عفن الجذور خطر صامت يهدد محصول بنجر السكر من باطن الأرض
روابط سريعة :-

إعداد أ.د.خالد فتحي سالم
أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات
يُعد محصول بنجر السكر من أهم المحاصيل الإستراتيجية في مصر والعالم العربي، إذ يعتمد عليه قطاع واسع من الصناعة الوطنية في إنتاج السكر بعد القصب، كما يُعد مصدرًا أساسيًا للدخل لآلاف المزارعين. غير أن هذا المحصول الحيوي يواجه في السنوات الأخيرة تهديدًا خطيرًا يتمثل في مرض عفن الجذور والتاج، الذي بدأ يظهر بشكل ملحوظ في العديد من الحقول، مسببًا خسائر فادحة في الإنتاج وجودة المحصول.
ظاهرة تتكرر في الحقول
في كثير من المناطق الزراعية، يلاحظ المزارعون على نباتاتهم علامات غريبة في منطقة الجذر، حيث يبدأ اللون في التحول إلى البني الداكن أو الأحمر القاتم، وتظهر على الأوراق علامات الذبول والتقزم. وعند اقتلاع النبات، يتضح أن الجذر متحلل أو طري من القاعدة، وهي الأعراض المميزة لمرض عفن الجذور والتاج.
ينتج هذا المرض عن فطريات تعيش في التربة، أبرزها من أجناس Rhizoctonia وFusarium وPythium، والتي تهاجم الجذر من منطقة التاج، فتمنع النبات من امتصاص الماء والعناصر الغذائية، مما يؤدي إلى ذبول تدريجي وموت جزئي أو كلي للنبات.
كيف تحدث الإصابة؟
تبدأ العدوى غالبًا من جرح بسيط في الجذر أو التاج ناتج عن عمليات العزيق أو الحشرات أو حتى ضغط التربة، فتتسلل الفطريات إلى داخل الأنسجة.
وتنشط هذه الفطريات في ظروف الرطوبة العالية وسوء الصرف، خاصة في الأراضي الطينية الثقيلة أو الحقول التي تتعرض لري متقارب. كما تزداد شدة المرض مع ارتفاع درجات الحرارة، مما يجعل موسم الزراعة الصيفي أكثر عرضة للإصابة.
تظهر الأعراض في البداية على هيئة بقع بنية صغيرة عند قاعدة النبات، ثم تمتد تدريجيًا إلى داخل الجذر مسببة تعفنًا طريًا، وقد يجف الجزء المصاب لاحقًا ويتحول إلى نسيج هش داكن اللون. ومع تطور الإصابة، تفقد النباتات قدرتها على امتصاص العناصر الغذائية، فتصبح الأوراق صفراء وتذبل، وينخفض نمو الجذر ومحتواه من السكر.
تأثير اقتصادي خطير
تُعد الخسائر الناتجة عن عفن الجذور من أكبر المشكلات التي تواجه مزارعي البنجر. ففي الحالات البسيطة قد تصل الخسارة إلى 10% من الإنتاج، بينما في الحقول شديدة الإصابة يمكن أن تتجاوز 50%، مما يؤدي إلى تراجع العائد الاقتصادي للمزارعين والمصانع على حد سواء.
ولا تقتصر الأضرار على نقص كمية الجذور المنتجة، بل تمتد لتشمل انخفاض نسبة السكر المستخلصة، وصعوبة تخزين الجذور المصابة أو نقلها نتيجة ضعف بنيتها وسرعة تلفها.
أسباب تفشي المرض
تتعدد الأسباب التي تساعد على انتشار عفن الجذور في بنجر السكر، ومن أهمها:
- 
سوء الصرف وتشبع التربة بالمياه لفترات طويلة. 
- 
الزراعة المتكررة للبنجر في نفس الأرض دون فاصل زمني كافٍ. 
- 
عدم معاملة البذور بالمبيدات الوقائية قبل الزراعة. 
- 
استخدام أسمدة عضوية غير متحللة جيدًا قد تحمل مسببات فطرية. 
- 
عدم تسوية الأرض جيدًا مما يؤدي إلى تجمع المياه في بعض المناطق. 
- 
ارتفاع درجة الحرارة خلال مراحل النمو الأولى. 
