دراسة بمركز البحوث الزراعية ترصد آليات تقليل الآثار السلبية لمشكلة التفتت الحيازي بمصر
كتب: د.أسامة بدير كشفت دراسة علمية عن مجموعة من الآليات والأساليب التى يمكن من خلالها الاستفادة من تقليل الآثار السلبية لمشكلة التفتت الحيازي بمصر، مشيرة أنها تمثلت في التوسع بـ: إنشاء مجتمعات عمرانية وزراعية جديدة، عمل تجميعات تعاونية زراعية ينضم إليها المزارعون طواعية، والتوسع فى إنشاء شركات زراعية مساهمة.
تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك
وأضافت الدراسة التي جاءت بعنوان “دراسة تداعيات التفتت الحيازى وأساليب المواجهة من منظور شمولي” وأعدها فريق بحثى برئاسة الدكتور أحمد جمال الدين وهبة – أستاذ الاجتماع الريفى ووكيل مركز البحوث الزراعية سابقا، الدكتور يسرى عبدالمولى حسن رميح – أستاذ الاجتماع الريفى ومدير معهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية السابق، والدكتورة سونيا محمد محيى الدين نصرت – أستاذ الاجتماع الريفى ورئيس قسم بحوث المجتمع الريفى السابق بمعهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية، أنه من بين آليات تقليل الآثار السلبية لمشكلة التفتت الحيازي الاهتمام بالزراعة التعاقدية مع صغار المنتجين، إنشاء صندوق لدعم صغار المزارعين والمنتجين، تفعيل دور جهاز حماية الأراضي، التوسع فى تأسيس روابط وتنظيمات المزارعين، وضرورة عودة الدورة الزراعية.
و”الفلاح اليوم” ينشر ملخص الدراسة كما وردت من معدوها..
ملخص الدراسة
تشير استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2030 إلى أن من أهم تحديات ومعوقات التنمية الزراعية مشكلة التفتت الحيازى، حيث تشير الإحصاءات إلى أن المساحات الزراعية المصرية هى من أكبر زراعات العالم تفتتاً خاصة فى الأراضى القديمة فى الدلتا والوادى، فقد أوضحت بيانات قطاع الشئون الاقتصادية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى بجمهورية مصر العربية أن عدد الحيازات التى تقل عن فدان تبلغ 47,6% من إجمالى عدد الحيازات فى مصر، كما أظهرت بيانات الإدارة المركزية لحماية الأراضى بوزارة الزراعة أن نصيب الفرد المصرى من الأراضى الزراعية انخفض من فدان لكل مواطن إلى أقل من 2 قيراط لكل مواطن خلال 32 عام.
نظراً لخطورة مشكلة التفتت الحيازى وتأثيراتها السلبية على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي والاستقرار والأمان الإقتصادى والاجتماعى باعتبارها مشكلة متعددة الأبعاد تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية مع الأبعاد الدينية والبيئية.
لذا فإن تناولها يتطلب دراستها من منظور شمولى تتكامل فيه آراء ورؤى الباحثين الزراعيين مع آراء ورؤى المزارعين والمسئولين عن الزراعة، كما تتطلب النظر إليها من جوانب متعددة لا تقتصر على رصد الآثار السلبية لهذه المشكلة، بل تمتد لتشمل تحديد الأسباب وإقتراح آليات المواجهة وأساليب الحل وهذا ما سعت إليه الدراسة الحالية.
أهداف الدراسة: استهدفت الدراسة الحالية تحقيق الأهداف التالية :
1ـ التعرف على أهم أسباب مشكلة التفتت الحيازى من وجهة نظر كل من المزارعين، والباحثين الزراعيين، ومسئولى الزراعة.
2ـ التعرف على أهم الآثار السلبية للتفتت الحيازى من وجهة نظر كل من المزارعين، والباحثين الزراعيين، ومسئولى الزراعة.
3ـ التعرف على أهم أساليب وآليات مواجهة مشكلة التفتت الحيازى من وجهة نظر كل من المزارعين، والباحثين الزراعيين، ومسئولى الزراعة.
الطريقة البحثية
اعتمدت الدراسة على المنهج الاستقرائى Inductive Approach، كما أستخدمت الدراسة الأسلوب الوصفى Descriptive Method وذلك بالإعتماد على الأدوات الإحصائية البسيطة مثل التكرارات والنسب المئوية والمتوسط الحسابى المرجح Weighted Arithmetic Mean.
كما إستخدمت الدراسة طريقتين لجمع البيانات، أولهما المقابلة الشخصية أو الفردية Personal Interview وذلك لجمع البيانات من الباحثين الزراعيين، وكذا مسئولى الزراعة بمديريات الزراعة بمحافظات الدراسة المختلفة، وذلك بإستخدام استمارة الاستبيان Questionnaire، ثانيهما إستخدمت الدراسة الحالية الحلقات النقاشية المركزة Focus Group Discussion لجمع البيانات من المزارعين باستخدام دليل الحلقات النقاشية Group Discussion Index.
مجالات الدراسة
1ـ المجال الفنى: فى ضوء الإستعراض المرجعى والدراسات السابقة، وخبرات الفريق البحثى، أمكن حصر سبعة وعشرون أثراً سلبياً لمشكلة التفتت الحيازى، أمكن تصنيفها إلى ثلاث مجموعات هى: آثار اقتصادية، وآثار إجتماعية، وآثار بيئية، بلغ عددها أحدى عشر أثراً سلبياً إقتصادياً ، وسبع آثار سلبية اجتماعية، وتسع آثار سلبية بيئية على الترتيب.
2ـ المجال الجغرافى: استناداً إلى التقسيم الجغرافى للجمهورية المكون من خمس أقاليم جغرافية، فقد أجريت الدراسة فى ست محافظات، هى: قنا وسوهاج وأسيوط بالوجه القبلى، والمنوفية، والدقهلية، وكفر الشيخ بالوجه البحرى.
3ـ المجال البشرى:
أ – جمعت بيانات المزارعين من خلال الحلقات النقاشية بمعدل مركزيين إداريين بكل محافظة، وبكل مركز إدارى تم إختيار قريتين عشوائيتين، وبكل قرية تم عقد حلقتين نقاشيتين، بإجمالى 48 حلقة نقاشية، تراوح عدد المشاركين بكل حلقة ما بين 10 – 15 مزارع.
ب – جمعت بيانات الباحثين الزراعيين من أعضاء الهيئة البحثية بمحطات البحوث الزراعية الإقليمية بمحافظات الدراسة فى التخصصات المختلفة والذى بلغ عددهم ستون باحثاً زراعياً.
حـ – جمعت بيانات مسئولى الزراعة من ستين مسئولاً من رؤساء الأقسام الفنية بمديريات الزراعة بمحافظات الدراسة.
د – المجال الزمنى: تم جمع بيانات الدراسة بواسطة فريق من الباحثين بمعهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية من العاملين على المستوى المركزى وكذا المحطات البحثية الإقليمية بمحافظات الدراسة، وذلك خلال شهر نوفمبر عام 2019.
أسفرت الدراسة على النتائج التالية:
1ـ أن مشكلة التفتت الحيازى فى مصر هى مشكلة متعددة الأبعاد تختلط فيها الأبعاد الاقتصادية مع الأبعاد الاجتماعية، والأبعاد الثقافية مع الأبعاد البيئية، الأمر الذى يستلزم معه دراستها والتعامل معها من منظور تكاملى سواء عند دراسة الأسباب، أو تحديد الآثار والتداعيات، أو عند اقتراح آليات الحل وأساليب العلاج والمواجهة.
2ـ أن مشكلة التفتت الحيازى فى مصر لا يمكن منعها ولكن يمكن الحد منها والتقليل من آثارها السلبية، ليس فقط من خلال التشريعات والقوانين، ولكن من خلال الحوار المجتمعى مع المزارعين أنفسهم، وبمشاركة الباحثين الزراعيين ورجال الدين ومسئولوا وزارة الزراعة وخبراء البيئة.
3ـ فى ضوء نتائج الدراسة، يمكن القول أن الأسباب الاقتصادية المتمثلة بشكل أساسى فى ضعف العائد المادى من الزراعة والأسباب الاجتماعية المتمثلة بشكل رئيسى فى الخلافات الأسرية بين الأخوة الورثة خاصة مع الأخ الأكبر، والأسباب الدينية المتعلقة بقوانين وشرائع الأرث مثلت جذوراً وروافد قوية غذت بعمق مشكلة التفتت الحيازى فى مصر.
4ـ عند النظر إلى نتائج الدراسة من منظور شمولى، أتفقت آراء كل من المزارعين والباحثين ومسئولوا الزراعة، على أن أهم أسباب مشكلة التفتت الحيازى فى مصر تتركز بصفة أساسية فى مجموعة من الأسباب، وأن اختلفت أهميتها النسبية من مجموعة إلى أخرى، وتتمثل هذه الأسباب بصفة أساسية فى قوانين الميراث، والزيادة السكانية، والزحف العمرانى، وزيادة الطلب على الأراضى الزراعية، وانتشار ظاهرة الإتجار فى الأراضى الزراعية، وتبعثر الحيازات الزراعية فى أكثر من حوض، وضعف التعاونيات وروابط ومنظمات المزارعين.
5ـ أوضحت نتائج الدراسة أن أهم الآثار السلبية الاقتصادية لمشكلة التفتت الحيازى فى مصر، تمثلت وبشكل أساسى فى: ضعف الإنتاج الزراعى، وارتفاع تكاليف العمليات الزراعية، وصعوبة تسويق الحاصلات الزراعية، وعدم الاستفادة من مزايا الإنتاج الكبير، وصعوبة الاستفادة من مزايا التخصص فى الإنتاج، وزيادة مخاطر الإنتاج الزراعى، وصعوبة الاقتراض من البنوك لصغر حجم الحيازات، وضعف القوة التساومية لصغار المزارعين عند شراء مستلزمات الإنتاج الزراعى وعند بيع المحاصيل، وصعوبة تنفيذ الإدارة المزرعية السليمة.
6ـ كشفت نتائج الدراسة أن أهم الآثار السلبية الاجتماعية لمشكلة التفتت الحيازى فى مصر، قد تمثلت بشكل رئيسى فى زيادة حالات النزاع والصراع بين المزارعين، واتساع الفجوة الغذائية، وضعف الاستقرار الاجتماعى والأمان الاجتماعى فى المجتمع، واتجاه الزراع لبيع الأراضى أو البناء عليها، وعزوف الزراع عن زراعة المحاصيل الاستراتيجية، وانتشار ظاهرة الاتجار فى الأراضى الزراعية.
7ـ أظهرت نتائج الدراسة أن أهم الآثار السلبية البيئية لمشكلة تفتت الحيازات، تمثلت وبشكل أساسى فى فقد الرقعة الزراعية، وفقد فى مياه الرى، وصعوبة عمليات خدمة الأرض، وصعوبة الالتزام بالدورة الزراعية وتنفيذها، وصعوبة استخدام الميكنة الزراعية، وتدهور خصوبة التربة، واختلاف المعاملات واحتياجات المحاصيل ومواعيد الزراعة يضر بالأراضى والحيازات المجاورة، وصعوبة إستخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة فى المساحات القزمية، وانتشار الأمراض وصعوبة عمليات المقاومة.
8ـ أتفقت آراء كل من المزارعين والباحثين ومسئولوا الزراعة، على مجموعة من الآليات والأساليب التى يمكن الاستفادة منها فى التقليل من الآثار السلبية لمشكلة التفتت الحيازى فى مصر، وتمثلت هذه الآليات بشكل أساسى فى التوسع فى: إنشاء مجتمعات عمرانية وزراعية جديدة، وعمل تجميعات تعاونية زراعية ينضم إليها المزارعون طواعية، والتوسع فى إنشاء شركات زراعية مساهمة، والاهتمام بالزراعة التعاقدية مع صغار المنتجين، وإنشاء صندوق لدعم صغار المزارعين والمنتجين، وتفعيل دور جهاز حماية الأراضى، والتوسع فى تأسيس روابط وتنظيمات المزارعين، وضرورة عودة الدورة الزراعية.
9ـ أوضحت نتائج الدراسة تخوف المزارعين من فكرة (الزراعة الجماعية) للحيازات الصغيرة والقزمية اعتقاداً منهم بأنها سوف تهدد ملكيتهم لأراضيهم وأنها سوف تفقدهم الشعور بالملكية الشخصية لهذه الأراضى، الأمر الذى يعكس أهمية التوعية والتركيز على هذا البعد النفسى عند التفكير المستقبلى فى آليات حل هذه المشكلة.
10ـ أشارت النتائج إلى أهمية تعميم برنامج الغذاء العالمى (WFP)، وذلك لنجاحه فى تجميع وتوحيد الحيازات والجمعيات الزراعية والذى تم تنفيذه بنجاح فى 23 قرية، بإعتباره نموذجاً يمكن الإستفادة من تجاربه السابقة مع إجراء بعض التعديلات عليه بما يتناسب مع سياسة وزارة الزراعة، وكذا الأعراف والقيم الاجتماعية السائدة.