المرأة الريفية

أسامة بدير يكتب: السفارة الأمريكية فى القاهرة تُروج الزواج السياحى بالحوامدية

السفارة الأمريكية بالقاهرة تروج للزواج السياحى
السفارة الأمريكية بالقاهرة تروج للزواج السياحى

بالأمس القريب وصلتنى دعوة عبر الإيميل الشخصى من مؤسسة عيون لدراسات وتنمية حقوق الإنسان والديمقراطية لحضور المؤتمر الختامى لمشروع “الدعوة لمناهضة الاتجار بالفتيات (الزواج السياحى) بـ”الحوامدية” بالتعاون مع السفارة الأمريكية بالقاهرة.

تملكنى قدر كبير من الدهشة والغموض والتشكك فى آن واحد، ودارت بخاطرى عشرات الأسئلة وعلامات الاستفهام والتعجب لمثل هذا المشروع والمنطقة التى نفذ فيها المشروع.

عزيزى القارىء لن اسمح لنفسى أن اترك عقلك يفكر كثيرا فى: لماذا تملكنى التعجب والدهشة من الدعوة التى وصلتنى؟

سريعا اسمح لى أن أقول لك أننى أسكن فى الحوامدية منذ ما يقرب من أربعين عاما، وأظن أننى من بين مثقفيها وناشطيها فى مجال حقوق الإنسان والديمقراطية، وأمارس العمل العام فيها منذ نعومة أظافرى، كما أننى تربطنى علاقات وطيدة بلفيف من القيادات الشعبية والتنفيذية والسياسية بالمدينة.

ورغم كل هذه العلاقات الاجتماعية والمشاركة المجتمعية فى قضايا وهموم مجتمعى المحلى، لم أسمع قط وعلى مدار عام كامل بهذا المشروع الذى نفذته مؤسسة عيون بالحوامدية والممول من السفارة الأمريكية بالقاهرة.

أجريت اتصالات عديدة بأصدقائى الذين يمارسون مهام وظيفية رسمية، وحتى الذين يقومون بأنشطة مجتمعية تطوعية فى الحوامدية لأستعلم منهم عن هذا المشروع وتحديدا عن موضوعه الذى يحمل عنوانا صارخا، لكنى لم أجد إجابة واحدة تؤكد معرفة أحد منهم بمثل هذا المشروع وموضوعه.

حاولت أن أهدئ من روعى وشغفى لمعرفة حقيقة الأمر وأكتم غيظى حتى اليوم الموعد، يوم المؤتمر لتتجلى أمامي الحقيقة كاملة.

مرت على أربعة أيام قبل انعقاد هذا المؤتمر كالدهر، لكنى تحملت آلام وضغوط نفسية هائلة، كان عزمى شديد لكنه اختلط بطعم المرارة والأسى.

المهم أننى انتظرت حتى يوم المؤتمر كالجندى فى ميدان القتال الذى بات يستعد لمنازلة حتمية ربما تكون غير متكافئة ضد خصم امتلك كل أدوات القتال، وتسلح بغطاء قوى وعنيد يحكم العالم أجمع تارة بقوته العسكرية، وأخرى بالقوة الاقتصادية وثالثة بتقارير مسيسة من أجل ابتزاز دولة هنا ونظام يحكم هناك.

على ضفاف نيل مصر حيث كانت ترسو بحى الزمالك الباخرة إمبريال التى احتضنت فعاليات المؤتمر مساء يوم السبت الموافق 9 أكتوبر عرضت منسقة المشروع عزة الجزار عرضا وافيا للمشروع وأنشطته طيلة عام كامل بـالحوامدية، كما عرضت نتائج ما أسمته الدراسة التى أعدت فى إطار المشروع بهدف التعرف على أسباب تفشى ظاهرة الزواج السياحى بالحوامدية.

على مدار قرابة الساعة كنت استمع خلالها لكلام منسقة المشروع وأنا استغرب من هول ما أسمع، ودار بخاطرى سؤال ملح: هل أننى أصبحت مغيبا عن المجتمع الذى أعيش فيه منذ عشرات السنين وبت لا أعرف عنه إلا اسمه – الحوامدية – فقط.