طرق المكافحة المتكاملة
أولًا: الإجراءات الزراعية والوقائية
- 
تحسين صرف التربة وضبط مواعيد وكميات الري بما يتناسب مع عمر النبات ونوع التربة. 
- 
اتباع دورة زراعية مناسبة لا تقل عن ثلاث أو أربع سنوات قبل إعادة زراعة البنجر في نفس الحقل، مع زراعة محاصيل غير عائلة للفطريات المسببة. 
- 
استخدام بذور معتمدة ومقاومة للأمراض من مصادر موثوقة. 
- 
تسوية الأرض جيدًا بالليزر لتوزيع المياه بشكل متوازن وتجنب ركودها في مناطق محددة. 
- 
الحرص على إزالة بقايا المحصول السابق والتخلص منها بعيدًا عن الحقل حتى لا تكون مصدرًا للعدوى. 
- 
التعقيم الشمسي للتربة في فصل الصيف قبل الزراعة في الأراضي التي تكررت فيها الإصابة. 
ثانيًا: المعاملات الكيميائية
- 
معاملة البذور قبل الزراعة بأحد المبيدات الفطرية المحتوية على مواد فعالة مثل Thiram أو Carboxin + Thiram للوقاية من العدوى المبكرة. 
- 
في حال ظهور الإصابة بالحقل، يمكن معاملة التربة حول النباتات المصابة بأحد المبيدات الموصى بها مثل Ridomil Gold MZ أو Topsin-M، وفقًا للتعليمات الفنية المعتمدة من الجهات المختصة. 
- 
الامتناع عن استخدام المبيدات بشكل عشوائي دون تشخيص دقيق للحالة، لأن ذلك قد يؤدي إلى تطور مقاومة فطرية ويضر بالتربة. 
ثالثًا: الإدارة العامة للحقل
- 
التخلص من النباتات المصابة فورًا وحرقها بعيدًا عن مكان الزراعة لمنع انتشار العدوى. 
- 
الحرث الجيد للتربة وتهويتها لتحسين نشاط الجذور وتقليل الرطوبة الزائدة. 
- 
تنظيم الري بحيث يتم الري على الحامي وفي الصباح الباكر، مع تجنب الري الليلي أو أثناء ارتفاع درجات الحرارة. 
- 
تجنب الإسراف في التسميد النيتروجيني الذي يزيد من طراوة الأنسجة ويجعل النبات أكثر عرضة للإصابة. 
التوعية… سلاح المزارع الأول
إن الوعي المسبق بطبيعة المرض وأعراضه من خلال الإرشاد الزراعي يمثل نصف الحل، إذ يمكن للمزارع الذي يراقب نباتاته بعناية أن يكتشف الإصابة مبكرًا ويتدخل بسرعة قبل أن تتسع رقعتها.
لذلك تُعد برامج التوعية والإرشاد الحقلي من أهم الوسائل لمواجهة المرض، إلى جانب تدريب المزارعين على الزراعة المتكاملة وطرق الوقاية البيولوجية والعضوية.
نحو زراعة أكثر استدامة
مع تزايد التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، يزداد خطر الأمراض الفطرية على المحاصيل الجذرية. لذا، فإن مستقبل بنجر السكر يعتمد على تطبيق ممارسات زراعية مستدامة تحافظ على صحة التربة وتقلل من الاعتماد على المبيدات الكيميائية.
فالجذر السليم هو الأساس لإنتاج سكر نقي وعائد اقتصادي مرتفع، والإدارة العلمية الدقيقة للحقول هي الضمانة الحقيقية لاستمرار هذا المحصول الحيوي كمصدر رئيسي لإنتاج السكر محليًا.
الموجز المختصر
يبقى عفن الجذور والتاج من أخطر التحديات التي تواجه محصول بنجر السكر، لكنه ليس مستعصيًا على المواجهة.
فبقدر ما يتطلب المرض بيئة مناسبة لينتشر، يحتاج المزارع إلى إدارة واعية ومتابعة دقيقة ليحمي أرضه من هذا الخطر الصامت القادم من باطن التربة.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.
 
				 
					 
					 
					


