جيش مصر الأخضر حكاية الأبطال الذين حاربوا بالجذور لا بالسيوف

بقلم: أ.د.سماح عبدلله مرعي
أستاذ تربية الشعير الجزيئية بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية – مركز البحوث الزراعية
في ليلة من ليالي الألف عام، جلست شهرزاد بجوار الملك الحكيم.
قال الملك: “يا شهرزاد، حدثيني عن جيشٍ لا يُرى في ساحات القتال، جيشٍ لا يحمل سلاحًا، ولكنه يحمي الوطن.”
فابتسمت شهرزاد وقالت: “مولاي، سأحكي لك عن جيشٍ وُلد منذ آلاف السنين، حين كانت مصر تُرضع الحضارة من نهر النيل. سأحكي لك الليلة عن جيشٍ لا يُقاتل بالسيوف، بل يُقاتل بالجذور… جيشٍ أخضر، حارب الجوع، وهزم التصحر، وزرع الأمل في أرض مصر الطيبة.”
ابتسمت شهرزاد وقالت: “مولاي، استعد لرحلة عبر الزمن، حيث الأرض تتكلم، والبذور تُقاوم، والعلماء يُخططون، والفلاحون يُقاتلون… لا بالسيوف، بل بالمحراث والماء والبذرة.”
وبدأت الحكاية (حكاية جيش مصر الأخضر).
في قديم الزمان، كانت هناك أرض عظيمة تُدعى مصر، يمر فيها نهر طويل اسمه النيل، يُشبه الثعبان الطيب الذي يسقي الأرض ويمنحها الحياة. وكان أهل مصر يحبون أرضهم كثيرًا، ويزرعونها بكل حب.
في إحدى السنوات، جاء جفاف شديد، وبدأت الأرض تبكي لأنها عطشانة. فاجتمع العلماء وقالوا: “لن نخاف! سنزرع محاصيل لا تحتاج إلى ماء كثير، وسنستخدم الري بالتنقيط!” وبالفعل نجحوا في إنقاذ الأرض، وعادت الخضرة تملأ الحقول، وهكذا وُلد جيش مصر الأخضر.
“مولاي، جيش مصر الأخضر لا يرتدي زيًا عسكريًا، بل يرتدي قبعة من القش، ويحمل مجرفة، وكتاب علم، وقلبًا يحب الوطن. ربما تكون أنت أحد جنوده يومًا ما… إذا زرعت شجرة، أو ساعدت فلاحًا، أو درست كيف تحمي البيئة.”
مولاي، جنود الجيش الأخضر هم:
-
الفلاحون: يزرعون القمح والطماطم والبرتقال، ويعرفون أسرار الأرض.
-
العلماء: يدرسون النباتات ويخترعون طرقًا جديدة للزراعة.
-
المهندسون: يصممون آلات تساعد الفلاحين في الحقول.
-
الأطباء البيطريون: يعتنون بالحيوانات التي تعيش في المزارع.
-
المعلمون: يعلمون الأطفال كيف يحبون الأرض ويحافظون عليها.
قال الملك: “حدثيني عن تاريخ الجيش الأخضر من الماضي إلى الحاضر.”
فأجابت شهرزاد:
“حاضر مولاي، بدأ منذ أكثر من 7000 عام، حين كانت الصحارى تغطي الأرض، فجاء النيل العظيم وعلّم المصريين كيف يزرعون. كانوا يزرعون القمح والشعير، ويخزنونه في صوامع ضخمة، واخترعوا الساقية والشادوف لري الأرض، وتعلموا تنظيم الزراعة حسب فيضان النيل، وسجلوا المواسم على جدران المعابد.”
“أما في عهد محمد علي باشا، صاحب المقولة الشهيرة: من يملك الزراعة… يملك القرار، فأنشئت أول مدرسة زراعة عام 1820، وأدخل زراعة القطن طويل التيلة، الذي أصبح ذهب مصر الأبيض، وبنى الترع والقناطر لتنظيم الري مثل قناطر الدلتا.”
“وفي العصر الحديث، ومع منتصف القرن العشرين، جاء قانون الإصلاح الزراعي عام 1952، فوزع الزعيم جمال عبد الناصر أكثر من مليوني فدان على الفلاحين ليصبحوا جنودًا في جيش مصر الأخضر.”
“وفي حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، كان الجيش الأخضر هو الجبهة الداخلية، لم يتوقف الفلاحون عن الزراعة، فاستمرت مصر في إنتاج الغذاء لتزويد الجنود على الجبهة. وقف الجيش الأخضر يحارب بالفأس والعلم لتوفير الغذاء للناس والجنود.”
“ولم يكتفِ الجنود بالجلوس والمشاهدة أثناء الكوارث، مثل جائحة كورونا عام 2020، عندما توقفت الأسواق واختبأ الجميع في البيوت خوفًا من الفيروس. كان هناك جيشان: الجيش الأبيض الذي يكافح المرض، والجيش الأخضر الذي واصل العمل في الحقول، وسلاحه الفأس والعلم، لينتج الغذاء للجنود والأطباء والناس، فبقيت مصر صامدة.”
“ولم يتوقف الجيش الأخضر عن العطاء، بل وضع خططًا لمواجهة الأزمات والتغلب عليها، مثل أزمة الغذاء العالمية عام 2022، حين أطلقت مصر مشروع الدلتا الجديدة لزراعة أكثر من 2.2 مليون فدان، لتأمين الغذاء للأجيال القادمة.”
قال الملك: “حدثيني يا شهرزاد، كيف يحمي الجيش الأخضر مصر؟”
قالت شهرزاد: “أقولك يا مولاي، حماية مصر لا تكون بالسلاح فقط، بل بالقمح والماء والعلم. لحماية مصر من الجوع علينا أن نحافظ على كل شبر مزروع، ونزرع في الصحراء ونحوّلها إلى جنة خضراء. ونعلم الناس كيف يستخدمون الماء بحكمة، ونرسل الغذاء إلى الجنود في وقت الحرب، وإلى الناس في وقت الأزمات. كما نحافظ على صحة الحيوانات والنباتات، ونعلم الأطفال أن الزراعة ليست مهنة فقط، بل رسالة وطنية. ونشجع البحث العلمي، ونحترم الفلاح، ونحمي الأرض من التعدي.”
وفي نهاية الحكاية، قال الملك:
“الآن عرفت… أن جيش مصر الأخضر هو من حمى مصر في الماضي، ويحميها اليوم، وسيبني مستقبلها غدًا.”
فابتسمت شهرزاد وقالت:
“ومن يزرع… لا يُهزم.”
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.