لقد ذكرت منسقة المشروع نتائج غير صادقة وأبعد ما تكون عن الحقيقة – بكل ما تحمله الكلمة من معانى ويندى لها الجبين – كونها تتحدث باسم حقوق الإنسان وتتخذ منها ذريعة شرعية محلية وإقليمية ودولية لتبرر عبر دراسة مشبوهة تفتقر لأدنى قواعد البحث العلمى أن الحوامدية هى أكثر البؤر الجغرافية التي ينتشر فيها مثل هذا الزواج السياحى على مستوى جمهورية مصر العربية.

وليس ذلك فحسب بل ادعت إحصاءات لا أدرى من أين أتت بها عن حالات هذا الزواج السياحى بين فتيات الحوامدية، وغير ذلك من الأرقام التى أعتقد أنها ربما تحتاج كثيرا إلى المراجعة والتدقيق كون التقرير الختامى للمشروع تضمنها بين ثناياه والذى تم عرضه على سبيل إما الجهل أو المجاز أنه دراسة.

بعد أن انتهت منسقة المشروع من عرضها طلبت الكلمة التى كانت بمثابة الوقود الذى أشعل حرارة القاعة، وأيقظ معظم الحضور من غفلتهم وانشغالهم بموضوعات فرعية.

كانت مداخلتى تتركز على أمرين الأول أننى شكرت هذا الجهد الإنسانى المبذول من قبل الزملاء فى مؤسسة عيون، ولو أنه ليس فى مكانه الحقيقى، فقد جانبهم الصوب فى اختيار الحوامدية منطقة لتنفيذ المشروع – فهناك قرى فى الوجه البحرى ينتشر فيها هذا النوع من الاتجار بالبشر أكثر بكثير من الحوامدية – ولم يتحروا الدقة فيما استندوا إليه من معلومات مضللة وخادعة، فكانت النتيجة ما آلت إليه نتائج المشروع، أنه لا شيء على أرض الواقع قد تحقق مطلقا، وأهدرت الأموال التى لو تم توظيفها بشكل جيد لكانت النتائج حتما ستكون أفضل بكثير، ولعمت الفائدة المرجوة من المشروع، وتحققت جميع أهدافه.

لكن ما بنى على باطل فهو باطل، ولأن اختيار المنطقة تم عن طريق معلومات مغلوطة ومضللة أهدرت الأموال دون أى منفعة تذكر لكل الأطراف.

والأمر الثانى أننى لم أسمع عن هذا المشروع، ولا حتى المحيطين بى سمعوا عنه، ولا عن ندواته التى ادعت منسقة المشروع أنها نظمت نحو 45 ندوة و87 حلقة نقاشية فى محلات تأجير فساتين العرائس والكوافير ومنزل إحدى الرائدات بالحوامدية والتى تم اختيارها للعمل بالمشروع.

فهل هذا معقول؟!

أتصور أن الأمر برمته ربما يحتاج إلى مراجعة شاملة وتقدير موقف من الزملاء فى مؤسسة عيون أولا مع أنفسهم، وثانيا مع الجهة التى مولت هذا المشروع وهى السفارة الأمريكية بالقاهرة.

وفى هذا السياق أتوجه باتهام مباشر للسفارة الأمريكية بالقاهرة على اعتبار أنها لم تتحر الدقة فى المعلومات التى قدمت لها من قبل مؤسسة عيون بشأن اختيار منطقة الحوامدية لتنفيذ المشروع فيها، ولا حتى الأشخاص الذين قاموا بإعداد ما أسموه بالدراسة فهى أشبه بتقرير ينقصه قدر كبير من المصداقية والشفافية.

ومن المؤسف أن تستند وزارة الخارجية الأمريكية وهى تعد تقريرها السنوى منذ عام 2000 عن الاتجار بالبشر حول العالم إلى مثل هذه الأوراق المكتوبة عن مصر بلا أدنى وضعية صحيحة لقواعد التقارير لأنها بالأساس لا ترقى أن تكون دراسة ولا يمكن تسميتها بذلك مطلقا.

كان من المفروض على السفارة الأمريكية بالقاهرة أن تطلب من الجهة التى مولتها وأسندت إليها هذا المشروع الهام أن تشترط معايير منطقية وحقيقية ودقيقة فى اختيار منطقة تنفيذ المشروع، وكذا ضرورة اختيار أناس مؤهلين لإعداد دراسة علمية ترصد من خلالها ماهية وطبيعة الظاهرة موضع الدراسة فى إطار تحليل علمى كى يمكن أن تكون مرجعا موثوقا به يمكن الرجوع إليه والبناء عليه فى المستقبل، وأن مثل هذا لن يتحقق إلا من خلال باحثين متخصصين يعرفون جيدا منهجية البحث العلمى، وكيف تدار خطواته حتى يمكن الخروج بنتائج دقيقة موثوق فيها يمكن تعميمها.

عزيزى القارىء لن أسمح لنفسى أن ألوث فكرك وعقلك بمثل هذا الهزل الذى ورد على لسان منسقة المشروع أثناء عرضها لنتائج ما أسمته بالدراسة، لكنى فقط أردت أن أمنحك فرصة التعرف على أناس يدعون أنهم يدافعون عن حقوق غيرهم من بني البشر لكنهم أثبتوا ومن خلال الممارسة الفعلية أنه ربما تكون هناك أشياء أخرى أكثر أهمية بالنسبة لهم.

وأنا هنا لست بصدد اتهام أحد أو المزايدة على أحد فهذا المشروع فكرا وموضوعا هام للغاية ونحتاج المزيد منه ليس على صعيد الحوامدية فقط لكن على مستوى مصر كلها خاصة فى الريف، حيث تنتشر مقومات استفحال هذه الظاهرة.

فلو أن المشروع قد تم على نطاق جغرافى مثل ريف محافظة الجيزة، واستهدف توعية الآباء والأمهات وأبناءهن بخطورة هذا النوع المسمى على سبيل المجاز بالزواج السياحى على الصعيدين الاجتماعي والصحى للأسرة والفتاة، ويكون المدخل الدينى والصحى والاجتماعى أساس قوافل التوعية التى تجوب أماكن تجمعات مثل هذه الشريحة من سكان المناطق الريفية المحرومة من أدنى مقومات حقوق الإنسان فى إطار منظومة مؤسسات مانحة وليكن مثلا الصندوق الاجتماعي للتنمية أو أى جهة أخرى مانحة، بحيث تقدم قروض متناهية الصغر لعمل مشروعات متناهية الصغر تكون بمثابة عامل مساعد لانتشال مثل هذه الأسر من براثن الفقر المدقع الذى ربما يكون عاملا دافعا فى انتشار هذه الظاهرة الخطيرة التى باتت تهدد الأمن الوطنى المصرى.

وأخيرا ما أريد التأكيد عليه أننى لست بصدد إنكار تواجد مثل هذا النوع من الاتجار بالبشر فى صورة الزواج السياحى بـالحوامدية، لكنى فقط أؤكد على حقيقة دامغة لا تقبل الطعن أو التشكيك فيها أن حالات هذا الزواج السياحى ليست بالنسبة الأكبر على مستوى الجمهورية بـالحوامدية.

الحوامدية شأنها شأن كثير من المدن والقرى المصرية التى يحدث فيها، وإن كانت هناك تقارير صحفية تحدثت فى الآونة الأخيرة عن قرى بعينها تزداد فيها هذه الظاهرة بشكل ملحوظ خلال أشهر الصيف هى محافظات الدقهلية والجيزة والشرقية والفيوم والبحيرة، لكن الأمر ما زال يحتاج إلى التدقيق فى مصداقية هذه التقارير.

كما أننى ألفت انتباه السفارة الأمريكية بالقاهرة إلى أمر خطير، أن تمويل تنفيذ مثل هذا المشروع بالحوامدية وفق الآليات والمعطيات والمخرجات التى نفذ بها لهو بحق إنما يعنى شيئا واحدا لا ثانى له، وهو ترويج لفكرة الزواج السياحى بالحوامدية ليكون علاجا للأسر الفقيرة والمهمشة التى تعيش فى ظل استبعاد اجتماعى خارج نطاق المواطنة والوطن.

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى