وإعادة النباء.

وجدير بالذكر أن الإبل تستطيع أن ترعي علي مراعي بسيطة يبلغ ارتفاع النباتات فيها أقل من واحد سم، إلا أن الإبل لا تستطيع ان تـأخذ منها أكثر من 5 كجم من إجمالي غذائها اليومي والذى يتراوح من 30-40 كجم.

وتقوم الإبل بالرعي حوالي 8 ساعات يوميا أثناء الصباح الباكر وقبل الغروب، ثم تستريح لإتمام عملية الاجترار، وأثناء الرعى تقوم الإبل برعى النباتات القصيرة وكذلك الشجيرات العالية لذلك حباها الله ببعض الخصائص التى تستطيع بها الحيوانات الرعى بسهولة ودون الإضرار بالنواحى الفسيولوجية فى جسمها.

فمثلا، دلت الأبحاث والدراسات على أن تنظيم وترتيب العصاب التى تغذى الكتف والرقبة، وكذلك تنظيم شبكة الشرايين الدماغية كل ذلك مسخر بشكل يساعد حركة الرأس والرقبة لأعلى ولأسفل دونما حدوث أى تغيير حاد فى ضغط الدم. كذلك فإن تركيب الأوردة فى منطقة الرقبة والأرجل تتميز بوجود صمامات على طول هذه الأوردة وذلك لمنع رجوع الدم من هذه الأوردة خاصة عندما يخفض الحيوان رأسه ليشرب أو يرعى نباتات قريبة من سطح الأرض.

ثانيا: الخصائص الفسيولوجية

ذكرنا فيما سبق أن الظروف الصحراوية تتميز بعاملين أساسين هما:

النقص الشديد فى الماء والموارد المائية، كذلك ارتفاع درجات الحرارة أثناء النهار ،لذا لكى يستطيع الكائن الحى من العيش بسهولة فى مثل هذه الظروف لابد من أن يحافظ على درجة حرارة جسمه فى المدى الطبيعى، كذلك لابد من المحافظة على الماء الموجود بجسمه وعدم التفريط فيه.

فنحن نعلم أن عملية تبريد الجسم بغرض المحافظة على درجة حرارته تتم بشكل رئيسى عن طريق التبريد بالبخر، لذلك لابد هنا أن يستعمل الماء لذلك، ولكن من الضرورى التوازن بين هاتين العمليتين لكى يحافظ الجسم على درجة حرارته المناسبة دون تسبب فى حفاف الجسم وموت الحيوان.

فعلى سبيل المثال يفقد افنسان حوالى 4 لتر / ساعة لكى يبرد جسمه ويحافظ على درجة حرارته ثابته ولكن عندما يفقد ما يقرب من 10% من وزنهماء فإنه يدخل فى مرحله الخطر، ويصبح معرضا لبعض المشاكل مثل النوبات القلبية والتى قد تؤدى إلى الموت.

وتتميز جميع الثدييات بهذه الدرجة من الحساسية لفقدان الماء من الجسم، ولكن الإبل تستطيع البقاء بدون شرب الماء لمدة تتجاوز أسبوعين وربما أكثر من ذلك دون أن يؤثر على حياته، وكذلك نجد أن الجفاف جسم الجمل قد يستغرق وقتا طويلا ويرجع ذلك إلى عدة أمور منها:

ـ درجة حرارة الجسم: من الملاحظ أن الإبل تسطيع تغيير درجة حرارة جسمها تبعا لتغير درجة حرارة الجو المحيط بها، لذلك فهى تختلف عن معظم الحيوانات ذوات الدم الحار والتى لا تستطيع التغيير فى درجة حرارة جسمها بسهولة مع درجة حرارة الجو المحيط بها.

تحاول الإبل أن تجعل الفرق بين درجة حرارة جسمها ودرجة حرارة الجو المحيط بها أقل ما يمكن، فنجد فى الصباح الباكر تنخفض درجة حرارة جسمها لتصل إلى 34O م  ولكن عندما ترتفع درجة حرارة الجو أثناء النهار نجد أن درجة حرارة جسمها تصل إلى 41O م، وهذا يمكن الحيوان من امتصاص أقل كمية من حرارة الجو المحيط، وبالتالى استعمال أقل كمية من الماء الموجود فى الجسم لغرض التبريد وبذلك تستطيع اللإبل حيث تنخفض درجة حرارة الجو تستطيع الإبل أن تتخلص من كمية الحرارة من جسمها إلى الجو الخارجى عن طريق الإشعاع.

ـ الوبر: من الملاحظ أن جسم اللإبل يغطيه الوبر الكثيف المتميز بقصره، والوبر هنا يقوم بوظيفتين متناقضتين فهو يحمى الحيوان من الجو الصحراوى شديد البرودة فى فصل الشتاء، وكذلك يحمى الحيوان من حرارة الجو فى فصل الصيف، ويبلغ طول الوبر فى فصل الصيف من 1.5- 3 سم فى منطقة البطن بينما فى منطقة السنام يتراوح طوله من 6-11 سم.

ـ الغدد العرقية: تنتشر الغدد العرقية فى جميع مناطق جسم الإبل بمتوسط 200 غدة / سم2 باستثناء بعض المناطق مثل الفتحات الأنفية ـ الشفة العليا ـ منطقة الشرج وهذه الغدد بعمقها تحت سطح الجلد، ويتم إفراز العرق من هذه الغدد مباشرة إلى سطح الجلد وتحت الوبر ولذلك فإن عملية التبريد بالبخر فى هذه الحالة تكون فى أعلى درجاتها . ونجد أن التبريد بالبخر عن طريق الجلد أفضل للحيوان ويكون أعلى كفاءة فى إستهلاك الماء وذلك نظراً لوجود الوبر إذا تم مقارنتها بالتبريد عن طريق التنفس والذى يعتبر اقتصاديا بالنسبة للحيوان.

ولقد أثبتت الدلائل التشريحية عدم قدرة الإبل على تخزين الماء داخل الكرش أو فى السنام وذلك لأن السنام عبارة عن نسيج دهنى يتم تخزينه أثناء فترات توفر المرعى الجيد، ويضمحل أثناء فترة نقص الغذاء نتيجة الأكسدة التى تحدث للدهون المستعملة كمصدر للغذاء.

وكان هناك اعتقاد سائد بأن الماء الزائد يخزن داخل الكرش وخاصة فى الجيوب المائية والتى يصل عددها إلى ثلاثة جيوب، إلا أن هذا الاعتقاد ثبت عدم صحته وعدم وجود فراغ فى الكرش يكفى لتخزين كميات هائلة من الماء بها ولكن الكرش فى الإبل يحتوى على كميات من الماء والتى هى فى حقيقة الأمر طعام سائل فى طريقة إلى الأمعاء ولا تختلف كميته عما هو موجود فى الحيوانات الأخرى.

ـ وظيفة وتركيب الكلية: وظيفة وتركيب الكلية من أهم العوامل التى تؤدى إلى المحافظة على الماء داخل جسم الجمل ،ومن الملاحظ أن الكلية تقوم بتنظيم الماء داخل جسم الحيوان بطريقتين وهما:

1ـ تركيز البول 2- إنقاص معدل تكوين البول: وتقوم الكلية فى الجمل عكس ما هو موجود فى العديد من الحيوانات الأخرى من إفراز بول على درجة عالية من التركيز، بحيث يصل تركيز الأملاح به إلى ضعف تركيز الملاح فى ماء البحر، وكذلك فإن وظيفة إنقاص معدل تكوين وإفراز البول تعتبر على درجة عالية من الأهمية فى المحافظة على الماء داخل جسم الحيوان. لذلك تعتبر قدرة الكلية على تركيز البول من أهم الأسباب الجوهرية التى تمكن الجمل من إستهلاك النباتات المالحة، وكذلك شرب المياه التى يفوق تركيزها تركيز مياه البحر.

كما تقوم الكلية بإفراز كميات من اليوريا عن طريق عملية تمثيل البروتينات ،ويرتفع تركيزها فى البول كلما انخفضت كمية البول الناتجة، لكن من الملاحظ أنه فى حالات نقص البروتين فى الغذاء وكذلك فى الحيوانات النامية والنوق الحلوب تنخفض معدلات اليوريا الناتجة فى البول والسبب فى ذلك يرجع إلى الاعتقاد بأن الحيوان يعيد امتصاصها عن طريق جدار الكرش، ثم يؤثر عليها إنزيم اليوريز البكتيري ويحولها إلى آمونيا والتى تستعمل فى تصنيع البروتينات مرة أخرى عن طريق إنزيمات الأمعاء الدقيقة.

2ـ تركيب الدم: من المعروف أن كمية الماء الموجودة فى بلازم دم الإبل تمثل حةالى 16% من كمية الماء الكلى فى جسم الحيوان، وتنخفض هذه الكمية إلى العشر عندما يفقد الجمل حوالى 23% من كمية الماء الموجودة بجسمه وحوالى 33% فى الإنسان والذى يعتبر قاتلا له نظرا لارتفاع لزوجة الدم وعدم قدرته على الدوران فى الأوعية الدموية وتخليص الجسم من الحرارة الزائدة.

أما الإبل فتستطيع أن تفقد حوالى 40% من وزنها ماء قبل أن تتأثر نسبة الماء الموجودة فى الدم، وهذا يرجع إلى طبيعة التركيب الفسيولوجى للشعيرات الدموية فى جسمها، حيث وجد أن الشعيرات القريبة من سطح الجلد تتميز بجدران قوية وتجويف ضيق “قطر صغير” يسمح بمرور كرة دم واحدة، كما وجد أن هذه الجدران الغليظة تمنع فقدان الماء من الدم عن طريقها إلى المسافات البيئة وبالتالى تحافظ على حجم ثابت للدم.

كذلك نجد أن خصائص كرات الدم الحمراء وطبيعة تركيبها تساعد الإبل على تحمل الظروف البيئية الصحراوية الحارة فنجد أن شكل الكرات البيضاوى وصغر حجمها وزيادة عددها عما هو موجود فى الثدييات الأخرى ( 12.5مليون / مم3) يمكنها من القدرة على الدوران فى الدم حتى عند ارتفاع لزوجته أثناء عمليات الجفاف.

كذلك ارتفاع نسبة الهيموجلوبين فى كرات الدم الحمراء وكذلك قابليته العالية للاتحاد بالأكسجين تمكن الجمل من الحصول على أكبر قدر من الأكسجين فى كل مم3 من الدم مقارنة بالحيوانات الأخرى، وكذلك نجد أن دم الإبل يحتوى على نسبة عالية من الألبيومين الذى يساعد على تحمل درجات عاليةمن الجفاف.

ـ وظيفة وتركيب العين: بالإضافة إلى ما سبق نجد أن عيون الإبل لها تركيب متميز مما يمكنها من تحمل الظروف الصحراوية الصعبة، حيث توجد بها أهداب طويلة وغليظة ولها القدرة على الرؤية أثناء الليل والنهار، فعندما يحل الظلام يستعمل الحيوان غشاء من مشيمة العين يسمى البساط المشع وهو عبارة عن طبقة من النسيج الضام اللامع فى مشيمة العين يساعد على زيادة قوة النظر.

ولكن فى أثناء النهار حيث يكون الضوء قويا فى الصحراء فإن الحواف المهدبة لقزحة العين تحمى حدقة العين بحيث تصل كمية ضئيلة من الضوء لتنعكس على شبكية العين كذلك يتميز جفن العين فى الجمل بشفافية عالية تمكن الحيوان من الرؤية والسير فى الصحراء حتى أثناء العواصف الرملية.

كذلك تتميز العين بوجود غدد دمعية تعمل على إفراز سائل يمنع جفاف العين ويساعد على ترطيبها كما يوجد فى عين الجمل قناتين دمعيتين عريضتين حيث يصعب انسدادهما بالأتربة عكس ما هو موجود فى بفية الحيوانات الأخرى التى يوجد بها العديد من القنوات الدمعية الضيقة للغدة الدمعية.

*معد المادة العلمية: استاذ الميكروبيولوجي بمعهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى